After 22 Years, the Massacre of the Cave of the Patriarchs in Hebron Continues with other Forms and Images...
Date: 
March 11 2016

اعتقد كثيرون أن المجزرة التي ارتكبها المستوطن باروخ غولدشتاين في الحرم الإبراهيمي في مدينة الخليل، قبل 22 عاماً، ستقود إلى إنهاء وجود المستوطنين في المدينة، أو على الأقل ستقيّد هذا الوجود، لكن النتيجة كانت عكسية، فقد تعزز وجودهم، في الخليل، عقب المجزرة، إذ استولوا على الجزء الأكبر من الحرم الإبراهيمي، وعززوا حضورهم فيه، وفي البلدة القديمة من المدينة. وجرى في المقابل التضييق على أهالي الخليل، وإغلاق أكبر شارع تجاري فيها، وهو شارع الشهداء، وعدة أسواق أُخرى، وتقييد حركة المواطنين لمصلحة حرية المستوطنين في الحركة والتنقل.

وفي الهبّة الشعبية الحالية التي تفجرت مطلع تشرين الأول/ أكتوبر العام الماضي (2015)، عاد الحرم الإبراهيمي من جديد ليشكل عنواناً للأحداث التي تشهدها هذه المدينة، على مختلف المستويات، منذ المجزرة التي سقط فيها 29 قتيلاً وعشرات الجرحى الذين تعرضوا لإطلاق النار وهم راكعون خاشعون بين يدي الله، في صلاة الفجر من ذلك اليوم الدامي، الموافق فيه 25 شباط/ فبراير 1994. 

وبحسب إحصاءات مؤسسات الخليل فإن 20 شاباً وفتاة قُتلوا، خلال هذه الهبّة الشعبية، على يد الجنود والمستوطنين في محيط الحرم الإبراهيمي، وفي الشوارع المؤدية إليه، كما سقط نحو 35 شهيداً آخر في مناطق أُخرى من المدينة والمحافظة.

وتصدرت الخليل أخبار الهبّة الشعبية الراهنة، وخصوصاً في أعداد الضحايا. وقال المحامي فريد الأطرش منسق الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان في مدينة الخليل، إن الهيئة سجلت حالات قام فيها مستوطن بعملية القتل، وحالات أُخرى أشار فيها مستوطن نحو فلسطيني، مطالباً الجنود الذين يرافقونه على الدوام، بقتله، بدعوى أنه يحمل أداة حادة.

وأضاف: "وفي مختلف الحالات، يستخدم الجيش الإسرائيلي القوة المفرطة بهدف القتل وليس أي شيء آخر، فما إن يظهر صبي أو فتاة يحملان سكين مطبخ حتى يقوم الجنود بقتلهما من دون أن يشكلا أي خطر حقيقي على حياتهم."

وكان المستوطنون سيطروا، عقب المجزرة، على 57% من مساحة البناء الكلي للحرم الإبراهيمي البالغة 2040 متراً مربعاً، وعلى الحديقة التي تحيط به، تطبيقاً لتوصيات لجنة شمغار التي شكلتها الحكومة الإسرائيلية.

وقال عماد حمدان المدير العام للجنة إعمار الخليل إن المساحة الفعلية التي حصل عليها المستوطنون من الحرم تصل إلى نحو 75 أو 80% إذا ما أخذنا في الاعتبار الساحات والحدائق التي استولوا عليها.

وأضاف: "عقب المجزرة، قسمت السلطات الإسرائيلية البلدة القديمة إلى ثلاثة أجزاء: جزء لا يمكن لأهالي الخليل الوصول إليه مثل شارع الشهداء وأول شارع السهلة، وسوق الخضروات المركزي، وسوق الذهب، وسوق الملابس القديمة؛ قسم يمكن الوصول إليه، لكن عبر بوابات وحواجز مثل الحرم ومنطقته، والمحكمة وغيرها؛ قسم يمكن الوصول إليه من دون قيود، مثل حارة القصبة والقزازين."

وبلغ عدد المحال التجارية التي أُغلقت في شارع الشهداء والأسواق التي يؤدي إليها، 512 محلاً.

