Therese Halassa, the Mother
Date: 
March 31 2020
Author: 

"كانت الخطة دقيقة، والتعليمات واضحة، ونبضات القلب تخفق أسرع من دقات الساعة. لم يكن المشتركون بالعملية على علم بأدق التفاصيل، فتلك تركت لآخر مرحلة، وعند اقتراب الاختطاف.

تيريز، إحدى الفدائيات المشاركات، شابة في السابعة عشرة من عمرها، تركت عكا وأهلها وبحرها لتعبّر عن صرختها، لتعبّر عن رفضها، ولتنضم إلى صفوف الثورة، لتصبح جزءاً من الحلم الذي راودها. 

ولدت تيريز بعد النكبة في عام ١٩٥٣ في عكا وهناك كبرت وتعلمت، تعلمت أن تكتب بالعبرية عن مشاعرها العربية، فكتبت بلغة تبرر هجرتها: 

 

أمي ... لا بد أنك تعرفين الآن لماذا تركتك

 أبي ... أنت عالم أكثر مني بواجبي نحو وطني

إخوتي ...... أنتم تعرفون أننا نعيش في ذل تحت حكم المستعمر 

 أنا تركتكم لأرفع رؤوسكم في السماء عالياً 

 أمي ... إنني لا أرى الشمس خارج فلسطين 

وبي ظمأ حتى أعود 

أجل سأرجع، وأراها وأستنشق هواءها الحر 

ادعي لي يا أمي، وليكن دعاؤك لي يا أبي وإلى كل إخوتي الثوار

صلوا يا إخوتي من أجلى ومن أجل جميع المقاتلين 

 والله ناصرنا

 دخلت إلى البهو الضيق في بيت تيريز المتواضع في عمّان، حيث قادتني خيوط الرواية ، روايتي / روايتها ورواية علي، فدخلت وأنا أرتجف من انفعالاتي المتشابكة، غير المفسرة. كانت لا تزال شابة، يغطي رأسها شعر شديد السواد، ووجه أبيض تتوسطه عينان حزينتان حالمتان، وبسمة مرتبكة تخالطها دموع أيقظها الانفعال، كان يوماً حاراً من شهر حزيران ١٩٩٠ وكلانا يتصبب عرقاً، لم أعرف لحظتها إذا كان من شدة العرق أو من حرارة الموقف، قلت لها بعد عناق شديد وطويل: الحمد الله على سلامتك، اعذريني لم أملك الجرأة من قبل أن أواجهك وأواجه نفسي، فابتسمت وقالت بصلابة وقوة داخلية اخترقت قلبي: تفضلي أهلاً وسهلاً بابنة الغالي (علي).

 في التاسع من أيار عام ١٩٧٢ حبس ملايين الناس في العالم العربي أنفاسهم بين اليأس والأمل طيلة ٢١ساعة، ومعهم وجّه العالم كله أنظاره إلى مصير طائرة سابينا التي اختُطفت وحطت في مطار اللد. تم الهجوم على الطائرة بشكل مفاجىء وغير متفق عليه مع مندوب الصليب الأحمر، فاقتحم " فريق الإنقاذ" الإسرائيلي بقيادة إيهود باراك، وتنفيذ نتنياهو وداني ياتوم. استشهد قائد العملية علي طه وعبد العزيز الأطرش، وجُرحت تيريز هلسة وريما عيسى وتم اعتقالهما أثناء العملية ..... وفي عام ١٩٨٣ تم إطلاق سراحهما في صفقة تبادل الأسرى.

تتذكر تيريز بعد مرور ١٨ عاماً أدق تفاصيل العملية، وهي التي أمضت في سجون الاحتلال سنين طويلة وتعرضت خلالها لأبشع أنواع التعذيب. مرت سنوات قبل العملية والنداءات تطالب الأمم المتحدة ولجنة حقوق الإنسان، والهيئات المعنية بالتدخل لإنقاذ حياة السجناء الفلسطينيين في سجون الاحتلال والذين يتعرضون لأبشع أنواع التعذيب في كل يوم، وكل ساعة، دون فائدة . 

لقد جربت هذا على جسدي حين مارس العدو العنف معي بطريقة تتنافى مع الأخلاق والإنسانية بعد إصابتي (أثناء العملية) برصاصة دخلت وخرجت من كتفي. وطعنة سكين قطعت عروق يدي، حيث أٌخذت مباشرة إلى المشفى، وأٌجريت لي عملية جراحية بعد أن تعرضت إلى نزيف شديد ، وبعد عدة أيام قرروا نقلي إلى السجن للتحقيق معي، إدارة السجن رفضت استقبالي لخطورة حالتي الصحية، لكن المخابرات أصرت ولم تتدخل مديرة السجن بوجود المخابرات، فكانوا يضعونني في غرفة وحدي مع مجندتين تعملان في التحقيق، وكان التحقيق يتم في الغرفة، وعندما يكون هناك عنف في الأسئلة أو ضرب كانوا يحملونني ببساطة على كرسي وينقلونني إلى غرفة ثانية، ويبدأون بتعذيبي لدرجة أنهم كانوا يفتحون لي غرز الجرح عدة مرات، ويبدأ النزيف ويغمى علي من شدة الالم.

