Israel: National Unity Elections?
Full text: 

"لم يكن بنيامين نتنياهو في أي وقت أقرب إلى فقدان السلطة."[1]

بهذه العبارة لخّص المعلق يوسي فيرتر بدقة نتائج انتخابات 17 أيلول / سبتمبر البرلمانية في إسرائيل. وفي الوقت الذي كُتبت هذه السطور، لم يكن زعيم حزب الليكود اليميني قد فشل فحسب في تشكيل ائتلاف حكومي، بل بات توجيه الاتهام إليه قريباً أيضاً، الأمر الذي يعني أنه لم يحقق الأهداف التي حددها في انتخابات الإعادة، إلى درجة أنه لم يعد مستبعداً تنظيم انتخابات ثالثة في بداية سنة 2020.

كان نتنياهو على وشك تحطيم الرقم القياسي لقضاء أطول فترة في الحكم وهي ثلاثة عشر عاماً ترأّس فيها ديفيد بن - غوريون الحكومة،[2] عندما أرغم الكنيست، في أواخر كانون الأول / ديسمبر 2018، على حل نفسه على أمل بأن تقدم له صناديق الاقتراع أغلبية مستعدة للتصويت على قانون يمنحه الحصانة من تهم الفساد التي يُشتبه في أنه ارتكبها.

الرهان المفقود

لم يحصل نتنياهو في انتخابات 9 نيسان / أبريل على أغلبية 61 نائباً الضرورية لتشكيل ائتلاف بين الليكوديين والدينيين القوميين والمتدينين المتشددين. وفي غياب تمثيل نيابي لحزب البيت اليهودي الذي لم يتجاوز عتبة 3,25% من الأصوات، بات مضطراً إلى الاستعانة بأفيغدور ليبرمان، رئيس الحزب الروسي "إسرائيل بيتنا". غير أن هذا الأخير أراد أن يستبعد اليهود المتدينين من الحكومة، أو يرغمهم، بصورة خاصة، على القبول بالقانون المثير للجدل الذي يُلزم شبابهم بأداء الخدمة العسكرية.

وبدلاً من أن يمد نتنياهو يده إلى بِني غانتس زعيم تحالف "أزرق أبيض"، لتشكيل الحكومة، أجبر الكنيست مجدداً على "التضحية بنفسه" في حزيران / يونيو، وأراد أن يكون هذا الاقتراع الثاني بمثابة استفتاء. وللفوز، بات كل شيء مباحاً:

- أشاع أجواء من الحرب، فقد قصفت إسرائيل من دون حسيب ولا رقيب، مواقع لمقاتلين إيرانيين في سورية والعراق، ثم حزب الله في لبنان، وهددت حتى بفعل الشيء نفسه في اليمن. هذا من دون أن ننسى غزة، إذ ذهب نتنياهو إلى حد التفكير في تأجيل الانتخابات من أجل شنّ عملية كبرى فيها؛

- لعب على الحبل القومي، معلناً ضم مستوطنات الضفة الغربية (50% من أراضي الضفة)، ثم غور الأردن (ثلث هذه الأراضي)، وأخيراً الخليل - وهذا كله في انتهاك للقانون الدولي والقانون الإسرائيلي على حد سواء؛

- حطم جميع أرقامه السابقة في مجال ممارساته العنصرية المعادية للعرب، حتى إن صفحته في فيسبوك حُجبت عندما اتهم الفلسطينيين في إسرائيل بأنهم "يريدون القضاء علينا جميعاً، نساء وأطفالاً ورجالاً."[3]

أخيراً، ومثلما حدث في 9 نيسان / أبريل 2019، حاول الليكود في 17 أيلول / سبتمبر من السنة نفسها، إرسال مئات من عناصره وهم يحملون آلات التصوير إلى مراكز الاقتراع العربية العالية الكثافة، بحجة منع "التزوير العربي". ولحسن الحظ، صوّت الكنيست ضد هذه العملية التي كانت تهدف بشكل أساسي إلى ثني الفلسطينيين عن التصويت.

وخرجت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" بعنوان "اليمين يكتشف مذهولاً تكلفة إلقاء اللائمة في مشكلاته كلها على العرب"،[4] لتشير إلى أحد المخرجات الرئيسية للانتخابات، والمتمثلة في النجاح الذي حققته القائمة العربية الموحدة، بعد أن توحدت الأحزاب العربية الأربعة التي كانت منقسمة على نفسها في نيسان / أبريل، في قائمة مشتركة هذه المرة لتحقق أفضل نتيجة لها: 13 نائباً من أصل 120 في الكنيست، مثلما حدث في سنة 2015. لقد تحقق ذلك بفضل مشاركة 59% من الناخبين العرب في مقابل 49% في انتخابات نيسان / أبريل 2019، وحصلت القائمة على 80% من أصوات الناخبين العرب، في مقابل 71% في الانتخابات السابقة.[5] وصوّت قسم صغير منهم لمصلحة حزب "أزرق أبيض"، الأمر الذي سمح له بالتقدم على حزب الليكود (مثلما فعلوا عندما أنقذوا حزب ميرتس في نيسان / أبريل).