 وبحسب مصادر إسرائيلية متقاربة، فإن عدد المستوطنين في البلدة القديمة في الخليل بلغ 400 مستوطن تخصص الدولة العبرية لحراستهم 1500 جندي، أي نحو 4 جنود لكل مستوطن..

 وكان المستوطنون، قبل المجزرة، يزورون الحرم الإبراهيمي بإشراف وزارة الأوقاف، وكانت هذه الزيارات تجري خارج أوقات الصلاة عند المسلمين، لكن، بعد المجزرة، سيطروا على أكثر من نصف مساحة الحرم.

وقال منذر أبو الفيلات، المدير السابق للحرم الإبراهيمي: "مُنح المستوطنون الحضرة الإبراهيمية، واليعقوبية واليوسفية ومقام الصحن، وتركوا لنا فقط الحضرة الإسحقية والحضرة الجاولية."

ويضم الجزء الذي تحول إلى كنيس يهودي في الحرم، قبر إبراهيم وزوجته سارة، وقبر يعقوب وزوجته ليئة، وقبر يوسف، فضلاً عن صحن المسجد، وهي المنطقة المكشوفة فيه.

أمّا الجزء الذي تُرك للفلسطينيين فيضم قبر إسحق وزوجته رفقة. وفُصل الجزءان بحواجز وبوابات حديدية مُحكمة، وتحول الحرم إلى ثكنة عسكرية للإشراف والمراقبة.

وسمحت السلطات للمستوطنين باستخدام حديقة الحرم على مدار العام، كما منحتهم حق استخدام حصة المسلمين من الحرم في فترات الأعياد اليهودية، ومدتها عشرة أيام في العام، يجري خلالها إغلاق أبواب المسجد أمام المصلين المسلمين. والأمر ذاته ينطبق على المسلمين في فترات الأعياد الإسلامية على ألاّ تتجاوز عشرة أيام في العام، علماً بأن أعياد المسلمين تفوق العشرة أيام..

وبعد تقسيم الحرم الإبراهيمي، أقامت السلطات الإسرائيلية بوابات حديدية ضخمة وأجهزة تفتيش على مداخله، كما أغلقت معظم الطرق المؤدية إليه، ووضعت كاميرات مراقبة داخل المبنى المقسم لمنع حدوث أي احتكاك بين الجانبين.

وقال المحامي فريد الأطرش إن عدد الحواجز العسكرية المقامة في البلدة القديمة وحول الحرم تبلغ نحو 30 حاجزاً.   

والخليل من المدن الفلسطينية القديمة، وفيها مقامات لعدد من الأنبياء مثل النبي يونس والنبي نوح، علاوة على ضريح النبي إبراهيم وزوجته وأضرحة أبنائه وزوجاتهم. وتبلغ مساحة المحافظة 997 كيلومتراً مربعاً.

وقسّمت إسرائيل مدينة الخليل، بموجب الاتفاق الخاص مع السلطة الفلسطينية، والذي يسمى "بروتوكول الخليل"، إلى منطقتين، هما: المنطقة “H2 الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية، والتي تشكل ثلث مساحة المدينة، وفي القلب منها البلدة القديمة والحرم الإبراهيمي الشريف؛ المنطقة “H1” الخاضعة للسلطة الفلسطينية.

وبحسب الجهاز المركزي للإحصاء، فإن 206.000 فلسطيني يعيشون في مدينة الخليل، منهم 50.000 يعيشون في المنطقة H2” الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية.

وقال رئيس البلدية داود الزعتري، إن إغلاق شارع الشهداء والأسواق القديمة ومحيط الحرم الإبراهيمي ألحق أضراراً واسعة بأهالي المدينة، مستطرداً أن "ما يفعله الجنود يُكمل ما يفعله المستوطنون، وهو الضغط على الناس من أجل الخروج من المدينة كي يحل المستوطنون محلهم." وأضاف: "استولى المستوطنون على  أكثر من نصف الحرم الإبراهيمي، وعلى العديد من البيوت والبنايات في البلدة القديمة، وهم في كل يوم يوسعون مناطق سيطرتهم، والهدف هو تهويد المدينة"، وتابع أن "عمليات القتل اليومي الجارية في المدينة هي جزء من مساعي إسرائيل لإفراغها من أهلها وإحلال المستوطنين مكانهم."

