The Sabra and Shatila Massacre: On a Generation That Heard of It but Did Not Witness It
Date: 
September 16 2019
Author: 

"لم أسمع بالمجزرة ولا أريد أن أسمع عنها، لا يهمني فلسطين ولا لبنان ولا سوريا ولا أي دولة عربية. كل ما يهمني هو أن أتمكن من العيش بكرامة، وأن أخرج من هذا السجن الكبير" في إشارة إلى مخيم شاتيلا. عبارات فادي. ع هذه تكاد تكون قاسماً مشتركاً لدى معظم شبّان مخيم شاتيلا الذين باتوا يحلمون بـ "الهجرة" وإن كانت إلى المجهول.

يسند فادي جدار منزله في مخيم شاتيلا، خلفه بوابة مهترئة، لا يتحدّث كثيراً وإن كان في عينيه كلام لا يجرأ على البوح به.

المجزرة؟ يسأل متهكماً قبل أن يضيف: "أنا أعيش مجزرتي الخاصة، لا عمل، ولا حتى مستقبل واضح، أنا أعيش في هذه البؤرة مذ ولدت ووصلت بي الحال إلى أن فقدت الأمل بكل شيء".

فادي.ع. واحد من عشرات الشبّان اللاجئين الذين ولدوا بعد مجزرة صبرا وشاتيلا، هو ليس أحد الشهود عليها، لم يعش فصولها ولم يشاهد عمليات القتل والاغتصاب، جلّ ما يعلمه عنها هو ما نقل بالتواتر من أخبارها، فتشكّلت في ذهنه صورة عنها هي أقرب إلى الخرافة أو إحدى قصص الف ليلة وليلة منها إلى الواقع، ومع ذلك هي لم تحفر عميقاً في نفسه، وذلك بسبب "أن الهموم التي نحن فيها اليوم، تجعلنا نرغب بطي تلك الصفحة لبدء حياة جديدة"، بحسب ما يقول.

جولة في شاتيلا

في الطريق إلى مخيم شاتيلا لا يظهر أن هناك تغيرات جذرية طرأت على معالمه، وحدها عمارات المخيم ارتفعت من طبقة واحدة إلى عدة طبقات، وذلك بسبب ازدياد عدد السكّان الأمر الذي فرض نمطاً جديداً في البناء. أمّا الأزقة والزواريب فلا تزال على حالها تحتفظ بشكلها، في جوانبها تلهو مجموعات الفئران والجرذان وهي لكثرتها نسجت علاقات ود و"اتفاقيات سلام" مع قطط المخيم التي انشغلت بتأمين قوتها في أكوام النفايات المنتشرة في أكثر من ناحية.

تمتزج رائحة مياه الصرف الصحي برائحة مواد التنظيف، لا نسائم عليلة هنا، الرائحة وحدها كفيلة بالتسبب بالصداع لعابري السبيل الذين لم يتعودوا عليها. لكن كل ذلك لم يمنع الحركة النشطة في سوق المخيم الذي يكتظ شارعه الرئيسي والمعروف بـ "سوق صبرا" بالمتسوقين الذين يأتون إليه من بيروت وضاحيتيها الجنوبية والشمالية وربما أبعد من ذلك، "فالأسعار هنا هي أقل من الأسواق في المناطق اللبنانية الأخرى، وهي بالمتناول خصوصاً لدى الفقراء وذوي الدخل المحدود"، تقول إحدى المتسوقات.

يقع سوق صبرا في الشارع الرئيسي للمخيم، عشرات المحلات التجارية تنتشر على ضفتيه، ملابس وأحذية رجالية ونسائية، أدوات كهربائية، جلود، وعطور، اكسسوارات، هواتف، فضيّات، مواد غذائية ومواد تنظيف وغيرها من المنتجات التي تباع بأسعار معقولة. فهذا الشارع منذ انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية تحوّل إلى واحد من أهم الأسواق الشعبية في لبنان، لكنه بخلاف الاعتقاد هو ليس سوقاً فلسطينياً إذ إن معظم التجّار فيه أصبحوا من السوريين، أمّا بالنسبة إلى الفلسطينيين فأعدادهم قليلة جداً. ويقول أحد التجار السوريين: "نعم السوريون هم الأكثر عدداً هنا، لأن الفلسطينيين لا يحبّون العمل في التجارة"، لكن الرد على هذا الكلام يتكفّل به صاحب محل فلسطيني قائلا: "عندما جاء السوريون إلى لبنان ارتفعت إيجارات المحلّات، فالسوريون يدفعون أي مبلغ يطلبه أصحاب المحلات بخلاف الفلسطينيين الذين ليسوا من أصحاب رؤوس الأموال الكبيرة، وعليه فإن الفلسطيني إذا كان يملك أحد المحلات يفضّل تأجيره على العمل به".

