في 6 حزيران / يونيو 2020، أغلق القائد الفلسطيني الفذ، الأمين العام السابق لحركة الجهاد الإسلامي، رمضان عبد الله شلّح، عينيه لمرة أخيرة بعد صراع طويل مع المرض. وعاش شلّح حياة نضالية وقيادية شكلت إضافة نوعية في العمل النضالي الفلسطيني، بعدما تسلّم راية قيادة الحركة من رفيقه الشهيد فتحي الشقاقي الذي اغتاله العدو الصهيوني في سنة 1995. وكان الراحل قد سلّم راية قيادة الحركة في أيلول / سبتمبر 2018، إلى خلفه زياد نخّالة، بعد تردي حالته الصحية.
الدكتور شلّح في صورة خلال حوار مع "مجلة الدراسات الفلسطينية" (٢٠١٤).
باغتتنا وفاة القائد الدكتور شلّح ونحن نضع اللمسات الفنية الأخيرة على العدد 123 من "مجلة الدراسات الفلسطينية"، فسارعت هيئة التحرير إلى القيام بتعديل أخير، يمكّنها من التوقف عند هذا الغياب الذي جاء مع الذكرى 53 لهزيمة النظام الرسمي العربي أمام إسرائيل في 6 حزيران / يونيو 1967، وفي الوقت الذي تتحضر إسرائيل لضم أجزاء كبيرة وذات أهمية استراتيجية في الضفة الغربية، بعدما كانت قد ضمت القدس الشرقية، وفي ظل جائحة كورونا التي يُفترض أن تترك أثراً عميقاً في مستقبل دول العالم كافة.
مواقف من حوار سابق
قبل 6 أعوام، وكان قطاع غزة قد خرج للتو من عدوان إسرائيلي مدمر، عملت "مجلة الدراسات الفلسطينية" على ترتيب لقاء مع الدكتور رمضان شلّح، أثمر عن إجراء حوار شامل تناول القضية الفلسطينية بتفصيلاتها: من المشروع الوطني وعثراته، وصولاً إلى العدوان على غزة والدروس المستفادة من صمود دام 51 يوماً، ومثّل فصلاً من فصول ملحمة المقاومة الفلسطينية.
ولم تكن أسئلة غزة، مثلما ورد في مقدمة الحوار المنشور في العدد رقم 100 من "مجلة الدراسات الفلسطينية" (خريف 2014)، مجرد إطلالة على ما حدث في معركة الـ "51 يوماً"، وإنما هي "أسئلة النضال الفلسطيني ضد الغزاة. ومن الضروري أن تُقرأ كنافذة تفتح أسئلة على الحاضر والمستقبل"، لم يبخل فقيدنا من مقابلتها بأجوبة بعين ثاقبة نحو المستقبل، استناداً إلى ماضٍ وحاضر نضاليين، فيهما كثير من الانتصارات والانكسارات. ولأهمية هذا الحوار، نقتبس منه بعض الوقفات التي تدل على مواقف هذا القائد الراحل.
كان المشروع الوطني الفلسطيني أحد محاور الحوار، فاعتبر الراحل أن "هذا المشروع الذي حملته منظمة التحرير، بعنوان 'حل الدولتين'، قد انتهى. وهناك أسباب كثيرة لا تخفى على أحد، توصل إلى هذه النتيجة. لكن، هل هذا يعني أن هناك مشروعاً وطنياً بديلاً تطرحه 'حماس' مثلاً أو 'الجهاد'؟ الأمر ليس بهذه البساطة، فالمشروع الوطني ليس برنامجاً انتخابياً يطرحه البعض لبناء سلطة تحت مظلة الاحتلال، ولا هو رصاص أو صاروخ تطلقه المقاومة، مع أهمية ذلك. المشروع الوطني في الحالة الفلسطينية، أكبر وأعقد من ذلك كثيراً، لأنه يجيب عن سؤال المصير، بالنسبة إلى الأرض والإنسان، ليس بمعزل عن كل ما جرى في التاريخ، تاريخ الصراع، ولا عمّا يجري في الواقع، أو ما يحمله المستقبل."
ورأى الدكتور شلّح أن إعادة بناء المشروع الوطني الفلسطيني تتوقف على عدة عوامل أو محددات:
"أولاً: الوضع الفلسطيني بجميع مكوناته وعلاقاته الداخلية، أي العلاقة الفلسطينية – الفلسطينية التي عانت ولا تزال تعاني جرّاء حالة الانقسام.
ثانياً: الصراع مع الكيان الصهيوني، ولا أقول العلاقة الفلسطينية – الإسرائيلية، لأني لا أستطيع النظر إلى دولة الاحتلال إلّا بمنظور الصراع.
ثالثاً: العلاقة الفلسطينية – العربية والإسلامية، وأقصد هنا العمق العربي والإسلامي للقضية، وأي حاضنة يمكن أن تتوفر للمشروع الوطني الفلسطيني.
رابعاً: أخيراً، هناك العامل الدولي، أو الموقف الدولي من قضية فلسطين، بل من الشعب الفلسطيني وحقوقه ومقاومته ومستقبله."
وبشأن الانقسام، رأى أن التخلص من الانقسام والتخلص من الاحتلال هدفان متلازمان، لأن الوحدة والحرية وجهان لعملة واحدة، محدداً أربعة عناوين عملية يمكن أن تشكل مرتكزات للوحدة:
الأول: الهدف، أي ماذا يريد الشعب الفلسطيني وحركته الوطنية؟ فمنظمة التحرير اعترفت بعدوها قبل أن تحقق أهدافها، الأمر الذي يعني أنها هُزمت وأعلنت الاستسلام التام.
