[.......]
دعنا نوضح، ومنذ بداية هذا المؤتمر: نحن غير راضين عما حدث خلال الأعوام الثلاثة والنصف الأخيرة لهذه العلاقة، ولصورة إسرائيل في هذا البلد. ونحن، على وجه الخصوص، غير راضين أبداً عن موقف الإدارة من قضية ضمانات القروض.
إن البيت الأبيض يعرض كلاماً إنشائياً لا أفعالاً. وفي هذه الساعات التاريخية والإنسانية من التشرد والحرية لإخوتنا الإثيوبيين والسوفيات، رفضت هذه الإدارة جميع الجهود الرامية إلى مساعدة إسرائيل في استيعاب 400,000 مواطن جديد.
ومن المعلوم أن الحكومة الإسرائيلية وإدارتنا نحن قد اتخذتا عدة خطوات غير صائبة، وارتكبت إحداهما تجاه الأخرى عدة أخطاء. لكن ما أثار غضبنا إلى أقصى حدوده هو السلسلة الأخيرة من التسريبات والاتهامات المزعومة والبذاءات من واشنطن، والنهج الاستعلائي هذا برمته الذي يعتمده المسؤولون الكبار في هذه الإدارة حيال إسرائيل.
والأمر الذي يثير القدر الأكبر من القلق والإحباط أننا نلتقي هنا في زمن تُثار فيه الشكوك العميقة بشأن مستقبل العلاقة الأميركية ـ الإسرائيلية بأسرها [....].
يلزمنا أولاً بعض الخلفية التاريخية: إن الأزمة الشديدة في العلاقة الأميركية ـ الإسرائيلية ليست أمراً جديداً؛ فقد مرت علينا أزمات مشابهة من قبل: في سنة 1956 مع الرئيس أيزنهاور ودالس الذي ضغط علناً على إسرائيل للانسحاب فوراً من منطقة قناة السويس وسيناء؛ وفي سنة 1973 عندما لجأ نيكسون وكيسنجر إلى التباطؤ عمداً في الجسر الجوي الطارئ؛ وفي سنة 1975 عندما أعادت إدارة فورد النظر في هذه العلاقة؛ وفي سنة 1979 مع بروز سياسات كارتر وبريجنسكي ويونغ المعادية لإسرائيل؛ وفي سنة 1981 خلال قضية طائرات "الإواكس" والتنديد بتدمير إسرائيل للمفاعل النووي العراقي بالقرب من بغداد. وعلى الرغم مما خلّفته هذه الفترات المتأزمة من جروح عميقة، فإن العلاقة الثنائية كانت تنتعش دوماً من جديد، ثم تنمو.
فقد كانت إدارة ريغان تضع قضية دعم الديمقراطية على رأس أولوياتها. وكانت هذه تدرك، كما أدركت إدارة ترومان، حاجة الولايات المتحدة إلى معونة ودعم الشعوب والأمم التي تختار أن تبني حكوماتها وفق المبادئ الديمقراطية. وقد تم إنشاء تحالف استراتيجي كجزء من هذه العلاقة، لكن جذورها كانت ولا تزال راسخة في الأرض الديمقراطية.
وللولايات المتحدة أهداف استراتيجية تشترك فيها مع بعض دول الشرق الأوسط، كما أنها تشارك بعض الدول الأخرى رغبتها في السلام. لكن ثمة مبدأ أساسياً يميز إسرائيل من غيرها من أمم المنطقة، ويؤكد الأساس الصلب كالصخر للعلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، وهو أن واشنطن والقدس تشتركان في التزام الديمقراطية التمثيلية، وقانون اجتماعي خلقي يستند إلى الأخلاقية اليهودية ـ المسيحية.
وعلى الرغم من عقود من الحرب، وعلى الرغم من استيعاب الملايين من اللاجئين الذين لم يكن لهم أدنى معرفة بالتراث الديمقراطي، وعلى الرغم من الحجارة والزجاجات الحارقة والسكاكين الطويلة للانتفاضة، فإن إسرائيل ما زالت ملتزمة سيادة القانون، وحقوق الأفراد، والحريات الصحافية والدينية.
[.......]
واليوم، لدينا عملية سلام يتحادث فيها المندوبون العرب وجهاً لوجه مع المندوبين الإسرائيليين. لماذا وافقوا، بعد كل هذه الأعوام، على أن يفعلوا ذلك؟ الجواب، ببساطة، إن العرب وافقوا على خوض المفاوضات المباشرة لأن عقداً من الأعوام ومن الروابط الوثيقة والتعاون الاستراتيجي بين الولايات المتحدة وإسرائيل أقنعهم بأن حلم التفريق بين الولايات المتحدة وإسرائيل لن يتحقق. لذا، لم يكن ثمة بديل من المفاوضات المباشرة.
