بات السؤال عن حال الفلسطينيين الذين هاجروا في العامَين الأخيرين إلى أوروبا، على جانب كبير من الأهمية، قانونياً واقتصادياً واجتماعياً.
ولمّا كان قبول اللاجىء في العالم معرّفاً وفق اتفاقية 1951 بشأن اللاجئين بـ "أنه كل شخص يوجد خارج دولة جنسيته بسبب تخوف مبرر من التعرض للاضطهاد لأسباب ترجع إلى عرقه أو دينه أو جنسيته أو انتمائه لعضوية فئة اجتماعية معينة أو آرائه السياسية، وأصبح بسبب ذلك التخوف يفتقر إلى القدرة على أن يستظل بحماية دولته أو لم تعد لديه الرغبة في ذلك"،[1] فإن هذا التعريف لا ينطبق على اللاجىء الفلسطيني الذي خضع لتعريف آخر خاص به نتج من تأسيس وكالة تابعة للأمم المتحدة معنية تحديداً بشؤون هذه الفئة من اللاجئين، هي وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين في الشرق الأدنى (الأونروا) التي عرّفت اللاجئين الفلسطينيين بأنهم "أولئك الأشخاص الذين كانوا يقيمون في فلسطين خلال الفترة ما بين حزيران [يونيو] 1946 وحتى أيار [مايو] 1948، والذين فقدوا بيوتهم ومورد رزقهم نتيجة حرب 1948."[2]
وبالمقارنة بين التعريفين فإن ما ينطبق على اللاجىء من أي بلد، بغضّ النظر عن الظروف التي أدت إلى لجوئه، لا ينطبق على اللاجىء الفلسطيني، وفي حال ذهابه إلى دول خارج ولاية الأونروا، فإن اللاجىء الفلسطيني يتم التعامل معه بصفته عديم الجنسية (stateless). ووفقاً لتعريف القانون الدولي، فإن عديم الجنسية هو "الشخص الذي لا تعتبره أي دولة مواطناً فيها بمقتضى تشريعها."[3]
ويمكن أن يحدث انعدام الجنسية لعدة أسباب، منها: التمييز ضد مجموعات إثنية أو دينية معينة، أو على أساس نوع الجنس؛ نشوء دول جديدة ونقل ملكية الأراضي بين الدول القائمة؛ الثغرات في قوانين الجنسية. وأياً يكن السبب، فإن لانعدام الجنسية عواقب وخيمة على الناس في كل بلد تقريباً، بل في مناطق العالم كافة.
هل تنطبق قوانين اللجوء في أوروبا
على جميع اللاجئين الفلسطينيين؟
تشترط قوانين اللجوء في الدول الأوروبية قدوم اللاجىء من بلد غير آمن كي يتم قبوله لاجئاً في إحدى تلك الدول.
وبناء عليه، تمكّن اللاجئون الفلسطينيون - السوريون من الحصول على حق اللجوء بسبب الحرب الدائرة سورية، وإعلانه بلداً غير آمن، غير أن هذا الأمر لا ينطبق على اللاجئين الفلسطينيين – اللبنانيين، باعتبار لبنان بلداً آمناً. لكن ما هي أحوال مئات اللاجئين الذين وصلوا إلى أراضي الاتحاد الأوروبي عبر طرق التهريب التي أصبحت معروفة، والتي نشرت عنها مجلة "الدراسات الفلسطينية" في عددَيها 117 و119 تحقيقَين لمنير عطالله وإيسابيل بيريث، تناولا طرق التهريب وأساليبه التي تتم بشكل معقد جداً؟
يقول أحد اللاجئين من فلسطينيي لبنان، وهو ر. أ. ح.:[4] "قانونياً، أنا مهدد بالترحيل إلى إسبانيا في أي وقت"، وذلك وفقاً للقوانين الأوروبية ذات الصلة. وكان ر. أ. ح. قد غادر لبنان عبر طريق تهريب تمر بأثيوبيا والبرازيل وبوليفيا، وصولاً إلى إسبانيا.
اللاجىء الفلسطيني ر. أ. ح. وصل إلى إسبانيا مع زوجته وأطفاله الثلاثة، ثم غادروا الأراضي الإسبانية إلى ألمانيا عبر شبكات التهريب، وهناك تقدّموا بطلب اللجوء. يقول: "تم فرزي إلى مدينة مونستير حيث كان سكننا في المرحلة الأولى في مخيم في هذه المدينة، ومنذ لحظة دخولنا أُخضعنا لكشف طبي للتأكد من أننا لا نحمل أي أمراض، ثم للإجراءات الإدارية التي تخوّلنا الحصول على بطاقات تعريف تسمى 'الأوزفيز'، وذلك بعد أخذ بصماتنا."
