عمر. "الاختراق: اتفاق غزة ـ أريحا أولاً" (بالعربية)
النص الكامل: 

الاختراق: اتفاق غزة - أريحا أولاً

محجوب عمر

القاهرة: دار جهاد للنشر والتوزيع، 1994. 268 صفحة.

 

الكتاب قسمان: الأول يضم سبعة عشر مقالاً نشرها الدكتور محجوب عمر بين أيلول/سبتمبر 1993 وآذار/مارس 1994 في عدة صحف ومجلات في القاهرة ولندن وباريس، وهي، جميعها، تتناول "اتفاق غزة - أريحا أولاً". والآخر وثائقي يضم خطابات الاعتراف المتبادل بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل ونص اتفاق أوسلو والقاهرة وبروتوكولاً خاصاً بالشؤون المدنية واتفاقاً خاصاً بإجراءات بناء الثقة، والخطابات المتبادلة في شأن "اتفاقية قطاع غزة ومنطقة أريحا" (القاهرة، 4 أيار/مايو 1994). وفي هذه المقالات تتطور وجهة نظر الدكتور محجوب عمر شيئاً فشيئاً على نحو يصبح فيه موقفه ملتبساً إلى حد كبير. فهو غير معارضٍ للاتفاق وإن كان يميل إلى نقده؛ وهو يؤيد بقوة الخط السياسي للقيادة الفلسطينية في حين يتبنى بعض الاتجاهات المحسوبة على القوى الإسلامية التي يسميها "قوى الجهاد". كما أنه يرى في "إعلان المبادئ" "اختراقاً تاريخياً حطم جموداً استمر سنيناً، وانتقالاً في حركة الصراع العربي - الصهيوني من مسار إلى آخر." ويرى في قيام كيان فلسطيني مستقل، أياً تكن مساحة هذا الكيان، وحتى مع عدم عودة اللاجئين والنازحين، وحتى لو كان هذا الكيان جسراً اقتصادياً لإسرائيل، بدايةً لعملية تاريخية متسارعة ستحاصر الكيان الصهيوني وتقوِّض أفكاره الصهيونية وخططه، ذلك بأن التسوية الجارية حالياً ليست – في رأي المؤلف - إلا توسيعاً لدائرة الاحتكاك بين الإسرائيليين والعرب، وهو ما يوسع خطوط القتال وجبهاته!

إن هذا المنعطف التزييني مخادع بكل ما في الكلمة من معنى. فهو يحوِّل الهزيمة إلى نصر، ويزيِّن، بخفة الساخر اللبق، كل تراجع فيجعله تقدماً، ويصور كل تفريط كأنه نوع من التراجع استعداداً للتقدم الاستراتيجي، ويقيم للعوامل التاريخية والأيديولوجية وزناً يزيد كثيراً على حقيقتها، ويُغلِّب ذلك كله على جميع الحقائق الموضوعية الماثلة بسطوع أمام أعيننا، ويطيح بجميع المفاهيم المعيارية، مثل موازين القوى والحجوم المطلقة للاقتصاد (الإنتاجية، التشغيل، الدخل..) والعلم والتكنولوجيا والهياكل التنظيمية والإدارية، لمصلحة نظرة تستمد مشروعيتها الفكرية من الرومانسية القومية والتاريخية. وهكذا، لا يتورع الكاتب عن القول، بكل ثقة، إنه "لم يرَ في اعتراف منظمة التحرير الفلسطينية بإسرائيل مفاجأة، بل إن المفاجأة بالفعل، هي قبول القيادة الإسرائيلية الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية رسمياً" (ص 50). غير أنه، بعد أن يكسر الحقائق، يعود ليجبرها، وبعد أن يفتقها ينثني ليرتقها، فيعتبر اتفاق أوسلو نصراً لمنظمة التحرير الفلسطينية وقيادتها، لكنه ليس نصراً تاريخياً لفلسطين والعرب. فالنصر التاريخي هو استرجاع فلسطين كلها. وسيظل الصراع مستمراً حتى بعد التوصل إلى اتفاق نهائي، وسيظل الوجود الصهيوني مصدراً للنزاع والصدام إلى أن تذوب المجموعة البشرية الإسرائيلية في محيطها العربي والإسلامي" (ص 55).

قصارى القول، إن مقدمات الأفكار في هذا الكتاب تتناقض تناقضاً بيناً وجلياً مع النتائج، وإن الخلاصات الجميلة التي ترضي أحلامنا التاريخية تصطدم بالحقائق المرة التي تكاد تحني رؤوسنا. إن من شأن خلط الأحلام الجميلة بالوقائع المرة أن يقودنا إلى خدر وخبل، لا إلى معاندة الواقع ومقاومته. ومَن يتوهم أنه يصنع من هذه الأخلاط تاريخاً ومستقبلاً كمَن يأمل بأن "يصنع من الفسيخ شربات".