وإذا وُضعت اليوم علامة استفهام على كل هذه الأمور، وإذا أُثيرت الشكوك في مستقبل العلاقة الأميركية ـ الإسرائيلية، فهذا من شأنه أن يوجّه رسالة إلى العرب والإسرائيليين معاً، وهي رسالة معادية بعمق لعملية السلام. وفحوى هذه الرسالة إلى العرب سيكون الآتي: "لا ضرورة لأن تفترضوا أن العلاقة الأميركية ـ الإسرائيلية أمر ثابت، إن إسرائيل معزولة، ومن دون حلفاء. إن الخيار العسكري لم ينته. لا ضرورة لأن تقدموا تنازلات للسلام مع إسرائيل." ولن يعود من الممكن للمعتدلين العرب أن يقولوا للرافضين العرب "لا بديل لنا من مفاوضات مباشرة مع إسرائيل." فسيكون ثمة بديل من ذلك.
إن الخصام القائم مؤخراً فيما يختص بموضوع ضمانات القروض يساهم أيضاً في تعزيز إساءة الفهم الخطرة هذه. إن الموقف اللاتنازلي الذي تبنّته الإدارة يعزز اعتقاداً عربياً طويل الأمد، فحواه أن الولايات المتحدة ستستخدم، في نهاية المطاف، منع المساعدات عن إسرائيل "وسيلة ضغط" للحصول على تنازلات إسرائيلية لمصلحة العرب. وكان الأمل بالوصول إلى هذا الأمر هو، بالضبط، ما حدا العرب ولأعوام عديدة على الإصرار على عقد مؤتمر دولي عوضاً عن مفاوضات مباشرة مع إسرائيل. وكان أملهم أن يدفعوا الولايات المتحدة نحو موقف يتسم بالتزام مسؤولية الحصول على التنازلات الإسرائيلية.
إن كل من يطلع على الصحافة العربية حديثاً يجد أن الدبلوماسيين والمعلقين العرب يأملون بأن تحاول الولايات المتحدة أن تستخدم المساعدات لفرض الشروط على إسرائيل. وهم يراقبون، وبسرور شديد، اتساع الهوة بين الولايات المتحدة وإسرائيل.
وفي الجانب الإسرائيلي، فإن للاعتقاد المتنامي أن العلاقة في خطر وأن الولايات المتحدة تنحو نحو استخدام وسائل الضغط، وذلك بغض النظر عن صحة هذه الاعتقادات أو عدم صحتها، نتائج لا تقل عن تلك في قدرتها على إفساد الأمور، لأنه يقوّض الشعور بالطمأنينة لدى الجمهور الإسرائيلي. وقد برهنت الأحداث، مرة تلو مرة، أن إسرائيل لا يمكن أن تجازف فيما يتعلق بعملية السلام، إذا لم يكن في إمكانها الاعتماد على شريكها الوحيد، أي الولايات المتحدة. أما الجانب العربي، وفيه نِعم المال وسلطان النفط، فإنه يتمتّع بالرعاية والعناية في معظم أنحاء العالم. أما إسرائيل، فلا تستطيع أن تعتمد سوى على الولايات المتحدة. وإذا بدا أن هذه العلاقة الاستراتيجية في خطر، أو أن الولايات المتحدة تمارس الضغط على إسرائيل، فمن شأن ذلك أن يقوض الإجماع الإسرائيلي الذي تستند عملية السلام إليه.
نعم، نحن قلقون حيال وضع العلاقات الأميركية ـ الإسرائيلية الراهن. لكن ما دامت الديمقراطيات تنمو وتزدهر، وما دامت إسرائيل والولايات المتحدة تلتزمان تقاليدهما وتراث الآباء المؤسّسين، فإن هذه العلاقة ستعاد إلى طريقها القويم. فالإثنان يشتركان في الديمقراطية، وفي صنع السلام، وفي الحفاظ على السلام. وهكذا، فنحن غاضبون حيال ما يبدو أنه نبذ للمثل الإنسانية، حين فشلت الإدارة الأميركية في التعامل بإيجابية مع قضية استيعاب ضمانات القروض.
فقد رفض البيت الأبيض الحل الوسط العقلاني جداً، والذي تقدم به عضوا مجلس الشيوخ ليهي وكاستن، وذلك على الرغم من أن خطة الحل الوسط عملت المستحيل تقريباً للوصول إلى اتفاق مع الإدارة على امتداد 90٪ من الطريق. وكما صرّح عضو مجلس الشيوخ ليهي، فإن البيت الأبيض كان يريد "لا الحل الوسط، بل الاستسلام."
