س ـ معالي الوزير هناك أخبار ومعلومات عن أن عملية تخطيط الحدود بين الأردن وإسرائيل قد بدأت، ويحكى عن محاولة استكشافية لنقاط الحدود تمت بالجو وعبر الطيران، وهذا يعكس تقدماً كبيراً في المسار الأردني ـ الإسرائيلي من دون سائر الجبهات العربية ـ الإسرائيلية الأُخرى المعنية بمفاوضات السلام. فما هي حقيقة هذه الأخبار والمعلومات؟
ج ـ فعلاً، لا صحة لهذه الأنباء على الإطلاق. هذا الخبر غير صحيح، جملة وتفصيلاً. لم تبدأ عملية رسم حدود ولا أي شيء من هذا القبيل، كل ما تمّ إلى الآن بعد سنة وشهرين من المفاوضات هو اتفاق شبه مبدئي حتى ـ وليس مبدئياً ـ على مسودة لجدول الأعمال الذي يتضمن عناوين عن مواضيع أساسية لها علاقة بمسار المفاوضات لا أكثر ولا اقل. والحقيقة أن هذه الوثيقة نشرت قبل أن توافق عليها الحكومة الأردنية وكان لنا عليها بعض التساؤلات ونحن قدمنا هذه التساؤلات، وطالبنا بتعديلات ولا يزال الكلام جارياً على هذا الموضوع.
[.......]
س ـ ما مآخذكم على هذه الوثيقة؟
ج ـ لنا ملاحظات للحقيقة على نقطتين أو ثلاث وطلبنا تعديلها.
[.......]
س ـ كيف تقوم مسار الأمور بعد مرور سنة على مؤتمر مدريد؟
ج ـ يا سيدي، لي ثلاث أو أربع ملاحظات على هذا الموضوع، أول شيء هو أن الصراع العربي ـ الإسرائيلي صراع طويل وممتد على الأقل مئة سنة على الصعيد العقائدي، ونحو خمسين أو ستين سنة على الصعيد العسكري، وتخلله على الصعيد العسكري أربع أو خمس معارك رئيسية (48، 56، 67، 73 و82)، وآخرها الانتفاضة الفلسطينية، ويمكن عشرات الآلاف من الاعتداءات والمعارك الصغيرة هنا وهناك.
إن صراعاً كهذا ممتداً بهذا الشكل، سواء كان عسكرياً أو عقائدياً أو سياسياً أو اقتصادياً أو جغرافياً أو إعلامياً... إلخ، وعلى كل المستويات، لا يعقل أن ينتهي خلال فترة وجيزة.
طبعاً لو كان من الممكن أن ينتهي خلال أسبوع لرحّبنا بذلك، وأعتقد أن أي إنسان عاقل يرحّب بذلك، لكن هذا الكلام غير واقعي.
س ـ والنقطة الثانية؟
ج ـ النقطة الثانية أن الأميركيين والـ "فيتكونغ" تفاوضوا ما يقارب سنة على شكل المائدة التي سيجلسون إليها، ما إذا كانت مستديرة أو مستطيلة أو مربعة أو في شكل آخر حتى توصلوا إلى الاتفاق على شكلها. نحن نتكلم على القدس، ورمزية القدس وقدسية القدس في قلب كل إنسان عربي وكل إنسان مسلم. ونحن نتكلم على الأراضي السورية المحتلة والجولان والأراضي الأردنية المحتلة، ونحن نتكلم على الجنوب اللبناني المحتل، وقدسية الجنوب اللبناني وقراه وأهله، ونتكلم على قضايا أساسية لها علاقة بتاريخ الأمة وتراثها وبعقيدتها وجغرافيتها، فهذا لا يعقل أن الإنسان يتصرف فيه أو ينتهي منه خلال يوم أو يومين أو فترة وجيزة.
في اعتقادي أن المفاوضات بعد سنة (كما قلت يا ليت لو كانت تنتهي خلال الأسبوع) في مكانها الصحيح. ما زلنا في المفاوضات، ولنا حقوق ولا بد من أن ندافع عنها بكل القوى وبكل المتانة التي من الممكن أن يمدّنا الله بها. وهذا ما نفعله على المسارات الأردني واللبناني والسوري والفلسطيني، وهذا يتطلب وقتاً.
س ـ ولكن هناك من يقول ويؤكد وجود تقدم معين على الجبهة الأردنية ـ الإسرائيلية في المفاوضات من دون سائر الجبهات الأُخرى؟
ج ـ إن الطرف الآخر من مصلحته في كل فترة من الفترات وبين الفينة والأُخرى أن يسلط الأضواء على هذا المسار أو ذاك.
في أول الأمر سلطوا على المسار اللبناني وأن ليس هناك مشكلة، وأنه قد يستفرد بلبنان، وبعد ذلك سلطوا على المسار الفلسطيني وقالوا إن المفاوضات قطعت أشواطاً بعيدة إلى الأمام وبعد ذلك قالوا: لا، نريد التسليط على المسار السوري وإذا عالجنا قصة المسار السوري تنتهي القصة. والكل يتذكر عندما قدم الإخوان السوريون مشروع وثيقة إعلان المبادىء، قيل يومها أيضاً إن الموضوع بين سوريا وإسرائيل أصبح في حكم المنتهي. كذلك الحال الآن بالنسبة إلى الأردن لجهة تسليط الأضواء على الوثيقة. لكن الأمر غير وارد إطلاقاً، فالأردن بكل بساطة ووضوح يصرّ على الحل الشامل على كل الجبهات، وعلى كل الصعد وكل المسارات لتحقيق الحل الشامل والعادل والدائم. وهذه العبارات الثلاث، الشمولية والديمومة والعدالة، مترابطة مع بعضها في شكل عضوي بحيث لا انفكاك لواحدة منها عن الأُخرى، ونحن نصرّ على ذلك وما أُريد أن أقوله لك في نهاية المطاف هو إنني أعتقد أن كل المسارات تسير في اتجاه واحد.
س ـ لكن هناك خلافاً بين الوفود العربية المفاوضة على مفهوم الشمولية، حتى أن كل طرف عربي يفسر هذه الشمولية بحسب نظرته ومصالحه، فهل من تفاهم جدي على مفهوم هذه الشمولية؟
ج ـ في نهاية المطاف لا يتم أي سلام إلا إذا كان شاملاً. يعني لا نريد حلاً منفرداً. هذا في رأيي معنى الشمولية والحل الشامل.
الأردن لا يريد إطلاقاً أن ينفرد بحل، هذا واضح. ففي اعتقادنا أن أي حل منفرد لن يؤدي إلى سلام في المنطقة، بل قد يؤدي إلى مزيد من القلاقل، وعدم الاستقرار، بدليل أن حتى السلام المصري ـ الإسرائيلي، ومصر أكبر دولة في العالم العربي وأقوى دولة، ما زال بارداً، وغير مستقر وسبب ذلك أنه لا بد في نهاية المطاف من الحل الشامل، وعلى كل الجبهات وهذا يعني الحل الذي يشمل الفلسطينيين والسوريين واللبنانيين والأردنيين، حتى تستقر المنطقة في شكل مقبول.
[.......]
المصدر: "الحياة" (لندن)، 7/12/1992. وكان الوزير قد شارك في اجتماع التنسيق العربي الذي عُقد في بيت مري (لبنان) بتاريخ 4/12/1992.
وزير الخارجية الأردني: كامل أبو جابر.