فيشر، رودريك ، توما (تحرير). "اقتصاد السلام في الشرق الأوسط"؛ فيشر وآخرون (تحرير). "ضمان السلام في الشرق الأوسط: مشروع المرحلة الانتقالية الاقتصادية" (بالإنكليزية)
النص الكامل: 

هذان الكتابان نتاج مشروع أُطلق فور بداية عملية السلام في مؤتمر مدريد سنة 1991. والجهة التي أطلقت المشروع هي "مؤسسة السياسة الاجتماعية والاقتصادية في الشرق الأوسط" التابعة لمعهد جون ف. كينيدي للعلوم السياسية في جامعة هارفرد. وكان المشروع يهدف إلى جمع علماء اقتصاد عرب وإسرائيليين، والسماح لهم باكتشاف آفاق التعاون الاقتصادي بين إسرائيل والبلاد العربية في شرق أوسط جديد يعمّه السلام. ويضم الكتاب الأول مجموعة من الأوراق قدمها علماء اقتصاد من مصر وسورية ولبنان والأردن وفلسطين وإسرائيل، في مؤتمر عقده المعهد بين 14 و16 تشرين الثاني/نوفمبر 1991 تحت عنوان: "نتائج السلام في الشرق الأوسط".

ويقسم الكتاب إلى أربعة أجزاء. يضم الجزء الأول سبع أوراق تحلل مكاسب السلام وتكاليفه من منظور كل بلد على انفراد. ويضم الجزء الثاني دراستين تعالجان موضوعات السلام والاستقرار والإصلاحات الاقتصادية للمنطقة ككل. أمّا الجزء الثالث، فيضم ورقتين تعالجان العلاقات الراهنة والمستقبلية بين الأراضي الفلسطينية وإسرائيل. ويضم الجزء الرابع ثلاثة تعليقات عامة على المؤتمر.

ثمة بين المشاركين ما يشبه الإجماع على تحديد مكاسب السلام وتكاليفه. وتشمل المكاسب تحوّل الموارد من الاستخدام العسكري إلى الاستخدام المدني، وخلق بيئة سياسية اقتصادية مستقرة تساهم في الشروع في إصلاحات اقتصادية داخل كل بلد، وفي اتخاذ خطوات نحو التكامل الإقليمي، الأمر الذي قد يشجع الاستثمار والتجارة والسياحة، وبناء البنية التحتية الإقليمية، وتعزيز قدرة رأس المال واليد العاملة على الانتقال. وهذا الأخير يوصف بأنه ذو أهمية في المدى القصير، ويرتبط بتكاليف التكيّف، التي تشمل البطالة وردة الفعل الاجتماعية على الإصلاح. غير أن الاتفاق بين المشاركين بشأن هذه المكاسب في المدى الطويل والتكاليف في المدى القصير لا يشمل تحديد الطريق الذي يجب السير عليه للوصول إلى أقصى المكاسب بالحد الأدنى من التكاليف. وفي هذا الصدد، ثمة خلاف بيّن في الآراء بين علماء الاقتصاد العرب والإسرائيليين. فالأستاذان النجار والعريان يقولان إنه كي "يكون لتسوية النزاع تأثير اقتصادي دائم، فإنه ينبغي أن تؤدي إلى سلام حقيقي وثابت وشامل." وهذه النقطة يمنحها المزيد من الثقل التاريخي كل من هبة هندوسة ونعمت شفيق اللتين تعزوان فشل معاهدة السلام المصرية - الإسرائيلية لسنة 1979 في الإتيان بأية مكاسب اقتصادية ذات شأن إلى أن "السلام" لم يكن شاملاً، ولذلك، فإنه لم يخلق الاستقرار السياسي الإقليمي وما يرافقه من مكاسب اقتصادية. أمّا سائر المشاركين العرب، فقد أكّدوا أهمية السلام الشامل كشرط لا بد منه للتعاون والتنسيق الاقتصاديين. غير أن الإسرائيلي ميخائيل برونو (حاكم المصرف المركزي الإسرائيلي سابقاً) شكّك في صحة هذا الطرح، واقترح منطقاً مغايراً بحيث يتم "التركيز أكثر على المجال الاقتصادي كخادم أو كوسيلة لتعزيز عملية السلام" (التشديد في النص الأصلي). ولم يقتصر هذا الاختلاف في الرأي على مؤتمر يضم أكاديميين، بل إنه اتخذ شكلاً بارزاً جداً ومثيراً للانتباه خلال قمة الدار البيضاء التي عقدت في المغرب في أيلول/سبتمبر 1994. وجاء بيان المؤتمر ليساند الموقف الإسرائيلي والأميركي في حقيقة الأمر؛ إذ دعا إلى "تطبيع كامل للعلاقات بين البلاد العربية وإسرائيل من خلال إنهاء المقاطعة العربية بأشكالها كافة قبل تحقيق سلام شامل وعادل في المنطقة."[1]

