هذه المرة لم يُستثنَ اللاجئون الفلسطينيون في لبنان كلياً، مثلما هي حال الأمور منذ لجوئهم في سنة 1948، فجائحة كورونا التي ضربت العالم كله، ومن ضمنه لبنان، وضعتهم ضمن سياق الإجراءات الوقائية والاستشفائية، وعلى الأغلب بقرار ومجهود من وزير الصحة حمد حسن الذي أكد منذ البداية أن جميع المقيمين على الأراضي اللبنانية مشمولون بإجراءات الوزارة بما يتعلق بكورونا، وهو ربما يكون أول وزير يزور مستشفى صور الحكومي الواقع في وسط مخيم البص في منطقة صور، مكرراً أن اللاجئين الفلسطينيين ليسوا مستثنيين من تلك الإجراءات على الرغم من توجيهه انتقاداً إلى تخلّف الهيئات الدولية المسؤولة عن اللاجئين الفلسطينيين واللبنانيين عن القيام بدورها المفترض. كما زار مخيم الجليل (ثكنة ويفل) للاجئين الفلسطينيين في بعلبك الذي ظهرت فيه حالات كورنا، وكرر تأكيده شمول اللاجئين في جميع الإجراءات، وانتقاده تقصير الهيئات الدولية.
لكن هذا الاستثناء، وهو استثناء إيجابي في حالة الاستثناء السلبية المستدامة، لم يكن ناجزاً، ذلك بأن اللاجئين استُثنوا من قرار السماح بالعودة من الخارج، مع أنهم مقيمون دائمون في لبنان ويحملون وثائق سفر وأوراقاً ثبوتية صادرة عن السلطات اللبنانية، بل إن اللاجىء الفلسطيني المولود في لبنان والمقيم فيه، طارق أبو طه، الذي كان قد تسجل في السفارة اللبنانية في دولة الإمارات العربية المتحدة ودفع ثمن تذكرة سفر العودة المكلفة، منعه أحد عناصر الأمن العام المرافق لطائرة الإجلاء من ركوبها، بل تنمّر عليه وأهانه قبل طرده.
لقد أوضح الأمن العام اللبناني في بيان له السبب الذي مُنع أبو طه بموجبه، فيما يمكن وصفه بالعذر الأقبح من ذنب، وذلك بإعلانه أن استثناء اللاجئين الفلسطينيين هو قرار أخذته الحكومة اللبنانية، من دون أن يصحِّح، أو يعتذر عن مفردات عنصرية وردت في تعميم للأمن العام نشرته سفارة لبنان في أبو ظبي، ويتحدث عن عدم شمول "الخدم" واللاجئين الفلسطينيين بقرار العودة.
وما حدث مع أبو طه ليس أمراً مستغرباً، فالدولة اللبنانية تخلت منذ بداية اللجوء الفلسطيني عن كثير من حقوق سيادية، مثل تأمين المأوى اللائق والعلاج والغذاء والحماية للاجئين الفلسطينيين، وتركتها لجمعيات دولية، مكتفية بالاحتواء الأمني لحالة اللاجئين، كما أنها استثنتهم طوال أكثر من سبعة عقود قانونياً، وأقصتهم سياسياً واقتصادياً واجتماعياً.
إن إجراءات وزارة الصحة اللبنانية الإيجابية لا تطغى على الاستثناء السلبي تجاه اللاجئين الفلسطينيين، وهو ليس بالضرورة حالة قصيرة الأمد، فقد امتد طويلاً، وتأسس منذ تأسيس المخيمات، وشهد أشكالاً جديدة من الاستثناء والإقصاء منذ التسعينيات، إذ إن المخيم الفلسطيني يعيش تجريداً كاملاً لسكانه "من أي وضع سياسي"، ويُختزل "كامل وجودهم إلى حياة عارية، [و]يصبح فضاء بيوسياسياً مطلقاً [....] حيث لا تُواجَه السلطة سوى بحياة صرفة، دون أي وساطة. وهذا ما يجعل من المخيم النموذج الدقيق للفضاء السياسي وذلك عندما تتحول السياسة إلى بيوسياسية، وعندما يتم الخلط فعلياً بين الإنسان المستباح والموطن."[1]
فالفلسطيني اللاجىء في لبنان غائب / حاضر في النصوص القانونية فضلاً عن استثائه سياسياً واقتصادياً، وإقصائه اجتماعياً، غير أن ما يميز حالة الاستثناء هذه، أنها مخالفة للدستور اللبناني نفسه، إذ إن الدستور في لبنان (المادة 65) يربط إعلان حالة الطوارىء بموافقة ثلثَي أعضاء مجلس الوزراء مع تحديد فترة زمنية لا تتعدى شهرين. وفي حال كانت المدة تتجاوز ذلك، فإن على مجلس النواب أن يلتئم خلال 8 أيام للمصادقة على إعلان حالة الطوارىء، بينما المخيمات ترزح تحت حالة طوارىء عسكرية منذ نشأتها، ومن دون أي مراجعة من طرف مجلس النواب، ومن دون قانون صريح يفرض حالة استثناء دائمة عليها.
خارج نصوص القانون وفي مضمونه
لم يضع لبنان أي إطار قانوني لتنظيم مسألة اللجوء الفلسطيني، فالقوانين، أو لنقل مفاعيل القوانين، تتم قولبتها بما يخدم عملية إقصائهم السياسي أولاً، والاجتماعي ثانياً، ثم الاقتصادي ثالثاً، كونهم مستثنيين من الانخراط في الجزء الأكبر من القطاعات الاقتصادية، لكنهم حاضرون في قطاعات دنيا من عملية الإنتاج، وفي معظم الحالات يعملون من خارج النظام القانوني.[2] إن "القانون مرتبط ارتباطاً جذرياً بموقف أصلي صراعي (لا يمكن القضاء عليه) هو الذي يؤسس القانون وينتجه، في حين نشعر نحن بأنه ينبغي على القانون أن ينشغل بمسائل كاحترام الإنسان أو بقضية العدالة بشكل خاص."[3]
ويبدو القانون اللبناني في حالة اللاجئين الفلسطينيين معلقاً بقرار من السلطة السيادية. وهذا الواقع يشبه نظرية كارل شميث، بشأن السلطة والقانون، فـ "صاحب السيادة هو مَن يمتلك سلطة مطلقة (ذات أصول تكاد تكون إلهية)، سلطة غير خاضعة للقانون (legisbus solutus)، تتجلى في وضعه للنظام القانوني (فصاحب السيادة ينتج القانون وهو فقط، بصفته الحاكم السيد القادر على محوه عبر قرار بالإلغاء)، وإن صاحب السيادة بشكل واضح هو بيده قرار تعليق النظام القانوني القائم".[4]
وهكذا تبدو "حالة الاستثناء"، بما يتعلق باللاجئين الفلسطينيين في لبنان "هي العتبة التي تصل بين ثنائية متقابلة طرفاها القانون والواقع"،[5] فالنصوص القانونية اللبنانية حمّالة أوجه لكنها لا تشير مباشرة إلى اللاجئين الفلسطينيين سلباً أم إيجاباً، بينما في الواقع، يعامَل اللاجىء الفلسطيني على أنه يمثل خطراً دائماً على "الصيغة اللبنانية". وما عدا تعديل قانونَي العمل والضمان الاجتماعي في سنة 2010، فلا وجود لذكر فلسطين أو فلسطينيين أو لاجئين فلسطينيين في القوانين اللبنانية، بل إن التعامل مع حالة اللاجئين الفلسطينيين كثيراً ما اقترن بقرارات سياسية واقتصادية واجتماعية ذات طابع أمني.