 سألت تيريز، لماذا تركنا علي ... 

 لم يكفّ مرة عن الحديث عنكم وعن فتحية، كان يضحك قبل سرد أي قصة تبدأ بك أو بأخواتك. لم يذهب إلى الموت، لم نذهب إلى الانتحار. الهدف من العملية هو تحرير ١٠٠ أسير قال لي علي ولزملائي. والهدف لم يكن المدنيين، كنا سنحرر الأسرى ونعود مكللين بالنجاح متخيلين مدى فرحة الأسرى بتحريرهم. أنهت تيريز جملتها وهي تنظر داخل عيني، يرتسم على وجهها ابتسامة صلبة. "[1]

 تيريز حبيبتي، قولي لعلي إنك أنت التي أعدتي حبي له، ولا تخجلي أن تحكي له عن الظلم الذي واجهك في قول وفعل الحق.

أشتاق إلى حشرجة صوتك عندما تقولين، ما يؤخذ بالقوة لا يسترد إلاّ بالقوة

 

[1]  من كتاب "علي"، رائدة طه، فلسطين، 2002.

 

المناضلة الأردنية الفلسطينية تيريز هلسة

  • ولدت في مدينة عكا، البلدة القديمة سنة 1954 لأب أردني، اسحق سلمان هلسة، الذي انتقل من مدينة الكرك إلى عكا، ولأم فلسطينية، نادية حنا من بلدة الرامة قضاء عكا.
  • أنهت دراستها الثانوية في مدرسة تراسنطة الأهلية في عكا، ودرست التمريض في المستشفى الإنكليزي في الناصرة .
  • استلهمت الوطنية من خطابات الزعيم جمال عبد الناصر، وقد هالها القمع الإسرائيلي في مدينة جنين، والتعامل الوحشي الإسرائيلي مع أحد الفدائيين من مدينة عكا الذي استشهد تحت التعذيب سنة 1970.
  • اقتنعت بأن للشابات والنساء الحق في المقاومة جنباً إلى جنب مع الشباب وعلى قدم المساواة.
  • انجذبت إلى العمل الفدائي وأعماله البطولية فقررت الالتحاق بالثورة وغادرت عكا سنة 1971 إلى لبنان، وأصبحت فدائية في صفوف حركة "فتح".
  • بتاريخ 8 أيار/ مايو 1972 شاركت مع المناضليَن علي طه وزكريا الأطرش والمناضلة ريما طنوس في السيطرة على طائرة سابينا البلجيكية، والتوجه إلى مطار اللد في فلسطين المحتلة للمطالبة بالإفراج عن أسرى فلسطينيين وعرب يقبعون في المعتقلات الإسرائيلية.
  • عاملت تيريز الركاب، ومنهم إسرائيليون، معاملة إنسانية. وأبدت المجموعة الفدائية حرصها على سلامتهم. وأخبر المناضلون الركاب بأن مشكلتهم هي مع الدولة والمؤسسة الإسرائيلية وليس معهم.
  • لجأت قوات الأمن الإسرائيلية إلى الخدعة باستخدام الصليب الأحمر لإدخال الطعام، حين تسلل جنود إلى داخل الطائرة وأطلقوا النيران على أفراد المجموعة، وكانت النتيجة استشهاد المناضليَن علي طه وزكريا الأطرش، وإصابة المناضلة تيريز هلسة بعدة رصاصات أفقدتها الوعي، وأُسرت مع رفيقتها ريما طنوس. وأصيب في العملية بنيامين نتنياهو الذي كان ضمن القوة الإسرائيلية المهاجمة.
  • حُكم عليها بالسجن مؤبدين و40 عاماً أُخرى، أمضت منها 11 عاماً داخل المعتقلات، إلى أن أُفرج عنها في سنة 1983 ضمن صفقة لتبادل الأسرى مع حركة "فتح". أقامت بالجزائر فترة قصيرة ثم انتقلت إلى الأردن.
  • استلمت ملف الجرحى والأسرى، وكان مجال عملها الذي اختارته في إطار مؤسسات منظمة التحرير في عمّان.
  • تزوجت في سنة 1986 من حلمي هلسة وأنجبت ثلاثة أبناء أكبرهم سلمان.
  • توقف قلبها عن الخفقان وفاضت روحها الطاهرة يوم 28 آذار / مارس 2020.

 

Read more