الثاني: وسيلة الوصول إلى الهدف، هل هي المفاوضات أم المقاومة؟
الثالث: المؤسسات، فهناك السلطة والمنظمة. الأولى أصبحت عبئاً كبيراً على القضية والشعب، وهي التي تحرف المسار الوطني من صراع مع الاحتلال، إلى صراع فلسطيني – فلسطيني على السلطة. أمّا المنظمة، فيفترض أن تكون الحل، لكنها تحولت إلى مشكلة، وجميع الجهود التي بُذلت بشأن إعادة بناء منظمة التحرير، لم تسفر عن شيء يُذكر.
الرابع: التهديد الإسرائيلي والخطر المتمثل في الاستيطان في الضفة وتهويد القدس واستمرار الحصار والحروب المدمرة على قطاع غزة.
واعتبر أن سجال البرامج والحلول، منذ فكرة الدولة الديمقراطية لـ "فتح" في سنة 1968، إلى البرنامج المرحلي، إلى حل الدولتين وغيره، لن يغير موقف إسرائيل التي "تعتبر نفسها هي المنتصرة [....] وهي التي تملي شروطها."
وعن غزة، قال إن انسحاب الجيش الإسرائيلي في سنة 2005 كان يهدف إلى إخراجها من الصراع ومن الخريطة السياسية والجغرافية وطنياً، وجاء الانقسام كي يزيد الطين بلّة، والأمور تعقيداً. وكان هذا ثمرة التنافس على السلطة في سنة 2006.
وعن مأساة الشتات، قال إن "شعبنا في الشتات يعيش واقع الضحية مرتين: ضحية النكبة وفقدان الأرض والوطن، وضحية الظروف والمكان والواقع الذي يعيش فيه على امتداد العالم."
وعن الداخل الفلسطيني، رأي أن "أهلنا في مناطق 48 [....] يتعرضون اليوم لنوع من التطهير العرقي الصامت في أماكن وجودهم كافة، وخصوصاً في حيفا وعكا واللد والنقب، من هدم بيوت ومصادرة أراضٍ وتهجير داخلي وأشكال المضايقة كلها."
وفي سياق الحوار، تطرّق الدكتور شلّح إلى فكرة الجماعة الوطنية التي طرحتها حركة الجهاد الإسلامي، مشيراً إلى أنها تهدف إلى "بناء حركة وطنية على قاعدة الانتماء إلى الوطن، بعيداً عن أي صراع أيديولوجي أو عقائدي"، لأن الصراع الوحيد الذي لديه أولوية هو الصراع مع الاحتلال.
حياة نضالية
ولد الدكتور رمضان عبد الله شلّح في حي الشجاعية في قطاع غزة لأسرة تضم 11 ولداً، حيث نشأ ودرس جميع المراحل التعليمية إلى أن حصل على شهادة الثانوية العامة. أمّا دراسته الجامعية فأكملها في مصر حيث درس الاقتصاد في جامعة الزقازيق وحصل على شهادة بكالوريوس في علم الاقتصاد في سنة 1981.
بعد تخرجه عاد إلى غزة وعمل أستاذاً للاقتصاد في الجامعة الإسلامية، وقد اشتهر بخطبه الوطنية التي أثارت غضب الكيان الصهيوني ففرضت سلطات الاحتلال عليه الإقامة الجبرية ومنعته من العمل في الجامعة.
غادر شلّح فلسطين في سنة 1986 إلى لندن لإكمال الدراسات العليا وحصل على درجة الدكتوراه في الاقتصاد في سنة 1990، وقد واصل نشاطه السياسي هناك لفترة ثم سافر إلى الكويت وتزوج، وعاد إلى بريطانيا، ثم انتقل إلى الولايات المتحدة الأميركية حيث عمل أستاذاً لدراسات الشرق الأوسط في "جامعة جنوبي فلوريدا" بين سنتَي 1993 و1995.
في أثناء الدارسة في جامعة الزقازيق المصرية تعرّف إلى الدكتور فتحي الشقاقي، على الرغم من أنهما لا ينتميان إلى التخصص نفسه، فقد كان الشقاقي يدرس الطب في السنة الثانية. وأسفرت صداقتهما عن إهداء الشقاقي للدكتور رمضان كُتباً لقادة الإخوان المسلمين كالبنّا وسيد قطب. وفي سنة 1978 اقترح رمضان على صديقه الشقاقي تشكيل تنظيم، فأخبره الشقاقي أنه ينتمي إلى الإخوان المسلمين، ويترأس مجموعة صغيرة باسم الطلائع الإسلامية، فانضم إليها الدكتور شلّح. وتوسعت هذه المجموعة بعد ذلك بانضمام العشرات من الطلبة الفلسطينين في الجامعات المصرية، وكانت نواة لتأسيس حركة الجهاد الإسلامي في سنة 1981.
وفي سنة 1995 جاء إلى سورية راغباً في العودة إلى فلسطين، وفي تلك السنة اغتال الموساد الدكتور الشقاقي، فاجتمعت قيادة الحركة وقررت انتخاب الدكتور رمضان أميناً عاماً.
أتقن الدكتور رمضان عبد الله شلّح اللغتين الإنجليزية والعبرية، وهو أب لأربعة أبناء: ابنتين وولدين.