ويتمركز المستوطنون في أربع بؤر استيطانية في قلب البلدة القديمة من المدينة، ويمارسون اعتداءات يومية على الفلسطينيين في البلدة القديمة، تحت غطاء من الجيش الذي يوفر لهم الحماية في مختلف الأوضاع والأحوال. وقال عماد حمدان إن المستوطنين يمارسون كل أنواع الاعتداء وأبشعها على الناس من تسميم المواشي، إلى تخريب الأملاك الخاصة، إلى الضرب ورشق الحجارة وملاحقة تلاميذ المدارس وتخويفهم.

وقال عيسى عمرو رئيس مجموعة "شباب ضد الاستيطان" الناشطة في البلدة القديمة المهددة من طرف المستوطنين: "المستوطنون يعتدون على الناس كي يطردوهم ويحلّوا مكانهم." وأضاف: "وجيش الاحتلال جزء من المخطط، فهو هنا ليحمي المستوطنين، ويعتدي على الفلسطينيين."

وينظّم "شباب ضد الاستيطان" أنشطة يومية في المدينة، تتمثل في توثيق اعتداءات المستوطنين بالصورة والصوت والمعلومة، وتوزيعها على وسائل الإعلام، والقيام باعتصامات وتظاهرات احتجاجية. وقال عيسى إن أعضاء المجموعة ينتشرون في مختلف مناطق البلدة القديمة وأحيائها، وفي محيط الحرم، وهم يحملون كاميراتهم ويصورون الانتهاكات كلها، ويوزعونها على وسائل الإعلام المحلية والأجنبية والإسرائيلية على حد سواء.

وأعدت "شباب ضد الاستيطان" حملة تتألف من 150 فعالية شعبية ودولية للمطالبة بإعادة فتح شارع الشهداء. وقال عمرو: "تتكون الحملة من تنظيم زيارات لوفود دبلوماسية وبرلمانية من مختلف العالم، وتظاهرات واعتصامات بهدف الضغط على السلطات الإسرائيلية لفتح شارع الشهداء الذي يشكل شريان الحياة للمواطنين في البلدة القديمة"، مضيفاً: "إذا نجحنا في إعادة فتح شارع الشهداء، فسننجح في إعادة فتح باقي الأسواق والشوارع في البلدة."   

وشكلت ممارسات المستوطنين في الخليل العامل الرئيسي وراء تفجر الهبّة الشعبية في المدينة، وارتفاع عدد محاولات الطعن التي تشهدها بصورة شبه يومية.

وشهدت البلدة القديمة حركة نزوح كبيرة جرّاء الاعتداءات، أو نتيجة فقدان فرص العيش بسبب إغلاق المحال.

ولا يوجد إحصاءات دقيقة بشأن عدد العائلات التي غادرت البلدة القديمة، غير أن الناشطين في الخليل يقولون إن مئات البيوت في البلدة باتت فارغة. وقال عيسى عمرو: "هناك أناس غادروا لحماية أبنائهم من اعتداءات المستوطنين، وثمة آخرون غادروا بعد أن فقدوا مصادر عيشهم بسبب إغلاق شارع الشهداء والأسواق المحيطة به، والتي تضم أكثر من 1000 محل تجاري ومعمل."

وقال المحامي الأطرش: "لا يمكن إلقاء  اللوم على أي من سكان البلدة الذين يغادرونها هرباً من الاعتداءات والخطر، وخصوصاً في هذه الفترة التي يقوم فيها الجنود والمستوطنون بالقتل على الشبهة."

وتقوم لجنة إعمار الخليل منذ تأسيسها في منتصف التسعينيات بتعزيز بقاء الناس في بيوتهم عبر توفير دعم إضافي لهم لترميم البيوت الخاصة والمباني العامة في البلدة القديمة. وقال عماد حمدان إن اللجنة عملت على ترميم 1150 بيتاً وشقة سكنية، وأعادت 6500 مواطن إلى بيوتهم.

Read more