Family Life under Administrative Detention
Date: 
September 17 2020

إن معاناتنا كأسرى من كابوس أو متاهة الاعتقال الإداري بدأت منذ سنة 1994 على غرار معاناة آلاف الأسر الفلسطينية. والاعتقال الإداري هو شكل من أشكال التعذيب النفسي يمارس على الأسرى وأسرهم: الزوجة والأطفال والأم والأشقاء بحيث يصبحون جميعاً في حالة ترقب وانتظار منذ بداية الاعتقال حتى الموعد المحدد للإفراج والذي يتحكم فيه جهاز الاستخبارات الإسرائيلي (الشاباك) ويقوم بتمديده باستمرار. وترافق الاعتقال الإداري حالات متضاربة من المشاعر تجعل من ممارسة حياة الأسرى وأسرهم أمراً بالغ الصعوبة، فكيف يمكن تقديم تفسير واضح للأطفال والأبناء الصغار بشأن موعد الإفراج عن والدهم وعن تأجيل هذا الموعد؟ وكيف يمكن تحديد مناسبات الفرح للأسرة الأكبر وهي تأمل بعودة المعتقل المغيب قسراً ليشاركها أفراحها من زواج أو تخريج أو غيره. فدائماً ما يكون الفرح منقوصاً يعتمد على قرارات الإفراج أو التمديد التي تتكلل بالمشاعر المتناقضة من الأمل وفقدان الأمل، أو مزيج من الأمل والقلق واليأس إلى أن ينتهي الاعتقال الإداري.

ساعاتي مكبلة، وأحياناً قبل يوم أو يومين من الموعد المتوقع للإفراج عن زوجي عبد الرازق فرّاج استمع إلى كلماته المهربة، "لقد جددوا الاعتقال"، فنؤجل الفرح المسلوب ستة أشهر أُخرى، وهكذا تتوالى الشهور. والتعذيب النفسي لا يقتصر على سنوات الاعتقال الإداري الطويلة، التي اعتقلوا عبد خلالها مدة عشر سنوات ونصف السنة متوالية في سنة 2002، إذ أمضى 52 شهراً مع عشرات من قرارات التجديد، وهي الفترة الأطول من حيث الاستمرارية، وإنما أيضاً على فترات الحرية النسبية التي تم إطلاقه خلالها، فقد كنا نعيش دائماً كما هي حال ولدينا الاثنين مشاعر متناقضة يمتزج فيها الأمل وفقدانه بكابوس موعد الاعتقال المقبل. وسرعان ما كانت تنتهي هذه اللحظات عندما يأتون ليحطموا الأبواب ليلاً ويعتقلوا عبد، ويحكموا عليه بالاعتقال الإداري مجدداً.... وهكذا تكرر الأمر مرات متتالية.

لم تعلم والدته التي انتقلت إلى رحمته تعالى في آذار/مارس أن السجن غيبه مجدداً في أيلول/سبتمبر الماضي (2019). فهي الأم الفلسطينية المكافحة التي كانت تمنحه دائماً مزيداً من الإرادة والقوة والأمل، ولم يثنها التعب عن الركض ورائه من سجن إلى سجن ومن اعتقال إداري إلى اعتقال إداري آخر، إلى أن مُنعت من زيارته بحجة "عدم وجود صلة قرابة بينهما".... هكذا ببساطة.

أمّا أبناؤه باسل ووديع فحكاية أُخرى، فعبد الغائب دائماً في الاعتقال الإداري بالنسبة إلى وديع الطفل، هو عمو بابا، حين يحظى بالحرية النسبية، وحينما يجددوا اعتقاله يتخذ من الوسادة التي كان ينام عليها عبد، مكاناً آمناً ليضع رأسه عليها. أمّا باسل فكان يطالب والده بالصلاة والصيام حتى يتوقف تجديد اعتقاله الإداري، ليكونا معاً في الجنة.