إن العوامل والوقائع العقلانية حيال هذا الموضوع كانت، ولا شك، واضحة للعيان. أما الحجج فكانت، ولا تزال، في مصلحتنا:
- إن هذا الموضوع إنساني بحت؛
- إنه يمثل امتداداً لسياسة أميركية طويلة الأمد، تهدف إلى دعم الهجرة الحرة للشعب السوفياتي؛
- إنه يمثل رداً على العداء للسامية الذي ما زال يشكل خطراً على اليهود الذين يسكنون في الاتحاد السوفياتي سابقاً؛
- إنها طريقة لمساعدة إسرائيل في مجابهة العبء الذي لا يُحتمل لاستيعاب أعداد لا مثيل لها من اللاجئين؛
- إنها الغاية القصوى التي سعت سياسة الولايات المتحدة لها في مجال حقوق الإنسان حيال الاتحاد السوفياتي سابقاً وإثيوبيا، الأمر الذي أدى إلى وصول 400,000 لاجئ إلى إسرائيل منذ سنة 1989؛
- إن هذا الموضوع لا يكلّف دافع الضرائب الأميركي شيئاً.
إذاً، لِمَ وصلت هذه الفرصة الإنسانية التاريخية إلى الطريق المسدود؟ قلتُ سابقاً إن الحكومتين اقترفتا عبر الأعوام بعض الأخطاء والخطوات الضالة. لكن الرئيس جورج بوش هو الذي قرر، أواخر آب/أغسطس، أن يستخدم حاجات إسرائيل الإنسانية وسيلة ضغط لإيقاف بناء المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي، بما في ذلك أجزاء القدس.
ففي 12 أيلول/سبتمبر، قام هذا الرئيس بعمل لم يقم به أي رئيس من قبل، إذ عقد مؤتمراً صحافياً خاصاً في شأن هذا الموضوع، ولم يتحدّ فقط المساعي الجارية في الكونغرس للمضي قدماً في التشريعات المتعلقة بالضمانات، بل تحدى أيضاً مستويات المساعدة العامة لإسرائيل. ومما أثار الريبة أنه أثار الشكوك في شأن الحق الذي لا يمكن انتزاعه من أي مواطن أميركي، أنا وأنت مثلاً، لممارسة ضغوط "اللوبي" بشأن هذا الموضوع. إن يوم 12 أيلول/سبتمبر 1991، سيبقى يوماً من أيام العار بالنسبة إلى المجتمع الأميركي المساند لإسرائيل. ونحن بدورنا، وكالفيل الهندي، لن ننسى!
ولنتريّث قليلاً ونتساءل: لماذا من الصعب جداً أن تُشرّع القوانين إذا كان الرئيس معارضاً لها، وخصوصاً أن لدينا كتلة قوامها 74 عضو مجلس شيوخ من الحزبين معاً قد تبنّوا تشريعاً شاملاً يمنح ضمانات القروض، ولدينا أيضاً 99 عضو مجلس شيوخ صوّتوا يوم الأربعاء الماضي بما معناه أن هذا البرنامج صحيح؟ إن الجواب ليس أن أصدقاءنا غير ملتزمين هذا الموضوع، أو أنهم خائفون من معارضة الرئيس، بل يكمن الجواب في تشابك مؤسف من الوقائع والأحداث.
أولاً، إن الدستور نفسه يمنح الرئيس قوة كبرى على شكل "الفيتو"، ويضع عائقاً صعباً للغاية، إذ يجعل من الضروري الحصول على أغلبية الثلثين، وفي المجلسين معاً، لتخطي قراره. ولم يتم حتى الآن تخطي أي قرار من قرارات "الفيتو" التي أصدرها هذا الرئيس، وعددها 27 قراراً، حتى فيما يختص بأمور حيث الرأي العام والآراء الخاصة للكثيرين من أعضاء حزبه في الكونغرس، كانت كلها مناهضة له وبقوة. وما إن ربط الرئيس بوش بين ضمانات القروض والمستوطنات، ووضع هيبته الرئاسية في الميزان، حتى وجدنا أنفسنا أمام معركة صعبة.
ثانياً، إن طلب العون تزامن مع تراجع خطر في الاقتصاد الأميركي، وأزمة متناهية في الكونغرس. وفي مجابهة التراجع الاقتصادي والمعدل المرتفع للبطالة، لم يكن أعضاء الكونغرس راغبين في التصدي للرئيس حيال أي موضوع كان ـ ناهيك بموضوع يرتبط بقضية ذات حساسية كبرى اسمها قضية "العون الخارجي".
