Nabil Anani: Art Is Radically Related to Its Environment
Date: 
July 28 2020
Author: 

الفنان الفلسطيني نبيل عناني فنان تشكيلي مثابر ومعطاء، يكرّس حياته لفن النحت والرسم، ويصر على أن الفن بصورة عامة يجب أن يستقي قوته من بيئته، وألاّ يكون معزولاً عن قضايا مجتمعه وشعبه وأمته.

ونبيل هو أحد الفنانين الفلسطينيين التشكيليين الرواد الذي تستطيع التعرّف على لوحته رأساً من أسلوبه الخاص قبل أن تقرأ توقيعه عليها. إنه من جيل الفنانين الذين رَسَموا طريقهم وشقوها بعَرق جباههم وبمختبراتهم، وكل منهم لديه ميزته ولونه وتجربته الخاصة وشخصيته الإبداعية المميزة. نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر: سليمان منصور؛ تيسير بركات؛ كريم دباح؛ إبراهيم سابا؛ عصام بدر؛ ڤيرا تماري؛ فتحي غبن؛ إسماعيل عاشور؛ بشير السنوار؛ طالب دويك؛ إبراهيم المزين؛ إسماعيل شموط؛ تمام الأكحل؛ .... وغيرهم كثيرون. وهؤلاء أسسوا للفن التشكيلي الفلسطيني بقدراتهم الذاتية وبمجهود عِصامي.

خاض نبيل أسلوب التجريب المختبري بأدوات منتقاة من بيئتنا، فأنجز منحوتات ولوحات جلدية، واستعمل ألواناً من البيئة المحلية كالحناء والسماق والشاي والكركم والتوابل والأعشاب والأصباغ والطين والقش وغيرها.... هذا فيما يتعلق بالناحية الشكلية في فنه التشكيلي.

ونبيل، كسائر زملائه، لم يرسم أو ينحت أعماله لمجرد الرسم أو النحت والتقليد، إذ إنهم أصحاب مختبرات تجريبية اجتهدوا من خلالها في البحث عن أدواتهم الخاصة المستقاة شكلاً ومضموناً من واقعنا المعاش، وهذا ما جعلهم غير مُقلدين، بل أصحاب مذاهب أو أساليب تميزهم من غيرهم من مقلدين لأساليب الآخرين، أو من الذين اكتفوا بتقليد المناظر الطبيعية كما هي، من دون أن يصيغوا من لوحاتهم ومنحوتاتهم أسلوبهم الخاص.

وأمّا فيما يتعلق بالمضمون، فقد خاض نبيل مع بعض أصدقائه نقاشاً جوهرياً عمّا إذا كان يحق للفنان أن يعبّر في إبداعه عن واقع اجتماعي أو سياسي معين، وخصوصاً أننا نعيش تحت الاحتلال، وهو ما يعطينا الحق في جعل الفن خادماً للواقع المعاش وجزءاً منه.

في فترة السبعينيات من القرن الماضي انتقد بعض الفنانين الفلسطينيين في الشتات أسلوب إقحام المواضيع السياسية في الإبداع، معتبرين أن الموضوع السياسي سيكون على حساب القيمة الجمالية والفنية، وهو يقلل من المستوى الفني للعمل المـُنتَج، وربما لا يزال بعضهم ينتهج هذا النوع من النقد إلى يومنا هذا.

وفي المقابل فإن نبيل وبعض زملائه الذين يعيشون في ظل ظروف احتلال، وواقع سياسي معقد ومركب، يعتقدون أن من حق الفنان أن يُنتِج عملاً جميلاً وعلى مستوى فني راقٍ مع ترك المجال للمتلقي بأن يستوحي منه ما يعبّر عن واقع سياسي أو اجتماعي معين، وخصوصاً أن الرمزية السياسية غير المخطط لها، كان لها دور مهم جداً في ربط الحركة الفنية التشكيلية الفلسطينية بالجماهير وبالمؤسسات المحلية.

وكما يقول نبيل: "في ظل حياة امتازت بالطابع السياسي في ذلك الوقت وبشكل تلقائي ومن دون تخطيط، ساهم ذلك في التفاف الناس العاديين وجمهور واسعٍ من مختلف قطاعات الشعب الفلسطيني حول الفن، الأمر الذي أدى إلى نشوء الحركة التشكيلية في الأراضي المحتلة وتطورها وتجذرها فيها."

أعمال نبيل عناني مستوحاة من التراث الفلسطيني وتُشبهه، إلاّ إنها ليست تقليداً أعمى له، فهو يؤمن بضرورة عَصْرَنة التراث، ويصر على أن نظرة الفنان الجمالية في استعمال أدواته بشكل عصري ومجدد، هي التي تجعله غير مقلد للتراث بشكله المتحفي الجامد، ويرى أن الإنتاج الإبداعي يمكنه أن يكون مستوحى من التراث، ومن الواقع السياسي، شريطة التوازن بين الناحيتين الجمالية والشكلية.

وعلى الرغم من صعوبة تجربة الفنان نبيل عناني منذ طفولته، فإن حبه وشغفه بفن الرسم والنحت حمله على التشبث بالفن التشكيلي، واعتماده أسلوب حياة، وكل ذلك أكسبه خبرة تراكمية جعلته مُميزاً ومن رواد الحركة التشكيلية الفلسطينية ومؤسسيها في الضفة الغربية وقطاع غزة.

 

*للتعرف على سيرة ومسيرة الفنان نبيل عناني، يمكنكم قراءة مذكراته التي صدرت في كتاب بعنوان: "الخروج إلى النور" عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية، وهو كتاب غاية في الأهمية، لأنه يشكل نموذجاً جيداً يعكس الروح الاجتماعية والسياسية التي يعيشها الفنان مع أبناء شعبه القابعين تحت الاحتلال بصورة عامة، وتجاربه ومشاهداته الشخصية التي عاشها، ولا يزال، مع بعض زملائه الفنانين التشكيليين الفلسطينيين.

 

 

 

Read more