يعاني اللاجئ الفلسطيني في لبنان قساوة الأوضاع الاقتصادية الاجتماعية، وخصوصاً في ظل خطرين مستجدين: أولاً، انتشار وباء كورونا، وثانياً، انخفاض القيمة الشرائية لليرة اللبنانية.
وجه المعاناة يظهر أكثر وضوحاً في المخيمات الفلسطينية، كونها تعاني كثافة سكانية عالية وضيق المساحة الجغرافية، مع انسداد إضافي لفرص العمل نتيجة الإغلاق المستمر، ولا سيما بعد استمرار الالتزام بخطة التعبئة الحكومية والإجراءات الاحترازية بالحجر المنزلي وعدم التنقل والتباعد الاجتماعي.
أدت الأزمة المتفاقمة المتعلقة بنقص في الخدمات الأساسية إلى ارتفاع معدل الفقر بين اللاجئين الفلسطينيين في لبنان إلى نسبة زادت على 73%، ونقص فرص العمل الذي زاد نسبة البطالة إلى أكثر من 65%، كما أشارت منظمات حقوقية تعنى بالأوضاع المعيشية للاجئين الفلسطينيين في لبنان، إلى المساس بالأمن الغذائي والاجتماعي ورفع مستوى الحاجة إلى المساعدات الطارئة والمبادرات الاجتماعية التي تطلقها المؤسسات على أنواعها، والمراكز الشبابية والجمعيات الإغاثية ووكالة الأونروا.
وقد فرض الإحساس الجماعي بالخطر واقعاً إيجابياً، ومناخاً مشجعاً من التكافل المجتمعي والتعاضد الاجتماعي، كما بُعثت روح التآزر والتكافل والترابط في مواجهة الصعوبات دعماً وتبرعاً وتطوعاً من أبناء المخيمات من داخله وخارجه، وجمعيات فلسطينية من أبناء المخيمات في الخارج. وبناء على ذلك انطلقت حملات إعلامية تمهيدية مثل " تكافلوا" و"ايد بايد" و"معاً نتقاسم رغيف الخبز " وحملة "من ابن المخيم لابن المخيم" و"كلنا يد واحدة". ومنها حملات قامت بها منظمة الشبيبة الفلسطينية التي تضم شباباً في مقتبل العمر لكنها استطاعت بجهد معنوي أن توزع وجبة يومية لمئة عائلة وصلت إلى نحو 2000 حصة، وهذا فقط في مخيم نهر البارد.
كما قامت مؤسسة التعاون من خلال عدد من المؤسسات في مختلف المخيمات والتجمعات بتوزيع ما يحتاج إليه أهالي المخيمات، بالإضافة إلى مبادرات أُخرى لهيئات متعددة نسائية وشبابية واجتماعية، واتحاد المرأة ولجان عمالية، وهيئات كشفية وجمعيات بيت أطفال الصمود ومواساة في بيروت وصيدا والجنوب والبقاع، وأكملت ذلك بقيام بعض المنظمات الشبابية بجمع تبرعات عينية ومالية من متمولين فلسطينيين، وتوزيع وجبات إفطار كاملة على الأسر الفقيرة والمحتاجة في المخيمات على مدار شهر رمضان.
وتقوم منظمة الشبيبة الفلسطينية بجمع الأموال لتقديم هدايا كسوة العيد للأطفال، بالإضافة إلى المساهمة في مساندة الأهالي في المخيمات، وتوزيع اللوازم الطبية والقيام بمهمات التعقيم وتوزيع الكمامات وخياطة بعضها في المخيمات. وعلى صعيد المؤسسات الوطنية فقد تم توزيع هبة غذائية في شهر رمضان بواقع ١٣ ألف حصة على جميع المخيمات، بالإضافة إلى مساعدات عينية قدمتها فصائل أُخرى، ومساعدات من مؤسسات إسلامية قريبة من حركتي "حماس" و"الجهاد الإسلامي". وقامت بعض اللجان الشعبية بمراقبة وضبط الارتفاع الجنوني للأسعار وإعفاء غير القادرين على الدفع، من استحقاق بدل إيجارات واشتراكات ورسوم ممكن تأجيل دفعها، والحسم من نسبة الاشتراكات الشهرية للخدمات، والأهم قيام بعض جمعيات أبناء المخيمات في أوروبا بتسديد ديون بعض المرضى والمحتاجين المستحقة لمحلات وصيدليات في المخيمات.
