كوانت. "عملية السلام: الدبلوماسية الأميركية والصراع العربي ـ الإسرائيلي منذ سنة 1967" (بالإنكليزية)
الكتاب المراجع
النص الكامل: 

عملية السلام: الدبلوماسية الأميركية والصراع العربي الإسرائيلي منذ سنة 1967

Peace Process: American Diplomacy and the Arab-Israeli Conflict Since 1967

By William B. Quandt. Washington and Berkeley: Brookings and the University of California Press, 1993.

 

 وليم كوانت مؤهل على نحو فريد للكتابة عن السياسة الأميركية تجاه الشرق الأوسط والصراع العربي – الإسرائيلي. فهو خبير بهذه الشؤون منذ سنة 1968، وشارك في رسم السياسة المتعلقة بها كعضو في جلس الأمن القومي خلال فترتي 1972 – 1974 و1977 – 1979، وله صلات معرفة وعمل مع كثير من المشاركين فيها، وكتب كثيراً عن هذا الموضوع. ويتيح له عمله كباحث في مؤسسة بروكينغز موقعاً لا نظير له لمتابعة الأحداث ومراقبة ما يجري تحت السطح. وكتابه هذا، إذاً، رواية شخص مطلع على الأحداث من الداخل، لكنه يملك بالإضافة إلى ذلك مؤهلات أكاديمية جادة، وألّف دراسات كثيرة أصيلة عن الموضوع.

هذا الكتاب المهم هو بمثابة توسيع وتحديث لعمل كوانت الكلاسيكي "عقد القرارات" (Decade of Decisions) (1977)، الذي تضمن وصفاً وتحليلاً لسياسة الرؤساء الأميركيين الثلاثة: جونسون، ونيكسون، وفورد، تجاه المشكلة العربية – الإسرائيلية. ويقوم كوانت في هذا العمل بمراجعة كتاباته الأولى ويواصل بالطريقة نفسها معالجة سياسة إدارات الرؤساء كارتر وريغان وبوش. ويخصص الفصل الأخير للاستنتاجات التي توصل إليها، والتحديات والفرص التي تواجه إدارة الرئيس كلنتون، ويقدم بعض النصائح للتعامل معها. ويشتمل الكتاب على 90 صفحة وثائق رئيسية وملاحق. وبعض هذه المواد ظهر في مؤلفات سابقة لكوانت، لكن نحو النصف الجديد.

يوضح كوانت في المقدمة أن الكتاب "يناقش كيف تؤثر السياسة والعادات البيروقراطية في صنع السياسات وتنفيذها في الأوقات العادية. لكن نقطة الثقل في الدراسة هي تلك اللحظات النادرة عندما يحاول السياسيون فهم تدفق الأحداث المربك، عندما يحاولون الربط بين الأعمال والقصد من ورائها، إذ عندئذ تكون قدرات الزعامة ومحدوديتها في أوضح تجلياتها."

يبدأ كوانت بالإشارة إلى أنه منذ الخط الفاصل المتمثل في حرب حزيران/ يونيو 1967، تغيرت سياسة الولايات المتحدة الشرق الأوسطية من التشديد على عناصر مضمون السلام إلى التشديد على العملية المؤدية إلى السلام. وفي بعض الحالات، وفرت الولايات المتحدة الوجهة والآلية، وكان ذلك عملية السلام في أحسن أوقاتها. لكن "في أسوأ الأحوال لم يكن ذلك أكثر من شعار لتمرير الوقت."

ويذكّرنا كوانت بأن الموقف الأميركي الأساسي خلال تلك الفترة بقي ثابتاً بصورة لافتة. وعموماً، أيدت الإدارات الأميركية المتعاقبة مفهوم مقايضة الأرض بالسلام، والموقف القائل إن القدس الشرقية أرض محتلة، وأياً يكن وضعها النهائي يجب ألا تقسم مجدداً، وأن المستوطنات هي على الأقل عقبة في طريق السلام، وأن نوعاً من الشراكة مع الأردن أفضل من دولة فلسطينية مستقلة، وأنه يجب المحافظة على تفوق إسرائيل العسكري. ويرى الكاتب أن الولايات المتحدة متمسكة بهذه المواقف بقوة ولا يحتمل أن تغيرها بصورة ملحوظة.

لكن السياسة، من جهة أُخرى، لا تعرف الثبات. إنها تتأثر تأثراً شديداً باعتبارات تكتية وبتقديرات بخصوص ما هو ممكن تحقيقه في مقابل ما هو مرغوب فيه. وقد تحدث ظروف الواقع وتصوراته تغييرات مهمة في السياسة، إن لم يكن في المواقف الأساسية. وهنا يذكر كوانت كيف جرت إعادة تقدير رئيسية للسياسة بعد أن تقرر أخذ أنور السادات على مجمل الجد في تشرين الأول/ أكتوبر 1973.