ويصف رئيس قسم علم الاجتماع والأنثروبولوجيا والدراسات الإعلامية في الجامعة الأميركية في بيروت ساري حنفي بشكل جلي مفارقة استثناء اللاجئين الفلسطينيين في القانون اللبناني، وتضمينهم في الوقت نفسه فيه، لكن من دون ذكرهم اسمياً، فيقول في تصديره للنسخة العربية المترجمة لكتاب أغامبين "حالة الاستثناء...": "المفارقة التي يعيشها الفلسطينيون في لبنان حالياً – على سبيل المثال – هي أنهم مستثنون من الحقوق، لكنهم متضمنون لدى وضع القوانين. فهم لا يستطيعون الحصول على حقوق اللبنانيين الذين يعيشون على أرضهم، ولا على حقوق الأجانب في لبنان [....]. لكن مخيمات اللاجئين تمثل الاستثناء. فرغم أن الادعاءات اللبنانية عكس ذلك، تم تعليق القانون اللبناني، ولأغراض عملية، من حيث أنه يطبَّق على حالات نادرة وعشوائية."[6] وبذلك يبدو اللاجىء الفلسطيني في لبنان خارج معادلة القانون والسياسة، إذ إنه "لا صوت له في الصياغات القانونية لوضعه، ولا في الصيرورات السياسية، سواء منها اللبنانية والفلسطينية التي تؤثر في حياته."[7]
إن تغييب الفلسطينيين عن النصوص القانونية في لبنان، هو حالة مميزة من الاستثناء والإقصاء، يولد فيها "فضاء ذو فراغ قانوني؛ حيز من اللامعيارية تتعطل فيه كل التمايزات القانونية، وعلى رأسها التمايز نفسه بين العام والخاص."[8] و"حين يصبح الاستثناء هو القاعدة فلا يمكن للآلة أن تستمر في العمل"،[9] بل تسود حال من الفوضى، و"تتأسس حالة الاستثناء على حيلة مفادها أن اللامعيارية لا تزال على علاقة بالنظام القانوني، وسلطة تعليق القاعدة ترتبط ارتباطاً مباشراً بالحياة."[10]
هذا الوضع هو بحد ذاته عمل عُنفي متواصل، ومثلما يرى أغامبين، فإنه "بوسع العنف الحكومي محو السمة المعيارية للقانون أو مخالفتها دون مساءلة أو عقاب متجاهلاً بذلك القانون الدولي على المستوى الخارجي، ومنتجاً في الداخل حالة استثناء دائمة، لا ينفك مع هذا يزعم قيامه بتطبيق القانون."[11]
إن العنف الذي رافق المرحلة الأكبر من حياة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، ناتج أصلاً من تغييبهم عن النص القانوني، وهو عنف جسدي مباشر، وعنف لفظي قاد ويقود إلى عنف جسدي، ففي وقت كان العالم كله منشغلاً بجائحة كورونا وبالبحث عن سبل تحصين المجتمعات ضد هذا الفيروس، صدرت مواقف سياسية تحمل في طيّاتها، بشكل مباشر أو غير مباشر، كمّاً كبيراً من العنصرية وخطاب الكراهية، مثل تصريح رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع الذي دعا إلى "اتخاذ تدابير كاملة في محيط مخيمات اللاجئين الفلسطينيين والسوريين ومنع الدخول إليها والخروج منها"،[12] وكأن الفيروس ولد في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين والسوريين وليس في بلد في الجهة الثانية من المعمورة. وكذلك الكاريكاتور العنصري المقيت الذي نشرته جريدة "الجمهورية" بمناسبة ذكرى الحرب الأهلية اللبنانية في 13 نيسان / أبريل، والذي شبه صاحبُ الرسم فيه الفلسطينيَّ بفيروس كورونا.
سيادة من الخارج وتعدد المرجعيات في الداخل
بإقصاء الفلسطينيين في لبنان واستثنائهم، وحشرهم في حيّز المخيمات خارج القانون والسلطة الإجرائية، تكون الدولة اللبنانية قد تخلت طوعاً عن حقوق سيادية على أرضها حيث تقع المخيمات تلك، إذ إنه "لدينا داخل المخيمات في لبنان تشكيلة متنوعة من السيادات الجزئية، وهي تشمل حكاماً فعليين، كالحكومة اللبنانية، وحكاماً شبه وهميين كاللجان الشعبية ومنظمة التحرير والفصائل الأُخرى، ووكالة الأونروا، وبقية الوكالات الإنسانية، الذين يسهمون في حالة الاستثناء ويشاركون في تعليق القانون."[13]
ومن خلال تزنير معظم المخيمات الفلسطينية في لبنان بإجراءات أمنية من الخارج، والعزوف عن ممارسة السيادة في الداخل، باتت المخيمات وخصوصاً مخيم عين الحلوة على سبيل المثال، بمثابة معسكر اعتقال جماعي يشبه إلى حد كبير نظام بعض السجون في البرازيل، حيث تعلو الأسوار المحروسة بالبنادق من الخارج، وتُترك في الداخل لسيطرة العصابات، وهي تشبه كذلك "معسكرات الاعتقال الأولى في أوروبا" التي "كانت قد بُنيت كأماكن للسيطرة على اللاجئين"، والتي تطورت لاحقاً "كمعسكرات اعتقال، معسكرات الاعتقال النازية، معسكرات الإبادة العرقية"، وفقاً لأغامبين.[14]
غير أن نظرة أغامبين إلى مخيمات الاعتقال النازية تلك، لا تبدو منطبقة تماماً على وضع مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، وفي هذا الصدد يرى حنفي أن أغامبين "لم يهتم كثيراً بذاتية الفاعل الاجتماعي (Agency)، فالفعل الاجتماعي – السياسي هو فعل تؤثر البنية فيه، ولكن هذه البنية ذاتها هي هيكلة مستمرة من قبل الفاعل الاجتماعي. فهو ينظر إلى المخيم وكأنه معتقل جماعي والفاعلين هناك وكأنهم مجرد (الضحايا – الناجين)، كما يشير في كتابه الشهير (أوشفيتز؛ الشاهد والأرشيف)"،[15] بينما يمكن اعتبار الفلسطينيين داخل المخيمات ضحايا، وفصائلهم ولجانهم الشعبية والجمعيات المدنية والأونروا، ضحايا وحكاماً في الوقت نفسه. فهم محكومون من الخارج، ويحكمون ويتحكمون في الداخل، جزئياً.
كأنه عقاب القرون الوسطى
يمكن اعتبار ما تتعرض له المخيمات الفلسطينية في لبنان بأنه عقاب قاس، يشبه إلى حد بعيد ما كان يجري في أوروبا في القرون الوسطى.[16] فالعقاب الذي يقع على اللاجئين الفلسطينيين عبر الإجراءات الأمنية الخارجة عن نطاق القانون العام، هو "عقاب يتناول الفكر والإرادة"، وفق المبدأ الذي صاغه غابرييل مابلي، وهو فيلسوف ومؤرخ وكاتب فرنسي من القرون الوسطى، بحيث "يتناول القصاص [....] الروح قبل الجسد".[17] وبالتالي يمكن اعتبار الإصرار على مواصلة معاقبة المخيمات عبر محاصرتها، وحرمان اللاجئين الفلسطينيين من حقوقهم، هو في قلب عقاب الروح والجسد في آن واحد، فهو بمثابة عقاب "ليس على ما فعلوه، بل على ما هم عليه، وما سيكونون عليه، وما يمكن أن يكونوا عليه."[18]
فالسلطة اللبنانية تتعامل مع اللاجئين الفلسطينيين في المخيمات، مثلما تعاملت سلطات القرون الوسطى في أوروبا مع المجذومين والمصابين بالطاعون والمجانين؛ فهم في استثنائهم من الحياة العادية للمواطن اللبناني وتهميشهم اقتصادياً وقانونياً، إنما يشبهون نفي المجذوم والمجنون، وفي فرض الحصار على مخيماتهم فإنهم كالمصابين بالطاعون الذين يُحجرون في أحيائهم؛[19] وفي الحالتين فإن الهدف النهائي هو إقصاءهم ودفعهم – بالقوة الناعمة – إلى مغادرة البلد.