يوضح ر. أ. ح. أنه خلال استكمال الإجراءات لم يكن لدى دائرة الهجرة شيء اسمه جنسية فلسطينية، "لذلك تم تسجيلنا كـ 'غير معرّف'."
يطرح عدد من القانونيين إشكالية الجنسية الفلسطينية واللاجئين الفلسطينيين والدولة الفلسطينية، ويشير الباحث الفلسطيني جابر سليمان في مقالة نشرها موقع "المفكرة القانونية" إلى أن مسألة الدولة الفلسطينية لا تزال موضع جدل من طرف أبرز القانونيين الدوليين أمثال غاي غودوين جيل (Guy Goodwin Gill)، وجون كويغلي (John Quigley)، وفرانسيس بويل (Francis Boyle)، وسوزان أكرم (Suzan Akram) وغيرهم، فيقول: "فهل تمتلك الدولة الفلسطينية - بصفتها القانونية التي اعترفت بها الأمم المتحدة (2012) كدولة مراقب غير عضو، أو حتى بصيغتها الأرقى المأمولة مستقبلاً في حال تم الاعتراف بها 'دولة كاملة العضوية' في الأمم المتحدة - الأهلية القانونية، كي تبسط ولايتها على السكان الفلسطينيين في الشتات (وأغلبيتهم من اللاجئين)، أم إن ولايتها القانونية ستبقى محصورة جغرافياً وديموغرافياً بالضفة الغربية وقطاع غزة؟ وإذا كان منح الجنسية عملاً من أعمال السيادة بالنسبة للدول، فهل تمتلك 'دولة فلسطين' منقوصة السيادة والواقعة تحت الاحتلال الإسرائيلي الأهلية القانونية للقيام بهذا العمل؟ تساؤلات تبقى برسم الجدل القانوني."[5]
وبينما تُطرح تساؤلات عن حقوقهم الوطنية في وطنهم الأم فلسطين، بعدما سقطت عنهم صفة لاجئين في أوروبا، كونهم يُعتبرون "فاقدي الجنسية"، فإن الخبير في القانون الدولي، الدكتور أنيس القاسم أكد ردّاً على سؤال من الكاتب، أنه سواء اكتسب "اللاجىء الفلسطيني جنسية أو ظل عديم الجنسية فإن هذا لا يؤثر في حقه في العودة أو في التعويض، لأن هذه حقوق فردية لا يحق لأحد التنازل عنها إلاّ صاحبها. ولأنها حقوق فردية فإنها تلازم الشخص بغضّ النظر عن جنسيته أو مكان إقامته."
وتجدر الإشارة هنا إلى أنه في الأعوام الأخيرة منذ الحرب السورية، حصل معظم الفلسطينيين - السوريين الذين وصلوا إلى أوروبا على حق اللجوء، وبعضهم بحسب السنوات التي أمضوها هناك نالوا جنسية البلد الذي قدّموا طلب اللجوء فيه.[6] لكن قلة من الفلسطينيين - اللبنانيين تمكنوا من الحصول على الإقامة، كون لبنان يُعد بلداً آمناً.
يقول اللاجىء الفلسطيني - اللبناني ب. س.[7] إنه بعد أن رُفض طلبه اللجوء في ألمانيا، أخبره محاميه أن السبب هو تصنيف لبنان بلداً آمناً. ويضيف: "لكن بما أنه ليس وطناً للفلسطيني، فإنه يتم إعطاء الفلسطيني قرار ترحيل معطل أو ما يعرف بالدولدونغ (Duldung)، أي أن الشخص تم رفض لجوئه إلاّ إن إمكان ترحيله غير قائم، باعتبار أنه لا يوجد لديه بلد لترحيله إليه ويقبل استقباله."
ويضيف ب. س. قائلاً: "إن حامل الدولدونغ لا يحق له العمل أو التعليم أو استصدار رخصة قيادة سيارة إلاّ بعد 18 شهراً من حيازة هذه الصفة." وبناء على هذا الأمر يلجأ الفلسطيني - اللبناني إلى العمل بالـ "الأسود"، أي من دون تصريح يسمح له بمزاولة مهنة معينة، غير أن العمل بالـ "الأسود" يعرّض الذي يمارسه، في حال القبض عليه، إلى غرامة تصل في بعض الأحيان إلى 10,000 يورو، والحرمان من الحصول على الإقامة في المستقبل إذا ما تكررت المخالفة.
اللاجئون الفلسطينيون - اللبنانيون الذين وصلوا إلى أوروبا في العامَين الأخيرين، جاؤوا، في معظمهم، عبر طريق التهريب التي حطت رحالها في إسبانيا، و"بمجرد وصولهم إلى مطار مدريد (باراخس – أدولفو سواريث)، يطلبون الحماية الدولية، وما إن يُقبل الطلب، حتى تأخذهم المنظمة الإجرامية... من مدريد إلى بلجيكا وألمانيا." إلّا إن وضعهم القانوني، يبقى غير واضح، إذ لا يحق لهم في هذه الحال تقديم طلب لجوء في بلد آخر غير البلد الذي تم تسجيلهم فيه أول مرة، وذلك وفقاً لاتفاقية دبلن التي تحصر إقامة اللاجىء في البلد الذي أَخذ بصمته عند وصوله إليه.
ب. س.، وهو أحد هؤلاء، يوضح أن بلجيكا، وتلافياً لهذه العقدة القانونية، جمّدت تطبيق اتفاقية دبلن القاضية بإرجاع كل لاجىء إلى أول دولة تقدّم فيها بطلب حماية، وفي معظم الحالات كانت الدولة الأولى هي إسبانيا.
أمّا ألمانيا فتتبع إجراء آخر، فهي أصدرت قراراً برفض طلب لجوء الفلسطيني - اللبناني، لأنه قادم من بلد آمن، وسبق أن طلب اللجوء في بلد آخر، لكنها (ألمانيا) لم تصدر قراراً بترحيله. وغالباً ما يقوم مقدم طلب اللجوء بالتواري عن الأنظار، ويعيش "بالأسود". ومن العوامل المساعدة مثلما يقول ب. س.، أن الفلسطينيين، في معظمهم، لديهم أقارب وأهل في ألمانيا منذ الهجرات التي حدثت في ثمانينيات القرن الماضي.
وتخضع طلبات اللجوء في ألمانيا لمراحل يوضحها ر. أ. ح.، قائلاً إن المرحلتين الأولى والثانية تقتصران على التحقيقات، وأخذ المعلومات التي تحتاج إليها دائرة الهجرة، وبعد الانتهاء يتم فرز المتقدم بطلب اللجوء إلى مدينة أُخرى. ويضيف ر. أ. ح. أنه بعد وصوله إلى المخيم الجديد عقب انتهاء التحقيقات، وصلته رسالة بريدية من المحكمة تبلّغه أنه تم البدء بالإجراءات وفقاً لاتفاقية دبلن، وأن عائلته ظلت تنتظر على أعصابها صدور القرار. ويتابع: "فعلاً، وبعد شهر، استُدعيت إلى مكتب الحكومة (مندوب داخل المخيم) حيث سلّمني رد المحكمة في شأن طلب اللجوء، وكان الرد هو الرفض، مع طلب مغادرة الأراضي الألمانية، لأن دخولي الأول إلى أراضي الاتحاد الأوروبي كان في إسبانيا، وبصمتي كانت هناك.. وأوضح لي المندوب، أنه يحق لي الطعن بالحكم خلال 15 يوماً."
استعان ر. أ. ح. بجمعية تقدم الاستشارات للاجئين، وتوكل لهم محامين في حال عدم قدرتهم على ذلك. ويقول: "أوكلت الجمعية لي محامياً قدّم طعناً بالحكم، وحاول كسر بصمة دبلن، كي يُقبل لجوئي في ألمانيا، وبعد قرابة شهرين، جاء رد المحكمة بالرفض."
أمّا النصيحة التي قدمها له المحامي، فكانت أن "القانون ينص على أنه إذا ما مضى 6 أشهر من لحظة استلام قرار المحكمة، ولم يتم الترحيل، فإن بصمة دبلن تُعتبر منتهية الصلاحية، وتصبح الحكومة الألمانية مسؤولة عن لجوء الشخص. ويُشترط لنجاح الأمر البقاء في العنوان الذي لدى الحكومة، وعدم مغادرته إلاّ بعد إعلامها."
وقبل مضي 6 أشهر بـ 13 يوماً فقط تسلّم ر. أ. ح. رسالة تقول: "في 13 / 11 / 2018، وفي تمام الساعة 5 صباحاً، سنأتي كي نأخذك إلى المطار لتتوجه مع عائلتك إلى مدريد. يجب أن تكون جاهزاً وفي انتظارنا."
