Reality and Role of the “Joint List” during and after the Knesset Elections: A Seminar
Full text: 

منير فخر الدين: تشكر "مجلة الدراسات الفلسطينية"، تلبيتكم الدعوة والمشاركة في هذا اللقاء الذي سيسلط الضوء على واقع القائمة المشتركة ودورها بعد دورتَي انتخاب للكنيست الإسرائيلي في نيسان/ أبريل وأيلول / سبتمبر 2019. ونرحب في البداية بالسادة: أيمن عودة رئيس القائمة المشتركة، والكاتب والأكاديمي رائف زريق، والكاتب والأكاديمي أمل جمّال، والنائب هبة يزبك، والأستاذ في جامعة بير زيت والكاتب جورج جقمان. وسنبدأ بالسؤال المرجعي وهو: كيف يرى الفلسطينيون في الداخل دورهم، في الإطار الفلسطيني العام، وما هي مهمتهم في بلورة أفق للنضال الفلسطيني؟

التكامل الوظيفي في غياب المأسسة

أيمن عودة: يعطيكم العافية جميعاً، اِسمحوا لي أولاً أن أتحدث قليلاً عن سؤال المرجعية الذي اعتبره من أهم التحديات أمامنا، فالقائمة المشتركة بصدد إصدار ورقة تناقش فيها تجربتها ودورها. إن أبناء الشعب الفلسطيني كلهم هم أبناء شعب واحد، ولهم قضية واحدة، بماضيها وبانعكاساتها عليهم جميعاً، فنحن لسنا شعباً فقط، بل إننا قضية واحدة مشتركة لأبناء الشعب الفلسطيني كافة.

نحن ولا مرة تصرفنا كمجموعة ممأسسة، إذ لا مأسسة لدينا، بل إننا تفاعلنا مع بعضنا البعض، وتفاعلنا مع كل نضال فلسطيني معين مثلما فعلنا مع الانتفاضة الأولى، كما أن شعبنا الفلسطيني في الشتات تفاعل مع المقاومة. وأحد أسباب عدم التصرف كمجموعة ممأسسة أن فلسطينيي 48 هم خارج منظمة التحرير، وهناك أسباب معروفة ومفهومة، لكن هذا لا ينفي وجود شعب واحد وقضية واحدة، ومن المفترض أن يكون التنسيق ممأسساً أكثر. مثلاً، ما هو دورنا في حل القضية الفلسطينية؟ وهل لدينا مساهمة وكيف نمارسها وبأي شكل؟ وكيف نتصرف إزاء موقف نتنياهو من حل القضية الفلسطينية، وهل الرد يجب أن يكون عفوياً، أم إن الأمر هو مجرد لقاء بين قائد هنا وقائد هناك، أو مع الرئيس الفلسطيني؟ فهل الرد يجب أن يكون ممأسساً ومبرمجاً بالشكل الصحيح؟

هذه الأسئلة وطنية ومطروحة على مستوى أبناء الشعب الفلسطيني.

على مستوى الهوية، إذا سألت أي فلسطيني ما هي لغتك، فإنه يجيب: العربية وليس الفلسطينية؛ وما هو تاريخك القديم، يقول: المعلقات، والسيرة النبوية، والخلفاء الراشدون، والأمويون. وإذا سألته ماذا حدث في فلسطين في سنة 1400 يجيب لا أعرف. وإذا سألته هل تعرف اسم واحد بالألف يقول: "كُشاجم الرملي" والقاضي الفاضل العسقلاني، والشافعي.

ما معنى الهوية الفلسطينية؟ هي بمضمونها الصراع مع الصهيونية، لكن هذا لا يعني أن الصهيونية هي بنت الهوية الفلسطينية. هذا وضع مركب. مَن بنى الهوية اللبنانية والعراقية والسورية والمغربية والمصرية؟

الهوية الفلسطينية واضحة كمثيلاتها، لم تبنها الصهيونية على الرغم من صراعها مع الصهيونية، وإلّا، كيف ستكون الهوية بعد انتهاء الصراع؟

إن العنصر الأساسي لبناء كل هوية هو الدولة. فما معنى الهوية لمَن يعيش خارج الدولة، ومَن الذي يبني الهوية في كل مكان؟ مَن الذي يبني مناهج التعليم، والتعليم غير المنهجي؟ الدولة هي التي تقوم بذلك.

ما معنى أن تكون فلسطينياً في ظل الوضع السياسي الآني، وفي ظل تطورات مستقبلية؟ هناك حاجة اسمها التكامل الوظيفي بين أبناء الشعب الفلسطيني، برعاية منظمة التحرير كمؤسسة جامعة. لذا من المفترض ألّا يتم القفز عن منظمة التحرير، حتى لو كانت النيات جيدة، لأن القفز يقود إلى نتيجة سيئة. يجب أن ترعى منظمة التحرير التكامل الوظيفي بشكل مستمر، وذلك بصفتها الجامع لأبناء الشعب الفلسطيني كافة.

مثلاً، نحن، ونظراً إلى وجودنا في الهامش الإسرائيلي، تطورنا علمياً، وشبابنا محاضرون في التخنيون ومعهد وايزمان، وفي أماكن أُخرى. والسؤال هو: هل يستفيد من تطورنا العلمي، أبناء الشعب الفلسطيني في المناطق المحتلة منذ سنة 1967، علماً بأننا مغيبون عن الإدارة في إسرائيل جرّاء سياسة الإقصاء، وهل يمكن الاستفادة إدارياً من تجربة الشعب الفلسطيني هنا؟

أرى أنه يمكن خلق حالة تكامل وظيفي بين المكونات الفلسطينية، و"القائمة المشتركة" جديرة وقادرة على تقديم ورقة بناء تكامل وظيفي فلسطيني / فلسطيني. هذه ملاحظات أولية بشأن سؤال المرجعية.

منير فخر الدين: هل يوجد إضافة بشأن سؤال المرجعية التي أثارها الأستاذ أيمن عودة قبل الدخول في المحاور؟

تغليب المدني على الوطني

هبة يزبك: الموضوع ليس إضافة على ما تقدّم بقدر ما يطرح وجود خطة أم لا في خضم نقاش مسألة ما بعد الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة. فنحن ما زلنا في أجواء انتخابية بجميع المعايير، غير أن الأمر الذي ميّز الانتخابات الأخيرة كان غياب القضية الفلسطينية عن المشهد السياسي العام في إسرائيل، والذي انعكس على سلوك القائمة المشتركة. فالسياق العام الذي ميز الانتخابات الأخيرة هو غياب الدولة مثلما قال أيمن، وغياب الفلسطينيين عن مؤسسات الدولة في الداخل، وتأثير ذلك وإسقاطاته على فلسطينيي 48.

أيمن عودة (مقاطعاً): الرئيس الفلسطيني يلحّ بدو يحكي معي، أطلع أرد عليه؟

منير فخر الدين (متدخلاً): مش مشكلة هذا التكامل! (ضحك) ـ لازم كنا نشترط عليه يحكي لنا شو قال (ضحك).

هبة يزبك: السياق العام هو فعلاً سياق غياب الدولة الذي ينعكس تماماً على المفهوم وعلى السلوكيات. السؤال المركزي هو: هل مسألة المشاركة في انتخابات الكنيست، تساهم في تغليب المدني على القومي (الوطني) العام، وتغليب الهوية الجزئية على الهوية الجامعة، بمعنى تغليب وجودنا كفلسطينيين في الداخل كجزء على الكل والجامع؟

هذا يشكل أحد التحديات المركزية التي علينا أن نجيب عنها راهناً. لماذا لا تتحول المشاركة العملية الفاعلة في القضايا المدنية إلى الوطني؟

قد يكون غياب المأسسة الشاملة هو الذي يدفع بفلسطينيي الداخل في مراحل وفي مفاصل معينة، إلى التركيز على الهمّ المدني، وإلى أن يضعوا ثقلهم وجهدهم فيه، الأمر الذي ظهر في الانتخابات الأخيرة، والذي يفسر لماذا خرج الفلسطينيون في الداخل هذه المرة للتصويت، خلافاً لانتخابات نيسان/ أبريل.

ما بعد أفول حل الدولتين

جورج جقمان: موضوع الهوية موضوع مركّب. قد نتساءل مثلاً: ما الذي يجعل الفلسطينيين - ما يزيد على نصف الشعب - على امتداد ثلاثة أجيال، يتوحدون على مطلب حق العودة؟ والاقتراحات التي طرحها الأخ أيمن جيدة للتكامل، لكن القضية الأساسية التي أبرزتها الأستاذة هبة هي أن منظمة التحرير الفلسطينية في دورة الجزائر في سنة 1988، اعتمدت "حل الدولتين"، عملياً ورسمياً، وقالت للفلسطينيين في مناطق 48: أنتم هناك ونحن هنا، وهذا يعني من ناحية سياسية أننا لسنا شعباً واحداً، كأنها تقول لهم أوجدوا مستقبلكم داخل إسرائيل. الافتراض هنا يذهب إلى أن المشاركة في الانتخابات تصنع المستقبل الفلسطيني، مع أن 10% ضد المشاركة فيها ويدعون إلى مقاطعتها.

القضية الأساسية هي أنه بفعل التغير الجاري على البرنامج السياسي لمنظمة التحرير الفلسطينية، جرى فصل بين مناطق 48 ومناطق 67، لكن هذا لا ينفي أن يكون هناك علاقات أو تكامل مثلما أشار الأستاذ أيمن، غير أنني أعتقد أن المستقبل قد يكون مختلفاً. وبشأن "حل الدولتين"، فالبعض يعتقد أنه في طور الانتهاء، كما أنه في الوقت نفسه لا يوجد لدى السلطة الفلسطينية أو المنظمة أي تصور بشأن المستقبل.

أنا لا أتحدث بصورة ضمنية عن "حل الدولة الواحدة"، وأعتقد أنه شعار غير قابل للتبنّي من طرف أي حزب فلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة الآن، ولن يجد صدى لدى الجمهور، لأن المشروع الصهيوني ما زال غير مكتمل فيما يتعلق بالأرض في الضفة الغربية، لكن سيأتي وقت ستتغير النظرة. وإذا جاز لي أن أتصور كيف يمكن أن تتطور الأمور، فإنني أعتقد أنه ستنشأ جملة من القضايا ترتبط مصلحياً مع المواطنين في الضفة الغربية، ولها بعد سياسي تجاه إسرائيل، وستُبرز بالتدريج ومرحلياً مطلب المساواة. فعلى سبيل المثال، ثمة خلل فادح في موضوع توزيع المياه بين المستوطنين والفلسطينيين، ففي كل صيف توجد أزمة كبيرة في موضوع المياه في القرى الفلسطينية، وبعض القرى لا تصلها المياه لمدة أسبوعين مثلاً.