وعلى صعيد العمل التطوعي، قام شباب وشابات من منظمات ومؤسسات متعددة ومنها الدفاع المدني الفلسطيني بواجبات وقائية منها المرابطة على أبواب المخيمات لقياس الحرارة والتعقيم انطلاقاً من شعورهم بالمسؤولية تجاه أهل المخيمات. فالشابة الفلسطينية طالبة الطب في الجامعة اللبنانية الأميركية دينا الحاج، بادرت إلى مساعدة المحتاجين وخصوصاً في شهر رمضان، وتحدثت عن تجربتها قائلة "حين أغلق والدي محله وتوقف تقريباً عن العمل شعرت بأن الوضع بدأ يصعب على الجميع، ووضعت نفسي في مكان الفقير، فأطلقت مبادرة جمع أموال وبعت أقراطي الذهبية ونشرت الخبر على حسابي "فيسبوك"، لأدعو الأصدقاء للتبرع لشراء ما يحتاج إليه الناس اليوم في المخيمات ولا سيما مع بداية شهر رمضان." وأشارت دينا إلى أن الوضع أصبح سيئاً، و"أنه بعد شراء اللحوم للناس وجمع ما يلزم، انخفض عدد المتبرعين مؤكدة أن الأمر مزعج ومؤلم لأن عدد المحتاجين يبدو أنه قد فاق عدد الميسورين."
وعلى صعيد المؤسسات المدنية هناك مبادرات تستحق الإشارة إليها على الرغم من أنه لدى جميعها المسعى نفسه لسد حاجات أهل المخيمات من خبز ومواد غذائية وأولية. وفي هذا المجال تحدث الناشط في العمل الاجتماعي في المخيمات، فؤاد ضاهر قائلاً "قمنا بتوزيع سلة غذائية وخضروات لأهل المخيمات وهي تبرعات من أهل المخيمات أيضاً، والأصدقاء". وأضاف ضاهر "واجهنا صعوبات في إيصال المساعدات المالية القادمة من الخارج عبر التحويل المالي الإلكتروني، وذلك بسبب أزمة البنوك في البلد، وسعر صرف الدولار، لكننا مستمرون في جمع ما يكفي".
أمّا "الأونروا"، فقد أعلنت في بيان لها على لسان مدير شؤونها في لبنان كلاوديو كوردوني، أنها ستقوم بتوزيع مبلغ مالي لكل فرد في العائلة يقارب الـ 100 ألف ليرة لبنانية. وقال كوردوني "أن الأونروا ستعمد في الوقت ذاته إلى صرف المبالغ المقررة للعائلات المستفيدة من برنامج شبكة الأمان الاجتماعي ولاجئي فلسطين من سورية".
كما أدت بعض المؤسسات الصحية من مستشفيات ومؤسسات دوراً مهماً من ناحية التوعية الصحية الوقائية الضرورية، وتحولت بعض المراكز الاجتماعية إلى القيام بمهمة ثقافية بمواكب الحجر المنزلي وتشجيع الشباب على تعبئة الفراغ بنشاطات مفيدة ومنها برامج المسابقات الثقافية والندوات الإلكترونية الافتراضية التي تقام، وخصوصاً في شهر رمضان المبارك. ونذكر منها في مخيم البداوي شمال لبنان، إذ قام النادي الثقافي الفلسطيني العربي ببث برنامج "من يتبرع بالمليون" الذي يعرض على اليوتيوب وقنوات المخيم، يتبرع الفائز من خلاله للعائلات الفقيرة داخل المخيم. وهناك جمعية كشافة يافا التي تواصل مسابقاتها اليومية، بالإضافة إلى برامج عديدة تقدم هدايا بسيطة لمحتاجين
وعلى أهمية هذه المبادرات التي تلقى استحساناً لدى أهل المخيمات فهي تسندهم بالقليل لكنها لا تحل الأزمات العميقة، وعلى رأي المثل الصيني "لا تعطني سمكة، علمني كيف أصطاد السمك".
لذلك فإن الخوف من القادم يجمع أبناء المخيمات في حال طال أمد الأزمة في ظل تفاقم الأوضاع المعيشية، ويلح الجميع على ضرورة وضع خطة عمل إغاثية شاملة لجميع المؤسسات، ويطالبون بحفظ كرامة الإنسان الفلسطيني، من خلال توفير شروط الحياة الكريمة، لا من خلال عمليات بالإغاثة فقط بل بالعمل.