ويأخذ إقصاء الفلسطينيين في لبنان وعزلهم، الأبعاد السياسية نفسها لحجر المصابين بالطاعون وإقصاء المجذومين والمجانين، فإقصاء المجذوم والمجنون ببعده السياسي "هو الحلم بتكوين طائفة متجانسة خالصة، طائفة نقية"، وحجر المطعون "هو الحلم بمجتمع منضبط"؛[20] ومن هنا يمكن فهم موقف اليمين المسيحي المتشدد في عدم السماح للمرأة اللبنانية المتزوجة من أجنبي بمنح جنسيتها لأولادها وزوجها أسوة بالرجل اللبناني، وهو ما يصبح أكثر وضوحاً إذا أخذنا موقف رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل الذي اشترط استثناء المتزوجات من فلسطينيين أو سوريين، كي يوافق على تمرير قانون بهذا الشأن.[21] ومن هذا المنطلق أيضاً يمكن فهم الموقف النافر لجعجع بشأن حجر المخيمات الذي سبق أن أشرنا له، فـ "الحكام لكي يشاهدوا كيفية عمل الانضباطات الكاملة فإنهم يحلمون بحالة الطاعون. وهكذا في أساس الهيكليات الانضباطية تصلح صورة الطاعون بكل الالتباسات، ولكل الاضطرابات؛ تماماً كما صورة الجذام، والاتصال الذي يجب قطعه، تصلح أن تكون في أساس هيكليات الاستبعاد".[22]
والحكام في لبنان، ليسو فقط مَن هم في السلطة التنفيذية، بل هم أيضاً قادة الأحزاب السياسية / الطائفية التي تتشكل منها السلطات التنفيذية والتشريعية وغيرها من سلطات، وهم السلطة الحقيقية التي تتكون وفقاً لألفين توفلر من سلطات: المال والقوة والمعرفة (المعرفة، بحسب توفلر، هي أقوى السلطات، ويمكن امتلاك وسائلها بالمال والعنف، وباستخدام وسائل إعلام ومثقفين في دعم مواقف أصحاب السلطة أولئك ومواقعهم السياسية والاقتصادية).[23]
وبذلك يمكن فهم سبب عدم قدرة، و/ أو عدم وجود إرادة، أحزاب تزعم دعم القضية الفلسطينية، في فرض إعطاء اللاجئين الفلسطينيين حقوقهم التي تنص عليها شرعة حقوق الإنسان والقانون الدولي لحقوق الإنسان، تحت ذريعة التوازن الطائفي وعدم إحراج الحلفاء المناهضين لحقوق اللاجئين الفلسطينيين.
نشوء المخيم وتأسيس نظام السيطرة
ما يجب تكرار التذكير به، هو أن عزل المخيمات ليس وليد الأوضاع التي نشأت في لبنان بعد خروج الفصائل الفلسطينية من بيروت في أعقاب الاجتياح الإسرائيلي في سنة 1982، وإنما ترافق مع تأسيس هذه المخيمات. وبينما برز دور وزير الصحة حمد حسن في تأكيده شمول الفلسطينيين في المخيمات وخارجها في خطة الوزارة لمواجهة كورونا، فإن القرار السياسي لم يتزحزح قيد أنملة نحو تغيير تشريعي لواقع الإقصاء والاستثناء والعزل، وقد لا يتزحزح مستقبلاً.
فعزل الفلسطينيين كأجساد سياسية في مخيمات، وعزل المخيمات كحيز جغرافي، هما إجراء متواصل. وفي شهادات جمعتها خلال تحضيري لسلسلة وثائقية عن التجربة الفلسطينية في لبنان، تكررت معلومات أدلى بها فلسطينيون عاديون، وآخرون ناشطون سياسياً وقياديون في الفصائل ومثقفون وباحثون عايشوا المرحلة الأولى من اللجوء سنة 1948، وأوضحتْ أن الانتشار الأول لأغلبية اللاجئين المزارعين الذين جاؤوا من القرى (وهم أكثرية اللاجئين في جميع الأحوال) تركز في القرى الحدودية اللبنانية، في حين لجأ معظم سكان المدن الساحلية إلى المدن الساحلية اللبنانية (صور وصيدا وبيروت وطرابلس)، بينما سكن الأخيرون في مساكن استأجروها. وقد توزع معظم المزارعين اللاجئين في الحقول، وبعضهم استأجر منازل في قرى كان على علاقة مع سكانها قبل النكبة، إذ إن فلسطين كانت قبل سنة 1948 بمثابة دول الخليج اليوم للعمالة اللبنانية،[24] وثمة تقارير تتحدث عن عودة قرابة 100٫000 لبناني إلى لبنان بعد النكبة، كانوا يعملون ويعيشون في فلسطين.
تحدثت الشهادات آنفة الذكر، عن أنه بعد قرابة شهرين من اللجوء إلى لبنان، حضرت قوات من الجيش اللبناني بشاحنات عسكرية، وباشرت نقل هؤلاء في اتجاه مدن صور والنبطية وصيدا وطرابلس، لأسباب أمنية في أعقاب توقيع اتفاق الهدنة مع إسرائيل. وأخبرني الباحث الفلسطيني حسين علي اللوباني عن رحلة القطار التي نقلت إلى سورية، المئات في كل دفعة، وفي كابينات مخصصة لنقل المواشي، لكن بعد أن أُقفلت الحدود السورية في وجه اللاجئين المنقولين من لبنان، جرى إنزالهم من القطار في منطقة في عكار كانت نائية في حينه، ليتكون ما بات يُعرف بمخيم نهر البارد الذي سيكون له وقفة خاصة في مقالتنا هذه.
عند هذه المرحلة بدأ المخيم الفلسطيني في لبنان يتكون: تجمعات بشرية في العراء بلا غطاء، ولاحقاً تحت خيم كبيرة ومتوسطة الحجم قدمتها جهات إغاثية، ولا سيما كنسية، وفي كل واحدة أكثر من عائلة من الأقارب أو أبناء القرية الواحدة.
وفي هذه المرحلة، كانت حوكمة هذه التجمعات تتم عبر المرجعيات الاجتماعية التقليدية، كالمشايخ وكبار السن والوجهاء والمخاتير الذين كانوا يحلّون النزاعات بين تلك التجمعات ويحكمون فيها. ثم بدأت عملية إحصاء اللاجئين في تلك التجمعات بهدف تنظيم توزيع المساعدات العينية التي كانت تجلبها الجهات الإغاثية، وهي عملية استفادت منها الأونروا عند تأسيسها وتسلمها إدارة عمليات الإسكان والإغاثة والتعليم في المخيمات.
