مِلْمان، رافيف. "أصدقاء حقيقيون: داخل التحالف الأميركي ـ الإسرائيلي" (بالإنكليزية)
الكتاب المراجع
النص الكامل: 

أصدقاء حقيقيون: داخل التحالف الأميركي - الإسرائيلي*

Friends in Deed: Inside the U.S. - Israel Alliance

Yossi Melman and Dan Raviv. New York: Hyperion, 1994.537 pages.$27.95.

 

إن كتابة تاريخ خال من الهوى للعلاقة الأميركية - الإسرائيلية أمر ليس باليسير، وذلك تحديداً لأنها علاقة "مميزة" تقوم، خلافاً لسواها من العلاقات بين الدول، على ارتباط عاطفي وتصور لقيم مشتركة، وعلى الكثير من المصالح الاستراتيجية المتبادلة، وتستمر بفضل مجموعة ضغط (لوبي) أميركية محلية فريدة في نشاطها. وبما أن العلاقة نشأت في ظل ظلم فريد لَحِق بشعب آخر، فإن مهمة كتابة تاريخ شامل غير مفرط في التقريظ أو الملامة أمر يستلزم مهارة فريدة، وقد تمكن يوسي مِلْمان ودان رافيف من القيام بهذه المهمة.

إن هذا الكتاب، الذي ألفه الصحافي الإسرائيلي مِلْمان ومراسل شبكة التلفزة CBSرافيف، اللذان تعاونا في تأليف كتابين سابقين هما: "وراء الانتفاضة" (Behind the Uprising) و"كل جاسوس أمير" (Every Spy a Prince)، يشكل تاريخاً محايداً إلى حد ما، وصريحاً في تفحصه الجوانب غير السارة، فضلاً عن الحقب المشرقة في العلاقات الأميركية - الإسرائيلية. ويكتب المؤلفان من منظور يؤيد قيام علاقات أميركية - إسرائيلية وثيقة، وهما يعربان عن مشاعرهما أحياناً، لكنهما يمتنعان من تحريف الوقائع، ويقدمان تحليلاً واضحاً متوازناً، ويدعان الوقائع تنطق بنفسها عن نفسها.

النصف الأول من الكتاب مرتب بحسب التسلسل الزمني، أمّا النصف الآخر منه فيخصصه المؤلفان لما يطلقان عليه اسم "الموضوعات الحاسمة" (ص XIV)، أي تلك التي نشأت في العلاقة خلال العقد الأخير من السنين أو ما يقارب العقد. ومن ذلك فصل كامل بشأن النفوذ الذي مارسته مجموعة الضغط المؤيدة لإسرائيل، اللجنة الأميركية الإسرائيلية للعلاقات العامة (إيباك) خلال عهد ريغان؛ وفصل آخر بشأن الدور الذي تقوم وسائل الإعلام به من أجل ترويج وتحسين صورة إسرائيل في الولايات المتحدة؛ وسوى هذين فصلان في التجسس الأميركي والتجسس الإسرائيلي وفي العلاقات بين إسرائيل والأصوليين المسيحيين الأميركيين.

والكتاب عمل ينم عن براعة وأَلمعيّة. فقد أجرى مِلْمان ورافيف مقابلات مع رؤساء سابقين للولايات المتحدة ورؤساء سابقين للحكومة الإسرائيلية، وحادثا، سوى هؤلاء، عدداً لا يحصى من الفعاليات البارزة في الولايات المتحدة وإسرائيل، ودققا في الأدبيات الوفيرة في العلاقات الأميركية - الإسرائيلية، سواء منها المؤيدة أو المعارضة، وغاصا في المحفوظات، وحصلا على وثائق سرية من البلدين، ونبشا أسراراً طال كتمانها، وخرجا بتاريخ شامل يروي الحوادث المعروفة وسواها من مجريات الأمور الأقل أهمية، التي لا تخلو بدورها من الإثارة في أكثر الأحيان.

إن الكتاب، إذ يقدم هذا التاريخ الشامل ويتابع مجريات خمسين عاماً من الصعود والانحدار في العلاقات الأميركية - الإسرائيلية، يتيح منظوراً طالما افتقرت إليه التواريخ التي تتناول وجهاً واحداً من وجوه العلاقة، أو فترة واحدة، أو تلك التي تقاربها من منطلق العداء. ويتتبع المؤلفان العلاقة منذ بداياتها العاطفية الناشئة عن المحرقة الكبرى (الهولوكوست) حتى الخمسينات، يوم كانت إسرائيل تُعَدُّ مفيدة كشريك في الاستخبارات وإلى حد ما سداً استراتيجياً في وجه التسلل السوفياتي، إلى الستينات، يوم حوَّل ليندون جونسون علاقة فاترة بعض الشيء إلى ارتباط شخصي حميم، وأضاف جرعة ضخمة من المساعدات العسكرية، ثم إلى الثمانينات، يوم حوَّل أصدقاء إسرائيل داخل إدارة ريغان وخارجها الدولة العبرية إلى أعز حليف للولايات المتحدة وإلى رصيد استراتيجي حيوي لها.

وفي موازاة أهمية إسرائيل المتنامية في السياسة الأميركية، يبين المؤلفان أن ثمة عوامل أساسية أُخرى عملت على توطيد العلاقة. فقد تنامت إيباك بسرعة بحيث غدا نفوذها في الثمانينات متغلغلاً في الكونغرس، وصار وزير الخارجية جورج شولتس يشاور زعماءها قبل إطلاق مبادرات في المساعدات الخارجية. ومن ناحية أُخرى، صحا كثير من اليهود الأميركيين على هويتهم اليهودية عقب انتصار إسرائيل سنة 1967، وحولتهم الصحوة إلى أنصار لإسرائيل أقوياء وناشطين. ولعل أهم ما عمل على تشكيل العلاقة الثابتة هو أن الجمهور الأميركي وجد في قلبه موضعاً دافئاً لإسرائيل - وهذا ما يسميه المؤلفان "التلاقي الثقافي" (ص 107) - بفضل تأثير وسائل الإعلام وهوليوود وكتب مثل كتاب ليون أوريس "الخروج" (Exodus).

بعد عرض هذا التطور المطرد في العلاقات على نحو واضح ومتسلسل، يسهل على المرء أن يرى كيف أن الفلسطينيين، الذين كانوا غير مرئيين خلال العقدين الأولين من نشوء إسرائيل، وكيف أن العرب إجمالاً، الذين ظلُّوا متشبثين بالتركيز على حيف ما عادت الولايات المتحدة تذكره منذ زمن بعيد وما انفكت إسرائيل تسعى لطمسه، كيف أن هؤلاء جميعاً بات يُنظر إليهم في الولايات المتحدة كمصدر للإزعاج. لقد كان نمو العلاقة بإسرائيل محكوماً بشيء كالحتمية التي لا مردَّ لها. فمن جهة هناك إسرائيل، المهمة استراتيجياً، والمشابهة للولايات المتحدة ثقافياً وسياسياً، والقادرة على رسم صورة لذاتها باعتبارها محاصرة من قبل العرب الغاضبين غير العقلانيين، ومن جهة أُخرى هناك العرب، المختلفون "عنا" اختلافاً تاماً، الميالون إلى ما يبدو أنه هبّات متكررة من النضال العدائي غير الرشيد، والمصممون على تدمير إسرائيل لسبب ليس في وسع أي أميركي عادي أن يفهمه. وفي ظل غياب أي بلد عربي مريح جداً لإقامة علاقة وطيدة، "سطعت إسرائيل سطوعاً باهراً"، كما يقول مِلْمان ورافيف (ص 229).

والواقع أن الاختيار بين إسرائيل والعرب بدا من الوضوح بحيث غدا من السهل التغاضي عن الجوانب المزعجة في العلاقات مع إسرائيل. ويلاحظ المؤلفان أن إسرائيل والولايات المتحدة أقامتا منذ الخمسينات نمطاً من السلوك استمر عبر عقود: بين الفينة والفينة "كان العم سام يشعر بأنه يتعامل مع ولد شقيّ يتصرف كما يحلو له من غير اعتبار لمشاعر والده؛... وعندما كان العم سام يبدو أنه لن يتحمل أية لحظة أُخرى من التحدي، كان الولد الشقيّ ينظف غرفته ويغسل وجهه وما وراء أذنيه." وكان الإسرائيليون "يعدون بأن يكونوا أكثر تهذيباً في سلوكهم" - حتى المرة القادمة (ص 75).

ويتضح نمط مشابه في التعامل القائم بينهما من الطريقة التي لم تزل الولايات المتحدة تتغاضى بها عن قدرات إسرائيل النووية. فقد احتج الرئيس كينيدي احتجاجاً جاداً لدى الإسرائيليين على المفاعل النووي الذي اكتشفت الولايات المتحدة أنه في قيد البناء في أواخر سنة 1960، لكنه لم يتابع القضية متابعة جادة قط. ومع أن شيئاً من السجال نشأ في الولايات المتحدة في شأن منح إسرائيل مساعدات عسكرية أميركية بينما هي ترفض توقيع معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، فإن الرئيس جونسون كان، بحلول سنة 1968، قد أضحى على قدر من قلة الاكتراث بحيث سارع إلى توقيع أول صفقة لبيع إسرائيل خمسين طائرة "فانتوم ف - 4" القاذفة المقاتلة. وفي التسعينات، وعلى الرغم من أن إسرائيل والولايات المتحدة كانتا لا تزالان تمتنعان رسمياً من الاعتراف بامتلاك إسرائيل أسلحة نووية، فإن الولايات المتحدة كانت قد أصبحت غير مبالية بالمسألة إلى حد أنها رفعت ستار السرية عن وثائق تثبت إلى حد ما حيازة إسرائيل لهذه الأسلحة، كما أن آبا إيبن اعترف علانية للمؤلفَين بأن إسرائيل كانت اتخذت إجراءات معقَّدة لخداع المفتشين الأميركيين الذين أُرسلوا لتفحص مفاعل ديمونا في الستينات.

يعتقد مِلْمان ورافيف أنه، مع نهاية الحرب الباردة ونجاح إدارة بوش النسبي في لوي ذراع يتسحاق شمير، ونفاد صبر الجمهور الأميركي حيال الهِبات الضخمة من المساعدات الخارجية، والانحسار - غير المؤكد - في نفوذ إيباك، باتت إسرائيل تخسر من نفوذها السياسي في الولايات المتحدة. ويجوز للمرء أن يشك في أن هذا الانحسار خطر الشأن أو أنه سيكون ذا شأن في المستقبل. فالعلاقة الأميركية - الإسرائيلية محبوكة حبكاً معقداً ومبنية على عدد كبير من الأسس المتنوعة بحيث أن من المستبعد أن يقدر شيء على تقليصها تقليصاً ذا بال. وكما يستنتج المؤلفان أنفسهما، فإن "المصالح والعواطف والتصورات التي يقوم التحالف عليها ليست آخذة في التلاشي" (ص 460).

 

*    نقلاً عن: Journal of Palestine Studies, Vol. XXV, No. 1 (Autumn 1995).

السيرة الشخصية: 

كاثلين كريستشن: باحثة في الشؤون السياسية للشرق الأوسط ومتخصصة بالكتابة عن القضايا الفلسطينية والسياسة الأميركية الشرق الأوسطية.