وتم البحث في آفاق التكامل الاقتصادي في الشرق الأوسط مستقبلاً في ورقتين جيدتين مفيدتين كتبهما النجار والعريان، وديوان وبابودريو. وتؤكد كلتا الورقتين هذه النقطة، أي أن السلام في حد ذاته لن يؤدي إلى دمج اقتصادات المنطقة بنموها وتطورها. وعلى كل بلد أن يباشر اتخاذ إجراءات التكيف في المدى القصير، فيمهّد الطريق لإصلاحات اقتصادية كاملة في المدى البعيد. وقد دافعت كلتا الورقتين بقوة عن الحاجة إلى الإصلاحات الاقتصادية باستخدام المنطق الاقتصادي في المرحلة الأُولى، والعِبر المستفادة من تجارب العقدين الأخيرين من الزمن في المرحلة الثانية. والإصلاحات ضرورية لتحرير الأسواق من القيود والقوانين الحكومية الضارة، وإلغاء الحواجز التجارية بين البلاد الأعضاء، والسماح لليد العاملة ولرأس المال بالانتقال بحرية. وهذه الإصلاحات، في إطار بيئة سلمية ثابتة، ستنقل المنطقة بالتدريج نحو منطقة للتجارة الحرة، مستغلة مكاسب اقتصاديات التخصصات النادرة، والتكامل بين مواردها الطبيعية والبشرية معاً. ومن جراء تقيّد الكتّاب بالتحليل الاقتصادي "الصرف"، فإنهم لم يحددوا المضامين السياسية لهذه الإصلاحات الاقتصادية. غير أنه من الصعب بمكان أن نتصور أن هذه الإصلاحات يمكن أن تتم من دون حدوث تغيير سياسي كبير في المنطقة. فمن الجانب العربي، أَمِنَ الواقعي أن نتصور حدوث تغيير كبير في دور "الحكومات" في الاقتصاد وفتح الحدود، من دون حدوث تبدل كبير يزرع بذور التحول نحو الديمقراطية ويردع سلطة الدوائر البيروقراطية الحالية المنشغلة في خدمة مصالحها الذاتية واستيفاء الريع؟ ومن الجانب الإسرائيلي، أَمِنَ الواقعي أن نتصور حدوث تغيّر كبير في دور الدولة في الاقتصاد، ما بقيت الدولة ملتزمة التوسع الصهيوني ومستلزماته، التي تعني الاستمرار في السيطرة على الأسواق والأسعار والأجور لتجتذب المهاجرين وتستبقيهم؟ إن أهمية هذين السؤالين تتعدى طرح ظلال من الشك حول آفاق التكامل الاقتصادي في المنطقة. فهي تساهم في رسم حدود خصائص العلاقة الاقتصادية المستقبلية بين إسرائيل والبلاد العربية، في ضوء عدم توقّع حدوث أي تغيير سياسي أو أيديولوجي في المستقبل القريب. ومن الجلي الواضح أن العلاقة ستصبح ثنائية، لا إقليمية، وتستند إلى أرضية التنسيق بين الحكومات لا بين الأسواق. وتجدر الإشارة إلى أن هبة هندوسة ونعمت شفيق قد أثارتا الحاجة إلى حدوث إصلاح داخل مصر كشرط مسبق للتكامل الإقليمي، في حين أن نداف هاليفي تحدث طويلاً، في معرض طرحه للمنظور الإسرائيلي، عن المشكلة التي تواجه إسرائيل في استيعاب الموجة الجديدة من المهاجرين السوفيات.

