كلمة نائب الرئيس السوري أمام مؤتمر القمة السادس لدول منظمة المؤتمر الإسلامي، دكار، 10/12/1991
النص الكامل: 

[.......]

لقد تقدم الرئيس الأميركي السيد جورج بوش بمبادرة لإقامة السلام العادل والشامل في منطقة الشرق الأوسط على أساس قراري مجلس الأمن 242 و338 ودرسنا هذه المبادرة وبعد مناقشات متعددة أجريناها مع الجانبين الأميركي والسوفياتي وافقنا على تلك المبادرة التي فهمنا أنها ستؤدي إلى انسحاب شامل لقوات الاحتلال الإسرائيلي من جميع الأراضي العربية المحتلة بما فيها القدس الشريف وإلى ضمان الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني.

إن سوريا كانت دائماً تدعو إلى إقامة السلام الشامل والعادل مؤكدة أن السلام لا يقوم مع الاحتلال والعدوان كما أن العدل لا يقوم مع اغتصاب الأرض والحقوق.

إن رفض العدو الإسرائيلي لمبدأ الانسحاب واستمراره ببناء المستوطنات وتنكره للحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني ومحاولته تمزيق الهوية الوطنية لهذا الشعب الشقيق إنما يؤكد أن سياساته وأهدافه ونشاطاته تنطلق من منطلقات الحركة الصهيونية الهادفة إلى إقامة إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات.

إن القبول الإسرائيلي بالانسحاب من الأراضي المحتلة والاعتراف بالحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني يشكل تخلياً عن مبادئ الحركة الصهيونية وهذا ما لا يطيقه الإسرائيليون ولا يستطيعونه ولا يريدونه ولذلك يضعون العراقيل أمام المساعي السلمية من خلال استمرارهم بسياسة الاستيطان وهي تعبير عن رفضهم الانسحاب من الأراضي المحتلة وهم يدركون أن ليس من بلد عربي يقبل أو يستطيع أن يقبل التفريط بشبر من  الأرض المحتلة أو بحق من حقوق الشعب الفلسطيني.

يتحدثون عن أمن إسرائيل وعن حق اليهود السوفيات في الهجرة إلى فلسطين ولكن أين أمن الدول العربية والإسلامية.. وأين حقوق الفلسطينيين والسوريين واللبنانيين الذين طردوا من أرض آبائهم وأجدادهم ويعيشون في أسوأ الظروف وهم مشردون لاجئون.

كيف يكون لليهودي السوفياتي الحق في أرض فلسطين وهي ليست أرضه أو أرض آبائه وينكر الحق الطبيعي للفلسطيني والسوري واللبناني في أرضه وأرض آبائه وأجداده.

إن بناء القوة العسكرية الإسرائيلية وامتلاكها السلاح النووي وأحدث الأسلحة التقليدية وغير التقليدية يشكل حافزاً مستمراً للعدوان وعقبة أساسية في مسيرة السلام.

إن الحملة الموجهة ضد امتلاك الدول العربية والإسلامية لوسائل الدفاع عن النفس وشن حملة من الحصار على هذه الدول تعكس حالة عدم استخدام معيار واحد في الوضع الدولي الراهن.

إن الحملة المسمومة والمحمومة ضد الدول العربية والإسلامية بهدف منعها من امتلاك وسائل الدفاع عن النفس في وقت يتغاضون فيه عن الترسانة النووية الإسرائيلية والقدرات العسكرية الهائلة لدى إسرائيل إنما تهدف إلى جعلنا ضعافاً عاجزين عن الدفاع عن النفس عاجزين عن اتخاذ القرارات التي تخدم مصالحنا وتحمي حقوقنا وتصون كرامتنا.

إن محاصرة العرب ومنعهم من امتلاك وسائل الدفاع عن النفس في الوقت الذي تتنامى فيه القوة العسكرية الإسرائيلية لا يمكن أن يشكل عاملاً دافعاً للسلام.

وإذا توهم البعض أن الاختلال الراهن في القوة العسكرية بيننا وبين إسرائيل سيدفعنا لمواقع الهزيمة والاستسلام فهم يعيشون في وهم كبير. ذلك أن إرادة الصمود والحياة والأمل في المستقبل وما تملكه الأمة العربية والعالم الإسلامي من إرادة في العيش بكرامة وحرية يشكل أهم عامل في تحقيق التوازن مع قوى الشر والعدوان.

إن طريق السلام واضح وهو الالتزام بتنفيذ قرارات الأمم المتحدة واحترام الشرعية الدولية.

إن أي بحث عن إقامة علاقات سلمية بين العدو الإسرائيلي والدول العربية في ظل الاحتلال إنما يشكل حافزاً إضافياً للحكومة الإسرائيلية للاستمرار بتعنتها ورفضها لمنطق الشرعية الدولية.

إن الدعوة التي تطلق من هذه الجهة أو تلك لإقامة ما أسموه بإجراءات الثقة مع وجود الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية ومع رفض إسرائيل الاعتراف بالحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني إنما يعني إعطاء إسرائيل عبر الطرق السياسية ما عجزت عن تحقيقه عبر القوة العسكرية.

إن الزعم بأن الحديث عن حل المشاكل الإقليمية يشجع إسرائيل على انتهاج طريق السلام هو توريط للدول العربية بإعطاء الإسرائيليين السلام دون أن يضمنوا الحصول على الأرض.. والدعوة لبحث العلاقات السلمية في ظل الاحتلال، هي فكرة إسرائيلية وشرط إسرائيلي وتطبيق لنظرية شمير القائلة السلام مقابل السلام.

إننا ندعو جميع الدول العربية والإسلامية للتنبه إلى هذا الفخ الذي ينصب للمنطقة ليس في تاريخ البشرية حالة يقبل فيها المعتدى عليه تنظيم علاقاته مع العدو الذي هو مستمر باحتلال أرضه.

لقد شاركت سوريا في مؤتمر مدريد للسلام ضمن صورة واضحة محددة وهي تنفيذ قراري مجلس الأمن /242/ و/338/ بكل متطلباتهما وهي مستمرة بمتابعة العملية السلمية ضمن هذه الأسس وهي الأسس نفسها التي قامت عليها الدعوة لعقد مؤتمر السلام.

إننا ندرك أن الإسرائيليين سيناورون وسيعملون على وضع كل العقبات والعراقيل وعلى استفزاز الجانب العربي لدفعه إلى مواقع يتحمل بها أمام العالم مسؤولية تعطيل مسيرة السلام وسنواجه هذه المحاولات ولن نمكن الإسرائيليين من تحقيق أهدافهم ولا من تحقيق مكاسب على حساب حقوق العرب ومصالحهم.

إن وقوف الحكومات والشعوب الإسلامية إلى جانب سوريا ولبنان وفلسطين يشكل عاملاً هاماً في دعم نضالنا لتحرير جميع الأراضي العربية المحتلة وفي مقدمتها القدس الشريف واستعادة الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني.[.......]

 

المصدر: "البعث" (دمشق)، 11/12/1991. وقد عُقد المؤتمر خلال الفترة 9 ـ 11/12/1991.