كلمة للسيد إدوارد جيرجيان يدعو فيها إلى إعادة انتشار القوات السورية في منطقة البقاع اللبنانية، واشنطن، 14/3/1992
النص الكامل: 

[.......]

إن اتفاق الطائف دعا أيضاً إلى نزع سلاح جميع الميليشيات ـ اللبنانية والفلسطينية ـ خلال ستة أشهر بعد إبرام الإصلاحات الدستورية الواردة في الطائف. ونحن نعلم أن بعض الميليشيات، مثل "حزب الله" ما زالت تعمل، ونحن نواصل حض الحكومة اللبنانية على القيام بالخطوات الضرورية المتبقية لتحرير لبنان من "عصر الميليشيات". والقوات المسلحة الشرعية الوحيدة في لبنان يجب أن تكون الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي التي تخضع دستورياً لقيادة البلاد المدنية.

ويدعو اتفاق الطائف أيضاً إلى تطبيق قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 425 الذي يدعو إلى انسحاب القوات الإسرائيلية من لبنان. إن عملية السلام توفر الفرصة لضمان انسحاب القوات الإسرائيلية وفي الوقت ذاته توفير الأمن لحدود إسرائيل الشمالية. والهدف النهائي للمفاوضات التي تجري بين إسرائيل وجيرانها العرب هو بالطبع سلام حقيقي ودائم.

إن أحد أهم ملامح اتفاق الطائف هو الدعم الدولي الواسع له. دول عدة تدعم "الطائف" وأهمها سوريا. وقد تعهدت سوريا علناً، خصوصاً بالتزام اتفاق الطائف بما في ذلك إعادة نشر قواتها إلى منطقة وادي البقاع.

ويجب ألا يتأخر هذا الانتشار عن شهر أيلول [سبتمبر] من هذه السنة. ووفق "الطائف"، فإن سوريا مدعوة إلى مساعدة الحكومة اللبنانية على تطوير قدرتها على التصرف في شكل مستقل، وعلى بسط سلطتها في جميع أنحاء لبنان بما في ذلك مساعدتها على نزع السلاح من الميليشيات.

وفي هذا الشأن، نستطيع القول إن القوات السورية تحملت مسؤوليات الأمن في مناطق متعددة من بيروت الكبرى مما يسمح للجيش اللبناني بالتحرك في اتجاه الجنوب. ومن المهم أن يستمر مثل هذا التعاون في اتجاه تحضير قوات الأمن اللبنانية لتحمل مسؤولية السيطرة النهائية على المناطق التي ستنسحب منها القوات السورية.

إن الولايات المتحدة والمجتمع الدولي مصممان على رصد تطبيق "الطائف" عن كثب، ونتوقع من جميع الأطراف المعنيين، أن يلتزموا نصه وروحه. وفي مشاوراتنا مع سوريا حول "الطائف"، أبلغنا إليها موقفنا في شكل واضح.

إنني أعلم، كما تعلمون أنتم، أن بعض اللبنانيين وغيرهم يعتقدون أن الولايات المتحدة قد تخلت عن لبنان، أو ما هو أسوأ من ذلك: باعته. إن الإدارة الأميركية لم تدخل في أي صفقات حول لبنان للحصول على دعم أي دولة، ولم نوافق أبداً على التخلي عن سياستنا المبدئية إزاء لبنان ولن نفعل ذلك.

وبحكم علاقتنا الوطيدة مع لبنان، فإن أعضاء في الإدارة الأميركية يلتقون ويتباحثون مع الكثير من الوجوه اللبنانية من داخل الحكومة وخارجها. وسفيرنا في بيروت يقود حواراً وثيقاً مع القيادة اللبنانية يشمل الرئيس الياس الهراوي ورئيس الحكومة السيد عمر كرامي ورئيس مجلس النواب السيد حسين الحسيني.

ونحن نشدد على مبدأ واضح وثابت في حواراتنا، وهو اتفاق الطائف والسلطات الشرعية في لبنان هي أفضل السبل أمام هذا البلد لاستعادة كل مقومات الاستقلال والسيادة. والخلافات يجب أن تحل بالحوار وليس بالبندقية، وعلى كل الأفرقاء اللبنانيين الخضوع للقانون اللبناني.

[.......]

ونحن نرى أن أحد أبرز المواضيع التي كانت تعكر صفو علاقاتنا مع لبنان قد حل. فبمجرد ذكر اسم لبنان، تتبادر إلى ذهن معظم الأميركيين صورة الأميركي البريء المحتجز وغيره من الرهائن، وهنالك حتى اليوم ألمانيان لا يزالان محتجزين ونحن نستمر في الدعوة إلى إطلاق سراح جميع المحتجزين خلافاً للقوانين وللطرق الشرعية.