إن اقتصاديات الاحتلال الإسرائيلي وتأثيرها في الاقتصاد الفلسطيني هي موضوع تحليل جيد جداً وموثق قدّمه حامد وشعبان.

أمّا الكتاب الثاني، فهو مكرس كلياً للمشكلات الاقتصادية للفترة الانتقالية، أي الانتقال من الاحتلال إلى الحكم الذاتي في الضفة والقطاع، وللعلاقات الاقتصادية المستقبلية بين فلسطين والأردن وإسرائيل. والكتاب هو التقرير الأخير لعمل جماعي ضم 33 اقتصادياً فلسطينياً وأردنياً وإسرائيلياً و7 من الأميركيين. وهؤلاء الأخيرون أساتذة معروفون جيداً، وأعضاء في هيئات التدريس في هارفرد أو في معهد مساشوستس للتكنولوجيا. ويخفي حجم الكتاب الصغير الجهد الكبير الذي بُذل فيه. فهو يعالج اقتصاديات فلسطين في مجالات الزراعة والصناعة والتجارة والعمالة والتمويل العام والترتيبات النقدية والإدارة الحكومية وإدارة المعونات المالية الدولية المنتظرة.

وفي هذه المجالات كافة، يقدم التقرير مجموعتين من الاقتراحات. تقدم الأُولى منهما اقتراحات تهدف إلى إصلاح الإطار المؤسسي وإلى صوغ خيارات سياسية، وهذه الأمور ضرورية جداً للتمهيد للانتقال من الاحتلال إلى الحكم الذاتي. وتركز المجموعة الأُخرى على متطلبات التعاون المستقبلي بين الاقتصادات الثلاثة. ولا ريب في أن القارئ سيندهش للشبه الغريب بين بعض هذه الاقتراحات وبين ما أصبح لاحقاً الاتفاق الاقتصادي بين منظمة التحرير وإسرائيل المسمى "البروتوكول رقم 2". وهذا الشَبَه يعود في جزء منه إلى أن بعض المشاركين في التقرير شارك بصفة أو بأُخرى في المفاوضات الرسمية، التي أدت لاحقاً إلى توقيع "البروتوكول رقم 2".[2]

ثمة مشكلة كبيرة في هاتين الوثيقتين، وهي أنهما تتضمنان افتراضاً مفاده أن في إمكان الفلسطينيين بدء مشروع إعادة البناء والتنمية من دون أن يكونوا قد استعادوا أولاً السيطرة على مواردهم الطبيعية. وفي كلتا الوثيقتين، تبقى السيادة على الأرض والمياه أمراً يتم تحديده ضمن إطار اتفاق الوضع النهائي. وهذا يعني أن على فلسطينيي الضفة الغربية التخطيط لبرنامج تنميتهم الاقتصادية وهم لا يملكون سوى 15% - 20% من مياههم وأرضهم.[3] وإذا أخذنا في الاعتبار أن فقدان السيطرة على الأرض والمياه خلال أعوام الاحتلال كان هو السبب في عرقلة الزراعة وتدهور حجم الصادرات الزراعية، وفي عرقلة أعمال التنظيم المدني والتوسع الصناعي وأعمال البناء السكني، فمن الصعب أن نتصور انطلاق برنامج شامل للتنمية في ظل مثل هذه القيود.

[1] أنظر:

Said El-Naggar, “The Casablanca Declaration in the Balance,” Newsletter of the Economic Research Forum for the Arab Countries, Iran, and Turkey, Vol. 1, No. 4, December 1994, p. 11.

 

[2] Protocol on Economic Relations between the Government of the State of Israel and the PLO, representing the Palestinian People (United Nations, A/49/80, S/1994/727, June 20, 1994).

 [3]أنظر:

World Bank, “Developing the Occupied Territories: An Investment in Peace,” The World Bank Publication, Vol. 4, p. 54.

السيرة الشخصية: 

فضل النقيب: أستاذ مادتي الاقتصاد الرياضي والاقتصاد الكلي في جامعة واترلو/كندا.