حديث صحافي لشفيق الحوت في شأن العلاقات الفلسطينية ـ اللبنانية ومفاوضات السلام، بيروت، 14/1/1992
النص الكامل: 

بعد لقائكم الرئيس الياس الهراوي يوم أمس الأول، متى سيبدأ مكتب منظمة التحرير الفلسطينية ممارسة مهامه على الساحة اللبنانية؟

أريد توضيح نقطة تتعلق بالمكتب، إن الاعتراف اللبناني ببعثة منظمة التحرير في لبنان أمر ما زال قائماً. بمعنى أن الحكومة اللبنانية لم تطلب رسمياً إقفال المكتب، كما أن المنظمة لم تسحب بعثتها من لبنان. رسمياً ما زال المكتب قائماً وما زال شفيق الحوت ممثلاً لمنظمة التحرير الفلسطينية في لبنان.

ولكن باختصار شديد، لقد مر على لبنان منذ الاجتياح الإسرائيلي مسلسل من الاقتتال والتناقضات والمشاكل بحيث أصبح مكتب منظمة التحرير عاجزاً عن القيام بأي مهام مكلف بها وبعد لقائي مع الرئيس الهراوي شعرت أن الموضوع ما زال بحاجة إلى مزيد من الدرس والتحضيرات والتجهيزات، وأصبحت الآن في موقع المنتظر لكلمة من وزارة الخارجية اللبنانية لكي أمارس عملي في مكتب المنظمة، ولكي أكون أكثر صراحة، فإنني أعتقد أنه يوجد بعض العوائق السياسية التي تحول دون الإسراع في فتح مكتب منظمة التحرير وربما يكون وراء ذلك بعض القوى الخارجية، ربما الولايات المتحدة الأميركية، ومن المؤكد أن هناك ضغوطاً إسرائيلية، لأنه كما نذكر كانت إسرائيل قد أوصت في اتفاق 17 أيار [مايو] الملغى عدم السماح بأي نشاط فلسطيني في لبنان.

نحن بانتظار بعض التطورات السياسية التي من شأنها المساعدة على فتح المكتب. أما بالنسبة للمهام، فعندما نتذكر وجود 350 ألف فلسطيني في لبنان وما عانوه، فيمكننا أن نتصور كم هم بحاجة إلى مساعدة.

تردد كلام عن احتمال أن توقف منظمة "الأونروا" نشاطها في لبنان؟.. هل لذلك مدلول سياسي؟

عندما بدأت الأونروا نشاطها عام 1949 كان عدد اللاجئين الفلسطينيين 750 ألفاً، وهم الآن يتجاوزون المليوني نسمة. ومنذ سنوات تشكو "الأونروا" عجزاً في موازنتها المالية بسبب قلة العطاء من الدول الغربية، وكنا نعوض ذلك من دول الخليج، غير أنه في العامين الماضيين فإن المساعدات التي تلقتها الأونروا من هذه الدول لا تتجاوز 13 ألف دولار، أي اقل من ثمن التذاكر للوفد الذي ذهب لاستلام هذه المعونات.

[.......]

هل تتخوفون من خلافات فلسطينية حول تمثيلكم للمكتب مما يحول دون القيام بعملكم؟

هنا سأضطر لأن أكون شخصياً إلى حد ما. كوني رجلاً مستقلاً، وابن الساحة اللبنانية، وممثلاً للمنظمة منذ قيامها، بما أنني لم أكن طرفاً في كل الصراعات الفلسطينية، وبما أنني كنت داعية للوحدة الفلسطينية فقد شعرت حتى خلال جولاتي ولقاءاتي مع الأخوة في فصائل الثورة الفلسطينية بعدم وجود "فيتو" عليّ، بل ربما أستطيع القول إنه بسبب تكويني الشخصي أصبحت الوحيد المؤهل لقيادة العملية في هذه المرحلة... ففي سوريا التقيت الأخوة في جبهة الإنقاذ ومنهم خالد الفاهوم، عبد المحسن أبو ميزر، عصام القاضي، وطلال ناجي وغيرهم، وكان الجميع ميّالاً بصدق إلى تسهيل مهمتي في لبنان توطئة لترتيب البيت الفلسطيني في لبنان، وأيضاً، في سوريا، لأن من أهدافي التي تتجاوز الساحة اللبنانية، هي إرساء الوحدة الوطنية على المستوى المركزي في المنظمة. ورغم الصعوبات والتباين في وجهات النظر السياسية إلا إنني أستطيع القول إن هناك ميلاً إلى استمرار هذه المعارضة وإنما ضمن إطار منظمة التحرير لأن المنظمة ليست حزباً وإنما وعاء لهذه الأطراف.

