Bashar Alhroub’s Silent Garden
Date: 
October 06 2020
Author: 

في اختلاف عن توجهه الفني الذي يعتمد غالباً على الفن المفاهيمي وفن الفيديو، يلجأ بشار الحروب في معرضه الأخير "حديقة صامتة" إلى الرسم باستخدام الفحم وألوان الأكريليك على القماش، فتطالعنا مجموعة من اللوحات التي تصور نباتات وأزهاراً بأحجام كبيرة رسمت بألوان صارخة حيناً وباردة أحياناً.

 

بشار الحروب، حديقة صامتة ١٠، ٢٠٢٠

 

قد يبدو الموضوع الذي يتناوله في مشروعه هذا مختلفاً عما سبقه، فنرى أزهاراً ونباتات صيفية صاخبة تهيمن على مقدمة المشهد، تختفي في الخلفية أحياناً مفسحة مكاناً لظلال متغيرة من الأزرق والأخضر والرمادي. إلاّ إن ثيمة هذا المعرض، كانت قد برزت في عدد من مشاريعه الفنية السابقة، وهذه الثيمة لا تتمحور حول النباتات التي رسُمت بأسلوب انطباعي، ولا حول الحديقة المتلونة بألوان الفصول، وإنما حول العزلة.

 

بشار الحروب، حديقة صامتة ٢، ٢٠٢٠ (1)

 

برزت "الخلوة" في عدد من أعمال الحروب، كان آخرها معرض "الناسك" في غاليري "ذا كورنر" في عمّان، في سنة 2019، وجاءت من وحي إقامة فنية أمضاها في جزيرة جربة في تونس السنة التي سبقتها. وعلى الرغم من اختلاف أدواته كلياً تقريباً من مشروع فني إلى آخر، فإن التأمل في الذات كشكل من أشكال التصوف، هو الذي يربط ما بين معظم مشاريعه إضافة إلى توجهه العام لتدوين يومياته البصرية بأدوات متجددة.

لم تكن العزلة الإجبارية التي فرضها كوفيد-19 مصدر الإلهام في هذه المجموعة التي جاءت نتاج عمله على مدار السنوات الأخيرة، لكن ما حث الحروب على التأمل في حديقته وتدوين يومياتها هو العزلة والاغتراب الداخلي اللذين يشعر بهما، فذوى إلى حديقته في محاولة للحصول على وقت مستقطع بعيداً عما يؤرقه. يرى الحروب نفسه غريباً في المدينة على الرغم من محاولات التأقلم الدائمة التي يبذلها، كما يشعر باغتراب داخلي عن الواقع السياسي والسياق الفلسطيني العام مع سيطرة شعور دائم بفقدان القدرة، ولو موقتاً، على التغيير والتأثير في قضايا مصيرية تمس حياته ووجوده على هذه الأرض كسائر الفلسطينيين.

 

بشار الحروب، حديقة صامتة ٣، ٢٠٢٠

 

وهروباً من هذا الشعور، يلجأ الحروب إلى حديقته كملاذ آمن يحاول من خلاله التغيير على نطاق ضيق، مستكشفاً ذاته من خلال حوار مع نباتاته وأزهاره، في أثناء تبدل أشكالها وتحولاتها خلال المواسم، مدوّناً هذه اللحظات بصرياً على مدار السنوات الثلاث الماضية. 

ربما يكون هناك تشابه ما بين أزهار الحروب ونباتاته التي لا تنتمي إلى الطبيعة الفلسطينية والتي اختارها لتكون في حديقته، وبين الاغتراب الذي يعيشه ومحاولاته التكيف مع محيطه. فهنا في هذه الحديقة لا نرى زيتونة أو ليمونة أو شتلة زعتر، بل نباتات تنتمي إلى جغرافيات ومناخات أُخرى، انتهى بها المطاف في هذه الحديقة، مع فرق أن العناية المكثفة التي لاقتها مكنتها من النمو والنضرة والعطاء.

ينزوي الحروب في حديقته واضعاً جل اهتمامه في مراقبة حثيثة للتفصيلات ومكرساً الوقت للحوار من خلال الرسم. الأزهار الجديدة المتفتحة، والأوراق الخضراء الكبيرة، والظلال والتوليفات المتنوعة بتنوع الفصول، ينقلها الحروب إلى القماش، وكأنه يوقف شريط الوقت موقتاً ليسجل لحظة من التجلي. فالحديقة الصامتة، ليست طبيعة صامتة لدى الحروب، إنما مساحة تعج بالحياة وتثير ضجة لا نسمعها بل نراها ونشعر بها.

 

بشار الحروب، حديقة صامتة ٤، ٢٠٢٠

 

بصرياً، يظهر الحوار جلياً بين الفنان والنباتات في حديقته التي تنمو طويلة وترتفع أعناقها إلى الأعلى وتمتد رؤوسها إلى مستوى النظر. وتغمرنا النباتات الكبيرة المسيطرة في اللوحات ذات القطع الكبير وتشعرنا كأنها صور لأشخاص أو للرفاق الأقرب للحروب في خلوته.

حديقة بشار الحروب الصامتة، هي حديقة سرية، يلوذ إليها طلباً للتعافي الروحي من العزلة ومن الشعور بالاغتراب، تجلب السلام والطمأنينة إلى عالمه الداخلي بعيداً عما يؤرقه وعن صخب حياة. ومن غير الممكن الوصول إلى حديقة صامتة إلاّ من خلال باب سري. وفي هذا المعرض، يفتح الحروب هذا الباب، ويسمح لنا بالدخول منه إلى عالمه الخاص كاشفاً عن رحلة شخصية وتجربة خاصة تجلت خلال السنوات القليلة الماضية. ولكن يبقى السؤال الأهم: هل يحق للفنان الانزواء في عالمه بعيداً عن اليومي المُنهك من حياة مستمرة تحت الاحتلال؟ وهل يعد ذلك ضرباً من الترف أم مساحة للتعافي؟

 يستمر المعرض في غاليري زاوية حتى 30 تشرين الأول/أكتوبر 2020 يومياً بين 11 صباحاً - 6 مساء ماعدا الجمعة.

Read more