
نظمت مؤسسة الدراسات الفلسطينية الخميس 25 نيسان/أبريل 2013 في قاعة هوستلر اوديتوريوم في الجامعة الاميركية في بيروت بالاشتراك مع مؤسسة التعاون والصندوق العربي للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، محاضرة قسطنطين زريق السنوية التي القاها الدكتور ريتشارد فولك، مقرر الامم المتحدة الخاص بشأن حقوق الانسان في الاراضي الفلسطينية المحتلة، تحت عنوان "إعادة النظر في مستقبل فلسطين: أبعد من الإجماع على الدولتين".
اكتسبت هذه المحاضرة أهمية خاصة هذا العام كونها جائت في الذكرى السنوية الخمسين لتأسيس مؤسسة الدراسات الفلسطينية التي أخذت على عاتقها مهمة البحث الأكاديمي لبحدي لمختلف جوانب الصراع العربي - الإسرائيلي والقضية الفلسطينية.
ألقت الآنسة منى نصولي، مديرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية - مكتب بيروت، كلمة مرحبة بالضيف،ثم تلاها نائب رئيس مجلس أمناء المؤسسة، الأستاذ باسل عقل، معرفاً بالمحاضرة التي تقيمها المؤسسة سنوياً على شرف الرئيس التاريخي لمجلس أمنائها، المرحوم قسطنطين زريق، وأيسهب في التعريف بالضيف الاستثنائي متحدثاً عن إنجازاته خلال أعوام الخدمة الطويلة في كنف الأمم المتحدة، وعن الأهمية الاستثنائية لهذه الزيارة التي يقوم بها فولك للبنان بعد أكثر من 30 عاماً من الغياب.
ركز الدكتور ريتشارد فولك في المحاضرة على سبل إيجاد حل للقضية الفلسطينية، مشدداً على أهمية إيجاد الملائمة الملائمة (pre-conditions) التي من شأنها أن تؤدي الى مفاوضات بين الطرفين لزيادة احتمالات فرض الوصول الى نتيجة. واعتبر ان السبيل لتهيئة هذه الظروف تمر عبر ثلاث خطوات: كسب ما سماه "حرب الشرعية" أمام إسرائيل باستمالة الرأي العام الدولي، تحسين أوضاع اللاجئين الفلسطينيين المعيشية، والذين تحت الاحتلال وفي غزة، بالإضافة الى توحيدهم تحت زعامة مركزية جامعة.
ولدى شرحه "حرب الشرعية" التي أتى إلى ذكرها، ضرب فولك مثال المقاومة السلمية التي يعتمدها الفلسطينيون في الضفة الغربية أو في الداخل، وإضراب الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية عن الطعام، وهو ما يكسب الطرف الفلسطيني شرعية في مواجهة إسرائيل، وكذلك تعاطف الرأي العام الدولي مع قضيته، والذي كان لعقود متعاطفاً مع الاسرائيليين بسبب الهولوكوست، والآن يرى معاناة الفلسطينيين.
أما فيما يتعلق بحل الدولتين، فقد اعتبر الدكتور فولك أن الشيطان يكمن في التفاصيلات، عارضاً نموذجين لتطبيق هذا الحل، نموذجاً للكاتب الإسرائيلي يوري أفنيري ونموذجاً للرئيس الأميركي باراك اوباما. الأول يحتم "الانسحاب الكامل لإسرائيل إلى حدود 1967؛ حق كل من الدولتين في سيادة متساوية وكاملة في إسرائيل وفلسطين؛ القدس الشرقة عاصمة لفلسطين؛ إزالة المستوطنات والاعتراف بحقوق اللاجئين الفلسطينيين." أمّا الثاني فيقوم على "ضمان أمن إسرائيل فقط، وهو ما يتطلب وجود قوات إسرائيلية في غور الأردن، وإزالة بعض المستوطنات، وتعديل جذري للحدود، مع المحافظة على الغموض حيال مستقبل القدس، والتغاضي عن تلكؤ إسرائيل في المضي نحو التسوية".
فولك، الذي كان أستاذ كرسي البرت ج. ميلبانك الفخري للقانون الدولي في جامعة برنستون لمدة أربعين عاماً، قلل من أهمية الإنجاز الذي تحقق بتصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة بالأكثرية الساحقة على أن تكون فلسطين دولة غير عضو في الأمم المتحدة، معتبراً أن من وجهة نظر القانون الدولي فلسطين موجودة أصلاً كدولة، ولكن بعد التصويت، بات الفلسطينيون يملكون صلاحية التقدم بشكاوى ضد الخروق الإسرائيلية أمام المحكمة الجنائية الدولية، أو أي جسم قضائي دولي، الأمر الذي قد يشكل خرقاً لمرحلة المراوحة (status-quo) في تاريخ الأزمة.
واعتبر الدكتور فولك ان من أبرز الأمثلة الراهنة لخرق إسرائيل القانون الدولي، "العدوان على لبنان في سنة 2006، والاعتداء على غزة سنة 2008 وسنة 2010"، وهو ما أدى إلى تصاعد عزلة إسرائيل دولياً، وإلى اعتبارها دولة خارجة عن القانون الدولي.
وأكد فولك، الأستاذ الزائر المتميز في قسم العلاقات العالمية والدولية في جامعة كاليفورنيا في سانتا باربرا، ان التغيير في السياسة الخارجية التركية وتدهور علاقاتها بإسرائيل أديا إلى "إظهار دعماً أكبر للنضال الفلسطيني، و للـ 1,7 مليون فلسطيني الذين يعيشون تحت الحصار في غزة منذ خمسة أعوام"، لافتاً إلى أن إنتقال العالم العربي بالتدريج إلى الديمقراطية سيؤدي بعد حين الى آلية حكم تتجاوب مع تطلعات الشعوب المؤيدة لحقوق الفلسطينيين.