فاعتباراً من مطلع الخمسينيات، انتقلت إدارة العملية الإغاثية وما يترتب عليها من إجراءات إدارية، إلى وكالة إغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين في الشرق الأدنى (الأونروا) التي تأسست بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة في نهاية سنة 1949،[25] وبقيت الإدارة الاجتماعية، بمعنى حل النزاعات، بيد الشخصيات التقليدية، حتى نهاية حكم الرئيس كميل شمعون (1958) والانتقال إلى مرحلة رئاسة الجنرال فؤاد شهاب، حين بدأت مرحلة إدارة أمنية صارمة للمخيمات، تولتها استخبارات الجيش، أو ما كان يُعرف بـ "المكتب الثاني"، وفُرضت رقابة شديدة على المخيمات، وعلى الوجود الفلسطيني عامة. فكان انتقال اللاجئين من جنوبي الليطاني إلى شماله، أو من الشمال إلى جنوبي الليطاني يتطلب موافقة مسبقة (إذن / تصريح مكتوب) من استخبارات الجيش اللبناني، كما أن الانتقال إلى السكن من مخيم إلى مخيم، بات يتطلب موافقتين: من المكتب الثاني، ومن الأونروا. وحتى سنة 1969 حين انتفضت المخيمات على سلطة المكتب الثاني في ظروف من الصراع السياسي اللبناني - اللبناني، بقيت الحال على تلك الصرامة في المراقبة،[26] بل جرى إنزال العقاب الشديد على كل مَن تخول له نفسه التورط بأي نشاط سياسي، أو حتى مجرد إحياء ذكرى وطنية.
إن كل مَن سكن المخيمات أو درس في مدارس الأونروا فيها، في تلك الفترة، لَمَس لَمْس اليد التصرفات الفظة لسلطة المكتب الثاني، وشهد موت أو إعاقة ناشط سياسي، أو شخص عادي تحت التعذيب، لمجرد أن مخبراً من المخيم وشى به لسبب أو لآخر. ومن خلال مشاهداتي شخصياً، فإن جار منزلنا العائلي في مخيم البصّ، تسبب له التعذيب المفرط في ثكنة بنوا بركات في صور بإعاقة دائمة، لمجرد وشاية بأنه كان ناشطاً سياسياً، بل إن والدي، المدرس في مدارس الأونروا، تعرّض لوشاية حاسد بأنه عضو في حزب قومي محظور، لكن لحسن الحظ فإن الضابط الذي كُلّف بالمتابعة كان تلميذه، إذ إن والدي كان يعطي أيضاً دروساً خصوصية في مدينة صور حيث كنا نسكن حتى سنة 1973، فأُقفل الملف ونجا والدي من مصير مجهول.
ومن الحوادث التي تظل عالقة في ذاكرتي، العقاب الذي تلقاه تلامذة من الصف السادس الابتدائي في مدرسة دير ياسين في مخيم البص، من طرف عناصر المكتب الثاني، لمجرد أنهم أحيوا داخل المدرسة ذكرى النكبة. فقد كنت في الصف الثالث الابتدائي، بينما طلاب الصف السادس كان عمر بعضهم يتجاوز 16 عاماً، إذ كان كثيرون يلتحقون بالمدرسة في عمر كبير نسبياً.
عين الحلوة ونهر البارد نموذجان للإقصاء
في سنة 1969، ومع تصاعد التوتر السياسي والاجتماعي في لبنان، وانطلاقة العمل الفلسطيني المسلح واستحواذه على تأييد واسع في لبنان، انتفض المخيم الفلسطيني على سلطة المكتب الثاني، ودام تحرره من سلطة الانضباط والعقاب الصارمة حتى سنة 1982، حين عادت الأمور إلى سابق عهدها، بل نُفذت في مخيم شاتيلا واحدة من أبشع المجازر راح ضحيتها مئات اللبنانيين الفقراء والفلسطينيين، وأصيب المخيم مجدداً خلال حرب المخيمات (1985 -1987)، كما جرى التضييق الأمني على مخيمات صور بعد هذه الحرب.
واختبر مخيم عين الحلوة بداية مرحلة من الإغلاق المتدرج بعد الشروع في تطبيق اتفاق الطائف ميدانياً، والقاضي بسحب سلاح المليشيات (وهو سلاح سُحب من بعضها وبقي بيد بعضها الآخر)، وخصوصاً بعد جريمة اغتيال قضاة في محكمة مدينة صيدا في سنة 1999، والتي اتُّهم بتنفيذها مجموعة "عصبة الأنصار" المتطرفة التي تحولت لاحقاً إلى مجموعة معتدلة وباتت تنسق مع سائر الفصائل ومع أجهزة الأمن اللبنانية.
وفي الشمال تبرز حالة مخيم نهر البارد الذي استبيح تماماً بذريعة محاربة تنظيم "فتح الإسلام" الإرهابي، الصنيعة الأمنية الخارجية الذي أُدخل إلى المخيم تحت جنح الظلام. ففي سنة 2007، نفّذ إرهابيون من هذا التنظيم المكون بأغلبيته من لبنانيين وجنسيات عربية متعددة، جريمة بشعة راح ضحيتها جنود من الجيش اللبناني في مواقع للجيش على أحد أطراف المخيم، وأعقب ذلك معركة طلبت السلطات اللبنانية لحسمها، خروج سكان المخيم، وهو ما تم بالتنسيق مع مختلف الفصائل الفلسطينية، فقُصف المخيم بشدة ودُمّر جزء كبير منه، ثم دُمر جزء آخر عقب انتهاء المعركة. وكان من المفترض أن يكون مخيم نهر البارد نموذجاً لمخيم مدني غير مسلح تُفرض سيادة الدولة العادلة عليه بالكامل، لكن ما حدث كان بخلاف ذلك تماماً. فقد حوصر وحُدد له مدخلان فقط يراقبهما الجيش اللبناني. وبعد بدء عودة السكان إلى ما يُعرف بالمخيم الجديد، وفي أثناء زيارة لي للمخيم في مهمة صحافية، رأيت مسدساً مشكولاً على خاصرة عنصر فلسطيني من أحد الفصائل كنت أعرفه سابقاً، ولمّا سألت أصدقاء هناك، كيف له أن يحمل سلاحاً في الوقت الذي يُفترض أن يكون المخيم خالياً من أي سلاح سوى سلاح الجيش وقوى الأمن، أجابوني بأنه، وآخرين مثله، يعملون مخبرين لدى استخبارات الجيش اللبناني، وهو مَن يسلحهم.
أمّا إقفال مخيم عين الحلوة، فيشبه نظام بانوبتيكون (Panopticon) للسجون الذي صممه الفيلسوف الإنجليزي والمنظّر الاجتماعي جيريمي بنتهام (Jeremy Bentham) (1748 – 1832) في سنة 1785، وتناوله فوكو مطولاً، كنموذج تأسيسي، في كتابه "المراقبة والمعاقبة: ولادة السجن"، مع اختلاف في الشكل؛ فبدلاً من أن يكون برج المراقبة في وسط البانوبتيكون، أقيمت أبراج المراقبة العسكرية في عين الحلوة في قلب الجدار الكونكريتي الذي يزنّر المخيم. "والبانوبتيكون هو حظيرة أو زريبة ملكية؛ حل فيها الإنسان محل الحيوان "،[27] وفي داخله يتصارع المحبوسون فيما بينهم ويرتبطون في الخارج مع السجان الذي هو في وضع المخيمات المحاصرة، ضابط استخبارات الجيش، أو واحد من الأجهزة الأمنية اللبنانية التي لها كثير من العيون داخل المخيمات، وعند الحاجة يستطيع السجّان دخول المخيم والقيام بأعمال أمنية سريعة ومنسقة للقبض على مطلوبين؛ وحادثتا اعتقال المزور الشهير حسن نوفل الملقب بحسن الحكيم،[28] والمتهم بالإرهاب عماد ياسين الذي وُصف بأنه أمير داعش،[29] من داخل المخيم، دليلان صارخان على إمكان استباحة المخيم في أي وقت، وعلى نقض فكرة "المخيم الجزيرة" الخارج على سلطة الدولة، مثلما يُشاع دائماً. فعملية توقيف الحكيم جرت في وسط المخيم وبالتعاون مع فصيل فلسطيني، وعملية توقيف ياسين جرت في حي يقع على طرف المخيم ومحاذٍ لحاجز للجيش اللبناني، وهو حي كثيراً ما وُصف بأنه وكر للمتطرفين الإسلاميين. وهاتان الحادثتان تؤكدان أن في إمكان الأجهزة الأمنية الدخول إلى المخيم والخروج منه بسلام، عندما تقرر ذلك، أو عندما تُعطى الغطاء السياسي.
