حديث صحافي للمنسق العام للوفد الفلسطيني إلى مفاوضات السلام يعرض فيه تقويمه لسنة من المفاوضات، بيت مري (لبنان)، 4/12/1992
النص الكامل: 

[.......]

وإذا كان أي حديث عن سياسة فلسطينية في إطار المفاوضات مرهوناً بالموقف الإسرائيلي وبضرورة حسم الخلاف على النظرة إلى المرحلة الانتقالية، فإن الوفد الفلسطيني يرى العوامل المؤثرة كثيرة ومنها السياسة التي ستنتهجها الإدارة الأميركية الجديدة والوضع الإسرائيلي الداخلي وتحديداً وضع حكومة حزب العمل. ويقول منسقه العام السيد فيصل الحسيني إنه إذا كان ليتحقق شيء في المفاوضات، فلن يكون قبل نيسان [أبريل] المقبل إذ عندها سيضطر رئيس الوزراء الإسرائيلي يتسحاق رابين إلى اتخاذ خطوات ما تسبق مؤتمر تكتل "ليكود" ليضمن شعبية لحكومته. وإذا كان ليتحقق شيء في البدء بتطبيق المرحلة الانتقالية، فلن يكون قبل اعتراف إسرائيل بأن العملية تقوم على أساس القرار 242 وأن الأرض هي أرض فلسطينية يمتلكها الفلسطينيون، والتأكد في هذه المرحلة، أن الفلسطينيين لا يطرحون إقامة دولة بل مرحلة ترتكز على أسس عملية السلام وتؤدي إلى مفاوضات في شأن الوضع النهائي للأراضي المحتلة.

وعلى رغم أن أي تقدم لم يتحقق في هذا المجال، فإن الحسيني، وفي تقويم شامل لسنة من المفاوضات، يرى أن أشياء كثيرة تغيرت، بعضها شكلي وبعضها الآخر في النظرة الإسرائيلية إلى مجمل العلاقة مع الفلسطينيين. وفي انتظار التقدم، يواصل الفلسطينيون الاستعداد لتسلم السلطة في الضفة الغربية وقطاع غزة. والمهم، فرض أمر واقع في القدس يجعلها، لا محالة، عاصمة دولة فلسطين في المستقبل. فماذا تغير وأين الفلسطينيون اليوم من الفلسطينيين أنفسهم والإسرائيليين والعرب والعالم؟

"دخلنا العملية التفاوضية في عهد (رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق يتسحاق) شمير. وبكل رغبة شمير وإصراره على إيقاف هذه العملية، تمكن من فرض الكثير من الشروط. ومن جهتنا نحن في النهاية ومع قبولنا إياها، قبلنا الشكل وحافظنا على المضمون بحيث لا يمس. لربما حصلت خلال هذه السنة محاولة من جهتنا لتحطيم هذه الشروط حتى الشكلية منها من أجل إعادة الصورة إلى ما كان يجب أن تكون في مدريد.

فمنظمة التحرير الفلسطينية التي بدأت عملية المفاوضات كشريك عملي لكنه ليس علنياً ورسمياً، تحولت مشاركتها إلى علنية تقف على حدود الرسمية. وعندما يعود الوفد الإسرائيلي اليوم إلى رابين ليتلقى التعليمات منه، يعود الوفد الفلسطيني إلى الرئيس ياسر عرفات ليتلقى التعليمات. وإسرائيل كانت تنسحب إذا دخل المفاوضات أحد من الشتات. أما اليوم ففي المفاوضات المتعددة الطرف نحن مشاركون في كل اللجان والفلسطينيون من الشتات هم الذين يقودون هذه المحادثات بما في ذلك أعضاء من المجلس الوطني الفلسطيني. وهذا الشيء اضطرت إسرائيل إلى أن تبتلعه على رغم أنها حاولت تغليفه بكل الوسائل. لكن في النهاية بات واضحاً أنها جلست مع أعضاء المجلس الوطني الفلسطيني الذين تعتبرهم منظمة تحرير وهم كذلك.