خلف هذا الصخب.. حياة أخرى

خلف هذا الصخب، تختفي حياة أخرى يعيشها أبناء الجيل الجديد من سكان المخيم، هم كل الذين ولدوا بعد المجزرة، فهؤلاء الشباب لم يعيشوا فصول المذبحة، هم سمعوا عنها من أولئك الذين شهدوا فظائعها، لكنهم برغم ذلك لا يصدقون كل ما يحكى عنها، يقول شادي. ن: "نعم حدثت المجزرة وقد سمعت الكثير من كبار السن حول ما جرى، ونعم حدث الكثير من الفظائع والأهوال، لكنني أعتقد أن هناك بعض التفاصيل التي لم تحدث كما تمّ نقلها خصوصاً في ما يتعلق بعملية الهجوم على المخيم"، ويقاطع "ابو الزوز" وهو أحد الذين شهدوا على المجزرة، الشاب قائلاً: "ما يقوله شادي صحيحاً"، ويضيف: "أنا كان عمري 17 عاماً عندما وقعت المجزرة، وللعلم لم يدخل المهاجمون إلى داخل المخيم، فأكثر عمليات القتل حدثت على الأطراف خصوصاً عند الشارع الرئيسي لجهة السفارة الكويتية، وحي النور، وفي البداية نحن ظننا أن هناك (هوشة) بين النّور لأن عمليات القتل بدات بالسكاكين والخناجر، ومن عادة النّور أن يتعاركوا بالسلاح الأبيض وهكذا لم نعتقد أن هناك مجزرة ترتكب"، أمّا بالنسبة إلى أعداد الشهداء فيؤكد ابو الزوز أن ما تمّ توثيقه هو "1211 شهيداً بينهم عدد كبير من النّور ومن اللبنانيين"، ويبرّر هذا العدد بسبب هروب أهل المخيم قبل وصول المهاجمين.

"من سمع غير ذلك الذي رأى"، جملة يجمع عليها أبناء الجيل الجديد، وربما هم يبررون بذلك عدم اهتمامهم الكبير بما جرى في الماضي، فهم اليوم يتطلعون إلى المستقبل، معظمهم يرفض الواقع الحالي ويحاول التخلص منه بشتى الطرق. "جارنا كبير بالسن وكان هناك لما صارت المجزرة، يعني من قصة لقصة ما بتخلص الحكاية، احنا ما في قدامنا إلا واحد من حلين يا إما منعيش عالماضي أو منوكل أمرنا لربنا وبعدين منشوف شو بيصير"، يقول أشرف. ج، وهو شاب ثلاثيني ممن سئموا "عيشة القلة" التي هي أقرب إلى الذل، ويتابع: "يعني احنا في لبنان مش قادرين نلاقي شغل بأي إشي، فكيف منعيش، هلأ قد ما احكيلك وتحكيلي عن الموت والمجازر انا ما بستفيد"، غير أنه بالرغم من ذلك إلا أن فلسطين لها مكانة خاصة في قلبه وذاكرته، يوضح: "مستحيل أنسى فلسطين وما يكون عندي إنتماء إلها، بس بنفس الوقت نحنا مبعدين غصب عننا من بلدنا فشو منساوي، مش من حقنا نعيش؟". سؤال يطرحه أشرف لكن الإجابة عليه لا تبدو أنها متوفرة حالياً، إذ إن كل الأطراف المعنية من سلطة فلسطينية ودولة لبنانية وفصائل فلسطينية في لبنان، هي خارج الخدمة وغير متوفرة في الوقت الحالي..

بالنسبة إلى محمد أ، الذي فقد اثنين من اقربائه في مجزرة صبرا وشاتيلا فإن المجزرة تعني "الموت والانكسار لنا كلاجئين، والدمار النفسي على المستوى الشخصي، نحن لم نكن نتوقع أن يتم حصار أهل المخيم وذبحهم بتلك الطريقة الوحشية، لم نكن نتوقع مجزرة أصلاً"، ويشير الشاب (36 عاماً) إلى أن إحدى جاراته التي نجت من المذبحة بعدما تظاهرت بالموت، فقدت كل أهلها في ذلك اليوم المشؤوم وهي اليوم تعيش ظروفاً صعبة. ولكن على الرغم من كل الأهوال إلا أن محمد يؤكد ان "الأيام الماضية كانت أحسن من هذه الأيام، فاليوم لا أحد يهتم لأمرنا، وهناك تقصير بحقنا، وتقصير في الحديث عن كل تاريخنا، فمجزرة صبرا وشاتيلا يعتبرونها اليوم مجرد ذكرى، وإلا لماذا لا تتم محاكمة الذين ارتكبوها؟". سؤال برسم اللبنانيين على المستوى الرسمي أولاً، ومستوى منظمات حقوق الانسان ثانياً، علماً بأن الجانب الفلسطيني هو المعني المباشر في الإجابة عليه.

رغبة اللبنانيين بتجاوز آثار وتداعيات الحرب الأهلية دفعتهم إلى التغاضي عن التاريخ الأسود وفتح صفحة جديدة للمحافظة على السلم الأهلي، أمّا الفلسطينيون فلا يملكون حولاً ولا قوة إذا ما أرادوا محاكمة المرتكبين ولو دولياً، لذا هم قد يكونون بدورهم يرغبون بتجاوز الخطوات العملية لمتابعة أي ماض مهما كان مريراً في سبيل مستقبل أفضل للاجئين الفلسطينيين في لبنان.

النصب التذكاري

تلقي الأوضاع الاقتصادية التي يعيشها أبناء مخيم شاتيلا بظلالها على كل مظاهر العيش فيه، كذلك تشغل بال الفصائل العاملة على الأرض، وذلك في مقابل العودة إلى الماضي، لذا يعيد العقيد أحمد عودة مسؤول الامن الوطني في المخيم (حركة فتح)، عدم اهتمام شباب المخيم بماضيه وبمجزرة صبرا وشاتيلا، إلى الظلم الذي يعيشه أهل المخيم، مشيراً إلى أن "عدم التمكن من حصول الشبّان على عمل أدى إلى البطالة، وهذا ما دفعهم إلى اعتماد وسائل غير شرعية في الحصول على المال لأنهم يريدون العيش، كذلك فإن بعض الملاحقات التي تتم بحق أبناء المخيم تحت تهم واهية دفعتهم إلى عدم الايمان بأي شيء سوى الاستمرار في الهروب وممارسة الأعمال اللاقانونية في بعض الاحيان". ويوضح عودة أن اللاجئ الفلسطيني في لبنان، منذور، بحسب ما ترغب قيادته، "بعيش الحرمان لأن راحة اللاجئ في لبنان تعني بالنسبة لبعض قادتنا أنه لن يعود يفكر بالعودة ولا بحمل السلاح، وهذا مؤسف"، متسائلاً: "إذا كنا ندفع كل ما يتوجب علينا من رسوم لقاء الماء والكهرباء وغيرها من الرسوم للدولة اللبنانية، ألا يحق لنا ببعض الحقوق؟". شعور الشبّان بالظلم هو ما أنساهم الماضي، لكن هذا لا يعني بالنسبة إلى العقيد عودة عدم تذكّر مجزرة صبرا وشاتيلا، "فنحن اليوم بالإضافة إلى انشغالنا بظروفنا القاسية، لدينا قلق كبير حول النصب التذكاري لشهداء صبرا وشاتيلا، لأن صاحب الأرض التي دفن فيها الشهداء يرفض بيعها او التنازل عنها وذلك على الرغم من كل المحاولات التي قامت بها جهات لبنانية وفلسطينية، وعليه لم نتمكن من إقامة نصب تذكاري كما يجب، كذلك لم نتمكن حتى من إزالة بسطات الأحذية المحيطة بالمقبرة والتي تحجب الرؤية عنها، فكيف سنتمكن من نقل ذكرى الشهداء إلى الأجيال المقبلة إذا لم يكن هناك نصب تذكاري يرونه بشكل يومي حتى يتذكّروا أن هناك مجزرة ارتكبت لا يجب نسيانها؟".

في مخيم شاتيلا شبّان سماؤهم من صفيح، وأرضهم بحجم زقاق، في عيونهم يلمع الحزن على الماضي والمستقبل مجتمعين، يعيشون بين مجزرتين، نسوا أو تناسوا الأولى (صبرا وشاتيلا) ويخوضون غمار الثانية في سبيل "عيشة كريمة"، أمّا أحلامهم فحدودها مخيم يلهو في زواريبه أطفال يبعثون على الأمل بالحياة، يحملون في أياديهم بنادق بلاستيكية، يتشبثون بها انطلاقاً من اعتقاد لم يتعلموه في مدارس المخيم، وإنما توارثوه بالفطرة بأن "ما أخذ بالقوة، لا يمكن أن يستردّ إلا بالقوة".

Read more