في هاتين العمليتين كان التعاون مع أشخاص و/ أو جهات داخل المخيم، واضحاً تماماً. ومثلما ذكرنا سابقاً، فإن في جميع المخيمات يوجد مخبرون يتعاونون مع الأجهزة الأمنية، بل هناك جهات تنسق مع أحزاب لبنانية فاعلة ومتحكمة (سلطة ظل حقيقية). وقد بلّغني مسؤول فلسطيني رفيع، مرة، أنه فوجىء لدى زيارته مسؤولاً أمنياً لبنانياً بارزاً، بأن محضر اجتماع لقيادات فلسطينية كان بيد هذا المسؤول الأمني الذي قرأ له بعض ما دار من سجالات داخل الاجتماع.
إن ذلك يُحيل مجدداً إلى نظام البانوبتيكون الذي "يعمل كنوع من المختبر بالنسبة إلى السلطة. فبفضل أولوياته الرقابية، يكتسب بفاعلية وكفاءة التسرب إلى سلوك الناس؛ وبذلك يتحقق مزيد من المعرفة يستقر على مقدمات السلطة، ويكتشف أشياء تجب معرفتها فوق كل السطوح التي تُمارس فيها هذه السلطة."[30]
كورونا مخيم الجليل ونموذج البانوبتيكون
قد تكون حادثة اكتشاف حالات كورونا في مخيم الجليل في البقاع، أدت دوراً في الإضاءة على الواقع المزري لهذا المخيم، وسائر مخيمات اللاجئين الفلسطينيين، وعلى استحالة اتخاذ إجراءات ضرورية للوقاية من الفيروس، واستطراداً، كدليل على انطباق نظام البانوبتيكون على تلك المخيمات.
فحتى 21 شباط / فبراير 2020، لم يكن لبنان قد أعلن أي إصابة بفيروس كورونا الذي بدأ اكتشاف انتشاره عالمياً في أعقاب الإعلان بشأنه في مدينة ووهان الصينية في تشرين الأول / أكتوبر 2019 (تمت تسمية فيروس كورونا المستجد هذا: كوفيد 19، دلالة على انتشاره في تلك السنة)، وبقيت مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان من دون إعلان أي حالة حتى يوم الثلاثاء 21 نيسان / أبريل، إلى أن أُعلن أول إصابة للاجئة فلسطينية من سورية تقطن عائلتها في مخيم الجليل، وذلك بعد أن جاءت الفحوصات المخبرية الخاصة بالفيروس إيجابية؛ فحُجرت عائلة المصابة، وأُغلق المخيم بواسطة حاجز للجيش اللبناني، وأُجريت فحوصات عشوائية لـ 94 من سكان المخيم، أظهرت إصابة 5 أفراد من عائلة المصابة بالفيروس، وذلك وسط هلع بين السكان البالغ عددهم 2500 شخص تقريباً، وفي الأحياء اللبنانية المجاورة.
وفَرْض الحصار على مخيم الجليل ليس حالة نافرة في ظروف غير طبيعية، كما أن حجر مدينة أو تجمع سكاني ليس جديداً، ولا يعود إلى جائحة كورونا، إلّا إنه يصبح غير طبيعي في حال الاستخدام السياسي للحصار / الحجر، مثلما استخدمته الجمهورية الفرنسية في 5 أيلول / سبتمبر 1795، إذ "تطور أمر نظام حالة الحصار ليتحرر من ارتباطه الأصلي بحالة الحرب، ويتحول إلى أداة أمنية وشرطية غير اعتيادية لمواجهة الاضطرابات والفتن الداخلية، ومن ثم تحول من حالة حصار حقيقية أو حربية إلى وهمية أو سياسية."[31]
إن مخيم الجليل المحجور بسبب كورونا يمكن اعتباره نموذج العيش البعيد عن الكرامة الإنسانية منذ نشأته، كما أن ظروف تأسيسه تعطي صورة عن ولادة مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، فكيف تأسس ولماذا يُطلق عليه اسم مخيم ويفل؟
إن زيارة لموقع الأونروا تكشف بعض معطيات تأسيس المخيم وظروفه. تقول الأونروا في موقعها الإلكتروني:
مخيم الويفل للاجئين هو في الأصل ثكنات عسكرية فرنسية. وقد عملت تلك المباني الإثنا عشر على توفير الملجأ للاجئين الفلسطينيين في عام 1948. وفي عام 1952، تسلمت الأونروا مسؤولية تقديم الخدمات في المخيم. ويبعد مخيم الويفل 90 كيلومتراً إلى الشرق من بيروت في وادي البقاع بالقرب من مدينة بعلبك.
وعلى الرغم من أن المخيم قد عانى من أضرار بنيوية أقل من أي مخيم آخر خلال سنوات الحرب الأهلية، إلّا إن الظروف المعيشية فيه تحديداً تعاني من ظلف شديد.
والمساكن في المخيم ليست صحية حيث لا يزال اللاجئون يعيشون في الثكنات الأصلية التي تعود إلى حقبة الجيش [الفرنسي]، وهي تفتقر إلى ضوء النهار والتهوية. والظروف في المخيم قاسية على وجه الخصوص في الشتاء حيث إن الوادي [وادي البقاع] يُعدّ منطقة ريفية نائية ذات شتاء قارس وصعب.
ولدى اتحاد تلك الظروف بالفقر، فإن النتيجة تؤدي لحدوث عدد من المشاكل الاجتماعية. وليس بإمكان اللاجئين الفلسطينيين سوى العثور على وظائف عرضية في الزراعة والإنشاءات. ويتسرب الطلاب غالباً من المدارس بهدف إعالة أسرهم.[32]
يقول محمد خضر داود في شهادة ضمن عملي الوثائقي المشار إليه سابقاً، إن بعض سكان مخيم ويفل قدموا من مخيم القرعون الذي أزيل بعد البدء بإنشاء بحيرة القرعون. ويشرح أنه عندما انتقل وعائلته إلى ثكنة ويفل (مخيم الجليل)، كانت العائلات تتجمع في "قووايش"، وتفصل بينها بما تيسر من أغطية قدمتها لهم جمعيات إغاثية، وأن البرد كان شديداً، وخصوصاً أنهم وصلوا مع بداية فصل الشتاء، وكان اللاجئون يفتقرون إلى الملابس الشتوية، فلجأوا إلى جمع مخلفات الأبقار (الزبل) من الحقول حيث يعملون، وكانوا يشعلونها للتدفئة.
