شهدت إسرائيل في يوم السبت الماضي تظاهرة حاشدة احتجاجاً على الإخفاق الحكومي في معالجة أزمة وباء الكورونا الذي عرف في الأسابيع الأخيرة انتشاراً كبيراً للعدوى، فيما بدا أنه موجة ثانية للوباء فاجأت الحكومة الإسرائيلية وأجهزة الدولة، وأجبرتهما على فرض قيود جديدة على المواطنين، مع ازدياد المخاوف من فقدان السيطرة على انتشار الوباء، والاضطرار إلى إغلاق المرافق الاقتصادية مجدداً، مع كل ما يحمله هذا من تداعيات سلبية على الاقتصاد، ومن زيادة مطّردة للخسائر، وارتفاع في معدل البطالة.
في هذه الأثناء تصاعدت الانتقادات الرسمية أيضاً الموجهة إلى الأداء السيىء للحكومة في معالجة الأزمة، وكان آخرها ما قاله رئيس الدولة رؤوفين ريفلين بشأن "عدم وجود قواعد مواجهة واضحة ومتماسكة لمواجهة فيروس الكورونا، وعدم وجود جهاز واحد يقوم بتركيز المعلومات، والمواجهة والسيطرة، والمناقشة أمام الجمهور"، ودعوته إلى اعتبار مكافحة وباء الكورونا "قضية أمن قومي".[1] وكانت اللجنة الخاصة في الكنيست لمعالجة ملف الكورونا قد انتقدت في وقت مبكر الإخفاق الحكومي في معالجة الكورونا، واعتبرت أن إدارة الحكومة للأزمة انطوت على "إخفاق تفكيري وتنظيمي كبير"، وحمّلت بصورة خاصة رئيس الحكومة والمدير العام لوزارة الصحة المسؤولية، وطالبت بإنشاء هيئة خاصة لإدارة الأزمات الوطنية تشمل خبراء وأخصائيين في أسرع وقت.[2] ومن مظاهر التخبط والفوضى وفقدان البوصلة استقالة المسؤولة عن خدمات الصحة العامة للجمهور في وزارة الصحة من منصبها بسبب "عدم قبول آرائها المهنية، وعدم قدرتها على المساعدة بشكل فعال في الحد من انتشار الفيروس."[3]
منذ بداية حزيران/يونيو بدأت في إسرائيل التحذيرات من موجة جديدة من وباء الكورونا أشد فتكاً من الأولى، فقد حذّر وزير الصحة يولي إدلشتاين من زيادة انتشار الفيروس ووصف ما يجري بأنه "مقلق ودراماتيكي، وإذا لم نتعقل سنكون في وضع صعب."[4] لكن هذه التحذيرات لم تلقَ الانتباه المطلوب، ولم ترافقها تدابير حازمة سريعة، وهو ما أدى إلى تفاقم انتشار العدوى من جديد وارتفاع أعداد المصابين، وتصاعُد النقمة العامة ضد نتنياهو وتحميله مسؤولية ما يجري.
أين أخفقت الحكومة في معالجة الأزمة؟
بالاستناد إلى مقال نشره مركز هرتسليا للدراسات الاستراتيجية المتعددة المجالات[5] ومقالات أُخرى نشرتها الصحف الإسرائيلية، يمكن تلخيص الإخفاقات الحكومية في معالجة أزمة الكورونا بالتالي:
- الافتقار إلى فكرة منظمة أو توجّه استراتيجي واضح. لذلك بدت الأفعال التي تقوم بها الحكومة وأجهزتها مرتجلة، ومن دون تنسيق بين الأجهزة والإدارات المتعددة، الأمر الذي ولّد مواجهات بين الوزارات المعنية والهيئات التنفيذية، وأدى إلى إرسال رسائل مشوشة ومتضاربة إلى الناس زادت في اضطرابهم.
- عدم وجود قيادة موحدة قائدة وهيئة واحدة تتجمع لديها المعطيات وتملك صلاحيات اتخاذ القرارات السريعة وتنفيذها.
- تسرّع الحكومة في اتخاذ قرار الخروج من حالة الإغلاق من دون رقابة مشددة ومتابعة، والقرارات المتذبذبة، وخصوصاً بشأن فتح المدارس واستئناف العام الدراسي، الأمر الذي بدا عملياً غير ممكن.
- الفشل في استخلاص الدروس من الموجة الأولى من تفشي الفيروس وتطبيقها على الموجة الثانية. وبصورة خاصة الفشل في مواجهة الارتدادات السلبية على الاقتصاد الإسرائيلي ومشكلة تصاعُد أعداد العاطلين من العمل.
- فقدان الثقة بالحكومة الجديدة التي انشغلت بقضايا سياسية غير ملحة، في رأي المواطنين، بدلاً من الاهتمام بمشكلاتهم الصحية والاقتصادية، مثل فرض السيادة على الضفة الغربية، بدلاً من معالجة الكورونا.