من جانبه، حقق اليسار الصهيوني أضعف نتائجه. فحزب العمل المتحالف مع حزب "غيشر" (الجسر) بزعامة أورلي ليفي أبي قسيس، حاز ستة مقاعد، بينما لم يحصل حزب ميرتس المتحالف مع إيهود باراك على أكثر من خمسة مقاعد. ويجدر التذكير بأنه في خمسينيات القرن الماضي، كان حزبا ماباي ومابام اليساريان يُمثَّلان بما بين 50 إلى 60 نائباً!

لقد خيضت المعركة الرئيسية إذاً في أوساط اليمين، وخسرها نتنياهو إلى حد كبير. فبحصوله على 32 مقعداً، حل حزب الليكود خلف "أزرق أبيض" الذي نال 33 مقعداً، وتمكّن الليكود مع حلفائه من جمع 55 مقعداً: 7 نواب من مجموعة يمينة (إلى اليمين) بزعامة أييليت شاكيد، و16 من المتدينين المتشددين السفارديم (9 من حزب شاس)، والأشكيناز (7 من حزب اليهودية الموحدة للتوراة).

هذا النجاح الذي حققه "الرجال ذوو الرداء الأسود" يخفي مفارقة: إنه ردة فعل قوية من المجتمع ضدهم. فقد بيّن أحد الاستطلاعات أن 64% من الناخبين اليهود يريدون إخراج اليهود المتشددين من الحكومة رغبة منهم في اعتماد الزواج المدني والسماح بتداول وسائل النقل العام وفتح المتاجر في أيام السبت. وردة الفعل هذه تفسر كيف فاز ليبرمان الذي يصور نفسه مدافعاً عن العلمانية، برهانه: فبحصوله على 8 مقاعد، اكتسب لقب "صانع الملوك".

وحتى بين أقرب حلفاء نتنياهو، حدث انقلاب صغير، أولاً من طرف أييليت شاكيد، المرأة التي تنضح بـ "الفاشية" ولا تخفي تطلعاتها إلى خلافته، وثانياً دعا عدد من شخصيات الليكود، بمَن فيهم بِني بيغن، ابن مناحم بيغن رئيس الحكومة الأسبق، إلى عدم التصويت لمصلحته.

والمفاجأة السارة مقارنة باستطلاعات الرأي الأخيرة، هي عدم تمكّن أنصار كهانا في حزب "عتسما يهوديت" (القوة اليهودية) من تجاوز عتبة 3,25% من الأصوات، وهو فشل يقلل إلى حد ما من التوجه المهيمن إلى اليمين خلال هذه الانتخابات.

وإذ تجمعت عدة عوامل لتغذية هذا الانجراف نحو اليمين، من حالة الحرب الدائمة إلى التلاعب بوسائل الإعلام، فإن السبب الأساسي وراء ذلك يكمن في غياب البدائل:

- من الواضح أن القائمة الموحدة تدافع عن توجه آخر، لكن مهمتها ليست جمع الجماهير اليهودية، وحتى إذا ما صوّت بعض منهم لمصلحتها؛

- لقد سرَّعت تحالفات اليسار الصهيوني الانتهازية في إفلاسه بسبب عجزه عن إسماع صوت السلام مع الفلسطينيين [في المجتمع الإسرائيلي]، أو عن محاربة عدم المساواة الاجتماعية؛

- أمّا تحالف "أزرق أبيض" فلا يختلف كثيراً في توجهاته. فعندما أعلن نتنياهو أنه سيضم جزءاً من الضفة الغربية، اتهمه غانتس بأنه "يقلد رغباته الخاصة"،[6] وعندما تحدث عن حرب كبرى على غزة، قال غانتس أنه (أي غانتس) سيعمل على إنزال "شر هزيمة بالجماعة الإرهابية."[7]

من هنا يأتي الارتباك السائد لدى الرأي العام بشأن المستقبل. ففي سنة 2016، عارض 70% ممّن استُطلعت آراؤهم في إسرائيل ضم الضفة الغربية، وبعد ثلاثة أعوام، تراجعت النسبة إلى 28% فقط! أمّا نسبة الذين يؤيدون حل الدولتين، فانخفضت من 53% إلى 34%.[8] وفي الواقع، غابت القضية الفلسطينية مثلما غابت القضايا الاجتماعية عن المناقشات.

