يستخدم أمين سر حركة "فتح" وأمين سر فصائل منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان فتحي أبو العردات (أبو ماهر) تعبيراً للرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) في سياق تقويمه ما يجري في فلسطين راهناً، فيقول: "سأستخدم تعبيراً للرئيس أبو مازن قال فيه: ‹نحن في ربع الساعة الأخير لتهويد القدس [....].› فعملية الاستيطان بلغت مرحلة مخيفة، وتهويد المعالم الوطنية والعربية الإسلامية والمسيحية للأماكن المقدسة يتسارع، وقد وصل إلى المسجد الأقصى. وعمدت قطعان المستوطنين إلى حرق كثير من أماكن العبادة، كما جرى في طبرية وفي كنائس تاريخية في أماكن أُخرى. وها نحن نشهد اليوم تقسيماً زمنياً ومكانياً للمسجد الأقصى، وهناك عملية بناء كنيس وأماكن لليهود داخل ساحة المسجد الأقصى وهذا أمر خطر جداً." ويضيف أن "المستوطنين يقتحمون يومياً المسجد الأقصى تحت حراسة قوات الأمن الإسرائيلية، وهناك وزراء يشاركون في هذه الاقتحامات."
الرد بتعزيز المقاومة الشعبية
ويحذر أبو العردات من أن هذه التصرفات، و"عمليات حرق الأطفال، كما حدث مع عائلة علي دوابشة ومع الفتى محمد أبو خضير [....]، محاولات لترهيبنا وجرنا إلى مربع المواجهة العسكرية." ويشدد على أن "المقاومة الشعبية يجب أن تستمر وتتصاعد في فلسطين وتدخل في إطار خطة وبرنامج تعده القيادة الفلسطينية، وبالتالي تتولى هي عملية تسهيل المقاومة الشعبية، لأن هذا احتلال يريد أن يبقى بلا تكلفة، وأن يكرس أمراً واقعاً مستفيداً من الانقسام القائم اليوم بين الضفة وغزة، وبالتالي نجح الاحتلال في استغلال الانقسام حتى الآن، وعلينا نحن أن ننهي حالة الانقسام هذه ونتصالح."
ويؤكد: "يجب أن نتوحد وننهي الانقسام إذا أردنا مقاومة شعبية متطورة ومتدرجة بكل أشكالها، وبالتالي يجب أن نتجه إلى توحيد الساحة الفلسطينية وإنهاء الانقسام. فمواجهة الاحتلال تتطلب تحويله إلى احتلال مكلف."
ولا يستبعد أمين سر حركة "فتح" في لبنان "أن تؤدي السياسة الصهيونية إلى اندلاع انتفاضة ثالثة ورابعة [....]. فما يجري من اضطهاد واحتلال وتهويد واستيلاء على الأماكن المقدسة واستيطان ومصادرة للأراضي، سيؤدي حتماً إلى انتفاضة، أو إلى تحرك جماهيري كبير. فالجماهير بلغت اليوم الذروة في مواجهة التعسف الإسرائيلي وتعدي المستوطنين بشكل متمادٍ على الأهالي. اليوم لجان الدفاع التي تتشكل في المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية هي شكل من أشكال المقاومة، وأنا برأيي أن المقاومة الشعبية ستتطور ويتعزز دورها."
وبينما يرى أبو العردات أن السلطة الفلسطينية لن تحل نفسها، فإنه لا يستبعد أن تنهار نتيجة السياسات الصهيونية التي تريد السلطة الوطنية بلا سلطة ومفرغة من مضمونها، وتريد احتلالاً بلا تكلفة، وتعمل على ترهيب الشعب وفرض سياسة الأمر الواقع عليه وتدفعه إلى القبول بالاستيطان والتهويد والسيطرة على الأماكن المقدسة، وتريد تركيع الشعب الفلسطيني، ومنع قيام دولة فلسطينية وعاصمتها القدس.
ويستذكر المسؤول الفتحاوي مقولة الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات (أبو عمار) أن: "ليس منّا وليس فينا مَنْ يتخلى عن القدس"، ويشير إلى أن الحل السياسي غير ممكن مع تهويد القدس ووجود 400.000 مستوطن في الضفة الغربية ومئات المستوطنات، "وهذا أمر لن يولد انتفاضة فحسب، بل انفجاراً كبيراً"، مشدداً على أن "الشعب الفلسطيني لن يرضخ، وهذه الحقوق مقدسة وغير قابلة للتصرف، والمقاومة الشعبية والمقاومة بكل أشكالها حق للشعب الفلسطيني."