بعد أن استشار ر. أ. ح. أكثر من محامٍ، كانت إجاباتهم أن لا حل أمامه سوى تغيّبه عن الموعد، "وهذا يعني أنني مضطر إلى مغادرة الكامب والمكوث عند أحد أقربائي مدة معينة، وهذا ما فعلته." ويضيف أنه بعد انقضاء وقت البصمة راسل المحامي المحكمة للحصول على تأكيد في شأن كسر بصمة دبلن، غير أن إجابة المحكمة كانت أنه عندما أتوا ولم يجدوني، فإن المحكمة مددت بصمة دبلن عاماً آخر، أي لغاية 19 / 11 / 2019.
تقدم ر. أ. ح. بطلب طعن بالقرار، وهو ما زال في انتظار الرد الذي إن أتى سلبياً، فسيطعن به مجدداً عبر أحد المحامين الذين تعيّنهم إحدى الجمعيات المتعاطفة مع اللاجئين.
وعن أولاده الثلاثة قال إنهم يداومون في المدارس، ويتعلمون اللغة الألمانية، وأنه وزوجته كذلك يدرسان الألمانية في مدرسة أمّنتها لهم إدارة المخيم، وإن العائلة تتقاضى مساعدة شهرية تكفيهم للطعام والشراب، ومع ذلك، فإنهم مهددون بالترحيل إلى أن تقضي المحكمة لهم باللجوء.
بلجيكا حلمنا
تواصل مُعدّ التحقيق مع الشاب رائد عوض[8] الذي سلك طريق الهجرة المذكورة سابقاً، وصولاً إلى بلجيكا، فذكر أنه عند وصوله سلّم نفسه إلى "الكوميساريا"، وبعد تقدّمه بطلب اللجوء، حصل على الأوراق القانونية وجرى فرزه إلى مخيم في مدينة تورنيه التي لا تبعد عن الحدود الفرنسية أكثر من 10 دقائق. وأوضح أنه خلال وجوده في المخيم كان يحصل على مبلغ قدره 7 يورو و70 سنتاً أسبوعياً، باعتبار أن الطعام والنوم والتفصيلات المعيشية كلها مؤمنة. ويؤكد أن الفترات بين المقابلات من أجل قبول طلب اللجوء كانت طويلة، وأن مثل هذه الإجراءات تمتد أحياناً إلى أكثر من شهرين.
بعد فرزه إلى المخيم المذكور بنحو أسبوعين، استلم من البلدية بطاقة "أورانج كارد" تخوّله شراء شريحة اتصال باسمه، ويمكن استخدامها كبطاقة تعريف بحاملها.
وذكر رائد أنه كان في لبنان يدرس في الجامعة، وأنه أخبر دائرة الهجرة برغبته في إتمام تعليمه الجامعي، فـ "سجلوني في الفصل الجديد في جامعة مونس البلجيكية."
وحتى إعداد هذا التحقيق لم يكن رائد عوض قد حصل على إقامته، وذلك بعد أكثر من عام على وصوله إلى بلجيكا عبر طرق التهريب، كما أن الأشخاص الثلاثة الذين تواصل معهم مُعدّ التحقيق لمّا يحصلوا على إقاماتهم بعد، مع أنه قد مر أكثر من عام على وصولهم إلى تلك البلاد وتقدمهم بطلب اللجوء.
[1] انظر تعريف اللاجئين وفق تفاقية 1952، في موقع الأمم المتحدة في الرابط الإلكتروني التالي: https://refugeesmigrants.un.org/ar/definitions
[2] انظر تعريف اللاجئين الفلسطينيين في موقع الأونروا، في الرابط الإلكتروني التالي: https://bit.ly/2r8lvop
[3] انظر تعريف "عديم الجنسية" في موقع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في الرابط الإلكتروني التالي: https://www.unhcr.org/ar/4be7cc2741b.html
[4] ر. أ. ح.: لاجىء فلسطيني من مخيم مار إلياس، لجأ أخيراً إلى ألمانيا.
[5] جابر سليمان، "خصوصية انعدام الجنسية في الحالة الفلسطينية؟"، "المفكرة القانونية" في الرابط الإلكتروني التالي: http://www.legal-agenda.com/article.php?id=1346
[6] لا تتوافر أرقام دقيقة عن أعداد اللاجئين الفلسطينيين - السوريين في أوروبا، ولا أرقام بشأن مَن جرى تجنيسهم.
[7] ب. س. لاجىء فلسطيني من مخيم عين الحلوة لجأ أخيراً إلى ألمانيا.
[8] رائد عوض لاجىء فلسطيني في مدينة صيدا لجأ أخيراً إلى بلجيكا.