ثالثاً، وفي سنة انتخابية، وخصوصاً السنة هذه، فإن إعادة الانتخاب هي الأولوية القصوى عند الجميع. وبلدنا هذا بلد بُني على أساس التوازنات والتعادلات. لكن لا يمكن للكونغرس أن يتخذ إجراءً صارماً، في زمن أنهكته الفضائح والمخاوف، عما إذا كان ربع عدد أعضائه سيعود إليه في السنة المقبلة.
وبسبب هذه الأوضاع الاستثنائية، ثمة من يشتمنا بأقبح أنواع الكلام، ويحكم علينا بالانتهاء، ويعتقد أننا سنتراجع خائفين وننصرف.
لكننا لن ننصرف. نحن هنا. ولن يتم تخويفنا. بل على العكس، نحن واثقون جداً وسنتابع عملنا وندفع الحجر وكزةً في إثر وكزة إلى أعلى الجبل، حتى نصل إلى القمة.
نحن شعب ذو إصرار وثبات عندما يتصل الأمر بالمبادئ. وحيال القضية الماثلة أمامنا اليوم نحن على حق، والإدارة على خطأ. وسنثابر. وسنضمن أن تملك إسرائيل ما تحتاج إليه من الموارد لاستيعاب ودمج مليون لاجئ يُؤتى بهم من جانب بركان سياسي يغلي كان اسمه، يوماً ما، الاتحاد السوفياتي.
أما ما يفعله المجتمع اليهودي، أو ما يفشل في القيام به، فقد يكون له تأثير عميق في الانتخابات الرئاسية لسنة 1992. ففي انتخابات رئاسية متقاربة، قد يمثّل اليهود "الأصوات المنحازة" في الولايات المتحدة التي فيها أكثر من نصف أعداد "كلية الناخبين" المطلوبة للنجاح، الأمر الذي قد يكون له تأثير حاسم في النتيجة العامة. وفي الوقت ذاته، فإن على هذا المجتمع أن يضاعف، ويضاعف مجدداً، مشاركته في انتخابات مجلسي الشيوخ والنواب في هذه السنة الدينامية.
إن مقدار تأثيرنا في انتخابات سنة 1992، ونجاحنا في الترويج لقائمة أعمالنا التشريعية، يعتمدان على مشاركة كل واحد منا فرداً فرداً. إن العناوين الصحافية التي ظهرت مؤخراً، والتي أعلنت "نهاية" العلاقات الأميركية ـ الإسرائيلية، لم تكن العناوين الوحيدة التي أصابت مجتمعنا بصدماتها. فالأمر الذي كان مقلقاً، إلى الحد ذاته، هو ما كُتب عنا؛ أي عن المجتمع المساند لإسرائيل في أميركا ـ وفيه ما فيه من وضع علامات الاستفهام على التزامنا، والزعم أننا قد أصبنا بالشلل وإهانة مساعينا. إن السبب الذي من أجله وُجدت "إيباك" كان، ولا يزال، أنها رمز لعلاقة أميركية ـ إسرائيلية قوية؛ وذلك لأننا نعتقد أن ذلك من مصلحة إسرائيل والولايات المتحدة معاً. إن من واجبنا أن نتخطى هذه الأزمة الحالية، وأن نعيد هذه العلاقة إلى الطريق الصحيح.
إن من واجبنا أن نساعد في بناء التحالفات على المستويات الدنيا والدعم العام في مجتمعاتنا لمصلحة العون الخارجي عامة، والعون لإسرائيل خاصة. ونحن نفعل ذلك لأنه يخدم مصالح أميركا.
إن من واجبنا أن نتأكد من أن الكونغرس الثالث بعد المائة سيكون أكثر كونغرس مساندةً لإسرائيل في التاريخ.
إن من واجبنا أن نتأكد من أن قضايانا ستكون مسموعة في 3 تشرين الثاني/نوفمبر 1992، وعلى كل مستوى، محلياً كان أو على مستوى الولاية أو الكونغرس أو الرئاسة. تذكّروا أن تسجّلوا أصواتكم، وأن تصوّتوا.
إن من واجبنا، ومن خلال العمل السياسي، أن نذكّر زعماء أمتنا بمكانة إسرائيل الفريدة كحليفة أميركا الوحيدة المستقرة والديمقراطية في الشرق الأوسط.
أيها الأصدقاء، إن من واجبنا أن نضمن الحصول على الموارد التي تحتاج إسرائيل إليها لاستيعاب اللاجئين السوفيات والإثيوبيين. وذلك لأننا مسؤولون عن إخواننا وأخواتنا، ولن نخيّب آمالهم.
المصدر: Near East Report, April 13, 1992. وقد ألقى داين كلمته هذه أمام مؤتمر "إيباك" السنوي الثالث والثلاثين.
* توماس داين: المدير التنفيذي للجنة الإسرائيلية الأميركية للشؤون العامة (إيباك / AIPAC).