[.......]
نحن في مباحثات تهدف إلى عودة الشعب الفلسطيني إلى أرضه ودياره وإسرائيل تقوم بزيادة حجم المشكلة لا بل بإضافة عنوان جديد على ملف النزاع العربي ـ الإسرائيلي. مطلوب منا أن نحل مشاكل الماضي بصعوباته واليوم بالذات تضاف على الحاضر قضية جديدة تندرج في سياق القضايا الخطيرة الأُخرى التي جعلت من هذا النزاع أكثر النزاعات تعقيداً وصعوبة.
تغاضينا اليوم عن عملية إبعاد لأكثر من أربعمئة مواطن فلسطيني، بينهم من له ولا عليه، لا ذنب ولا حتى تهمة، ليست إلا فاتحة خطيرة لمشروع تفريغ الأراضي الفلسطينية المحتلة.
إذا الإبعاد اليوم تم باتجاه الأراضي اللبنانية المحتلة فمن الممكن غداً أن يتم باتجاه الأردن أو سوريا أو مصر وبالإمكان بعد غد، أن تهبط طائرة تحمل مبعدين جدداً في أحد مطارات المملكة السعودية أو في إحدى دول التعاون الخليجي أو في أية دولة عربية أو غير عربية أُخرى، وأن تقلع هذه الطائرة تاركة مبعدين جدداً على أرض هذه الدول، تحت حجة أنهم لم يرضخوا بعد أو لم يتقبلوا منطق الاحتلال الإسرائيلي.
إذا الإبعاد اليوم، شمل أكثر من أربعمئة فلسطيني فالأسبوع المقبل سيشمل أربعة آلاف منهم، والشهر المقبل سيشمل أربعمئة ألف منهم، وهكذا تفرغ القضية العربية ـ الفلسطينية من مضمونها، وهكذا تنهي مفاوضات السلام مواضيعها.
إن التصدي لهذا الأسلوب الجديد يتخطى المشاكل الضيقة، ويستحق الترفع عن حساسياتنا وعن خصوصياتنا، كي نثبت للعالم أن للعرب قضية وأن عند العرب وحدة وموقف.
[.......]
لقد أقدمت إسرائيل على طرد وإبعاد أكثر من أربعمئة مواطن فلسطيني باتجاه لبنان، وفرضت عليهم العيش في خيم تحت الثلج وفي ظل العواصف وفي أسوأ ظروف طقسية، ومنعت إعانتهم ومدهم بالأدوية والمؤن والغوث، وراهنت على انقسام اللبنانيين فيما بينهم حيال هذا الموضوع، وعلى اختلاف اللبنانيين والفلسطينيين فيما بينهم حيال هذا الموضوع وراهنت على استمرار غياب الدولة والقرار في لبنان بعد معاناته الطويلة، وراهنت على غياب القرار العربي المتضامن الموحد.
فالقرار اللبناني الواحد الموحد، قد اتخذ، من قبل جميع اللبنانيين بمناطقهم وطوائفهم وأحزابهم، عبر دولتهم.
والتفاهم اللبناني ـ الفلسطيني كامل حيال هذا الموضوع فتعالوا اليوم، نضيف إليهم القرار العربي الموحد.
صدر بناء لطلبنا، قرار لمجلس الأمن رقمه 799، يقضي ويطالب إسرائيل بإعادة الفلسطينيين إلى ديارهم وموطنهم، وتفادى مجلس الأمن افتراض عدم امتثال إسرائيل لهذا القرار عبر طرح عقوبات مسبقة، وطلب منا ألا نفترض وضعاً كهذا.
ها نحن اليوم بعد مرور أكثر من ثلاثة أسابيع على عملية الإبعاد، نواجه طلبات إغاثة تحاول تحويل المسؤولية الإسرائيلية الناتجة عن أوضح المواثيق الدولية ولا سيما منها اتفاقية جنيف الرابعة، التي تفرض على السلطة المحتلة مسؤولية أمن وصحة وسلامة المواطنين الذين يرزحون تحت احتلالها.
بالطبع، لولا حرصنا على القضية، ولولا إدراكنا للفخ المنصوب لنا، ولولا قناعتنا الثابتة بأنه لا يجوز تحت عنوان إنساني، أن نشارك في إفراغ وإسقاط القضية والجوهر السياسي، لكان من السهل علينا، ومن الطبيعي لنا لا بل الغريزي، أن نستقبل إخواننا ونتقاسم وإياهم الخبز والملح. إلا إننا قررنا ألا نترك لا الغريزة ولا العاطفة ولا الأفخاخ تتحكم بقرارنا، فاتخذنا القرار العصيب حرصاً منا على الحق والقضية والمسؤولية.
ومن هنا إننا نرفض التعاطي مع الحالة الناشئة، من خلال الأراضي اللبنانية التي تخضع لسلطة الدولة، وأصرينا على إثبات مسؤولية إسرائيل عن سلامة وصحة هؤلاء حتى عودتهم إلى أرضهم وديارهم.
ومن يطلب منا العكس، يجب عليه أن يدرك حجم مساهمته بإسقاط حق هؤلاء.
فإذا قبلنا اليوم، بالأكل والشرب والدواء، سنقبل غداً بالكهرباء والأثاث، وقد نقبل بعد غد بالبناء ومن بعدها بالعائلات، ونكون قد شاركنا ببناء المخيم الرابع عشر في لبنان، ولا حاجة بعدئذ لا إلى العودة ولا إلى القضية.
لذلك، تعالوا نقول للعالم، ولإسرائيل، إننا لن نقبل بعد اليوم، لا الأفخاخ، ولا الغبن ولا الضعف ولا الشرذمة.
تعالوا نمتن صدقية الشرعية الدولية الجديدة، وصدقية مجلس الأمن ونتقدم:
1ـ بطلب مشترك إلى انعقاد مجلس الأمن لوضع آلية تطبيقية لقراره الملزم مع تحديد مهلة زمنية لتطبيق هذا القرار لا تتعدى الشهر.
2ـ بالمطالبة بتطبيق الفصل السابع من شرعة الأمم المتحدة، على غرار ما تم حتى الآن.
3ـ مطالبة المنظمات الدولية بإغاثة المقتلعين انطلاقاً من الأراضي الفلسطينية المحتلة تثبيتاً لمسؤولية إسرائيل عن سلامتهم وصحتهم.
4ـ وتعالوا ندعو إلى عقد قمة عربية تكرس وحدة الصف والموقف حيال هذه القضية، وتكون منطلقاً لغد نرفع من خلاله رأسنا تجاه أجيالنا وحيال ما سيكتبه تاريخنا.
المصدر: "الديار" (بيروت)، 13/1/1993. وقد اجتمع وزراء الخارجية العرب في القاهرة بتاريخ 11 ـ 12/1/1993، لمناقشة مسألة المبعدين الفلسطينيين إلى لبنان.
* وزير الخارجية اللبناني: فارس بويز.