ويقول عضو المجلس الوطني الفلسطيني عبد رجا سرحان (أبو نزار) الذي سكن وعائلته بعد الخروج من فلسطين في مخيم القرعون عقب إبعادهم عن منطقة بنت جبيل، خلال مقابلة في سياق التحضير للوثائقي المشار إليه، إن مخيم القرعون كان عبارة عن "هنغارات" من بقايا الجيش الإنجليزي، ومهاجع أصغر قليلاً، وكانت ظروف المعيشة غاية في الصعوبة، وإن عدداً من السكان ماتوا بسبب البرد القارس، قبل أن يتم نقل السكان مجدداً إلى مخيم ويفل ومخيمات الشمال والنبطية وصور، فتركوا خلفهم موتاهم الذين دُفنوا هناك وغرقوا مع بقايا المخيم في قعر البحيرة.[33]
ما يعنينا هنا، ليس سرد تاريخ إنشاء مخيمَي القرعون والجليل / ويفل، ولا الظروف التي رافقته، بل إعطاء مثل صارخ يمكن إحالته على باقي المخيمات، وعلى اختيار السلطات اللبنانية الأمكنة التي كانت في حينه نائية وبعيدة عن المناطق الآهلة، بحيث تكون مباني يمكن السيطرة عليها بسهولة. ولم يكن مخيما القرعون وويفل وحدهما مهاجع عسكرية، فهناك أيضاً مخيم الضبية في المتن، والذي كانت بدايته من إسطبلات مهجورة للجيش الفرنسي أيضاً. أمّا المخيمات التي بُنيت خارج تلك الصيغة، فجرى محاصرتها بشكل مباشر وظاهر، أو بتموضع وحدات عسكرية ليست بعيدة عنها، وفي إمكانها محاصرة المخيمات في أي لحظة.
بالعودة إلى كورونا مخيم الجليل، تقول ناشطة وصديقة وزميلة تابعت عن كثب خبر اكتشاف حالة إصابة الكورونا، إن علامات استفهام طُرحت عن سبب التأخر حتى 21 نيسان / أبريل، علماً بأن الفحوصات للمرأة المصابة جرت قبل ذلك، وتشير إلى احتمال أن يكون الانتشار أوسع من ذلك كثيراً، وأنه جرى التكتم على الأمر كي لا تسود حالة من الهلع تدفع السكان إلى المغادرة، علاوة على ما قد ينتج أيضاً من توتر أمني مع الجوار.
إن الكثافة السكانية العالية أصلاً في مخيم الجليل / ويفل، زادت كثيراً بعد لجوء فلسطينيين من سورية إليه بسبب الحرب الدائرة هناك، كما أن وضع سائر المخيمات ليس أفضل كثيراً، فمن المعروف أن مخيمات برج البراجنة وشاتيلا وعين الحلوة تعاني كثافة سكانية عالية، والمنازل فيها متلاصقة، الأمر الذي يحول دون أي تباعد اجتماعي، وهو التعبير الذي ساد العالم كله بعد تفشي جائحة كورونا.
أمّا المخيمات الأُخرى مثل البداوي، وحديثاً نهر البارد بعد إعادة بناء الجزء الأكبر منه، ومخيمات مدينة صور، وهي التي منازلها أقل التصاقاً، فإنها تعاني بدورها كثافة سكانية عالية تجعل من المستحيل تصور تباعد اجتماعي، على الرغم من جميع الإجراءات الوقائية التي اتخذتها الفصائل والأونروا، والدور المميز للسفارة الفلسطينية، في تزويد أطقم المتطوعين ببعض المستلزمات الضرورية، فضلاً عن التبرعات من طرف هيئات وشخصيات، والموقف الأخلاقي والإنساني لوزارة الصحة اللبنانية التي أكدت ونفذت قرارها بالتعامل مع اللاجئين الفلسطينيين بما يتعلق بجائحة كورونا، كتعاملها مع أي مواطن لبناني، وبالتنسيق مع وكالة الأونروا، علماً بأن بعض الإجراءات يبدو معقداً قليلاً؛ فمثلاً، على مَن تظهر عليهم أعراض الإصابة، الاتصال بوزارة الصحة اللبنانية ثم بمندوب الأونروا في المنطقة، فيتم التنسيق بين الأونروا والوزارة وبالتعاون بين الصليب الأحمر اللبناني والهلال الأحمر الفلسطيني لنقل المصاب من المخيم.
استثناء إيجابي عرضي!
نريد أن نتفاءل بالخير بعد التعامل الإنساني من طرف وزارة الصحة اللبنانية مع اللاجئين الفلسطينيين المقيمين في لبنان، علّنا نجده بعد سبعة عقود من لجوء غلب عليه طابع الإقصاء والعزل والاستثناء والتهميش والمعاقبة، وخصوصاً أن بعد كل وباء أو جائحة أو حدث عالمي جلل، فإن الدول والمجتمعات تشهد تغييرات جوهرية في نظم الحكم والسياسات، وحتى في بعض العادات والتقاليد والتصرفات الاجتماعية.
لكن ثمة وقائع أُخرى تقودنا إلى الاعتقاد أن إيجابية إجراءات وزارة الصحة وبعض الأحزاب اللبنانية والقيادات المرحبة بما قامت به الوزارة، ليست سوى استثناء إيجابياً عرضياً على استثناء سلبي مستدام. ومن هذه الوقائع، تصريح رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع الذي دعا إلى حجر مبكر للمخيمات، والكاريكاتور العنصري في جريدة "الجمهورية" اللبنانية الذي شبه الفلسطينيين بأنه خطر يوازي خطر فيروس كورونا، والذي أزيل لاحقاً.
ومقارنة بواقعة طرد أبو طه من طائرة العودة القادمة من الإمارات، فإن تصريح جعجع وكاريكاتور نداء الوطن يبدوان أقل فظاعة، كونهما عائدَين لرئيس حزب كان قائد ميليشيا ارتكبت كثيراً من المجازر خلال الحرب الأهلية، ولوسيلة إعلام فيها كثيرون من كارهي الفلسطينيين، بينما حادثة أبو طه تدل على توجه رسمي بإبقاء سياسات الإقصاء والعزل والتهميش المسلطة على رقاب اللاجئين الفلسطينيين.