نحن إذاً نشهد تبلوراً متدرجاً لنظام أبارتهايد في الضفة الغربية، سيُنشىء مجموعة من القضايا، وسيكون هناك مطالب سيتم النضال بشأنها. وربما في نهاية الأمر ستجري العودة إلى مشاريع نضالية مشتركة بين فلسطينيي 48 و67، وخصوصاً مع إقرار قانون القومية العنصري، وربما تتحول الممارسة العملية إلى قانون. يعني قد توجد قواسم مشتركة، وربما ستتم العودة إلى مشاريع مشتركة نضالية في المستقبل بفعل ما يحدث على هذه الأرض، لكني أتحدث عن المستقبل، ولا أدري إن كان مستقبلاً قريباً أو بعيداً، وربما يكون بعد بضعة أعوام.

رائف زريق: لديّ ملاحظتان:

أولاً، دعونا نفرّق بين المستوى المبدئي والممارسة على الأرض، يعني تخلّي القيادة الفلسطينية داخل أراضي 48، عن القضية الفلسطينية العامة. مبدئياً كان الانتماء والتبعية للقضية الفلسطينية دائمين، حتى إن لم تكن السياسة الفلسطينية الرسمية قد أخذت هذا بعين الاعتبار.

مثلاً، الخطاب السياسي للحزب الشيوعي في الخمسينيات والستينيات، وعلى الرغم من التركيز على الخطاب المدني، كان دائماً في حالة انتماء وطني عام، والتزام بالأفق الفلسطيني العام، إلّا إن الأمور اختلفت قبل سنة 1957 وبعدها. ففي المؤتمر الثالث عشر للحزب الشيوعي، تغير الخطاب. وبحسب رأيي، كان في الممارسة اليومية مستويان: المستوى القطري [المحلي] الفلسطيني جداً، والمستوى الأكثر تطبيعاً مع الواقع الإسرائيلي، بسبب صراع البقاء.

ثانياً، سياسات المؤسسة الفلسطينية التي تعاملت مع فلسطينيي الداخل بإطار ما يسمى في الأدبيات، لوبي داخل المؤسسة الإسرائيلية، والذي يجب أن يشتغل من أجل القضية الفلسطينية، ولم تتعامل معهم على أنهم جزء من الشعب الفلسطيني، وهو ما تحدث عنه أيمن وجورج. لم نكن جزءاً من عمليات اتخاذ القرار في الأفق السياسي العام، فخطاب كل من "فتح" في ستينيات القرن الماضي، ومنظمة التحرير لاحقاً، كان واضحاً جداً بشأن فلسطين، لكنهما لم يتطرقا بأي حال من الأحوال إلى فلسطينيي الداخل، وبعد سنة 1967، بدأ الحديث عن عرب 48 بسبب الأدب الفلسطيني المقاوم.

لكن هذا الموضوع بدأ يتفكك في الأعوام الأخيرة لأسباب تتعلق بتطور الوعي منذ سنة 1967 ولاحقاً، وخصوصاً بعد إقامة السلطة الفلسطينية في سنة 1994، وبسبب التعنّت الصهيوني والتعنّت الإسرائيلي، في كل ما يتعلق بـ "حل الدولتين".

لقد اختلفت الرؤية الإسرائيلية على مستوى الممارسة وكذلك عنصر الأيديولوجيا، كما اختلف أفق "الدولة الواحدة"، وأفق الواقع الواحد. فإسرائيل أضحت تستخدم آليات قانونية مختلفة في سياسات التمييز، وباتت تنفَّذ سياسات التخطيط والبناء، وسياسات توزيع المياه وتوزيع الموارد، بآليات متنوعة، بحيث أصبح الواقع الفلسطيني كله متشابهاً، لكن بمرجعيات قانونية مختلفة.

ومن دون شك، هناك مصالح موقعية مختلفة، ولهذا يوجد تباعد، ولا يوجد توافق تام بين الرؤى السياسية. فهل يوجد توافق بين الرؤية السياسية للسلطة الفلسطينية وقيادة منظمة التحرير؟ في الداخل لا يوجد خطاب مشترك، ولا توافقات، ولا مأسسة، لا يوجد عمل مشترك لبناء أجندة فلسطينية شاملة.

أقول ذلك ليس من باب النقد، وإنما من باب رؤية استراتيجية. يجب فهم الواقع السياسي والمحدوديات السياسية، لكل مجموعة فلسطينية تطرح نفسها استناداً إلى قدراتها. لا يمكن أن نطلب من شعبنا في داخل أراضي 48 مثلاً، أكثر ما يمكن أن يحتمل في مواجهة الصهيونية، وإذا جرى التفكير في واقع استراتيجيي مشترك، فإنه يجب تجزئة الاستراتيجيات ووضع التكتيكات أخذاً بالحيثيات المتنوعة، أو بالمجموعات المتعددة.

الخطاب المدني بمضامين وطنية

التعامل معنا على أننا شعب واحد، واعتبار ذلك حقيقة ناجزة، هو جزء من الخطأ في التعامل مع الموضوع، ففكرة الشعب الواحد هي مشروع سياسي. وكوننا شعباً أو لسنا شعباً، هو دائماً موضوع في طور التطور والعمل، ويجب التعامل معه باعتباره مشروعاً تراكمياً سياسياً، وإذا تعاملنا معه على أنه أمر قائم حكماً، فإنه سيكون المسمار الأساسي في الإخفاق، إذ لا يوجد شيء قائم حكماً، ذلك بأن كل ما يتعلق بالداخل والمدني والقومي هو مجرد عناوين. إن مفتاح تطوير مشروع في الداخل، هو ألّا يتعارض المدني مع القومي، بمعنى أنه يجب تطوير مشروع سياسي جوهر المدني فيه هو تاريخي، أي يجب شحن الخطاب المدني كله بمضامين قومية "وطنية"، وإلّا لن يكون له معنى.

أعتقد أنه لا يوجد شيء خارج المواطنة، فالمطالب القومية الوطنية للفلسطينيين، يجب أن نكون قادرين على أن نصوغها بلغة المواطنة، إذ لا يوجد مشروع خارج مفهوم المواطنة. ونحن لسنا بصدد مشروع تحرري في فلسطين التاريخية، فالادوات المفهومية التي نستطيع من خلالها التعبير عن أهداف الفلسطينيين في كل فلسطين التاريخية، إنما تستعير مفرداتها اللغوية، من عالم المواطنة، وبالتالي، فإن المدني يجب أن يجد محتواه ببعده التاريخي، ثم بالقومي "الوطني" الذي يجب أن يكون مؤهلاً لصوغ مفرداته بلغة المواطنة التي تستطيع أولاً أن تحاكي العالم، وثانياً أن تشحذ همم الفلسطينيين.

تقييم عمل "المشتركة" في الانتخابات الأخيرة

أيمن عودة: أريد أن تسمحوا لي بمداخلة بشأن هذه الأسئلة، لأنني مضطر إلى المغادرة. لا شك في أن القائمة المشتركة هي تجربة ناجحة في مجال الوحدة في زمن الفُرقة. الأمر الآخر هو أن هذه الوحدة أثبتت جدواها الانتخابية، فنحن لم نصل إلى 13 مقعداً إلّا بالقائمة المشتركة، ففي الانتخابات الأخيرة حصلنا على عدد أصوات ونسبة مئوية أعلى من الفترة السابقة. الأمر الآخر المهم على مستوى الوحدة، هو أن نسبة التصويت تجاوزت 80% في النقب والجليل والمثلث؛ الجميع صوّت للقائمة المشتركة، وهذا شيء مهم على مستوى مفهوم الهوية، ومفهوم الشعب الواحد.

القائمة المشتركة ألقت بوزنها في المعترك الإسرائيلي العام، والمعترك الدولي، وأي رسم بياني سيشير إلى ازدياد قوتنا في هذين البعدين.

التنافس هو وقود السياسة، والمطلوب هو تحويل التنافس من تنافس بيننا إلى تنافس بيننا وبين الأحزاب الصهيونية، وأن نزيد المعدل العام في التصويت الإسرائيلي، فهذا واحد من التحديات التي يمكن اجتيازها.

لا أعتقد أن هذا التحدي صعب، غير أن أمامنا تحدّيَين: الأول وطني، والثاني ديمقراطي. الوطني هو مع أهلنا العرب الدروز، والديمقراطي مع المجتمع اليهودي. تحدث رائف عن مفهوم الشعب الواحد، وهل هذا أمر معمول به ومضمون. انظروا إلى حالة الدروز في مجتمعنا، فممّا لا شك فيه أن المؤسسة الإسرائيلية أحدثت اختراقات كبيرة في صفوفهم، لكن عندما تزور البلدة العربية الدرزية تشعر بأنك من أهلهم. السؤال: هل عندنا مشروع سياسي تجاه أهلنا الدروز؟ من المفترض أن يكون هذا من أول الأسئلة الوطنية للقائمة المشتركة. أمّا السؤال الديمقراطي، "طيّب إحنا حققنا وحدتنا، وصلنا 13 أو 14 أو 16 مقعداً"، ماذا بعد؟ هل لدينا مشروع استراتيجي أكبر للحالة الوطنية أو حتى للمواطن الذي تحدث عنه رائف؟

إسقاط نتنياهو وإسقاط صفقة القرن

أعتقد أنه في بلد يعيش فيه شعبان، يجب إيجاد المعادلة الديمقراطية التي تجمع الديمقراطيين وأصحاب القيم من الشعبين؛ غير أن هذه عملية مركّبة، فجرّاء ـتوغّل الصهيونية بشكل شبه حاسم داخل المجتمع الإسرائيلي اليهودي، كيف نبني المعادلة الديمقراطية؟ هذا الأمر يُبنى على بُعدين: بُعد استراتيجي مناهض للصهيونية كلياً، وبُعد تكتيكي تحدد فيه القضايا المركزية في هذه المرحلة. مثلاً، إذا كانت المهمة هي إنهاء الاحتلال، وإذا كان حل الدولتين ما زال قائماً، فمَن هم شركائي؟ ميرتس، ويسار حزب العمل أيضاً. وإذا يئسنا من حل الدولتين، فمَن هم شركائي؟، أهل الضفة وأهل غزة و1% من اليهود المناهضين للصهيونية. لكن بما أن الخيار الأول ما زال قائماً، فنحن بحاجة إلى بناء معسكر ديمقراطي يجمع بين الأوساط حتى لو لم نتفق معها على جميع القضايا، لكن على الأقل نتفق بشأن القضايا المركزية بنسبة 80%، وهي قضايا السلام والمساواة والديمقراطية والعدل الاجتماعي، الأمر الذي يمكّننا من بناء معسكر ديمقراطي ضخم، ومن خلال عملية نضالية نستطيع من خلالها التأثير فيهم بالعمل السياسي. ليست العملية ميكانيكية ولا عملية رياضيات، وإنما هي عمل متفاعل يجب أن نخوضه بكل ثقة، وبحسب تطوره الميداني.

ندرس في القائمة المشتركة الإجابة عن سؤال تعزيز الشراكة العربية - اليهودية بخطوة إضافية، والجواب بنعم أم لا يعتمد على القبول الشعبي، أي ألّا نبني ذلك فوقياً، وإنما بنَفَس طويل ومن تحت لفوق، وألّا نكون قائمة قومية فقط في مقابل المجتمع الإسرائيلي، وإنما قائمة لها بعد ديمقراطي جامع يقدّم بديلاً حقيقياً من مجتمع إسرائيلي. هذا هو التحدي الثاني الكبير للقائمة المشتركة.

بالنسبة إلى الموضوع الوطني الفلسطيني ووجوده في الانتخابات، أنا أختلف مع زميلتي العزيزة هبة، يعني لا أذكر أنني قلت في أي خطاب أي شيء غير موضوع إسقاط نتنياهو من أجل إسقاط صفقة القرن، فهذا الموضوع هو الأول على الإطلاق، يعني لا الثاني ولا الثالث، وهو ينطلق من رؤية وطنية، ومن رؤية إسقاطات القضية الوطنية العامة على قضايانا الداخلية داخل إسرائيل، بجميع أبعادها: المساواة، والديمقراطية، والعدل الاجتماعي، والقضايا كافة.

أمّا بشأن إسقاط اليمين، فنحن وصلنا إلى قناعة بأن نتنياهو وحكومته مع صفقة القرن، ومع ضمّ المنطقة "ج" التي تشكل 60% من الضفة، وضمّ غور الأردن، وهذا معناه القضاء على أي إمكان لإقامة دولة فلسطينية. إن علاقات نتنياهو بالإدارة الأميركية غير مسبوقة، إذ لا يوجد رئيس حكومة إسرائيلية تمكّن من التأثير في القرار الأميركي مثل تأثير نتنياهو في القرار الأميركي، وخصوصاً في الأعوام الثلاثة الأخيرة، سواء بنقل السفارة الأميركية إلى القدس، واعتبار الجولان أرضاً إسرائيلية، وإخراج أميركا من الاتفاق مع إيران، والمضي قدماً في تنفيذ صفقة القرن. علاوة على ذلك، هناك علاقاته باليمين الأوروبي المتصاعد، وكذلك علاقاته غير المسبوقة بالأنظمة العربية، وخصوصاً الخليجية منها.

وإذا أعددنا بحثاً بشأن التأثير في أي إدارة أميركية من بن - غوريون، إلى شاريت، وأشكول، وغولدا مائير، حتى باراك، وشارون، وأولمرت، أقول جازماً إنهم جميعاً لم يحرّضوا ضدنا 10% من نسبة تحريض نتنياهو وحده.

نحن نتطور مدنياً بشكل غير مسبوق في الجامعات، والهايتك (high-tec)، والمؤسسات، لكن من دون تغيير في المناخ السياسي، الأمر الذي ربما يجعل تطورنا ينقلب علينا.

كتب زئيف شتيرن هيل أن "إسرائيل ستذهب نحو بدايات النازية في تعاملها مع المواطنين العرب"؛ التقينا، وأحضر معه الكتاب الذي يتحدث فيه عن نجاحات اليهود في أوروبا، وأنهم في سنة 1930، كانوا يشكلون في برلين 0,6% من عدد السكان، بينما كان 30% من الأطباء يهوداً. ما أعنيه هو أننا نتطور في أجواء غير ديمقراطية، ولهذا يجب أن نساهم في تغيير المناخ السياسي.

لماذا يعمل نتنياهو على نزع الشرعية عن القائمة المشتركة في الكنيست؟ لأنه جرّب قوتنا بين سنتَي 1992 و1995، عندما كان زعيماً للمعارضة. فعندما كنا 5 أعضاء في الكنيست، سقط في مواجهة باراك في سنة 1999، لأن أصواتنا أسقطته، لكننا اليوم صرنا 13 عضواً، ولهذا فإن جزءاً من ملاحقتنا ليس بدوافع عنصرية فقط، بل بسبب ازدياد قوتنا أيضاً.

اليمين الجديد في إسرائيل يشكل خطراً مباشراً علينا، وانسجاماً مع مقولة "درء المفاسد أولى من جلب المنافع"، فإن موضوع إسقاط اليمين ونتنياهو أصبح المهمة الأولى، وبعد تحقيق ذلك نجدد النضال ضد المركز الممثل في اليسار الصهيوني. ونحن عندما تحدثنا إلى الناس عن إسقاط نتنياهو، لم نَعِدهم بأن البديل هو تشي غيفارا. الموجود الآن هو غانتس. وأمام هذه المعادلة يمكن التصرف بموقف مبدئي صحيح هو أنه في هذه المرحلة سأفعل كل شيء من أجل إزاحة الخطر الأكبر، لكنني سأتصدى لغانتس مباشرة ومنذ اليوم الأول.

الأمر الآخر هو سؤال من أين نستمد شرعيتنا في العمل السياسي؟ فنتنياهو يدعو إلى نزع الشرعية عنا. أولاً، نحن لم نكن في أي يوم من الأيام شرعيين، كنا نصف شرعيين، لكننا نستمد شرعيتنا أولاً وأساساً، من كوننا أبناء الوطن، وثانياً، من كوننا مواطنين، وثالثاً، من كوننا منتخبين ديمقراطياً من الناس. هذه الأمور كلها تشكل هوية ووجوداً، غير أنه من دون تفاعل مع عمل سياسي داخل إسرائيل، فإن هذه الأبعاد كلها تبقى منقوصة في غياب التفاعل. والتفاعل السياسي في إسرائيل يتحقق أولاً، عبر قوتنا التي وصلت إلى 13 عضواً في الكنيست، وثانياً، من خلال التقاء المصالح، عندما يشعر اليسار الصهيوني بأنه من دوننا لا يمكن إسقاط اليمين، مثلما حدث في سنتَي 1992 و1995، وهذا الأمر حدث أيضاً في السنة الماضية. لهذا يجب أن نبحث في البداية في فرض ذاتنا وقوتنا، وفي الوقت ذاته فرض التقاء مصالح عينية تساعدنا على تطوير برنامجنا.

الاقتصاد أقوى من العنصرية

أريد التحدث عن فلسفة الخطة الاقتصادية التي هي أكبر خطة اقتصادية منذ سنة 1948، ليس فقط بحجم الأموال، بل بتغير آليات توزيع الموارد. والسؤال الأهم: إذا حدث تناقض بين الاقتصاد والعنصرية، فمَن منهما يكون الأقوى؟

فرحنا كثيراً لإنهاء الحكم العسكري في سنة 1966، لماذا؟ قرأت كتاباً عن رجال أعمال ذهبوا عدة مرات إلى ليفي أشكول، وقالوا له: بدنا نبني أبنية عالية بتل أبيب، ونحن بحاجة إلى فك نظام التصاريح عن أهل الجليل والنقب وإلى عمال، إلخ.

في تجربة أوسلو، كان هناك 50 من رجال الأعمال حول بيرس همّهم الاستثمار الاقتصادي، وهؤلاء أنفسهم تحلّقوا حول حاييم رامون، ودعموا بناء الجدار العنصري العازل. لماذا حدث هذا التبدل في وجهة استثمارهم؟ لأن رأس المال لا أخلاق لديه ولا قيم، بل ما يهمّه هو مصلحته فقط، فإذا كانت العملية السلمية تصلح للاستثمار يدعمونها، وإذا أخفقت ينتقلون إلى بناء الجدار، المهم جني الأرباح.

في جنوب أفريقيا في سنة 1972 فتحوا مدارس ثانوية للسود؛ هل لأن البيض أصبح قلبهم أبيض؟ لا، بل لأن رأس المال بحاجة إلى الاستثمار في السود من أجل الربح.

هذا الموضوع وصلنا إليه نحن أيضاً. في الخطة الإسرائيلية يوجد شريحتان تمثلان مشكلة: العرب 20%، والحريديم 10%؛ الحريديم يريدون قراءة التوراه، ولا يريدون العمل، بينما العرب يقولون: دخيلك أنا بدي أشتغل. لذا حددوا طبيعة الاستثمار عند العرب، وخصوصاً عند النساء، وخلال ثلاثة أعوام، ارتفع تشغيل النساء من 29% إلى 41%.

صاحب رأس المال يقول هذا جيد لكم وهذا جيد لنا. وقد اندفع الاقتصاد نحو ذلك، لكن السياسة عرقلت هذا التوجه، وامتد الشجار إلى داخل الحكومة. إنه الصراع بين رأس المال وبين السياسة العنصرية. وفي النهاية شق رأس المال طريقه.

رأس المال في رأيي، ينجح دائماً، ما عدا في اللحظات الفارقة سياسياً أو عنصرياً، حين يتم تبنّي فكر أيديولوجي يمنع القرارات من أن تمر، فأهداف رأس المال واضحة. مثلاً، رائف زريق يسكن في نتسيرت عِلّيت التي بُنيت لليهود، لأنه دفع مبلغاً أكبر لتملّك مسكن.

الأيديولوجيا سادت في الخمسينيات والستينيات وصولاً إلى سنة 1972، لكنها في آخر المطاف ستتراخى عند جميع الشعوب، والذي لا يتراخى هو رأس المال الذي سيمضي قدماً. ففي نتسيرت عِلّيت أصبح السكان العرب يشكلون 30%، وبات رأس المال هو الذي يواجه العنصرية، لكنه في النهاية سيشق طريقه.

هبة يزبك: تجربة القائمة المشتركة ناجحة إلى حد ما، لكنها بحاجة إلى تطوير، وهي ملأى بالتحديات وحقول الألغام، الأمر الذي يفرض علينا نضجاً سياسياً وعملاً مشتركاً كي نتجاوز هذه المرحلة، وننتقل إلى مرحلة نستطيع فيها إدارة شؤون القائمة المشتركة وتحويلها إلى جسم قيادي حقيقي وفاعل وسط أبناء شعبنا.

نقطة الانطلاق في تعاملي مع القائمة المشتركة تستند إلى كونها إطاراً جامعاً للقوى السياسية وللفلسطينيين في الداخل، وكونها مركّباً وجسماً أساسيين يعتمدان على التنظيم القومي للفلسطينيين.

ما زلت أقرأ الصراع باعتباره صراعاً سياسياً يعتمد على الصراع القومي، وبالتالي، فإن هذه مسألة نضالية تتحملها القائمة المشتركة حتى لو وُجد في داخلها قوى يهودية تقدمية، فهذا الأمر لا يلغي كونها الإطار الجامع والتنظيم القومي للفلسطينيين في الداخل.

لقد ساهمت عدة عوامل في نجاح القائمة المشتركة، وفي حصولها على 13 مقعداً في الانتخابات الأخيرة في مقابل انتخابات نيسان / أبريل التي حصلت فيها على 10 مقاعد. وأرى أن سببين رئيسيين ساهما في هذا النجاح:

أولاً، المواطنون العرب في الداخل، يعتبرون الكنيست ساحة عمل مشتركة أكثر كثيراً من أي مكان خارج الكنيست، والقضايا التي يعمل عليها أعضاء الكنيست العرب والأحزاب الفاعلة، هي قضايا مصيرية مشتركة، وتحتاج إلى عمل جماعي، حتى لو كان العاملون ضمن كتل أو أحزاب منفصلة. ضمن هذا المفهوم للمواطن العربي العادي، هناك مصير مشترك، وهناك قوانين تُسنّ ضدنا لأننا فلسطينيون نعيش في هذا البلد. إذاً العمل طبيعي، وبديهي أن يكون مشتركاً.

ثانياً، التصعيد في السياسات العنصرية ضد الفلسطينيين، وخصوصاً في العقد الأخير، والذي تجلّى أخيراً بقانون القومية. هذا التمييز الذي يصاغ ضدهم على أساس قومي، يجعل حاجتهم إلى الوحدة أكبر من قبل. ففي خضمّ الانتخابات تحولت القضايا المدنية إلى المركز، بمعنى أن الوحدة أمام سياسات الدولة العنصرية وتشريع القوانين العنصرية، ساهمت في أن يرى الفلسطينيون في القائمة المشتركة عنواناً لهم. كذلك في نيسان / أبريل، والآن، كان مطلب الوحدة مثيراً في العمل الانتخابي، لكن بوجهين مختلفين. فالوحدة كانت القضية الأساسية التي بسببها عاقب الناس الأحزاب في الانتخابات، لأنها لم تتوحد، وقد فهمت الأحزاب الدرس سريعاً وأعادت تشكيل القائمة المشتركة في انتخابات أيلول / سبتمبر. السؤال المركزي هو: كيف نستطيع أن نترجم هذه القوة العددية التي لا يستهان بها (13 مقعداً)، إلى مشروع سياسي جامع متفق عليه، وليس إلى مشروع حد أدنى؟ يعني عدم التعامل مع القائمة المشتركة كأنها مشروع حد أدنى للفلسطينيين في الداخل.

كيف نرفع هذا السقف؟ هذا السؤال مطروح للنقاش الجدي داخل القائمة المشتركة، وبرز خلال فترة الانتخابات ويبرز الآن في خضم أزمة تشكيل الحكومة، ودعم حكومة غانتس، ومسألة التوصية على غانتس أو عدمها. هناك نقاش جدّي في داخل "المشتركة" ينعكس أيضاً على الشارع، وعلى جمهور المصوّتين للقائمة المشتركة، لأن هذه الأخيرة تتأثر بمسألة حاجات الشارع وجمهور المصوّتين، كما تتأثر بالحالة السياسية العربية العامة. فما يحدث في العالم العربي، والذي نشاهده عبر شاشات التلفاز، من مشاهد تهجير وترويع وحروب واقتتال ونكسات الثورات، يؤثر بالضرورة في الفلسطيني في الناصرة وأم الفحم والنقب، ويساهم في توجّه الفلسطيني نحو محاولة تحصيل ما يستطيع تحصيله من حقوق مدنية كآليات بقاء.

الفروقات السياسية بين نتنياهو وغانتس

السؤال المطروح هنا هو: هل مسألة الانتماء القومي للفلسطينيين في الداخل والمحافظة عليه تحولت إلى قضية مفهومة ضمنياً، ولا تحتاج إلى نقاش أكثر، وبالتالي لأنها مفهومة ضمناً، نستطيع البدء بالمطالبة بـ "المدني" من دون خوف على الجانب القومي، أم إن المدني سيأتي على حساب القومي؟ هذا الخوف الأساسي سنلمسه مع الأيام، وهو تحدّ جدّي يواجهنا في هذه المرحلة. ثمة أسباب متعددة ومتنوعة ساهمت في أن يقبل الفلسطيني بأن يكون العنوان الأساسي في الانتخابات الأخيرة للقائمة المشتركة هي عناوين مدنية، وأنا هنا لا أتحدث عن الخطابات في الحملة الانتخابية العامة، ولا عن الندوات التي عُقدت، وإنما عن الإطار العام، والخطاب العام، مع أن البرنامج السياسي والاجتماعي للقائمة المشتركة، يتضمن في الأساس القضية الفلسطينية ورؤية القائمة المشتركة إلى موقعها ضمن القضية الفلسطينية. هذا هو البند الأول في المشروع السياسي للقائمة المشتركة، إلّا إن الحملة الانتخابية للقائمة المشتركة تأثرت بأمرين:

أولاً، الجو والمشهد السياسي العام في إسرائيل، فالرغبة في إسقاط نتنياهو تستند إلى كونه فاسداً، وليس على أساس خلاف على إدارة الصراع، وعلى شكل الحل النهائي. وشئنا أم أبينا، فإن القائمة المشتركة تأثرت بهذا المناخ العام، كما تأثر به الجمهور الفلسطيني.

ثانياً، هناك رغبة جامحة في تطوير المكانة الفردية، وهذا أمر يدغدغ مشاعر الناس، وهو أيضاً ما حاولت القائمة المشتركة أن تأخذه بعين الاعتبار. لقد كان شعار القائمة الرئيسي شعاراً مدنياً، مثل "مشتركة أكثر.. تأثير أكثر"، كما أنها ركزت على قوانين تتعلق بجودة الحياة، وبمكانة الفلسطينيين في الداخل، لكن إسقاط نتنياهو لماذا؟ ما معنى الفروقات السياسية القائمة بين نتنياهو وبين غانتس؟ هذا كان غائباً عن الحملة العامة للقائمة المشتركة، وهذا نقد يسجَّل في حقّ القائمة المشتركة، وعلينا الإشارة إليه، مع أخذنا في الاعتبار أنه نابع من جو اجتماعي عارم راغب في الانحياز إلى المدني.

عملياً التحديات كبيرة أمام القائمة المشتركة، وتتعلق أولاً، بإدارة الشؤون الداخلية للقائمة المشتركة، والتي تعبّر عن تطلعات أربعة أو ثلاثة تيارات مركزية في الداخل؛ فالتحدي الأساسي هو كيفية التجسير ما بين المواقف. ثانياً، القائمة المشتركة تحولت إلى عنوان سياسي أساسي لدى الفلسطينيين في الداخل، الأمر الذي يشكل خطراً حقيقياً على الحراك الحزبي، وما يعنيه من انتزاع الشرعية من الأحزاب، كأن القائمة المشتركة هي الحزب الجامع، وكأنه لا شرعية لعمل حزبي ميداني على الأرض، وهو ما يحدّ أيضاً، من إمكانات الحراك والفكر والنشاط السياسي في الميدان.

منير فخر الدين : في حال تقررت الانتخابات، ما هو في رأيك وضع "المشتركة"؟ كيف يمكن أن تزيد مقاعدها؟

هبة يزبك: جزء من أهداف القائمة المشتركة هو زيادة مقاعدها، وهذا أمر ضروري، فنحن نتعامل مع زيادة المقاعد كإنجاز، وكوزن نوعي لتمثيل الفلسطينيين في الداخل. ففي النهاية نحن نمثّل الفلسطينيين داخل الكنيست، لإسماع صوتهم ولوضع قضاياهم في المركز، وعدم تهميش هذه القضايا، والعمل على بُعدَيها القومي والمدني. نعم زيادة المقاعد هو هدف، لكن في حال تشكلت حكومة، هناك أيضاً عدة تحديات أمام القائمة المشتركة.

القائمة المشتركة ما بعد الانتخابات الأخيرة كان حضورها قوياً، وهذا يعود إلى الحراك المتعلق بقضايا الجريمة والعنف. والسؤال هو: هل ستزيد مقاعدها إذا استمرت في هذه الطريقة من العمل؟، نعم ستزيد مقاعدها. والأهم، هل هذا ما تريده القائمة المشتركة سياسياً؟ هذا هو السؤال المفصلي.

الخطاب السياسي الآن يتمحور حول دخول أو دعم حكومة غانتس أو عدم دعمها، وحول وجودنا وكوننا جزءاً فاعلاً حقيقياً في المشهد السياسي الإسرائيلي، لكن إلى أي مدى سنستطيع تسويغ هذا الخطاب للجمهور؟ وإلى أي مدى سيستمر الجمهور في شراء هذا الخطاب؟ ومتى سيصطدم بالواقع، وكيف سيؤثر هذا بالضرورة في أنماط التصويت لدى القائمة المشتركة؟

منير فخر الدين: هل لديكم معطيات بشأن موقف الجمهور من دعم قائمة غانتس؟

هبة يزبك: طبعاً، تكشف الاستطلاعات أن الأكثرية تعطي دعمها لحكومة غانتس، وإذا جرى تعريفها كحكومة احتلال، وعُرضت ميزانياتها المخصصة للاحتلال، فإن الموقف يمكن أن يتغير. غانتس يمثل اليمين في إسرائيل، لكن يمكن أن يتغير. السؤال هو: ماذا يريد الناس؟ وما هي مشكلتك كقيادة سياسية وإلى أين تقود؟

رائف زريق: فيما يتعلق بـ "المشتركة"، أعتقد أنه يمكن تشبيه تحديات "المشتركة" بالثقب الأسود، والانفجار الكبير - أنا متأثر بالفيزياء. الثقب الأسود يمثل تغييب الاختلافات تماماً، بحيث تفقد القائمة المشتركة قدرتها على صناعة الاختلاف؛ بعد ذلك ماذا يتبقّى من الأيديولوجيا؟ كيف نرى النقاش بين مكونّاتها؟ أمّا الانفجار الكبير (big bang)، فهو غياب شيء مشترك أو غياب آلية مشتركة تضبط الاختلافات، وتحول دون تحوّلها إلى شجار. السؤال هو: كيف تخلق آلية للوحدة، بحيث لا تقضي الوحدة على الاختلاف، والاختلاف لا يقضي على الوحدة؟

منير فخر الدين: أنت ترى أننا ذاهبون أكثر إلى الثقب الأسود؟

رائف زريق: لا، أرى أننا نتأرجح طوال الوقت بين الاثنين. ففي بعض الحالات لا يوجد نقاش، وأحياناً أي نقاش بسيط يؤدي إلى انفجار، وآلية الضبط غير موجودة، وبالتالي فإن تطوير آليات عمل لـ "المشتركة"، ما زال غير قائم. لنفرض أن أحداً يريد تقديم اقتراح قانون للكنيست، فهل يقدمه إلى "المشتركة"، أم يقدَّم باسم الأحزاب؟ إذا أردنا الذهاب إلى الأمم المتحدة، مَن يذهب؟ لماذا نلتقي بالرئيس أبو مازن؟

آليات العمل غير واضحة حتى الآن. وإذا كانت القائمة المشتركة تريد أن تتجاوز الأحزاب وتمثل حالة شعبية، فهذا يستدعي تطوير قنوات بينها وبين الجمهور خارج الأحزاب، فهناك مَن صوّت لـ "المشتركة" ولا يريد دعم أي حزب من الأحزاب.

هذا واضح في انتخابات نيسان / أبريل التي فاز فيها 10 أعضاء كنيست، وعندما توحدت الأطراف في انتخابات أيلول / سبتمبر زادت قوة القائمة المشتركة بنسبة 30%، الأمر الذي يعني أن هناك ناخبين يصوّتون للوحدة.

يجب أن يكون هناك آلية قادرة على التعبير عنهم. الشيء المقلق اليوم هو وجود أربعة أحزاب، فهل هناك دينامية لاستيعاب حزب جديد يدعو إلى "حلّ الدولة الواحدة"؟ وكيف يستطيع دخول "المشتركة"؟ وما هي آلية تجديد الدم في القائمة المشتركة بدخول أحزاب جديدة؟

منذ أن تأسست "المشتركة"، وأنا أشير إلى هذا الإشكال، وأتساءل عن كيفية التوافق عليه. سيكون هناك دائماً أزمة، لكن حتى الأزمات تُحسَم انتخابياً وتصير هي الأساس للمفاوضات، وأنا لا أرى وجود جهد فكري يُبذل في هذا الاتجاه.

تحدثت عن تحديات داخلية: آليات عمل، وضبط الوحدة والاختلاف، وكيف تكون علاقتها مع الجمهور الذي لم يصوّت للأحزاب. هناك تحديات سياسية أمام اللائحة المشتركة وتحديات تنظيمية؛ هناك انزياح إسرائيلي واضح نحو اليمين، وبالتالي المشهد السياسي كله في إسرائيل ينزاح نحو اليمين بسبب نجاح مشروع الاستيطان، وبالتالي الحديث اليوم عن تفكيك المستعمرات الذي كان جوهر ما يسمى العملية السلمية، أصبح تقريباً غير واقعي. المشهد السياسي كله، بما فيه واقع "المشتركة"، عرضة لهذا الانزياح نحو اليمين، والخطر المحدق في هذه الحالة، هو إمّا البقاء في الكنيست كأنه لا يوجد انزياح نحو اليمين، وتكرار الكلام نفسه الذي كنا نتحدث به في السبعينيات والثمانينيات، وإمّا التحول إلى حالة غير ذي صلة (irrelevant).

العمل برأسين: من داخل الكنيست ومن خارجه

في ظل هذا الوضع يجب التفكير بشكل علمي أكثر، فبدلاً من النقاش بين الفلسطينيين على التصويت أو عدمه، يجب أن يكون الرأي محسوماً في اتجاه التصويت، لأن على الفلسطينيين أن يعملوا برأسين: رأس داخل الكنيست، ورأس خارجه. فمَن يعمل داخل الكنيست لا يستطيع العمل مع الضوابط نفسها التي من الممكن للجنة المتابعة التحرر منها، أي أن هناك إيقاعاً معيناً لعمل الكنيست. فمثلاً إذا دُعيت إلى لقاء مع وزير، وإذا ذهبت إلى الكنيست من دون شراكة مع وزير، فإن الأمر لا يستقيم. إذاً، إن أفضليتك في الكنيست تجعلك تصل إلى مواقع القوة، واذا لم تصل إليها، ولم تحاورها، ولم تحاول أخذ إنجازات عينية منها، فإنك بذلك تخون دورك كعضو كنيست.

وبما أن الفلسطينيين في الداخل يمثلون عمقاً تاريخياً واستراتيجياً وهوياتياً يتجاوز عمل الكنيست، فإنه يجب توزيع الثقل بين القائمة المشتركة وكيان خارجها على شاكلة لجنة المتابعة. ما أخشاه الآن الاشتباك بين لجنة المتابعة و"المشتركة"، وهذا يجب أن يتوقف، فمزايدة "المتابعة" أحياناً على "المشتركة" يجب أن يتوقف، وهذين الجسمين يجب أن يعملا بطريقة متكاملة.

جزء من نجاح "المشتركة" هذه المرة كان انتخابياً، وجاء نتيجة حملات رفع نسبة التصويت، والتي استفادت من قوى خارجية في أميركا. أنا لا أتعفّف سياسياً الآن، ولا يوجد عندي هذا البعبع، إذ لو كان هدفي رفع نسبة التصويت، فلتكن حملات لرفع نسبة التصويت، لكن يجب الانتباه إلى أن مَن يضبط هذا الإيقاع عنده أجنداته المتمثلة في يسار إسرائيلي موجود في أميركا، وهو الذي يجعلنا نتحدث بمنطق "السلام الآن"، فمصالحنا تتفق أحياناً مع هذا اليسار، وأحياناً لا تتفق.

لقد خلق الدعم جواً عاماً، لكن الأهم هو الثقة. فمَن يوفر هذه الأموال، هل يستطيع ضبط إيقاع الدعاية الانتخابية لرفع الصوت؟ مهم الانتباه لعدم اختطاف "المشتركة"

منير فخر الدين: يعني "المشتركة" تلقت دعماً من هذه الجهات؟

رائف زريق: ليس "المشتركة" كجسم سياسي هي مَن أخذ الدعم، بل إن هناك جمعيات عديدة دعمت "المشتركة" بشكل غير مباشر، عبر دعم رفع نسبة التصويت.

منير فخر الدين: جمعيات يهودية أم عربية؟

رائف زريق: جمعيات عربية وعربية - يهودية. أعتقد أن التحديات التي تواجهها "المشتركة" و"المتابعة" لا تحظى بنقاش جدي، وللأسف النشر في الفيسبوك ليس تعويضاً عن موقف واضح ومباشر، ولا عن موقف مركب. هناك تسطيح للعمل السياسي، فعندما لا يعجب شخص بحدث أو موقف معين، ينشر موقفاً في الفيسبوك.

إن سؤال كيف سنقضي على الجريمة بواسطة شرطة إسرائيل التي تعتقلنا وتسجننا وتهدم بيوتنا، هو سؤال شرعي، لكن مَن يستطيع القضاء على الجريمة من دون التعامل مع شرطة إسرائيل؟ مَن يستطيع التأثير في نظام التعليم لأولادنا من دون التعامل مع وزارة المعارف الإسرائيلية؟ يعني، طبيعة العلاقة مركّبة بين الفلسطينيين وإسرائيل، هي ليست علاقة صراع وعداوة فقط، بل هي كعلاقة زوجين متساكنَين وعندهما أولاد، فهما مجبران على التعامل مع بعضهما البعض، لكنهما مختلفان ويتآمر بعضهما على بعض.

"المشتركة" بحاجة إلى مجلس استشاري يجتمع مرة كل ثلاثة أشهر، ويتمتع بصلاحية اتخاذ قرارات، وهذا الأمر يجب أن يناقَش بجدية. إذ لا يُعقل أن تقرر "المشتركة" تزكية غانتس بعشرة أعضاء، بينما كان من المفترض أن يجلس الـ 13 عضواً ويقرروا هذا الأمر. ففي موضوعات حساسة بهذا المستوى، ما المانع من أن يستأجروا قاعة في الناصرة ليوم كامل، ويفتحوا المجال أمام مَن يرغب في تقديم أفكار وإبداء رأي، ثم يقرروا بعد ذلك؟ هذا واحد من الأمور التي تضمن عدم اختراق واختطاف "المشتركة". وللإجابة عن كلام أيمن، هناك فرق بين إسقاط نتنياهو وتسويغ إسقاطه، أنا مع إسقاط نتنياهو، وهذه مهمة سياسية، لكن تسويغات إسقاط نتنياهو كمُرتشٍ قضية أُخرى.

منير فخر الدين: موضوع مأسسة "المشتركة" له محور خاص، والآن لنستمع إلى بقية المشاركين.

سؤال الشرعية

أمل جمّال: لا أريد أن أعيد الأشياء التي ذُكرت، وإنما أريد أن ألخص الأمور بجدليات أساسية يمكن من خلالها الإجابة عن الأسئلة كلها. على رأس تلك الجدليات التناقض أو عدم الاتساق ما بين التأثير والشرعية. نحن من جهة، نريد أن نؤثر ونزيد كمية التأثير في المؤسسة الإسرائيلية، ومن جهة ثانية، فإنه كلما ازداد تأثيرنا، سُحبت الشرعية أكثر عن هذه المؤسسة. يوجد تخوف أكثر في الشارع الإسرائيلي من تأثيرنا، وإذا أردنا أن نكسب شرعية فإن هذا يعني تمييع الخطاب من أجل اكتساب تأييد الشارع الإسرائيلي لنا. هذا الموضوع في اعتقادي لم يُبتّ ولم يُحسب بشكل كافٍ.

كيف يمكن أن نرفع مدى التأثير في الشارع الإسرائيلي من دون تمييع الخطاب بالشكل الذي يمحو ليس فقط الفروقات بين الأحزاب، بل بعض الخطوط أو بعض الالتزامات الوطنية الأساسية أيضاً؟ الخلاف هو خلاف موضوعي وليس مدنياً فقط؛ هل نتنياهو فاسد أم غير فاسد؟ موافقون على دخول الشرطة الإسرائيلية إلى القرى العربية، أم غير موافقين على دخولها؟ هذا الموضوع مهم جداً، ويشكل مأزقاً كبيراً للقائمة المشتركة.

أتكلم عن قيادة القائمة المشتركة كأنها حزب واحد، وليس أفقاً سياسياً وأيديولوجياً واحداً. لكن مع ذلك، يتعين على القائمة المشتركة أن تتعامل مع سؤال الشرعية بشكل قاطع، فعليها أن تكسب شرعية في المؤسسة الإسرائيلية نفسها. ما هي الآليات لكسب الشرعية من دون التخلي عن الركائز الأساسية للخطاب ولمصالح المجتمع الذي تمثله؟ هذه نقطة مهمة أولى مرتبطة بجدلية ثانية، "المدني" و"الوطني".

هبة يزبك: سؤالي هو مفهوم الشرعية.

أمل جمّال: تعريف مفهوم الشرعية ينطلق من سؤال: إلى أي مدى نكون شرعيين؟ مِمّنْ نكون شرعيين؟ ما هي التنازلات التي نقدمها كي نكون شرعيين؟ هذا ما أقصده، ولا أريد أن أذهب بعيداً أكثر من اللازم؛ أي ما هي الخطوط الحمراء التي يجب عدم تجاوزها باسم الشرعية في المؤسسة الإسرائيلية؟ ففي نهاية الأمر، مدى التأثير في المؤسسة الإسرائيلية هو في داخلها وليس خارجها، فأنت تكون مؤثراً في العالم العربي والعالم الخارجي بالقدر الذي تريده، وفي نهاية الأمر هناك مؤسسة تعمل من داخلها. أنت في داخل الكنيست، أي أنك في داخل مؤسسات السلطة الإسرائيلية، ولديك تأثير فيها، لكن إذا أردت أن تؤثر هناك، فما هو الخطاب وما هي مقوماته، كي تكسب ما بين التأثير والشرعية؟ وكي تكون مؤثراً يجب أن تكون شرعياً، ولتكون شرعياً يجب أن تطرح خطاباً من نوع معين يتوقعوه هم، وبالتالي، إلى أي مدى يمكن أن تتماشى مع خطابهم، بحيث يكون مقبولاً من المؤسسة الإسرائيلية، من أجل توسيع رقعة التاثير؟ فعلى سبيل المثال، الحديث مع غانتس، والتصريحات التي قيلت بعد اللقاء معه هي إشكالية من الدرجة الأولى، وهي في رأيي، تكتيك سياسي ناجح من جهة، كي لا نضعه في موقع "مستحيل" تجاه المجتمع اليهودي، ولا نضع أنفسنا في موقع "مستحيل" تجاه مجتمعنا.

في نهاية الأمر، يتحتم علينا البتّ في الالتزامات، وهذا يجب أن يتم ليس داخل القائمة المشتركة فحسب، بل إن هناك أيضاً حاجة إلى اشتراك جمهور أوسع كثيراً. وأحد إخفاقات القائمة المشتركة، حتى الآن، هو غياب آليات توسيع رقعة التأثير في المجتمع الفلسطيني.

منير فخر الدين: ما هي الإشكالية في دعم غانتس؟

أمل جمّال: لم أقل إن هناك إشكالية. أنا مع التحاور مع غانتس، لكن كيف تطرح التحاور معه؟ وإلى أي مدى أنت مستعد لأن تتنازل عن مواقف معينة كي ينجح في تركيب حكومة؟

منير فخر الدين: ما هي المواقف التي تتنازل عنها؟ وهل غانتس يريد أن يضم المستعمرات، وما هو برنامجه السياسي؟

أمل جمّال: كل شيء قابل للتفكير من جديد، فالواقع السياسي المائع وغير الواضح، خلقه اليمين الإسرائيلي، من خلال اصطناع مستقبل مختلف تماماً عمّا كان متّبعاً في قضايا "حل الدولتين" واتفاق أوسلو آنذاك. وهذا الواقع يُحتّم علينا أن نكون حكيمين أكثر في التعامل مع غانتس ومركز اليسار الإسرائيلي. أنا لست مع الامتناع بشكل كامل، لكنني لست مع التسليم بشكل كامل في الموضوع، أي أنني لست مع مواقف مبدئية أيدلولوجية صلبة، دوغماتية، غير قابلة للتساوم بتاتاً، ولا مع تمييع كل شيء كي نحصل على موارد بسيطة من غانتس، مع أنني أميل إلى طريق الوسط بشكل واضح، لأن هذا الموضوع مبدئي واستراتيجي وعميق، ومنوط به مستقبل "المشتركة" ومستقبلنا السياسي بأكمله.

يجب التحاور مع الجمهور الفلسطيني في الداخل، وأنا أوافق رائف على إقامة مجالس للاستشارة والتحاور، وعدم اتخاذ قرارات مبدئية ذات أبعاد كبيرة من دون التحاور، لأن هذا أسلوب سيىء جداً، وهو نوع من التكتيك السياسي الموقعي القصير النظر الذي يوقعنا، في نهاية الأمر، في مطبّات المؤسسة الإسرائيلية التي تعمل على أساس خطط لتحقيق أهدافها. فعلى الرغم من جميع الخلافات بين غانتس ونتنياهو، هناك مؤسسة، وهناك مرجعيات مؤسساتية تخطط لأمور معينة، ولذا يتوجب علينا ألّا نتعامل مع غانتس كأنه خارج المؤسسة، وبمثابة الملاك الجديد على الأرض، فهو جزء من المؤسسة، ومن صلب المؤسسة، وبالتالي يجب التعامل مع المؤسساتي أكثر.

الجدلية الأُخرى التي أرغب في طرحها، فضلاً عن جدلية "الوطني" و"المدني"، هي جدلية "الشعبي" و"المؤسساتي". فمن جهة، يجب عدم العمل مع "المشتركة" على أنها مؤسسة واحدة، ومن جهة ثانية، إيجاد آليات لتصنيف الخلافات والاختلافات، آليات للتعامل مع الواقع الفلسطيني الشامل كله، آليات للتعامل مع لجنة المتابعة، ولجنة رؤساء السلطات المحلية، وما إلى ذلك من آليات تتلاءم مع التحديات داخل الكنيست. فهذا كله إذا لم يطوَّر، فإن "المشتركة" ستبقى كقشة في مهب الريح.

نلاحظ أنه في كل تغيير كبير تنكشف الخلافات داخل "المشتركة"، وبالتالي يهبط وزنها الشعبي، وهنا الجدلية مع "الشعبي"، بمعنى أن الارتباط مع الجمهور يأتي من خلال الإنجازات، فالخطاب وحده لا يكفي لإقناع الجمهور في كل مرة، ولا للمراهنة على أعصابه ومشاعره، لتجيير صوته لنا.

يجب أن نتجاوب مع المطالب الشعبية بشكل جدّي، ونعمل على تطوير آليات للتعامل مع المطالب الشعبية بشكل جدي، وكي نحقق ما نصبو إليه، وهو رفع سقف التصويت في المرات المقبلة، علينا أن نعتمد استراتيجيا ما، لا أن نتحرك في اللحظة الأخيرة، في حالة طوارىء (emergency situation).

السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل المحرك الأساسي هو "المشتركة"؟ وهل "المشتركة" قادرة على الوصول إلى هذا النموذج غير السياسي الذي يحظى بتوافق تام؟ وهل نستطيع الوصول إلى توافقات معينة بشأن المسائل السياسية والأيديولوجية والوطنية، فنتعامل مع المتفق عليه، ونتعامل مع شعبنا بشكل جريء ومع بعضنا البعض، وألّا يتحول المختلف عليه إلى الشيء الأساسي؟

ومثلما قال رائف، فإنه عند انفجار الخلافات المفاجئة وظهورها داخل "المشتركة"، فإنها ستفقد شرعيتها في الشارع العربي، وستظهر انتهازيتها بشكل قاطع، وبالتالي ستخدم المصلحة الإسرائيلية. وفي نهاية الأمر، ستركز المؤسسة الإسرائيلية الأضواء على الخلافات من أجل نزع الشرعية، ومن أجل خلق الفرقة ما بين القيادة وبين الجمهور. إلى أي مدى "المشتركة" قادرة على التعامل بجدية مع آليات المؤسسة التي تريد أن تخلق الفرقة، وتعزز الخلافات الداخلية؟ يجب أن يكون هناك تطوير آليات للتعامل مع هذا الموضوع بشكل استراتيجي، وليس موقعياً، ويجب أن يكون هناك آليات للتفكير المشترك، والعمل على توسيع الرقعة مع قطاعات متعددة من الشعب.

أي عمل مدني هو وطني، إلّا إذا كان مؤسرلاً

جدلية أيضاً يجب نقاشها هي مسألة "المدني" و"الوطني". الكلام الذي قاله رائف يشكل مادة جيدة للنقاش، لأن كل شيء يجب التعامل معه من خلال المواطنة، لكن ثمة حيّز مدني حقيقي يجب التعامل معه إجرائياً، بمضامينه الوطنية، شئنا أم أبينا.

رائف زريق، يتحقق ذلك من خلال المواطنة الإسرائيلية، من خلال مفهوم المواطنة.

أمل جمّال: هنا يوجد توافق من دون شك. المؤسسة تحاول أن تخلق تضارباً بين "المدني" و"الوطني"، لأنها تريد "المدني" الإسرائيلي، وبالتالي الانزلاق نحو الأسرلة، وهذا فيه تضارب مع "الوطني" بالشكل الذي نفهمه نحن. وفي اعتقادي، فإن تعزيز مفهوم العمل السياسي المدني بمضامينه الوطنية، أمر لا مفر منه، وأي عمل مدني عربي هو بشكل أوتوماتيكي وطني، إلّا إذا كان مؤسرلاً بشكل كامل.

المطالب الوطنية والأفق المدني، وأفق المواطنة، ومصطلح المواطنة، ومصطلح العمل السياسي المدني، يجب أن تشتمل على مضامين جديدة لمنافسة ما تحاول المؤسسة الإسرائيلية أن تسبغه عليها. وهذا التحدي هو أحد التحديات الأساسية لـ "المشتركة".

كيف يمكن صوغ مشروع مدني مختلف عمّا تطرحه المؤسسة الإسرائيلية؛ مشروع يأخذ بعين الاعتبار جميع المركّبات والانتماء الوطني من جهة، ويبقى قادراً على أن يتحدث مع المؤسسة، من دون انقطاع، ومن دون إدارة الظهر للمؤسسة من جهة أُخرى؟ هذه المعادلة مهمة جداً، وهنا الجدلية بين "الاستراتيجي" و"التكتيكي". نحن كثيراً ما نضيع في التكتيك، فنبقى في "التكتيكي"، ولا نرتقي إلى الاستراتيجي، ونظل غير قادرين، لأننا ندور في متاهات سألخصها الآن بموضوع واحد، مع أنها أوسع كثيراً، هو قضية الأجندة الإعلامية الإسرائيلية المتمثلة في: نتنياهو يحكي شيئاً والإعلام الإسرائيلي يردده، ونحن نقع ونضيع فيه، وبالتالي، لا يوجد تعامل استراتيجي يرتبط مع الجدليات الأُخرى. هناك حاجة إلى الارتقاء بأفق التعامل مع الواقع، وإلى تحديد ما هي الموضوعات الأساسية التي نتعامل معها، وبأي شكل ترتبط بواقعنا، وهل إن شعبنا قادر على أن يتعامل معها بشكل جدّي.

الفطرية الفلسطينية والتحول إلى مشروع سياسي

أنا من المتفائلين، ودائماً أقول: فطرياً.. نحن فلسطينيون، من النقب جنوباً إلى فسُّوطة شمالاً، وحتى الضائعين منّا في سوق العمل الإسرائيلية، هم فلسطينيون بالفطرة. ثمة انتماء وطني فطري لارتباطنا بالأرض، ففلسطين هي الهوية، وقد جرى الحديث عن الهوية قبل؛ الهوية ليست شيئاً مجرداً في السماء، إنها الزيتونات حدّ البيت، وفلسطين بالنسبة إلى الناس، هي الأرض، والتضييقات التي تحدث. هذا الذي يربط الفلسطيني بفلسطين، هو عمل فطري. التوسع الاستيطاني، أكان في الضفة الغربية، أم في الجليل، يجعلنا بالفطرة فلسطينيين. السؤال هو: كيف نحوِّل هذه الفطرة الفلسطينية إلى أفق سياسي، وإلى مشروع سياسي مشترك على مستوى "الاستراتيجي" وليس "التكتيكي" فقط؟ الفرق بين نيسان / أبريل وأيلول / سبتمبر واضح جداً: التغلب على الفروقات بين الأحزاب، وخلق "الاستراتيجي" كأفق سياسي، وإبقاء "التكتيكي" كمسألة خلافات متدنية أكثر، هي في نظري، إنجاز لـ "المشتركة"، وذلك من خلال خلق آليات جديدة ترتقي مع الواقع، ولا سيما أن تحديات الواقع اليوم مختلفة تماماً. وسألخص بجملة واحدة فقط: التحدي الأكبر لـ "المشتركة"، وإنجازها الأكبر هو أن تخلق هذا الجو الجديد من التعامل مع التحديات، من خلال وضع آليات جديدة واقعية من جهة، لكن مع أفق استراتيجي مستقبلي واضح وقاطع من جهة أُخرى.

منير فخر الدين : د. جورج ماذا تضيف؟

جورج جقمان: أرى إمكانات لتعاون فلسطيني مشترك في المستقبل أكثر ممّا هو الوضع عليه الآن، وأعتبر أنها مسألة وقت قبل اكتشاف مجموعة من القضايا المشتركة. أعتقد أن "حل الدولتين" بالفهم الفلسطيني له، أي في حدود 1967، انتهى، لأن موضوع الضمّ وارد عند جميع الأحزاب الصهيونية، والقضية مسألة وقت فقط، وسنرى ما سيحدث بعد تشكيل الحكومة. وبالتالي، فإن الحديث عن إقامة دولة فلسطينية على ما تبقّى من الأرض وتسميتها دولة، حتى هذا لا أراه في الأفق. أعتقد أن المستقبل مفتوح فيما يتعلق بعناصر العمل المشترك، لكن يجب أن ينضج الوضع أكثر في الضفة الغربية تحديداً.

هذه القضايا المشتركة تثير بطبيعة الحال أسئلة صعبة، فممّا لا شك فيه أن العمل السياسي يقوم في الأساس على المصالح، وأحياناً يتم تنازل عن بعض القضايا لمصلحة الأُخرى. والسؤال هو: أين يمكن وضع الحدود؟ لا يمكن الإجابة بشكل مجرد عن سؤال مثل هذا، فأحياناً هناك خيارات صعبة، وقد يكون الخيار بين أمر سيىء وآخر أسوأ، وربما يختار المرء ما هو سيىء تفادياً لما هو أسوأ، فهذا أمر ملازم للعمل السياسي. لكن في جميع الأحوال، يجب دراسة إن كان هناك بعض الاقتراحات بشأن موضوع مشاركة الجمهور، إذ كلما زادت مشاركة الجمهور في الانتخابات، يزداد عدد المقاعد، ويكبر الثقل الفلسطيني داخل المؤسسات الإسرائيلية، وبالتالي تتحقق أمور إضافية. وإذا جرت انتخابات مرة ثالثة، فكيف سيكون الوضع؟ هذا أمر مهم وسنرى ما سيحدث.

تفشي الجريمة في المجتمع الفلسطيني

أيمن عودة: هناك تحدٍ خطير هو تفشي الجريمة. فقبل سنة 2000، كان يُقتل 5 أشخاص في العام الواحد، بينما سقط في الأمس القتيل رقم 79، ولمّا ينتهِ العام بعد. السلاح أصبح متوفراً أكثر.

لماذا نسبة القتل عند الدروز وعند عرب النقب أقل من نسبته في المثلث والجليل، مع أن السلاح متوفر بكثرة لدى الدروز، وكذلك لدى سكان النقب العرب؟ ما يحدث في هذا المجال هو خسارة المبنى التقليدي، من دون ربح المواطنة أو الدولة.

لقد خسرنا المبنى التقليدي في أوائل التسعينيات، وانتهت البنية العائلية. فالمختار أو كبير القرية كان يقول للشباب: اِرجعوا كلكم إلى الخلف، وكانوا يستجيبون، هذا انتهى.

قبل 5 أيام التقيت بشاب في شارع بجروان في حيفا، وسألته هل تدفع خاوة أم لا؟ صفن الرجل وقال: "هو في حدا بدفعش خاوة؟" سألته مَن يعرف عن هذا الأمر، فقال: "زوجتي لا تعرف"، قلت له كم تدفع، قال: "4000 شيكل شهرياً"، سألت لماذا لا تذهب إلى الشرطة؟ قال لي: "مجنون إنت، كيف بدّي أروح للبوليس يا أخي؟ ماذا سيعمل البوليس؟ إمّا أن يحقّق معاه ويعيده للبيت، وإمّا يسجنه شهرين. بعد ذلك كيف سأتعامل معه؟ أنا رجل عندي أولاد أتولى تربيتهم، وعندي مسؤوليات بيتية، مَن يحميني؟! إذا تسببت بحبسه أخوه راح يقتلني، أو عندما يخرج من السجن يقتلني هو!" هل كلامه صحيح؟.. نعم 100% صحيح.

في الوضع الحالي خسرنا المبنى التقليدي، ولم نربح الدولة. الشعوب كلها تخسر البنى التقليدية وهذا جيد، كي تربح الحداثة، وتربح المواطنة. لكن من هذا الفراغ دخل السلاح، وتفشّت مجموعات الخاوة، ومجموعات السوق السوداء، وعصابات الإجرام المنظم.

هذا الموضوع الجوهري هو في صلب سؤال المواطنة. وما دام موضوع الدولة والمواطنة لم يصل إلى مداه الكامل، فإن موضوع الجريمة سيبقى عالقاً، وسنعاني جرّاءه كثيراً.

منير فخر الدين: سؤال موجه إلى د. هبة: كيف تساهم "المشتركة" ككتلة وكتجربة في وضع حد لتفشي الجريمة في الوسط العربي؟

هبة يزبك: سؤال الجريمة داخل المجتمع العربي يضطرنا إلى أن نتعامل معه بأدوات جديدة، لأن الأدوات في السابق لم تعد نافذة. تحليلي يتشابك نوعاً ما مع ما ذكره زميلي أيمن، وأضيف أن هناك مساهمة جدية من طرف المؤسسة الإسرائيلية ومن طرف الشرطة لزيادة انتشار السلاح، وهذا لا يتعلق بالضرورة بالتحولات الاجتماعية التي تجري في المجتمع الفلسطيني، بمعنى هشاشة المبنى الاجتماعي الفلسطيني، مبنى الحمولة ومبنى العائلة والهيمنة الذكورية ولجان الصلح وما إلى ذلك، وإنما يتعلق أساساً بمشروع استراتيجي سياسي للمؤسسة الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين في الداخل.

نقطة التحول كانت هبّة تشرين الأول / أكتوبر 2000، والانتفاضة الثانية (انتفاضة الأقصى)، فقد كانتا نقطة حاسمة فيما يتعلق برؤية المؤسسة الإسرائيلية إلى المجتمع الفلسطيني، والمرتبطة بظاهرة انتشار الجريمة والسلاح.

المعطيات ما قبل الـ 2000 تشير إلى شيء، وما بعده إلى شيء آخر. التحول الأساسي والمفصلي كان الالتحام الطبيعي لفلسطينيي الداخل مع الانتفاضة باعتبارهم جزءاً من الكل الفلسطيني، وهذا كان نقطة تحوّل فاصلة لدى المؤسسة الإسرائيلية في تعاملها معنا كفلسطينيين في الداخل.

بمعنى آخر، فشل مشروع تدجين الفلسطينيين، وفشل مشروع الأسرلة، الأمر الذي ترتّب عليه خطوات مختلفة تجاه الجيل الشاب، ضمن رؤية شاملة للمؤسسة الإسرائيلية، بعد أن أبدى هذا الجيل التصاقاً كاملاً بالقضية الفلسطينية في الانتفاضة الثانية.

إن محاولة سلخ الشباب عن انتمائه، وعن فضائه، وعن هويته الطبيعية، تم من خلال عدة أمور، وليس فقط من خلال عملية نشر وانتشار السلاح، بل من خلال مخططات "الخدمة المدنية" أو مشروع "الخدمة الوطنية"، ومحاولات تجنيد الشباب في الجيش الإسرائيلي.

أرى أن انتشار السلاح داخل المجتمع الفلسطيني يتم بتسهيل من الشرطة الإسرائيلية، فالأسلحة هي أسلحة شرطة وأسلحة جيش، والمثير في الأمر أن هذه الأسلحة انتشرت خلال عدة أعوام فقط بشكل كبير. المعطيات الأخيرة للشرطة تشير إلى أن نحو 2% من المجتمع الفلسطيني متورط في قضايا الجريمة، ومع أن هذه النسبة كبيرة وهائلة، إلّا إن ثمة ما يبعث على الأمل وهو أن 98% خارج الدائرة، ويعملون على مناهضة الجريمة والعنف.

السؤال المركزي ضمن هذه الرؤية والتشخيص هو ما العمل؟ وهنا، أيضاً، أتفق على أننا من جهة أمام شرطة إسرائيلية تقمعنا كونها جزءاً من النظام القائم، لكننا، من جهة أُخرى، سواء قبلنا أم لم نقبل، وباعتبارنا جزءاً من بُعد المواطنة، بحاجة إلى التعامل مع هذه الشرطة، بشكل أو بآخر.

مطلبنا الأساسي في موضوع الجريمة والعنف، كقائمة مشتركة، وكلجنة متابعة، نحن متفقون عليه، وعلى كيفية إدارته، ففي البعد النضالي الميداني الشعبي الجماهيري تخرج التظاهرات، ويحتشد الناس لإسماع صرخة شعبية واضحة، وذلك للضغط على الحكومة من أجل وضع خطة حكومية واضحة لمكافحة الجريمة.

مطلبنا وموقفنا واضحان فيما يتعلق بالجريمة، وهما إقامة وإنشاء خطة حكومية مع ميزانيات مرصودة لمكافحة الجريمة، وفي هذا الشأن، رأينا أمثلة مختلفة لمكافحة الجريمة داخل المجتمع الإسرائيلي في نتانيا وتل أبيب وغيرهما، إذ جرى تنظيف هذه المناطق من الأسلحة. لهذا، نطالب بأن يكون هناك قرار حكومي تتم ترجمته عبر وزارة الأمن الداخلي، ووزارة التربية والتعليم، ووزارة الرفاه الاجتماعي والوزارات الأُخرى المعنية.

منير فخر الدين: هل يوجد شق اجتماعي وآليات اجتماعية لتوجهكم؟

هبة يزبك: نعم، نحن في تعاملنا مع هذا الملف، نفرّق بين العنف والجريمة؛ بالنسبة إلى هذه الأخيرة نطالب المؤسسة بجمع السلاح، وبالقبض على المجرمين، وبعلاج جذري للجريمة في المجتمع العربي، أمّا فيما يتعلق بقضايا العنف، فنحن نتعامل معها كسلوكيات مجتمعية، ونتحمل مسؤولية هذه السلوكيات كأي مجتمع آخر. نحن نقر ونعترف بوجود سلوكيات عنيفة داخل مجتمعنا، وتقع على كاهلنا، كأحزاب و"مشتركة" وقيادات وهيئات تربوية ومثقفين وأهالي وجميع الهيئات والمجموعات الفاعلة، مسؤولية العمل على الحد ووقف السلوكيات العنيفة داخل مجتمعنا.

وفيما يتعلق باستراتيجيات عمل "المشتركة" وخلق ديناميكيات وتطوير الأداء، أتفق مع ما ذكره الزملاء بشأن أهمية وضرورة إقامة هيئات استشارية إلى جانب القائمة المشتركة في شتى الموضوعات، أكان ذلك استراتيجياً فيما يتعلق بقضايا جوهرية، كالموقف من غانتس، باعتباره قضية جوهرية وليست إجرائية، أو كقضيتَي العنف والجريمة الجاريتين، أم كان اجتماعياً، كقضية الفقر، وغيرها من القضايا المجتمعية، بحيث نقوم بتشكيل طواقم عمل إلى جانب العمل الجاري لـ "المشتركة"، تعمل على حل هذه القضايا العينية بصورة تخصصية.

في قضية العنف هنالك لجنة استشارية لحل قضايا العنف والجريمة، وأعتبر أن "المشتركة" هي مشروع في طور التشتت، ولهذا فإن الملاحظات التي تُذكر يجب أخذها على محمل الجد.

في الدورة السابقة سُجلت نجاحات، وكذلك إخفاقات، وفيها كثير ممّا يجب أن نتعلمه، كما يتعين علينا ترجمة التحديات السابقة في الدورة القريبة، وأن نكون بمستوى تلك التحديات، وذلك بأن تكون "المشتركة" هيئة تفاعلية مع المجتمع، وليس هيئة تسيير عليا؛ هيئة تتفاعل مع الأطر المجتمعية القائمة، والمثقفين داخل المجتمع، والحراكات الشعبية، والحراكات الشبابية غير المنظمة حزبياً، كي لا تكون "المشتركة" مجرد عنوان فوق السطر في الانتخابات فقط. نريد من "المشتركة" أن تكون فاعلة في بناء المجتمع العربي في الداخل ومتفاعلة معه، وهي بهذا تمثل العمود الفقري إلى جانب "لجنة المتابعة"، في بناء تماسك المجتمع وإعادة إنتاج مفاهيم معينة عن العنف في المجتمع الفلسطيني، وعن الجريمة لأنها القضية المقلقة والملحّة رقم واحد.

قبل عدة أيام عُقدت جلسة بين رئيس الحكومة نتنياهو وبين طاقم الوزراء أصحاب الشأن، لوضع خطة بهذا الموضوع، وحتى الآن لا نعرف كيف سيكون شكل هذه الخطة، لكن على الأقل، هناك تحرك بفضل الضغط الشعبي الذي أثمر عن نتيجة تزرع القليل من الأمل في نفوس المواطنين.

رائف زريق: بتنا نقترب من نهاية الندوة.. صحيح؟ لديّ ملاحظات من جزأين: واحد عن العنف، والآخر عن "المشتركة".

أولاً، جميع المقولات الجاهزة تتحطم في أثناء التعامل مع قضية العنف، كما أن النظريات كلها تبدو رمادية في التعامل مع قضية العنف.

أنا لا أثق بالحديث الوطني العام الذي يقول إن مرجعية وطنية عامة، أو مشروعاً وطنياً جامعاً، قادران على حل مسألة العنف، لأن العنف يلزمه جهاز شرطة كي يواجهه. صحيح أنه في لحظات الهبّات والثورات، والتي هي لحظات عابرة في تاريخ الشعوب، يخف العنف الداخلي، إلّا إنه يخفّ موقتاً، وفي الوضع الفلسطيني هناك تعقيدات عديدة في هذا المجال نظراً إلى حالة الصراع مع الدولة.

إن مطلب المواطنة بحدّ ذاته، والمطالب المشتقة منه، يعنيان التطبيع مع الدولة، في حين أن هناك مشروعاً فلسطينياً يدعو إلى عدم التطبيع مع دولة إسرائيل. الفلسطينيون في الداخل مطلبهم التطبيع، شاؤوا أم أبوا، هذا مضمّن في خطاب الحقوق، فعندما نطالب الدولة بالحقوق، كأننا نقول للدولة: عليك أن تتعاملي معنا كمواطنين، وهذا الكلام يعني تطبيع العلاقة بين الدولة ومواطنيها. هذه الدولة تقوم على أنقاض الشعب الفلسطيني وتستعديه، وتحتل أرضه، وتقيم المستعمرات، والواقع قائم على حالة استعداء واستيطان واستنزاف، غير أننا في الوقت نفسه، نطالب الدولة بأن تطبّع علاقتها معنا. هذه التوليفة تعني أن كل خطاب يتجاهل هذين الشقّين مصيره الفشل.

الخطاب الذي يعتقد أن هذه الحالة مدنية، وفقط مدنية، لن ينجح، وسيصطدم بحائط، فالقضية أكثر من مدنية، إذ إن هناك خطة إسرائيلية لسحب المواطنة من الفلسطينيين في الداخل، كأن إسرائيل تطبق بارادايم (Paradigm)، وتناور ما بين الضفة والداخل. إسرائيل تعطي السلطة الفلسطينية مسؤولية إدارة شؤون السكان الضفة ، بينما تُبقي السيطرة على الأرض بيدها، وهكذا لا تعطيهم دولة مستقلة، ولا تضمّهم إلى النظام السياسي الإسرائيلي، ولا تعطيهم حقوقاً، وإنما تبقيهم في الداخل وفي الخارج في الوقت نفسه. وهذا بارادايم يؤسَّس له في الداخل على اعتبار أن إسرائيل تتعامل مع الفلسطينيين على أنهم "شوي في الداخل.. وشوي في الخارج، ونحن لسنا مسؤولين عنكم جميعاً. وهذا العنف أبقيناه لكم."

إن إسرائيل تتحلل من التزاماتها النابعة من صفتها دولة تجاه مواطنيها، وهي بهذا المعنى، تنسحب من المسؤولية عن الفلسطينيين كمواطنين، وتضبط المجتمع الفلسطيني في الداخل عن طريق مجموعات معينة هي مزيج من عصابات الإجرام، ورؤساء مجالس محلية، ونوع صاعد من محدثي النعمة (novorich)، وطبقة وسطى. وبهذه الخطة تكون إسرائيل قد حافظت على وضع لا يمكن للفلسطينيين فيه أن يتجهوا إلى الحكم الذاتي (autonomia)، كما أنهم في الوقت نفسه ليسوا جزءاً من المجتمع الإسرائيلي، وبالتالي يجري ضبطهم من خلال هذه المنظومة.

منير فخر الدين: شكراً جزيلاً على مساهماتكم العميقة في توضيح الصورة وعلى الصراحة والشفافية، على أمل اللقاء في مرات مقبلة.