وبينما يذكِّر بخطاب الرئيس عباس في الأمم المتحدة أخيراً لجهة عدم العودة إلى المفاوضات لمجرد التفاوض، يشير إلى أن المفاوضات التي جرت في الأعوام الماضية كانت بالنسبة إلى إسرائيل "مظلة وخيمة لزيادة الاستيطان [....]. لذلك لا عودة إلى المفاوضات؛ وكل أشكال التنسيق والتعاون التي كانت قائمة أعدنا النظر فيها لأن إسرائيل لا تلتزمها، وبالتالي لماذا يُطلب منا نحن الالتزام [....]. هناك احتلال يجب أن يتحمل المسؤولية، وهناك مجتمع دولي يجب أن يتحمل مسؤوليته أيضاً.. وأفراد الشرطة الفلسطينية هم مناضلون وليسوا شرطة لدى الإسرائيليين، وهم يحمون شعبهم ويخدمونه. إذاً، فلتتحمل سلطات الاحتلال كامل المسؤولية عن احتلالها. ففلسطين أصبحت اليوم دولة معترفاً بها ولها مقعد في الأمم المتحدة، ويجب أن تمارس صلاحياتها كدولة، وعلى العالم الحر الذي يعلم بأن إسرائيل هي مصدر القلق والخطر على الأمن والسلم العالميين أن يقف مع الشعب الفلسطيني ودولة فلسطين، وعلى السلطة الفلسطينية أن تتجه إلى محكمة الجنايات الدولية لمحاكمة القتلة، كي تستقيم الأمور وترتاح النفوس، وكي يفهم هذا الاحتلال أنه ليس بمنأى عن المحاسبة. نحن دولة، ويجب أن نأخذ دورنا كدولة ونتوجه إلى كل المؤسسات والمنظمات الدولية التي لفلسطين تمثيل فيها، ولن تستقيم العدالة ما لم يتحمل القتلة المسؤولية عن الجرائم التي ارتكبوها بحق عائلة دوابشة وعشرات الجرائم التي تحدث كل يوم."
ويلفت أبو العردات إلى أن إسرائيل تحاول "قدر الإمكان الاستفادة من حالة الصراع والنيران المشتعلة في المنطقة، والتهاء المنطقة بصراعات بين بعضها للاستفراد بالشعب الفلسطيني وفرض الحلول التي تمس حقوقه الوطنية الثابتة، والتي يرفض هذا الشعب المساس بها، لأن ما قبلت به منظمة التحرير هو الحد الأقصى الذي يمكنها أن تقدمه، ولا يمكن التنازل عن حقنا في قيام الدولة، وعن القدس، وعن حق العودة، ونحن نرفض التهجير والتوطين، كما جرى في مخيم اليرموك، وهو ما يحاك لعين الحلوة أيضاً. ونرفض كذلك التضييق على الفلسطينيين، وسياسة تقليص خدمات الأونروا والتخلي عن دورها."
نسعى لإنهاء الانقسام
ورداً على سؤال بشأن استمرار حالة الانقسام على الرغم من كل المخاطر التي تهدد القضية الفلسطينية، يؤكد أبو العردات أن "فتح" سعت وتسعى للمصالحة "لأننا نعتبر أنفسنا أم الصبي، وقد بذلنا جهوداً جبارة في سبيل إنهاء حالة الانقسام، وكنّا على الساحة اللبنانية، بصورة خاصة، المبادرين إلى إنشاء إطار موحد، وكذلك الأمر في فلسطين." ويؤكد: "علينا مسؤولية كاملة، وعلى 'حماس' مسؤولية، وعلى الدول التي تدعم الشعب الفلسطيني واجب أن تساعد الشعب الفلسطيني في الوحدة، وليس في عقد اتفاقيات، أو تقديم مشاريع دولة موقتة، أو قيام مفاوضات مع إسرائيل من تحت الطاولة. هذا لا يخدم في الحقيقة الوحدة الفلسطينية. نحن اتفقنا على حكومة وحدة وطنية، وبالتالي حكومة الوحدة الوطنية لم تستطع أن تمارس صلاحياتها بسبب منعها من جانب الأخوة في 'حماس'، ومعروف ماذا جرى عندما ذهب وزير الصحة بعد العدوان على غزة." ويضيف أنه على الرغم من كل المحاولات فإن "الوحدة لم تكتمل وعملية المصالحة لم تنجز بشكل كامل، على الرغم من الاتفاق الذي تم توقيعه في القاهرة. ونحن نعتبر أن الأخوة في مصر هم الجهة الصالحة لرعاية الحوار الذي انتهى بتوقيع الاتفاق، واليوم يجب أن يتم تطبيقه على الأرض، وتسهيل عمل الحكومة هو البداية. وبعد ذلك تجتمع لجنة تفعيل منظمه التحرير. وإذا تعذر عمل الحكومة، فيجب أن نتوجه إلى تشكيل لجنة وطنية تشارك فيها كل الفصائل. وهذا الأمر طُرح في الاجتماعات الأخيرة التي حضرناها في رام الله، وفي اجتماعات اللجنة التنفيدية. الرئيس أبو مازن طرح حكومة وحدة وطنية، مؤلفة من الأخوة في منظمة التحرير الفلسطينية والأخوة في الجهاد و'حماس'، تتولى الإعداد لانتخابات رئاسية وتشريعية. وكذلك الأمر بالنسبة إلى المجلس الوطني."