ليس هنالك أي ضمان أن المتطرفين لن يكرروا فعلتهم الجبانة مرة أخرى عبر استهداف مواطنين أميركيين، ونحن لا نستطيع السماح باستخدام جوازات السفر الأميركية للسفر إلى لبنان لأن المواطنين الأميركيين لا يزالون يشكلون هدفاً للأعمال الإرهابية.

وإذا كنتم تشكون في ذلك، فإنني أود أن أذكركم أنه منذ عدة أشهر، تعرضت السفارة الأميركية لهجوم بالقذائف الصاروخية، وها هو مبنى الجامعة الأميركية في بيروت يتعرض لعملية تفخيخ ضخمة.

موضوع آخر يستحوذ على انتباهنا هو أن لبنان من بين الدول الرئيسية المنتجة للمخدرات ومن أبرز أسواقها. وقد تحول لبنان مركزاً مهماً لإنتاج الأفيون ولتصدير الهيرويين ونقطة تقاطع لتجارة الكوكايين من أميركا الجنوبية. والاتساع الدراماتيكي لنشاط تجارة المخدرات يشكل تحدياً أساسياً لسلطة الحكومة المركزية. وبسبب الأرباح الهائلة التي توفرها تجارة المخدرات، فإن الكثير من الميليشيات، ومن ضمنها عناصر إرهابية معروفة، انخرطت فيها لتأمين التموين اللازم لعملياتها. ومنطقة وادي البقاع هي منطقة الإنتاج الأولى للمواد المخدرة.

ونحن نعتقد أنه يجب على الحكومتين اللبنانية والسورية بذل جهد كبير للسيطرة على المخدرات والحد من إنتاجها وتجارتها في المناطق التي تسيطر عليها قواتهما. وإن استمرار هذا النشاط يمكن أن يؤثر على الانجازات والتقدم التي تمت في لبنان.

[.......]

ولكن فلنكن واضحين حول الأمر الآتي:

إذا أراد لبنان أن ينجح في إعادة بناء نفسه، فيجب أن يعود جزء كبير من الثروة اللبنانية في الخارج لإعادة استثمارها فيه. وبرنامج المساعدات الأميركية، مثله مثل برامج مساعدات الدول المتبرعة الأخرى، لا يسعه أن يولد ذلك النوع من الزخم الاقتصادي الذي يحتاج إليه لبنان.

إن مستقبل لبنان مرتبط أيضاً في شكل وثيق بعملية السلام العربية ـ الإسرائيلية. من دون مبالغة، نستطيع القول أن 1991 كان عاماً مهماً وهو العام الذي بدأ خلاله استثمارنا في صنع السلام يعطي مردوده.

خلال 1991، أطلق الرئيس جورج بوش والوزير جيمس بيكر عملية سلام شامل جمعت في تشرين الأول [أكتوبر] وللمرة الأولى إسرائيل وجميع جيرانها القريبين، بمن فيهم اللبنانيون. والنتائج واضحة الآن: لقد تم تحطيم المحرمات السابقة.

إن المفاوضات المباشرة الأولى بين إسرائيل وجيرانها العرب والتي تمت في مدريد، أحدثت تطورات جذرية وجوهرية في نظرة الأطراف إلى الصراع في ما بينهم. إن مدريد كانت حدثاً تاريخياً وحجراً أساسياً يبنى عليه السلام الحقيقي. وإن إسرائيل ولبنان منخرطان مباشرة في محادثات حول الأرض والسلام والأمن. وعلى رغم غياب لبنان وسوريا والفلسطينيين عن مؤتمر موسكو، فإن هذا المؤتمر الذي أطلق المفاوضات الإقليمية كان بالغ الأهمية.

ونحن نعتقد أن لبنان والفلسطينيين يربحون في هذه المفاوضات ولهم مصلحة في ذلك خصوصاً عبر المشاركة في اللجان المتعلقة باللاجئين والتنمية الاقتصادية.

ونحن نودّ أن نرى لبنان وسوريا والفلسطينيين يشاركون في المفاوضات المتعددة في أقرب وقت ممكن. ونحن نعتقد أيضاً أن المفاوضات المتعددة هي تكملة للمفاوضات الثنائية، وليست بديلاً منها، وهي توفر احتمالات الإفادة لجميع الدول في المنطقة إذا تحقق سلام شامل.

لقد أكد الرئيس بوش والوزير بيكر أن الولايات المتحدة الأميركية ستكون وسيطاً شريفاً وقوة دفع تضمن حسن سير المفاوضات، كما أكدا إصرار أميركا على تأدية دور فاعل في إنجاح عملية السلام.

[.......]

 

المصدر: "النهار" (بيروت)، 2/4/1992. وقد ألقى جيرجيان كلمته هذه أمام "فريق العمل من أجل لبنان".

*إدوارد جيرجيان: مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط وجنوب آسيا.