تتردد من حين لآخر معلومات عن توطين فلسطيني في لبنان. أو ربما يشير البعض إلى أن هذا الموضوع سيكون إحدى "ثمرات" المفاوضات الدائرة في واشنطن.. ما هو تعليقكم؟

في الواقع أن مسألة التوطين، ودعيني أضيف لها كلمة ثانية هي مسألة التهجير، هما مسألتان تقلقان خاطري وخاطر القيادة الفلسطينية، بقدر ما تقلق خاطر المسؤول العربي في هذا القطر أو ذاك الذي يستضيف الفلسطينيين... في الحقيقة لقد أشرت إلى هذا الموضوع بالذات خلال لقائي مع الرئيس الهراوي، وقلت إن هناك استحقاقات، وإلى وجود مسار سياسي في هذه الدنيا وهذه المنطقة قد يترتب عليه احتمال توطين الفلسطينيين في لبنان وسوريا والأردن. وأشرت كذلك إلى ردود الفعل المحتملة إذا ما تم هذا القرار، لا سيما في الساحة اللبنانية حيث الديموغرافية السكانية تشكل بعداً سياسياً هاماً، ومن هنا كانت رغبتي في إظهار أهمية فتح مكتب المنظمة والارتقاء به إلى مستوى سفارة حتى يكون واضحاً أن لهذا الشعب مصالحه وعلى الجميع المساعدة. وعندما يكون لنا سفارة يصبح الوضع الفلسطيني وضع جالية له سفارته المسؤولة عنه، إنما إذا استمر الوضع على ما هو عليه فيصبح الوضع الفلسطيني من مسؤولية المسؤول اللبناني.. وأرجو ألا يعود التاريخ بنا مرة ثانية إلى اقتتال داخلي.

المسألة فعلاً خطيرة وأراها مقبلة، وعلينا جميعاً كعرب من سوريين وفلسطينيين ولبنانيين أن يكون لنا السيناريو الكفيل برد هذا المخطط. مما يجعل مخاوفي في محلها إن هذه المفاوضات الدائرة في واشنطن سيتبعها لقاء آخر دولي متعدد الأطراف، وقضية فلسطين مطروحة في هذه المفاوضات، أي أن قضية اللاجئين الفلسطينيين أصبحت قضية عربية ودولية بمعنى أن الدول العربية عليها أن تتوقع توطين هؤلاء في بلادهم، أن يساهم المجتمع الدولي في ذلك. أخشى ما أخشاه أن تصبح قضية اللاجىء الفلسطيني في مرحلة المتعددة الأطراف قضية من قضايا اللاجئين في هذا العالم، وهم كثر في فيتنام، كمبوديا، والخوف الأوروبي من هجرة كاسحة من الاتحاد السوفياتي... وهذا معناه ضربة كبرى لطموحات الشعب الفلسطيني، كما أنها قد تؤدي إلى مشاكل في الدول العربية التي تستضيف الشعب الفلسطيني.

[.......]

كيف تصف الموقف الأميركي من موضوع المفاوضات من الآن وإلى حين حصول الانتخابات الرئاسية الأميركية، ومن ثم بعد هذه المرحلة في حال تم فوز الرئيس بوش مرة جديدة؟

من خبرتي المتواضعة لا تتمتع السياسة الأميركية بالنفس الطويل، خصوصاً في المواضيع الخارجية. يعني لا يوجد لديهم أهداف بعيدة المدى. ماذا سنفعل هذا العام. هذه دائماً سياستهم. قد يتغير الموقف الأميركي وقد يتبدل. فلا يوجد شيء اسمه الثبات العقائدي في السياسة الأميركية. وأميركا في النهاية تتأثر بقضاياها الداخلية أكثر. فالآن يؤخذ على بوش اهتمامه بالقضايا الخارجية أكثر من الوضع الداخلي. وأنا أعتقد أن بعض الشؤون الداخلية أثيرت عمداً وافتعالاً من بعض الجهات لكي تنتصر على بوش في معركة الانتخابات المقبلة. لكنا نذكر أن كارتر أعطى إسرائيل ما لم يعطها أي رئيس أميركي، لقد أعطاهم كامب ديفيد ولكنه سقط في الانتخابات الرئاسية!! إن بوش بعقلية المستمر باستراتيجية الخليج أراد حلاً في الشرق الأوسط، الآن بدأ بوش مرحلة السباق الداخلي، وهذه تعني "مكانك عد" أعتقد أنه لن يتقدم بنفس الزخم الذي تقدم به سابقاً لكنه بنفس الوقت لا يستطيع أن يحجم نهائياً لأنه يفقده مصداقيته؛ أعتقد أن هذا العام سيكون عام مراوحة، وقد تكتفي الإدارة الأميركية بأنها فتحت الباب للمفاوضات والحديث عن المفاوضات وإجراءات المفاوضات. وموضوع المفاوضات قد يمتد لسنوات. وهذه تعود إلى طبيعة المفاوضين، فلا أحد مستعجل، وفي المفاوضات لا أحد يرغم الآخر أميركا الآن في موضع المراوحة. ولا أتوقع نتائج دراماتيكية سريعة، وإنْ كان هناك من يتوقع عكس ذلك... والأمر متروك للظروف.

[.......]

 

المصدر: "السفير" (بيروت)، 15/1/1992. وقد أجرت الحديث منى سكرية.