ويؤكد كوانت أن السياسة المتعلقة بالشرق الأوسط هي من "اختصاص" الرئيس ومستشاريه المقربين، ومنهم وزير الخارجية. وتعتبر وجهة نظرهم المشتركة، لا وجهة نظر الإداريين، العامل الأهم في تقرير السياسة. ويلاحظ أنه منذ سنة 1967 ينجذب كل رئيس أميركي إلى تعقيدات الصراع العربي – الإسرائيلي، بغض النظر عن نياته عند انتخابه، وأن أحداً منهم لم يتسلم منصبه وفي ذهنه فهم متطور لدقائق هذا النزاع. لكن عند مواجهة الحقائق في الساحة وداخل الولايات المتحدة، تحدث عملية تعليم يتوصل عبرها الرؤساء المتعاقبون مع أوان تركهم لمنصبهم إلى وجهات نظر متشابهة. (يتمنى المرء لو أن هذه العملية تمت بصورة أسرع).

يمكن تلخيص نصيحة كوانت للإدارة الجديدة كالآتي: كوني واقعية في تقويمك للوضع في المنطقة؛ على الرئيس ومستشاريه أن ينغمسوا في العملية وأن يوفروا الانسجام فيما بينهم؛ يجب تطوير أساس الدعم الداخلي باستمرار؛ النجاح كوسيط يتطلب إحساساً بالعملية وبالجوهر معاً؛ اعتمدوا بصورة رئيسية على الدبلوماسية الهادئة قبل إنجاز الصفقات؛ وأخيراً، إن لعنصر التوقيت أهمية كبيرة.

بالإضافة إلى تحليل عملية صنع السياسة، يشتمل الكتاب على نظرات تاريخية نافذة وثمينة فيما يختص بما أنجزته الإدارات المختلفة فعلاً. وهنا تبرز أهمية الفصلين الثاني والثالث اللذين يتناولان دور إدارة الرئيس جونسون في حرب حزيران/ يونيو ونتائجها. وقد أمضى كوانت وقتاً طويلاً في مراجعة الوثائق المفرج عنها في مكتبة جونسون، وفي التحدث إلى أميركيين وإسرائيليين بارزين من تلك الحقبة ما زالوا في قيد الحياة. وقد نشهد اكتشافات كثيرة عندما يتم الإفراج عن سجلات أُخرى، وعندما تنشر المذكرات، لكن ما كتبه كوانت عن الاتصالات الأميركية – الإسرائيلية خلال تلك الأزمة يعتبر الرواية الأكثر جدارة بالثقة حتى الساعة.

ومثلما فعل في المقال الذي نشرته مجلة Middle East Journal في ربيع سنة 1992، يقنعنا كوانت بأنه بحلول أواخر أيار/ مايو 1967 أدرك الرئيس جونسون أن الحرب واقعة لا محالة، وأنه لن يستطيع منع الإسرائيليين من الهجوم. وفي كتابه هذا يضيف كوانت أن جونسون "اتخذ خطوات للتأكيد للإسرائيليين أن 'الضوء الأحمر' الذي أشعله بتاريخ 26 أيار/ مايو (عندما اجتمع إلى وزير الخارجية الإسرائيلي أبا إيبن) تحول إلى ضوء أصفر."

إن كوانت يستنتج ذلك من السجلات، لكنه لا يقدم لنا الأدلة التي قادته إلى هذا الاستنتاج.

أن يدرك الإسرائيليون أن جونسون غيَّر رأيه بناء على ما أخبره به المحيطون به شيء، وشيء آخر أن يطلب جونسون نفسه من واحد من هؤلاء إعلام الإسرائيليين بأنه غيَّر رأيه. قد يكون فعل ذلك، بل يمكن أن نقول إنه من المحتمل أنه فعل ذاك، لكننا نحتاج إلى ما هو أكثر لنتأكد. نحتاج إلى معرفة من فعل ماذا ومتى؟

وهناك ملاحظة أُخرى أود إبداءها تسجيلاً للحقيقة – ففي حاشية في الصفحة 68 يذكرني بصفتي شخصاً أدى دوراً مؤثراً في رسم السياسة الشرق الأوسطية في الأيام الأولى من رئاسة نيكسون. ليت الأمر كان كذلك، لكنه لم يكن.

يكتب كوانت بوضوح وتحرر من الرطانة الأكاديمية، ويثير كتابه الإعجاب لشموليته وسهولة فهمه. ويمكن للقارىء العادي والخبير على حد سواء فهمه وتقديره. وتبقى نصيحة كوانت لإدارة الرئيس كلنتون صالحة عقب اتفاق 13 أيلول/ سبتمبر، والباحثون عن تقويم غير متحيز وواقعي لما تستطيع الولايات المتحدة فعله وما لا تستطيع فعله بشأن المشكلة العربية – الإسرائيلية سيجدونه في هذا الكتاب.

السيرة الشخصية: 

ريتشارد باركر: كاتب ومحاضر مستقل، واشنطن، العاصمة.