من الصعب التفسير لطفل اعتقال والده الذي له بداية وليس له نهاية. وقد عبّرت المرحومة مجد طفلة الشهيد القائد خالد باكير دلايشة، الذي أهداه عبد الرازق فرّاج كتابه الصادر مؤخراً عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية "الاعتقال الإداري في فلسطين كجزء من المنظومة الاستعمارية"، بوضوح شديد عن معاناة الأطفال الفلسطينيين جرّاء سياسة الاعتقال الإداري الممارسة ضد آبائهم في رسالة خاطبت فيها الرأي العام:

"عندما كنت في الخامسة من عمري عندما أعتُقل والدي إدارياً أخبروني أن الاعتقال سيكون ستة أشهر، لم أكن أعلم آنذاك أن هذه الستة أشهر ستستمر خمسة أعوام. الأمر الصعب في هذا الاعتقال أن كل ستة أشهر، كنا شقيقاتي وأنا نلبس ملابس جديدة ننتظر وننتظر لكن والدنا لا يأتي، نسأل أمنا: لماذا لم يعد والدنا للبيت؟ تجيبنا الأم لأنهم جددوا اعتقاله ستة أشهر أُخرى، نبقى نسأل: متى سيعود إلى البيت، تجيب الأم هذا السؤال الأصعب لأنني لا أعرف متى، ننتظر ستة أشهر أُخرى وستة أُخرى. مضت خمس سنوات ونحن لا نعرف متى ينتهي هذا الوضع الصعب والمؤلم! .... لا يوجد شيء في هذا العالم يجعلني سعيدة، لا الملابس الجديدة ولا حتى الحلويات والملاهي. الشيء الوحيد الذي أحتاجه أن يكون أبي معي، أريده ليعانقني وليدللني، ليأخذني إلى المدرسة كما باقي الأصدقاء، أتمنى أن أناديه بابا بابا، من فضلكم ساعدوني، اعتدنا أن نكون عائلة سعيدة لكننا الآن تعساء، مَن سيجعلنا عائلة سعيدة؟ من بإمكانه أن يجيب على أسئلتنا الصعبة؟ متى سيعود والدي إلينا؟؟"

حين يكون عبد في الاعتقال الإداري نعيش وإياه مشاعر متناقضة. هو ونحن كأسرة نتساءل عن الفترة التي قرر رجال الشاباك أن يمضيها عبد في الاعتقال الإداري، وما هو مضمون الملف السري الذي فبركوه. فالقضاء الاستعماري الذي يدعي أنه يدقق ويفحص ويراقب أوامر الاعتقال الإداري وتجديداته المتواصلة هو أكذوبة، على طريقة "اكذب اكذب" كي يصدقك الناس. فجهازهم القضائي هو جزء من منظومتهم الاستعمارية وبالتالي ليس أمام القضاة أو ما يسمى محاكم الاعتقال الإداري سوى تنفيذ قرار ورغبة الشاباك الذي يحكم على المعتقلين الإداريين من دون محاكمة – وفي النهاية يبقى لقاؤنا مع الأسير الغائب مرهوناً بجرة قلمٍ يأتي من أحد ضباط الشاباك.

وفي الختام أود أن أؤكد ما ورد في كتاب عبد بأن وقف متاهة الاعتقال الإداري لا يمكن أن يتم إلاّ بتكاتف الأسرى الإداريين والحقوقيين والناشطين جنباً إلى جنب ضد هذه السياسة. فقد خاض أسرانا الإداريون العديد من المعارك وبأشكال متعددة ضد سياسة الاعتقال الإداري، وكان أطولها وأشدها إضراب شبه جماعي في سنة 2014 ومقاطعة المحاكم العسكرية.

وكما يقول محمود درويش فإن الفلسطيني يعاني داء عضالاً اسمه الأمل. ونحن نأمل بأن يأتي يوم نتمكن فيه من إنهاء الاعتقال الإداري وأن ينال فيه أسرانا جميعهم الحرية.  

Read more