ويلفت أبو العردات إلى تحرك على مستوى لبنان، فيقول: "نحن نعمل في لبنان أيضاً لوضع حد للانقسام، وعندما أتى الأخ عزام الأحمد والأخ موسى أبو مرزوق إلى لبنان، رتبنا لقاءات مشتركة، وكذلك عقدنا جلسة مشتركة بعدما طرح الرئيس نبيه بري مبادرة إلى المصالحة، وطرحنا كل الأمور. واقترح الأخ نبيه بري أن تُعقد جلسة لجميع الفصائل في مقر البرلمان، أو في أي مكان آخر، وتحت رعايته، وقد أكد أن الأولوية هي لمصر، وإذا تعذر الأمر في مصر فهو جاهز لاستقبال أي لقاء."
ويؤكد أمين سر حركة "فتح" في لبنان، أن "مبادرة الرئيس نبيه بري لا تزال على الطاولة وهو مشكور على ذلك طبعاً، وهناك تواصل مع الرئيس أبو مازن، ومع قيادة 'حماس'، ومع الأخوة المصريين"، متوقعاً أن يعقد لقاء مشترك بين الحركتين قريباً، ومقدراً "حرص الرئيس نبيه بري على الوحدة الوطنية، والذي كان له دور في تشكيل الإطار الموحد في لبنان."
فلسطينيو لبنان
انتقالاً إلى الأوضاع الفلسطينية في لبنان، وتحديداً الوضعين الاقتصادي والقانوني للاجئين الفلسطينيين، يقول أبو العردات: "الواقع الاقتصادي للمخيمات صعب على كل الصعد، فلا بيوت صالحة للسكن، وكثير منها آيل إلى السقوط، ومساحات المخيمات تضيق بمَنْ فيها بسبب التكاثر الطبيعي، في حين تبقى مساحة المخيمات هي ذاتها، ويزيد في الصعوبات أزمة لجوء فلسطينيي سورية الذين وصل عددهم إلى نحو 90.000، بقي منهم الآن نحو 40.000 بعدما عاد أو هاجر إلى أوروبا نحو 50.000. الواقع صعب ولا توجد فرص عمل للفلسطينيين، فمثلاً عندما أنشأنا القوة الأمنية، أعلنا تنظيم دورة لمئة شخص فتقدم 600 شخص، بينهم شقيقان مهندسان من عائلة سلام أرادا الالتحاق على الرغم من أن مرتب الفرد في القوة الأمنية هو 240 دولاراً فقط. والفتاة رهام محمد خليل التي ماتت غرقاً في البحر اضطرت إلى أن تترك مخيم البداوي وتحاول الهجرة إلى أوروبا، على الرغم من أنه لا يوجد مشكلات أمنية في المخيم، بسبب فقدان الأمل والقلق على المستقبل."
ويرفض أبو العردات تحميل منظمة التحرير مسؤولية فوق طاقتها، فهي "ليست منظمة إغاثة، بل منظمة سياسية، وهي مرجعية الشعب الفلسطيني حتى يعود إلى أرضه. وهي تقوم بما تستطيع. فمثلاً، تم إنشاء صندوق للطلاب ميزانيته اليوم أكثر من 5.000.000 دولار، وكل عام ندفع لما يزيد على 1000 طالب جامعي جزءاً من الأقساط. كما تخصص المنظمة كل شهر 350.000 دولار ميزانية للضمان الصحي الذي يسد جزءاً من فاتورة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، وكذلك أنشأنا صندوقاً للتكافل الاجتماعي، ولدينا 1000 حالة عسر، نقدم لكل منها 100 دولار."