مسؤولية نتنياهو
في إسرائيل يحمّلون اليوم بنيامين نتنياهو المسؤولية عن الإخفاق في مواجهة الموجة الثانية من فيروس كورونا. وهم يعتبرون أن انشغال نتنياهو بموضوع تطبيق الضم خلال الشهرين الأخيرين، والجدل الكبير الذي أثاره الموضوع كانا السبب في إهمال الحكومة معالجة الأزمة المستجدة. ويرى البعض أن نتنياهو استهتر بصحة الناس من أجل قضايا سياسية، كل ذلك أدى الى تراجع ثقة الجمهور به، والذي برز في استطلاعات الرأي التي أظهرت أن نحو 61% من الإسرائيليين غير راضين عن أداء نتنياهو في معالجة الأزمة، و53% أعربوا عن عدم رضاهم عن أداء وزير الصحة، بينما أعرب 83% عن خشيتهم من احتمال تدهور أوضاعهم الاقتصادية.[6]
وللمرة الأولى، نلاحظ إجماعاً في الصحف الإسرائيلية على انتقاد فشل نتنياهو في معالجة أزمة الكورونا شمل الصحف الموالية لنتنياهو والمعارضة له في أن معاً. على سبيل المثال، عنوان صحيفة "الجيروزالم بوست":"إسرائيل في ظل كوفيد-19 هي مثل "السفينة من دون ربان"".[7] أمّا صحيفة "يسرائيل هيوم" التي تُعتبر المدافع الأكبر عن نتنياهو وسياساته، نشرت مؤخراً مقالاً عنوانه: "إدارة نتنياهو الفاشلة في محاربة الكورونا سيكون لها ثمن سياسي."[8] وفي صحيفة "معاريف" كتب رئيس الحكومة السابق إيهود أولمرت مقالاً انتقادياً بعنوان: "لا تملك حكومة نتنياهو رداً حقيقياً على وباء كورونا."[9] ورأت صحيفة "يديعوت أحرونوت"، الأكثر انتشاراً، أن "الجمهور فقد ثقته بصورة مطلقة بزعامته"[10]، بينما توقعت صحيفة "هآرتس" أن يشكل الإخفاق في معالجة الوضع الاقتصادي المتردي بداية ثورة اجتماعية لم تشهدها إسرائيل من قبل. وفي رأي المعلقة في الصحيفة رافيت هاكت، الكورونا قد تؤدي إلى نهاية نتنياهو السياسية.
وفي الواقع، عكس أداء نتنياهو في مواجهة الأزمة أسلوبه المعهود في التعامل مع القضايا بصورة شخصية تخدم مصالحه. ففي الموجة الأولى من الوباء، هوّل نتنياهو من خطورة الوباء ووظف ذلك من أجل تأليف حكومة طوارئ وطنية مع منافسه السياسي حزب أزرق أبيض، تكون مهمتها محصورة في معالجة هذا الملف الشائك. ولقد تسبب قبول زعيم أزرق أبيض بني غانتس الانضمام إلى حكومة طوارئ يترأسها بالمناوبة مع بنيامين نتنياهو إلى تفكيك التحالف وخروج حزب يوجد مستقبل وأعضاء آخرين منه، وحوّل الليكود إلى أكبر حزب في الكنيست.
لكن بعد تأليف حكومة الوحدة الوطنية في أيار/مايو الماضي، غيّر نتنياهو سلم الأولويات ولم تعد أزمة الكورونا تشكل مركز اهتمامه، وركز عمله على موضوع فرض السيادة على مناطق في الضفة الغربية، بعد أن حدد موعداً له في الأول من تموز/يوليو. لكن المفارقة أن نتنياهو اضطر إلى تأجيل الضم بسبب الموقف الأميركي الرافض لهذه الخطوة حالياً، الأمر الذي عرّضه لانتقادات من كل الجهات، وأضعفه سياسياً، وتزامن ذلك مع تفشٍّ كبير لوباء الكورونا ودخول إسرائيل في خضم موجة ثانية تهدد بالخروج عن السيطرة، وتنذر بأزمة اجتماعية واقتصادية غير مسبوقة. والجميع الآن يحمّلون نتنياهو نتيجة كل هذه الإخفاقات.
يبدو أن وباء الكورونا الذي يهدد اليوم إعادة انتخاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب، صديق نتنياهو الحميم، لولاية رئاسية ثانية، يشكل اليوم تهديداً جدياً لرئاسة نتنياهو للحكومة الإسرائيلية، وربما لمستقبله السياسي أيضاً.
[1] "يديعوت أحرونوت"، 9/7/2020
[2] "معاريف"، 8/4/2020
[3] "معاريف"، 8/7/2020
[4] "يديعوت أحرونوت" ، 10/6/2020
[5] للاطلاع على مضمون المقال، يمكن العودة إلى الرابط التالي:
https://digitalprojects.palestine-studies.org/ar/daily/mukhtarat-view/239193
[6] "هآرتس"، 13/7/2020
[7] "الجيزوالم بوست"، 7/7/2020
[8] "يسرائيل هيوم"، 10/7/2020
[9] "معاريف" ، 10/7/2020
[10] "يديعوت أحرونوت"، 9/7/2020