وكان أبو طه قد كشف الحادثة بنفسه عندما نشر ما جرى معه في صفحته في موقع فايسبوك، إذ قال:
حبّيت خبّر شي صار معي اليوم، ويا ريت توصل الفكرة للكل. أنا شاب فلسطيني اسمي طارق رفيق أبو طه مواليد لبنان وبيي خلق بلبنان وجدي إجا ع لبنان عمرو 14 سنة وتجوز من لبنانية. درست وتعلمت، الحمد لله أهلي دفعو عليي دم قلبن وحرمو حالن من كل شي كرمال إتعلم. خلّصت هندسة واشتغلت وبعمري ما فتت بسياسة أو حزب، كافي خيري شري. داقت [ضاقت] الأمور وطلعت على دبي فتش على شغل متل أي شخص وعلقت بسبب كورونا. قدمت طلب إنو إرجع ع لبنان (بلدي) وإجا اسمي على الطيارة. اليوم حجزت وجهزت حالي ووصلت عالمطار. قطعت الأمن والجوازات ووصلت على الطيارة وأنا على أحر من الجمر لشوف أهلي ومرتي وابني وكل الناس وهني موعودين إرجع. وصلت، عالطيارة في شخصين من الأمن العام اللبناني على متن الطيارة أخدو الباسبور (الوثيقة اللبنانية الفلسطينية الصادرة من الجمهورية اللبنانية) بيتفاجق [بتفاجأ] واحد بقول شو هيدا ليه غير؟ [لماذا هذا الشخص يحمل جواز سفر مختلفاً؟]. قلتلو أنا فلسطيني لبناني، قال يعني بيّك وأمك فلسطينية، قلتلو إي. قال وقاف ع جنب. وقفت ساعة، وبخلال هالساعة كل شوي حدا ياخد الباسبور ويرجعو. سألت موظفة على الطيارة الأمن العام اللبناني "شو المشكلة؟ معو وثيقة لبنانية يعني من لبنان"، رد العنصر بالأمن العام اللبناني "هيدي للزعران". حسيت بإهانة، بعمري ما تعرضت لهيك موقف، كل عمري محبوب ومحترم وما غلطت بحق حدا. رجعو حكو معو قال أنا ما بتحمّل مسؤولية يطلع معنا عالطيارة ك إنو [كأنه] إرهابي يمكن. رجعت مضيفة قالتلو حرام خلي الشاب يرتاح إلو ساعة واقف. قال روح قعود عالكرسي اللي حد الباب. حترت شو أعمل، دقيت لوالدي عم خبرو القصة وشو بدي أعمل يمكن ما يسمحولي سافر. شافني الشب، بقول بكل استهزاء: "ليك كمان بلش يدق تلفونات، والله الدني كلها ما بتطلعو عالطيارة"، وقالولي وقاف برا. وقفت 30 دقيقة بالغبرة والرطوبة والشمس على درج الطيارة، وآخر شي قالولي فل ممنوع تطلع عالطيارة. جماعت [جماعة] الميدل إيست والأمن والجوازات بدبي تعاونو كتير الحمد لله وخلوني إرجع فوت على دبي. بس ما فهمت أنا إنو إذا فلسطيني يعني "أزعر"!!! كل الشكر للأمن والجوازات بدبي إنو تساهلو وحسو بالظروف اللي أنا فيها، بس لو ما وافقو إنو فوت ع دبي (مع العلم حقهن كرمال أنا ختمت الباسبور خروج) شو كان صار؟ بقعد بالمطار ليفتح مطار لبنان؟ مع العلم إنو الأمن العام اللبناني كان مفروض يحس بظروفي أكتر بحيث إنو أنا مقيم بلبنان وبوضع ما بيسمح للعنصرية. ما فهمت العنصرية اللي عند الموظف من الأمن العام اللبناني. كل أصحابي وأحبابي ناطرين شوفن ويشوفوني. ابني عمرو 3 سنوات ونص ناطرني وعم يقول بابا جاي. هلأ شو بقلو؟ بعرف إنو يمكن 99% تقريباً من اللبنانية منن هيك، بس أنا كرامتي انهانت وبكيت حرقة مش لإنو ما رجعت (عسى أن تكرهو شيء وهو خير لكم) بس ليه بدي حس حالي هلقد زغير بعيون بعض البشر أو يُحكم عليي من جنسيتي؟[34]
انتشرت حادثة أبو طه بسرعة، وأعقبتها ردات فعل على مواقع التواصل الاجتماعي دانت ما حدث معه، كما نُشر الخبر في معظم الصحف، وتداولته وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والإلكترونية. وحتى مساء الأربعاء 6 أيار / مايو 2020، تاريخ اطلاعي على صفحة أبو طه، كان ما كتبه قد تمت مشاركته 2000 مرة، وتم التعليق عليه 2500 مرة، وشوهد 7600 مرة.
وجرى التداول أيضاً، عبر وسائل التواصل وبعض المواقع والصحف، بتعميم صادر عن الأمن العام نُشر في موقع السفارة اللبنانية في أبو ظبي، يوضح سبب طرد الشاب الفلسطيني من الطائرة، وجاء فيه:
إلحاقاً بالتعميم رقم 5932/م د ص تاريخ 10/04/2020 واستناداً إلى وثيقة الاتصال رقم 13132/د ا م تاريخ 30/04/2020 تعديل المقصود باللبنانيين العائدين إلى عائلة اللبناني (زوج – زوجة أولاد) دون السماح بمرافقة الخدم والأشخاص من التابعية الفلسطينية اللاجئة في لبنان.[35]
أمّا التعليق الرسمي على الحادث، والذي صدر بعد ردات فعل واسعة منددة بما جرى، وخصوصاً باللغة العنصرية الواردة في التعميم أعلاه، فاقتصر على بيان عن الأمن العام اللبناني نُشر في صفحة المديرية في موقع تويتر يعفي المديرية من المسؤولية، ويُحمّلها للحكومة اللبنانية. وجاء في التصريح:
تداول بعض مواقع التواصل الاجتماعي معلومات عن عدم سماح ضابط من المديرية العامة للأمن العام لشخص فلسطيني لاجىء في لبنان بالعودة على متن الطائرة التي أعادت اللبنانيين يوم أمس من مطار دبي.
يهمّ المديرية العامة للأمن العام أن توضح أنها تعمل وفقاً لقرار مجلس الوزراء القاضي بعودة اللبنانيين حصراً في هذه المرحلة، على أن يصار إلى عودة غير اللبنانيين الذين يحق لهم الدخول إلى لبنان في مراحل لاحقة.[36]
وطبعاً، صدرت مواقف تدين ليس فقط منع اللاجئين الفلسطينيين من العودة، بل اللغة العنصرية أيضاً التي تضمّنها التعميم الأول أعلاه، فقد دانت لجنة الحوار اللبناني – الفلسطيني الأمر، وكذلك بعض الأحزاب والشخصيات، لكن لم يصدر أي كلام عن الحكومة اللبنانية التي استثنت اللاجئين الفلسطينيين من العودة، من دون مبرر، الأمر الذي يشي ببقاء السياسات الإقصائية وحالة الاستثناء المتواصلة على مدى سبعة عقود ونيف، بحق اللاجئين الفلسطينيين في لبنان.
المراجع
بالعربية:
- أغامبين، جورجيو. "حالة الاستثناء: الإنسان الحرام". تقديم جوليانا سكوتو. ترجمة ناصر إسماعيل. تصدير ساري حنفي. القاهرة: مدارات للأبحاث والنشر، 2015.
- توفلر، ألفين. "تحول السلطة: المعرفة والثروة والعنف على أعتاب القرن الحادي والعشرين" (جزءان). ترجمة لبنى الريدي. القاهرة الهيئة المصرية العامة للكتب، 1995، و1996.
- -------. "حضارة الموجة الثالثة". ترجمة عصام الشيخ قاسم. بنغازي: دار الكتب الوطنية، ط 1، 1990.
- حنفي، ساري. "الحقوق المدنية للفلسطينيين في لبنان: الحملة والحملة المضادة". "الأخبار" (بيروت)، 27/9/2010، في الرابط الإلكتروني التالي: https://tinyurl.com/y8er8yzh
- -------. "المخيمات الفلسطينية في لبنان: (فضاء الاستثناء)". "الأخبار" (بيروت)، 13/8/2007، في الرابط الإلكتروني التالي: https://tinyurl.com/ybmfwyvd
- حنفي، ساري، وجاد شعبان، وكارين سيفيرت. "الإقصاء الاجتماعي للاجئين الفلسطينيين في لبنان: تأملات في الآليات التي تعزز فقرهم الدائم". "مجلة الدراسات الفلسطينية"، العدد 91 (صيف 2012)، ص 35 – 52.
- الخالدي محمد علي (تحرير). "تجليات الهوية: الواقع المعاش للاجئين الفلسطينيين في لبنان". بيروت: موسسة الدراسات الفلسطينية، 2010.
- العيادي، عبد العزيز. "ميشال فوكو: المعرفة والسلطة". بيروت: المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر، 1994.
- فوكو، ميشيل. "تاريخ الجنون في العصر الكلاسيكي". ترجمة سعيد بنكَدار. الدار البيضاء: المركز الثقافي العربي، 2006.
- -------. "المراقبة والمعاقبة: ولادة السجن". ترجمة علي مقلد. بيروت: مركز الإنماء القومي، 1990.