وعلى مستوى النظرة إلى الأرض وسقوط حكومة شمير، الآن وحتى في التسميات بدأنا نفرض واقعاً جديداً. فبالنسبة إلى الإسرائيليين لم تعد الضفة الغربية وقطاع غزة يهودا والسامرة بل يسمونها مناطق. والحديث عن ارتباط الإنسان بالأرض اليوم هو حديث قائم وموجود وهو حديث عن مدى الارتباط وليس مبدأ الارتباط. والشكل الذي يتم الحديث فيه عن كل العملية هو شكل مختلف عما كان في السابق. فمن اللاءات الإسرائيلية، لا لمنظمة التحرير ولا للدولة، يتحدث رابين الآن عن مرحلة انتقالية ينشأ فيها كيان فلسطيني ليس بالضرورة الدولة. ولم يعد يقول لا للدولة لكن يقول إنه ليس بالضرورة أن تكون هناك دولة. أمّا عن المنظمة، فمن الحديث عن رفضها إلى الحديث عن أن فيها أبيض وأسود وفيها من هو عقبة في طريق السلام ومن هم لا يريدون أن يدفعوا عملية السلام إلى الأمام. وأخيراً الموافقة بالقراءة الأولى على إلغاء قانون يحظر اللقاءات مع المنظمة. وهذا في الواقع إلغاء وشطب لتلك الشروط والعقبات التي فرضها شمير لأنه كان يريد بكل وسيلة من الوسائل أن يتخلص من بداية العملية التفاوضية.

ويبقى علينا تطوير العملية التفاوضية الآن من منطلقات جديدة ومكان جديد هو أقرب إلى الواقع وإلى ما كان يجب أن تكون طبيعة الأمور من مفاوضات حقيقية لتنفيذ رسالة الدعوة وبدء المرحلة الانتقالية التي يتم خلالها نقل السلطة من الإسرائيليين إلى الفلسطينيين تمهيداً لمحادثات الوضع النهائي".

ويضيف الحسيني أن شمير "نجح في تعطيل المفاوضات، ثم نجح في تعطيلها من خلال اللجوء إلى انتخابات إسرائيلية وبعدها جاءت الانتخابات الأميركية، وتالياً ضاعت في هذه السنة مسألة تحقيق تقدم جوهري في المفاوضات ولكن حققنا بعض التقدم الشكلي في قضية التمثيل الفلسطيني وتحقق تقدم آخر في التفاصيل. فالصورة اليوم كالآتي: نحن في المحادثات غير الرسمية نتفاوض مع رابين وفي الإذاعة والتلفزيون نستمع إلى رابين. لكننا إلى طاولة المفاوضات ما زلنا نفاوض شمير. لم يحدث هناك تغيير حقيقي في الطرح الإسرائيلي إلى طاولة المفاوضات الرسمية. وعلى رغم أن هناك في المفاوضات غير الرسمية كثيراً من النقاط التي يمكن أن نعتبرها تحركات في الاتجاه الصحيح، لم نصل بعد إلى ما يمكن أن نعتبر أنه خرج من نطاق المرفوض إلى نطاق المقبول. لكنه يتحرك في اتجاه ذلك".

[.......]

[....] وإذا أراد أن يحقق تقدماً فيكون في "البدء بتطبيق المرحلة الانتقالية والاعتراف بأن هذه العملية كلها تقوم على أساس القرار 242 (...) والإقرار بأن هذا احتلال وبأن الأرض فلسطينية يمتلكها الفلسطينيون ويمارسون السيطرة عليها. أمّا مستقبل المناطق فهو ما يمكن أن نتفاوض عليه. أي هل يكون دولة، كونفدرالية، فدرالية، هذا ما يمكن التفاوض عليه".

لذا فإن المشاكل كثيرة في المرحلة الانتقالية. "فإذا بدأناها من حديث أن هذه الأرض كلها أرض فلسطينية وأنه لأسباب أمنية ستكون هناك مساحات أو مناطق لها طبيعة مختلفة في التعامل السياسي أو الأمني، عندها تكون المرحلة الانتقالية هي بالفعل مرحلة انتقالية لوضع دائم. أمّا إذا قبلنا أن تفرض منذ البداية استثناءات لمناطق معينة فعندها سنواجه خطراً.

وإسرائيل تحاول أن تتعامل الآن على أساس أنه ستكون هناك ثلاثة تصنيفات:

            ـ أراض فلسطينية تخضع للحكومة الانتقالية الفلسطينية.

            ـ أراضي المستوطنات وتخضع لنوع من السلطة الإسرائيلية.

            ـ الأراضي الحكومية وتكون فيها السلطة مشتركة بيننا وبين الإسرائيليين.

وفي كل ذلك لا حديث عن السيادة، لا سيادة إسرائيلية ولا فلسطينية باعتبار أن السيادة هي من حق الدول. والصعوبة في هذا الموضوع أن هذه الأراضي ليست مقسمة ثلاثة أجزاء بل هناك تداخل (...) وإذا قبلنا بهذا المنطق الإسرائيلي فسنجد قرانا ومدننا العربية عبارة عن جزر متناثرة مقطعة أوصالها بالأراضي الحكومية المشتركة والمستوطنات الإسرائيلية. لهذا فإن العرض غير مقبول".

ولم يستبعد الدخول في مفاوضات في شأن نقاط أمنية معينة تنسحب إليها القوات الإسرائيلية لأسباب أمنية و"إذا توصلنا إلى هذا الحد، فعندها يكون واضحاً أن هذه النقاط عليها أن تتحرر ذات يوم. وعندها نصل إلى حل مشترك".

وإلى الخلاف على "الاستثناءات" هناك الخلاف على طبيعة المجلس المنتخب. فالفلسطينيون يريدون مجلساً "يقوم بالتخطيط والاشتراع لكل ما يتعلق بنواحي الحياة الفلسطينية. ونقول إنه في هذه المرحلة هناك نطاقات لن يكونا تحت السيطرة الفلسطينية الشاملة أو الكاملة هما:

            ـ الأمن الخارجي بمعنى أنه لن يكون لنا جيش فلسطيني في المرحلة الانتقالية.

            ـ الخارجية أي لن يكون لنا كرسي في الأمم المتحدة كدولة. أمّا كل العلاقات الأُخرى حتى اتفاقات دولية وثقافية وتجارية واقتصادية فشيء متوفر لنا وسنمارسه". لكن الإسرائيليين يريدون التفاوض على كل نقطة يسلم الفلسطينيون بأنها ستكون في أيديهم. و"إذا قبلوا منطقنا بأن كل شيء مسلم به غير الخارجية والأمن، عندها تبدأ المرحلة الانتقالية" و"المعركة معركة إرادات" ورسالة الدعوة وقرار مجلس الأمن والموقف الدولي "تدعم موقفنا" وتالياً فإن "مزيداً من دور الراعي ومزيداً من دور أوروبا ومن دور الأمم المتحدة أشياء في مصلحتنا" وكذلك "المزيد من الصمود والمزيد من تفعيل الجبهة الداخلية وتفعيل القوى الإسرائيلية المشاركة في الحكومة والتي تدعم موقفنا".

وفي موازاة المفاوضات يجري "العمل على قدم وساق" في الأراضي المحتلة استعداداً للمرحلة الانتقالية. وهناك "ما يزيد على أربعين لجنة طواقم فنية تعمل على ترتيب هذه الأمور في مجالات التعليم والصحة والجمارك والتجارة والاقتصاد والضرائب والبيئة والطاقة والمياه والأرض والشرطة. هناك عروض فرنسية وكندية وإيطالية وأوروبية ويابانية وسواها لتدريب طواقم إدارية حكومية لتسلم دوائر حكومية في المستقبل. وبعد وقت ستلي حركة ذات طابع أكبر".

أمّا القدس فتشهد "تحركاً كبيراً من أجل التوصل إلى فرض أمر واقع يجعلها بالفعل في المستقبل عاصمة فلسطين. فنحن نعتقد أنه من الممكن أن نحصل على الضفة الغربية بالمفاوضات ومن الممكن أن نحصل على غزة بالمفاوضات، أمّا القدس فلا يمكن أن نحصل عليها إلا من خلال أمر واقع. ومعالم هذا الأمر الواقع تتحدد منذ الآن (في المحاولة) لخلق وضع دولي سياسي دبلوماسي للقدس الشرقية يثبت هذه الشخصية". ففي السابق مثلاً جرت العادة أن يلتقي الفلسطينيون أي مسؤول أوروبي أو غيره في أحد الفنادق "لكن الآن أنشأنا مركزاً فلسطينياً يتم اللقاء فيه في إطار مواصفات وبروتوكول معين يعطيه صفة رسمية بأن هنا الممثلية أو المفوضية الفلسطينية". وهذا المركز "بيت الشرق" هو في ذاته مركز للوفد الفلسطيني ولجمعية الدراسات العربية "لكنه في أذهان الناس وفي أذهان الغرب حالياً هو دار الحكومة. حتى الإسرائيليون بدأوا يطلقون عليه (في بعض صحفهم) دار الحكومة". ويمنع الفلسطينيون الحراس الإسرائيليين الذين يرافقون أي مسؤول غربي زائر من الدخول إلى المبنى، مما يمثل "نوعاً من الحصانة الدبلوماسية وتالياً فإنه رقعة مستقلة". وهذا يعكس تقدماً "في المكانة السياسية الدبلوماسية للفلسطينيين وإنْ يكن التقدم على الأرض ما زال ضئيلاً جداً". لكن "أستطيع أن أقول إن الانتفاضة التي دخلت مرحلة هبوط في فترة من الفترات بدأت تتحرك الآن. وهذا شيء مهم جداً".

[.......]

 

المصدر: "النهار" (بيروت)، 5/12/1992. وقد أجرت الحديث سحر بعاصيري.

* المنسق العام للوفد الفلسطيني إلى مفاوضات السلام: فيصل الحسيني.