ويتابع: "المشكلات كثيرة. هناك مشكلة ضيق مساحات المخيم، في حين أن الدولة في لبنان حرمت الفلسطينيين حق التملك وفق تعديل قانون التملك للأجانب لسنة 2001. وتعديل قانون العمل الذي أقره البرلمان اللبناني سنة 2010 هو في الواقع فارغ من مضمونه بسبب فرض إجازة العمل، فضلاً عن أن الفلسطيني ممنوع من العمل فيما يسمى المهن الحرة، مثل الطب والهندسة وغيرهما. هذه التعقيدات كلها تدفع الفلسطيني الفاقد الأمل إلى الهجرة الخطرة عبر البحار."
ويحمّل أبو العردات الأونروا جزءاً من المسؤولية لتقليصها الخدمات بسبب شح التمويل، مشيراً إلى أن "37.000 تلميذ في لبنان كادوا يبقون بلا مدارس هذه السنة لولا أن تمويلاً طارئاً ورد إلى الأونروا، بينما بقيت الخدمات الصحية والاجتماعية على حالها وهي سيئة للغاية. وفيما يتعلق بموضوع نهر البارد، بلّغتنا الأونروا وقف دفع بدل إيواء للمهجرين في حين لم تُستكمل عملية الإعمار [....]. الأونروا مؤسسة أُنشئت من أجل رعاية اللاجئين الفلسطينيين وتشغيلهم حتى عودتهم، أو إيجاد حل عادل لقضية اللاجئين."
وعن مسؤولية الدولة اللبنانية، يشدد أبو العردات على "ضرورة أن تسرع الدولة اللبنانية في فتح الملف الفلسطيني، لأن فتحه وعلاج مشكلاته يخدم اللبنانيين والفلسطينيين: فإذا تحسن وضع الفلسطيني في المخيم يكون عامل أمن واستقرار. والفلسطينيون قوة عاملة، وفي المخيمات شباب نشيطون يمكنهم أن يعطوا هذا البلد كما أعطاهم، لذلك السماح لهم بالعمل هو مصلحة لبنانية وفلسطينية."
ويضيف: "نحن نرفض كل أشكال الفتنة المذهبية والطائفية. هذا جزء من عقيدتنا وثوابتنا وجزء من منطلقاتنا الوطنية [....]. أنا أرى أن مزيداً من الحوار بيننا وبين اللبنانيين في لجنة الحوار اللبناني - الفلسطيني أمر ضروري، كما سبق أن بعثنا برسائل تطمين وتبديد للمخاوف والهواجس، وقلنا ونقول أننا لا نريد التوطين ولا نسعى له، واليوم المطروح هو التهجير [....]. على الدولة أن تحسّن وضع اللاجئين كونها دولة راعية للفلسطينيين، لأنهم موجودون على أرضها. وموضوع التملك يجب أن يخرج من دائرة الصراع والبازار السياسيين. إن من أبسط حقوق الإنسان تملك منزل، وكان الفلسطينيون يتملكون قبل سنة 2001، ومهما يتملكوا من مساكن فلن يشكلوا كسراً من جزء من تملك الأجانب في لبنان. إن هذا الموضوع عبارة عن فزاعة. من غير الأخلاقي أو المنطقي أن الفلسطيني لا يمكنه أن يورث منزله لأبنائه، وهناك حالات كثيرة يفقد فيها الفلسطينيون أملاكهم بسبب هذا القانون المجحف."
وفلسطينيو سورية
واستطراداً لما يجري في سورية كيف يرى أبو العردات مستقبل الوجود الفلسطيني في سورية؟يقول المسؤول الفتحاوي في هذا السياق إن "في سورية 600.000 فلسطيني تقريباً، حصلوا على كامل حقوقهم ما عدا الجنسية. وخلال الحرب عانوا الأمرين، ليس فقط في اليرموك الذي بات سكانه لا يزيدون على 5000 شخص بعدما كانوا أكثر من 180.000 نسمة. المخيم تعرض لنكبة كبيرة، مثل نكبة مخيم نهر البارد تقريباً. فنزح نحو 100.000 فلسطيني أو هُجِّروا من المخيمات التي دُمِّر عدد منها، ولا يستطيع سكانها العودة إليها. وعلى الرغم من كل ذلك فإن الفلسطينيين متمسكون بوجودهم في سورية، لكن الحاجة والعوز يضطران البعض إلى الخروج منها، وبعضهم أتى الى لبنان، ثم عاد إلى سورية. وأعتقد أنه إذا تم التوصل إلى حل سياسي في سورية، فإن الفلسطينيين سيعودون إلى بيوتهم ويعيدون إعمار ما تم تدميره."