- محسن، أنيس. "الفلسطينيون في لبنان: حالة التمييز وتداعياتها". "مركز دراسات الجمهورية الديمقراطية"، 1/9/2014، في الرابط الإلكتروني التالي:
http://drsc-sy.org//wp- content/uploads/2014/09/p-l.pdf
- -------. "اللاجئون الفلسطينيون في صفقة القرن: التأسيس على الأمر الواقع – لبنان نموذجاً!". "مجلة الدراسات الفلسطينية"، العدد 120 (خريف 2019)، ص 83 – 87.
بالإنجليزية:
Agamben, Giorgio. “Beyond Human Rights”, https://novact.org/wp-content/uploads/2012/09/Beyond-Human-Rights-by-Giorgio-Agamben.pdf
-----------. “Remnants of Auschwitz: The Witness
and the Archive”. New York: Zone Books, 1999.
المصادر:
[1] جورجيو أغامبين، "حالة الاستثناء: الإنسان الحرام" (القاهرة: مدارات للأبحاث والنشر، 2015)، ص 32 (تصدير ساري حنفي).
[2] للمزيد عن حالة الاستثناء والإقصاء والاحتواء السياسي والاجتماعي والاقتصادي للاجئين الفلسطينيين في لبنان، انظر: ساري حنفي وجاد شعبان وكارين سيفيرت، "الإقصاء الاجتماعي للاجئين الفلسطينيين في لبنان: تأملات في الآليات التي تعزز فقرهم الدائم"، "مجلة الدراسات الفلسطينية"، العدد 91 (صيف 2012)، ص 35 – 52. انظر أيضاً: أنيس محسن، "الفلسطينيون في لبنان: حالة التمييز وتداعياتها"، "مركز دراسات الجمهورية الديمقراطية"، في الرابط الإلكتروني التالي:
http://drsc-sy.org//wp-content/uploads/2014/09/p-l.pdf
[3] أغامبين، مصدر سبق ذكره، "مقدمة جوليانا سكوتو"، ص 11 – 12.
[4] المصدر نفسه، ص 14 – 15.
[5] المصدر نفسه، ص 16.
[6] أغامبين، "التصدير"، مصدر سبق ذكره، ص 30.
[7] المصدر نفسه، ص 32.
[8] أغامبين، مصدر سبق ذكره، ص 126.
[9] المصدر نفسه، ص 142.
[10] المصدر نفسه، ص 191.
[11] المصدر نفسه، ص 191.
[12] "جعجع: إذا رأينا الناس يموتون على الطرقات سنقاضي دياب وحسن"، الموقع الرسمي لحزب القوات اللبنانية، في الرابط الإلكتروني التالي:
https://www.lebanese-forces.com/2020/03/13/samir-geagea-1096/
[13] أغامبين، "التصدير"، مصدر سبق ذكره، ص 30.
[14] Giorgio Agamben, “Beyond Human Rights”, https://novact.org/wp-content/uploads/2012/09/Beyond-Human-Rights-by-Giorgio-Agamben.pdf
[15] أغامبين، مصدر سبق ذكره، ص 33، والكتاب المشار إليه ضمن الاقتباس هو:
Giorgio Agamben, Remnants of Auschwitz: The Witness and the Archive (New York: Zone Books, 1999).
[16] عن العقاب الذي كان يطبَّق في أوروبا في القرون الوسطى انظر: فوكو، "المراقبة والمعاقبة ولادة السجن"، ترجمة علي مقلد (بيروت: مركز الإنماء القومي، 1990)، ص 51 – 52.
[17] المصدر نفسه، ص 57. والاقتباس من مابلي هو من كتابه: De la le¢gistation, oevrie completee¢، الصادر في سنة 1789.
[18] فوكو، "المراقبة والمعاقبة..."، مصدر سبق ذكره، ص 59.
[19] للمزيد عن حجر المصابين بالطاعون وطرد المجذومين، انظر: المصدر نفسه، ص 206 – 231. ولمزيد عن التعامل مع المصابين بأمراض عقلية، انظر: ميشيل فوكو، "تاريخ الجنون في العصر الكلاسيكي"، ترجمة سعيد بنكَدار (الدار البيضاء: المركز الثقافي العربي، ط 1، 2006).
[20] فوكو، "المراقبة والمعاقبة..."، مصدر سبق ذكره، ص 209.
[21] "باسيل يعلن عن مبادرة لتجنيس أبناء اللبنانيات المتزوجات من أجانب باستثناء أبناء المواطنات المتزوجات من سوريين وفلسطينيين"، وكالة "أنباء الأناضول"، في الرابط الإلكتروني التالي: https://tinyurl.com/y869zkma
[22] فوكو، "المراقبة والمعاقبة..."، مصدر سبق ذكره، ص 209.
[23] للمزيد انظر: ألفين توفلر، "تحول السلطة: المعرفة والثروة والعنف على أعتاب القرن الواحد والعشرين" (جزءان)، ترجمة لبنى الريدي (القاهرة: الهيئة العامة للكتاب، 1995 و1996).
[24] للمزيد انظر: جيهان صفير، "الفلسطينيون في لبنان: نشوء مفهوم 'العدو الداخلي'"، في محمد علي الخالدي (تحرير)، "تجليات الهوية: الواقع المعاش للاجئين الفلسطينيين في لبنان" (بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 2010).
[25] للمزيد عن اللجوء الفلسطيني وتأسيس المخيمات وإدارة الأونروا لها، انظر: أنيس محسن، "اللاجئون الفلسطينيون في صفقة القرن: التأسيس على الأمر الواقع – لبنان نموذجاً!"، "مجلة الدراسات الفلسطينية"، العدد 120 (خريف 2019)، ص 83 – 87.
[26] انظر: أنيس محسن، "الفلسطينيون في لبنان: حالة التمييز وتداعياتها"، "مركز دراسات الجمهورية الديمقراطية"، في الرابط الإلكتروني التالي:
http://drsc-sy.org//wp-content/uploads/2014/09/p-l.pdf
[27] فوكو، "المراقبة والمعاقبة..." مصدر سبق ذكره، ص 212.
[28] "توقيف مزوّر في عملية نوعية في عين الحلوة"، وكالة الأنباء "المركزية"، في الرابط الإلكتروني التالي: https://tinyurl.com/yb8asymd
وانظر أيضاً: "مَن هو 'الحكيم' الذي زوَّر جواز سفر الأسير... ولماذا اختار نيجيريا؟"، موقع جريدة "الجمهورية" اللبنانية، في الرابط الإلكتروني التالي: https://tinyurl.com/y75fhxd4
[29] "اعتقال أمير'داعش' سلّط الأضواء مجدداً على الإرهاب الكامن في مخيم عين الحلوة"، "النهار"، في الرابط الإلكتروني التالي: https://tinyurl.com/y8qhfkzl
[30] فوكو، "المراقبة والمعاقبة..."، مصدر سبق ذكره، ص 213.
[31] أغامبين، مصدر سبق ذكره، ص 48.
[32] "مخيم ويفل للاجئين"، موقع الأونروا، في الرابط الإلكتروني التالي:
[33] للمزيد عن مخيم القرعون، انظر: عفيف دياب، "فلسطينيون في قعر بحيرة القرعون"، "الأخبار"، في الرابط الإلكتروني التالي: https://al-akhbar.com/Palestine/120585
[34] صفحة طارق أبو طه في موقع فايسبوك، في الرابط الإلكتروني التالي:
https://www.facebook.com/tito.taha
[35] التشديد هو لكاتب المقالة لإظهار اللهجة العنصرية في هذا التعميم.
[36] انظر صفحة الأمن العام في موقع "تويتر" في الرابط الإلكتروني التالي: