نُظمت انتخابات الكنيست الـ 22 في ظل مأزق سياسي تسبب به فشل بنيامين نتنياهو في تشكيل ائتلاف حكومي، الأمر الذي أدى إلى حل الكنيست الـ 21 المنتخب حديثاً، والدعوة إلى انتخابات جديدة في غضون أقل من 6 أشهر؛ وجاءت تلك الانتخابات في ظل توسع المواجهة بين إسرائيل وإيران، من سورية إلى العراق ولبنان، الأمر الذي انعكس توتراً أمنياً ومواجهة محدودة على الحدود مع لبنان، وكذلك في ظل استمرار إطلاق الصواريخ من غزة على إسرائيل، والارتفاع في عدد العمليات الموجهة ضد الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية.
المعركة التي ستحدد مصير نتنياهو السياسي
خاض بنيامين نتنياهو معركته الانتخابية ليس فقط بهدف بقائه في رئاسة الحكومة الإسرائيلية، بل حفاظاً على مستقبله السياسي برمته أيضاً. وهو يدرك أن هزيمته هذه المرة معناها نهاية زعامته لحزب الليكود، ولذلك كانت الخطوة الأولى التي قام بها بعد تشكيل قائمته هي تحصين زعامته داخل حزبه، والطلب من أعضاء قائمة الحزب التعهد بالولاء له وتوقيع وثيقة في هذا الشأن.
لقد تحالف الليكود هذه المرة مع حزب كولانو برئاسة وزير المال موشيه كحلون الذي حصل في الانتخابات الأخيرة على 4 مقاعد فقط، وخشي من أن يؤدي خوضه الانتخابات منفرداً إلى خسارته وشرذمة أصوات اليمين، فاختار التحالف مع نتنياهو متنكراً للشعارات التي رفعها في حملته السابقة ضد الفساد السياسي. وامتازت المعركة الانتخابية لحزب الليكود من سابقتها بالأمور التالية:
- ركّز نتنياهو حملته على حصول حزبه على العدد الأكبر من المقاعد، بخلاف المعركة الماضية التي ركز فيها على قيام كتلة مؤيدة له في الكنيست من أحزاب اليمين القومي. ويريد نتنياهو هذه المرة أن يحقق فوزاً كاسحاً لحزبه، وأن يصبح الحزب الأقوى على الإطلاق.
- قاد حملة شرسة ضد أفيغدور ليبرمان زعيم حزب إسرائيل بيتنا، والذي كان وراء فشل نتنياهو في تشكيل ائتلافه الحكومي. فقد خاض نتنياهو معركة للحصول على الصوت الروسي، وشكّل، من أجل هذ الغرض، طاقماً خاصاً نظّم حملة مكثفة موجهة إلى الناخبين التقليديين لليبرمان، تقوم على التشكيك في زعامته، وتتهمه بأنه وبدلاً من أن يحل مشكلات المهاجرين من أصل روسي، يستغلهم ويضعهم في خدمة مصالحه السياسية.
وحضّ الليكود في هذه الحملة، المهاجرين من الاتحاد السوفياتي السابق، الذين أثبتوا اندماجهم في المجتمع الإسرائيلي، على التصويت لأحزاب صهيونية، وليس لأحزاب تمثل قطاعاً معيناً مثل حزب إسرائيل بيتنا. وقيل إن الهدف من زيارة نتنياهو الأخيرة لأوكرانيا كان جذب أصوات المهاجرين من أصل أوكراني والبالغ عددهم 400,000، وإقناع المسؤولين هناك بنقل سفارة أوكرانيا إلى القدس، لكن يبدو أنه فشل في هذين المسعيين.
- لم تأخذ الحملة ضد حزب أزرق أبيض هذه المرة منحى شخصياً ضد بِني غانتس، وإنما تركزت على التشكيك في ميول الحزب اليمينية واتهامه باليسارية وبأنه يسعى لإدخال الأحزاب العربية إلى الحكومة. كما عملت الدعاية الانتخابية على تصوير أزرق أبيض كحزب غير متماسك، وأنه يشكل ظاهرة سياسية موقته، ومهدد بالانفراط فور انتهاء الانتخابات، نظراً إلى التضارب في المواقف بين أركانه الأساسيين.
- مهاجمة جميع الأحزاب التي تقف إلى يمين الليكود مثل حزب قوة يهودية الكهاني النزعة وحزب زهوت، اللذين خاضا الانتخابات في قوائم منفردة، قبل أن ينسحب زهوت من الانتخابات، واتهامهما بأنهما يساهمان في شرذمة أصوات اليمين. وكذلك الحملة على تحالف "يمينا" المؤلف من حزب البيت اليهودي وحزب اليمين الجديد، والتهجم بصورة خاصة على زعيمة التحالف أييليت شاكيد، واتهام نتنياهو لها بالوصولية.
- الرفض المسبق لأي حكومة وحدة وطنية، لأن معنى ذلك القبول بمبدأ المداورة في رئاسة الحكومة. وقد بدأ هذا الرفض يتراجع في الأيام الأخيرة التي سبقت الاقتراع، وبعد صدور استطلاعات الرأي التي كانت تتوقع يوماً بعد يوم عدم حصول أي من الحزبين الكبيرين على الأغلبية المطلوبة لتشكيل حكومة، والحاجة إلى قيام حكومة وحدة وطنية.
أزرق أبيض أكثر صقورية وعنصرية
حاول حزب أزرق أبيض أن يظهر أكثر صقورية من نتنياهو في المسائل الأمنية والعسكرية. فقد أعلن الحزب في مطلع تموز / يوليو التزامه بعدم إخلاء أي مستوطنة يهودية في إطار أي اتفاق مع الفلسطينيين، ووجه انتقادات قاسية إلى السياسة المتهاونة التي ينتهجها نتنياهو في رأيه ضد "حماس"، كما هدد غانتس بإحراق غزة واغتيال زعماء "حماس" إذا نشبت مواجهة جديدة، وأعلن أنه لن يتنازل عن السيطرة الإسرائيلية على غور الأردن، مع العلم بأن موقف الليكود هو الاحتفاظ بوجود عسكري هناك في أي مفاوضات سياسية مقبلة.
وبرزت النزعة العنصرية البغيضة للحزب حيال الأحزاب العربية، عندما رفض زعماؤه اقتراح زعيم القائمة المشتركة أيمن عودة دعم تسمية الحزب لرئاسة الحكومة وإعلانه استعداده للمشاركة فيها إذا حدث ذلك. وكشفت ردات الفعل الرافضة والصادرة عن زعامات الحزب، عن عنصرية عميقة إزاء الأحزاب العربية لا تختلف كثيراً عن عنصرية اليمين الكهاني. وكانت الحجة التي برر فيها زعماء أزرق أبيض رفضهم التعاون مع الأحزاب العربية عدم اعترافها بإسرائيل دولة قومية يهودية.
وتجنّب الحزب هذه المرة التهجم شخصياً على نتنياهو مثلما كانت عليه الحال في الانتخابات الماضية. ويبدو أنه بعد أن فقد الأمل بأن يكون الحزب الأكبر، بات الآن لا يستبعد مشاركته في حكومة وحدة وطنية بعد الانتخابات، الأمر الذي يُعتبر في نظر جزء من مؤيديه خيانة للشعار الذي تبنّاه الحزب ضد زعامة نتنياهو السياسية الفاسدة.
وأظهرت الحملة الانتخابية تضعضع مواقف الحلفاء في أزرق أبيض، فعندما هاجم زعيم حزب يوجد مستقبل يئير لبيد الأحزاب الحريدية، وأعلن رفضه التعاون معها في أي حكومة وحدة مستقبلية، سارع غانتس إلى انتقاده معلناً رفضه مثل هذا الكلام. وبرز أيضاً عدم الثقة بين الحلفاء بعد الأخبار التي تحدثت عن تكليف بني غانتس شركة خاصة للتحقيق في تسريبات شخصية عنه من جانب أطراف داخلية في الحزب، وذلك من دون استشارة حلفائه.
وفي الواقع، فإن توقيع اتفاق لتبادل الفائض في الأصوات بين أزرق أبيض وإسرائيل بيتنا، أظهر التوجه نحو اليمين المعتدل، كما حسم موقف ليبرمان المؤيد لحكومة وحدة وطنية.
ليبرمان الرابح الأكبر
حتى كتابة هذه السطور (أقل من أسبوعين على موعد الاقتراع في 17 أيلول / سبتمبر) يُعتبر أفيغدور ليبرمان هو الرابح الأكبر من إعادة الانتخابات، فبغضّ النظر عن عدد المقاعد التي سيحصل عليها (والتي حتى الآن تتوقع استطلاعات الرأي صعود تمثيله إلى 9 وحتى 10 مقاعد، أي ضعف عدد المقاعد التي حصل عليها في الانتخابات الماضية) فإن من المتوقع أن يتحول إلى بيضة القبّان في أي حكومة مستقبلية، أكانت برئاسة نتنياهو أم غانتس، نظراً إلى أن الاثنين لا يمكنهما الحصول على أغلبية في الكنيست من دونه.
لقد خاض ليبرمان حملته الانتخابية من موقع قوة، فهو الزعيم الوحيد الذي نجح في تحدي نتنياهو وأظهر فشله السياسي في تشكيل حكومة يمين ضيقة بمشاركة الحريديم. كما برز ليبرمان أمام الجمهور الإسرائيلي العلماني العريض كالزعيم الوحيد الذي لا يخاف من ابتزاز الأحزاب الحريدية، والمستعد لخوض معركة ضد عملية فرض نمط حياتها على الإسرائيليين من خلال الشعار الذي رفعه في الانتخابات "نعم للدولة اليهودية، لا لدولة الهلاخاه".
من خلال هذا الشعار نجح ليبرمان للمرة الأولى في الدخول إلى أحياء في مدينة تل أبيب معروفة تقليدياً بتأييدها لأحزاب اليسار مثل حزب العمل وحركة ميرتس. ويسعى ليبرمان لتعزيز فرص فوز حزبه أيضاً من خلال المطالبة بحكومة وحدة وطنية تجمع بين الليكود وأزرق أبيض وحزبه إسرائيل بيتنا.
إعادة تحالفات اليمين القومي
امتازت التحالفات وسط هذا المعكسر بأمرين: انضمام حزب اليمين الجديد الذي لم يتجاوز نسبة الحسم في الانتخابات الماضية، إلى اتحاد أحزاب اليمين المؤلف من البيت اليهودي برئاسة الحاخام رافي بيرتس، والاتحاد القومي بزعامة بتسلئيل سموتيريتش، وتشكيل قائمة جديدة باسم "يمينا"، بعد خروج حزب قوة يهودية الكهاني بزعامة إيتمار بن جبير، وخوضه الانتخابات في قائمة مستقلة جرّاء خلاف على توزيع المقاعد في اللائحة. الأمر الثاني تولّي أييليت شاكيد رئاسة التحالف، وهو ما يُعتبر سابقة تتمثل في أن تترأس امرأة علمانية ائتلافاً يضم حاخامين يطالبون بالفصل بين النساء والرجل في المناسبات العامة وفي المواصلات، ويرفضون الخدمة العسكرية في الفرق المختلطة في الجيش الإسرائيلي، ويعتبرون وجود النساء في الجيش مضراً ومؤذياً له مثلما صرّح مؤخراً بتسلئيل سموتيريتش.
لكن المشكلة التي واجهتها زعامة شاكيد لاحقاً كانت أيضاً الأحاديث التي انتشرت، وفحواها أنها حتى اللحظة الأخيرة حاولت التوسط مع رئيس الحكومة كي تعود إلى الليكود، وأنها وعدته بأن تحصل له على حصانه قانونية تمنع إحالته إلى المحاكمة، إذا ما حصلت على وزارة العدل.
ويتنافس تحالف يمينا على أصوات المستوطنين مع الليكود وأحزاب اليمين المتشدد مثل قوة يهودية، الأمر الذي أعاد المخاوف من شرذمة الأصوات، ولا سيما في ضوء استطلاعات الرأي التي لم تكن تتوقع لحزب قوة يهودية تجاوز نسبة الحسم.
انقسام اليسار الصهيوني
بعد مفاوضات عقيمة لم ينجح معسكر اليسار الصهيوني في توحيد صفوفه، وخاض الانتخابات من خلال قائمتين: تحالف حزب العمل برئاسة عمير بيرتس مع حزب غيشر برئاسة أورالي ليفي أباكسيس، وتحالف حركة ميرتس اليسارية بزعامة نيتسان هوروفيتس مع الحزب الجديد الذي أقامه إيهود باراك تحت اسم المعسكر الديمقراطي.
حزب العمل وأصوات اليهود الشرقيين: سعى زعيم حزب العمل عمير بيرتس ذو الأصول المغربية من خلال تحالفه مع أورالي ليفي ذات الأصول الشرقية أيضاً، للوصول إلى قاعدة الليكود الشعبية وسط اليهود الشرقيين الذين كانوا سبب الانقلاب الذي حدث في سنة 1977، وأدى إلى صعود اليمين إلى السلطة. ويحاول حزب العمل من خلال تحالفه مع غيشر إقناع أبناء الطبقات الفقيرة بأن انتخاب نتنياهو يتعارض مع مصالحهم الفعلية، ومن أجل هذه الغاية قدّم الحزب خطة اقتصادية هدفها تعزيز القوة الاقتصادية للطبقات الفقيرة من خلال رفع الضرائب على الميسورين، ورفع الحد الأدنى للأجور، وتخصيص ميزانيات لحل مشكلة المساكن، وإيجاد حل للنقص الحاد في الميزانيات الذي تعانيه المستشفيات. لكن هناك مَن انتقد التوجه الطائفي الشرقي لحزب العمل الذي يأتي على حساب النخبة الأشكينازية القديمة التي شكلت لأجيال القاعدة المتينة لحزب العمل. وثمة مَن رأى أن هذا التوجه يمكن أن يؤدي إلى خسارة حزب العمل قاعدته التقليدية الأشكينازية، من دون أن ينجح في جذب أصوات الشرقيين من اليمين.
إيجابيات وسلبيات في تحالف ميرتس - باراك: تحالف حركة ميرتس مع حزب إيهود باراك الجديد له إيجابيات وسلبيات. من الإيجابيات، انفتاح الحركة التي تُعتبر يسارية متطرفة في نظر الجمهور الإسرائيلي على شريحة أُخرى من الناخبين من جمهور الوسط العلماني. ومن السلبيات أن تحالف ميرتس مع باراك يمكن أن يضر بالتأييد الذي تحظى به بين الناخبين العرب، نظراً إلى ماضي باراك ومسؤوليته عن مقتل مواطنين عرب في سنة 2000. ولهذا قدّم باراك اعتذاراً إلى الجمهور العربي، معلناً مسؤوليته عمّا جرى في محاولة مكشوفة للمحافظة على الصوت العربي في الانتخابات المقبلة.
التحديات التي واجهتها القائمة العربية المشتركة
ثمة أكثر من تحدٍّ واجهته القائمة المشتركة في الانتخابات، وفي طليعتها:
- استعادة ثقة الناخب العربي فيها بعد خوض الأحزاب العربية الانتخابات الماضية ضمن قائمتين متنافستين، وبالتالي تراجع تمثيلها في الكنيست، والخلافات الشديدة على المقاعد التي برزت في أثناء التفاوض على توحيد القائمة؛
- دفع دعاة المقاطعة داخل الجمهور العربي إلى المشاركة في الانتخابات؛
3- الوقوف في وجه ظاهرة التصويت العربي للأحزاب الصهيونية، والتي برزت في الانتخابات الماضية؛
4- محاربة اليأس وخيبة الأمل وسط الشباب العربي من الأداء السيىء للأحزاب العربية.
وبغضّ النظر عن المواقف المتضاربة التي أثارها اقتراح زعيم القائمة المشتركة أيمن عودة بشأن دعم ترشيح أزرق أبيض لرئاسة الحكومة، فإن ما جرى هو محاولة باهرة من جانبه لاختراق جدار الاستبعاد الذي بناه اليمين في وجه المشاركة العربية في الحياة السياسية في إسرائيل. وحتى لو فشلت محاولته هذه، فستكون قد ساهمت في كشف الوجه الحقيقي العنصري لحزب أزرق أبيض الذي يدّعي تمثيل الجمهور الإسرائيلي المعتدل.