وضعت نتائج انتخابات نيسان / أبريل وأيلول / سبتمبر 2019 على الطاولة فرضية تشكيل حكومة وحدة وطنية، لكن بقيادة مَن؟ لقد تفاوض بِني غانتس مع "القائمة الموحدة" للحصول على توصية من بعض نوابها، لكنه في الاستشارات التي أجراها رئيس الدولة الإسرائيلية، حصل على أصوات أقل من نتنياهو الذي حاول أولاً تشكيل ائتلاف... وفشل، ويأمل الجنرال بالتالي أن يحاول بدوره... وينجح. لكن هذا الأمر ليس مضموناً على الإطلاق، لأنه سيتعين عليه استمالة بعض نواب الليكود، وحتى من حزب "إسرائيل بيتنا"، وإذا لم ينجح أي منهما في تشكيل حكومة، فأمامنا فرضيتان:

- إمّا التداول، وهو ما حدث بين سنتَي 1984 و1988 عندما تداول شمعون بيرس ويتسحاق شمير منصب رئاسة الحكومة، غير أن سيف ديموقليس القضائي الذي يثقل كاهل نتنياهو يهدد بإفشال مثل هذا السيناريو؛

- وإمّا إجراء انتخابات ثالثة في أوائل سنة 2020، إلّا إن استطلاعات الرأي الأولى تبيّن أن استياء الإسرائيليين أمام هذه التراجيديا - الكوميديا قد تكلف أصدقاء نتنياهو ثمناً باهظاً. فهل سيتحملون المخاطرة؟ ألا يفضلون تدبّر الأمور مع غانتس؟ الجواب يعتمد بشكل رئيسي على القضاء.

الأمر الاستثنائي هنا هو غياب الجوهر. فمثلما كانت عليه الحال خلال الحملات الانتخابية، فإن أحداً تقريباً اليوم لا يتحدث عن برنامج حكومة الوحدة الوطنية المحتملة. لكن ما الفائدة من هذه الانتخابات المتسلسلة إذا لم توقف التطرف المتسارع منذ سنة 2015 من طرف نتنياهو وحلفائه؟

ماذا عن القانون الأساسي الصادر في 19 تموز / يوليو 2018، والذي يضفي الطابع الرسمي على الفصل العنصري (المادة الأولى منه تضمن أن "الشعب اليهودي وحده له الحق في تقرير المصير")؟ ماذا عن ضم الضفة الغربية كلها أو جزء منها، مثلما أعلن كل من نتنياهو وغانتس؟ وفي حالة الضم، ماذا عن الحقوق السياسية للفلسطينيين؟ الرئيس رؤوفين ريفلين هو أحد القلائل الذين يقولون إن "تطبيق السيادة على منطقة ما يمنح المواطنة لأولئك الذين يعيشون فيها."[9] وماذا عن ترسانة القوانين المقيدة للحريات التي أُقرّت على امتداد عشرة أعوام؟ ماذا عن تحالفات إسرائيل مع الشعبويين كلهم في أوروبا، على الرغم من أنهم معادون للسامية - من المجري فيكتور أوربان، إلى البولندي ياروسلاف كازينسكي، فالإيطالي ماتيو سالفيني، وحلفاء النمساوي سيباستيان كيرتز، إلخ؟

التاريخ لا يعيد نفسه، ولنأمل أن ذلك صحيح على أي حال: أول تجربة مع حكومة وحدة وطنية تعود إلى دخول مناحم بيغن الذي كان حينها زعيم حيروت، خليفة منظمة إرغون وسلف الليكود، إلى حكومة ليفي إشكول في الأول من حزيران / يونيو 1967. بعد ذلك بأربعة أيام، شنّت إسرائيل حرب الأيام الستة...

 

المصادر

[1] Haaretz, 19 septembre 2019.

[2] قاد بن - غوريون الحكومة 13 عاماً من سنة 1948 إلى سنة 1963 (ما عدا سنتَي 1954 و1955). وتولى نتنياهو رئاسة الحكومة من سنة 1996 إلى سنة 1999، ثم من سنة 2009 إلى سنة 2019.

[3] Times of Israel, 11 September 2019.

[4] Times of Israel, 19 September 2019.

[5] Haaretz, 19 septembre 2019.

[6] Times of Israel, 11 September 2019.

[7] Times of Israel, 18 August 2019.

[8] I24 News, 30 December 2016; Haaretz, 25 March 2019.

[9] Times of Israel, 13 February 2019.

 

* مقالة بالفرنسية خاصة بـ "مجلة الدراسات الفلسطينية" بعنوان:

Israël: des élections à l’union nationale?

ترجمة: صفاء كنج.

Author biography: 

دومينيك فيدال:  صحافي ومؤرخ، ومؤلف كتاب "معاداة الصهيونية = معاداة السامية؟ رداً على إيمانويل ماكرون":

Dominique Vidal, Antisionisme = antisémitisme? Réponse à Emmanuel Macron (Montreuil-sous-Bois, France: Libertalia, 2018).