[.......]
ننتقل إلى موضوع الجنوب. هل صحيح أن أميركا عرضت على لبنان استرجاع جزين مقابل وقف المقاومة للاحتلال الإسرائيلي؟
عندما كنت في نيويورك جرى بحث معي في ذلك من جانب جون كيلي الذي أوكل إليه الرئيس بوش متابعة الموضوع معنا، إذ لم يقدر لنا أن نجتمع مع الوزير بيكر مثل باقي إخواننا العرب مرات عدة ولساعات طويلة، وقلت إن موضوع جزين ليس جزءاً من موضوع الشريط الحدودي. فليقل للإسرائيليين ولجماعة لحد أن ينسحبوا، لأننا لا نتكلم مع الإسرائيليين وإنما الأميركيون هم الذين يتكلمون معهم. قيل لنا آنذاك إن على الدولة أن تحافظ على الأمن في الجنوب بمعنى أن توقف المقاومة. لم أرضَ بذلك وقلت أنني لا يمكنني أن أحرم لبنانياً من مقاومة الاحتلال الإسرائيلي طالما أن هناك إسرائيلياً على أرضنا. ولكن تعهدت، بوجود الرئيسين حسين الحسيني وعمر كرامي وكنا متوافقين على هذا التعهد، بأنه في حال تنفيذ القرار 425 عملياً وليس بالكلام تتعهد الدولة اللبنانية بواسطة قواها المسلحة بأن لا تطلق رصاصة واحدة من الأرض اللبنانية باتجاه الحدود الدولية بيننا وبين إسرائيل. هذا التعهد ردده وزير الخارجية في خطابه في مدريد وفي أثناء الحديث مع الداعين إلى مؤتمر مدريد. أما القول أوقفوا كذا وكذا فليس في مقدور أحد أن يقول: أنا أرضى بالخنوع وأرضى بأن أكون محتلاً ولا أقاوم الاحتلال، أي دولة ترضى بأن تكون محتلة؟ عندما كانت فرنسا محتلة من الألمان، ألم تكن هناك مقاومة عند الجميع، وها هم الآن تناسوا أحقادهم السابقة بعدما جلت القوات الألمانية عن فرنسا.
هناك تناقض على هذا الصعيد فالدولة تدافع عن المقاومة التي لا يوجد في الواقع أي علاقة بينها وبين هذه الدولة، فهي عملياً مقاومة ثابتة لأطراف إقليمية موجودة على أرض لبنان، ولا قدرة للبنان على توجيه هذه المقاومة وضبطها؟
ربما أن هذا التناقض موجود لدى الآخرين الذين يحاولون إلصاقه بالدولة اللبنانية، وهم ربما استغلوا بعض النقاط باعتبارها نقاط ضعف لدى الدولة اللبنانية. فليست الدولة هي التي تنظم المقاومة، لأن المقاومة هي دائمة سرية، لا يعرف من يديرها ومن يتولى أمرها. فلماذا عليّ أن أطلب من أحد المسؤولين اللبنانيين أن يفشي بأسراره؟ والحكومة اللبنانية الحالية عندما تقدمت من المجلس النيابي لأخذ الثقة كان في بيانها الوزاري تقدير للمقاومة في الجنوب. وقد تحصل في الجنوب أحداث لا تمت للمقاومة بصلة، لكن طالما بقيت الأراضي محتلة، فلا يمكن لأحد أي يحرم المواطن اللبناني أياً كان من مقاومة الاحتلال الإسرائيلي. ولو أعلنت إسرائيل الآن موافقتها على تنفيذ القرار الرقم 425، فعندها يمكن للدولة اللبنانية أن تطالب بوقف المقاومة.
كيف يمكن تقويم العلاقات بين لبنان والولايات المتحدة خصوصاً في ضوء الرد الأميركي على الطلبات التي تقدم بها الوفد اللبناني خلال لقائه مع الرئيس جورج بوش في نيويورك؟
الرد الأميركي كان إيجابياً وواضحاً، وحصلنا على تعهد خطي بأن الحكومة الأميركية تعمل جاهدة لتنفيذ القرار 425. أما في ما يتعلق بالمطالب الأخرى، فإن الجانب الأميركي أكد أنه طالما بقي هناك رهائن محتجزون على الأراضي اللبنانية فلن يكون في وسع الإدارة الأميركية رفع الحظر المفروض على مستويات مختلفة على لبنان، من دون إثارة الرأي العام والكونغرس الأميركيين.
إن العلاقة بين الجانبين اللبناني والأميركي قائمة على المصارحة. والقول إن الحظر المفروض على توجه طائرات شركة "طيران الشرق الأوسط" (الخطوط الجوية اللبنانية) إلى الولايات المتحدة سيبقى سارياً طالما بقي مطار بيروت تحت سيطرة القوات السورية من قبيل المعلومات التي تفتقر لأي أساس. لقد طلب الرئيس حافظ الأسد إليّ تكراراً بأن نجهز الجيش اللبناني ليبسط سلطته على كامل المناطق اللبنانية لأن القوات السورية تريد أن تمشي. وجوابي دائماً أن الجيش جاهز من حيث العدد لكنه غير جاهز من حيث العدة بسبب الحظر الأميركي المفروض على مبيعات الأسلحة إلى لبنان وحظر مماثل كان يطبقه الفرنسيون وقد رفعوه مبدئياً ويفترض أن يرفع عملياً.
هل من جديد في شأن انتشار الجيش اللبناني جنوباً ليحل محل القوات الدولية؟
لا جديد، ثم أن هذه الخطوة قد لا تكون في مصلحتنا الآن، وبالأخص بعد تدهور الوضع في الجنوب منذ انعقاد مؤتمر السلام في مدريد.
هل أنتم متفائلون في العمق بأن الحل في الشرق الأوسط لن يكون على حساب لبنان؟
أنا على إيمان وعلى ثقة بأن الحل في الشرق الأوسط لن يكون إلا في مصلحة لبنان.
ألن تكون هناك مساومة سورية ـ إسرائيلية على الجنوب؟
لن تكون هناك مساومة على أي شبر من الأرض أو أي نقطة ماء على الإطلاق.
ألن تكون هناك مناطق نفوذ دائمة لسوريا ولإسرائيل في لبنان؟
الشعب اللبناني لا يرضى بنفوذ دائم لأحد. واتفاق الطائف صريح وواضح ويقود إلى ما يصبو إليه كل لبناني.
[.......]
أليست هناك أي علاقة بين الانسحاب ومسار مؤتمر السلام؟
كلا على الإطلاق. اتفاق الطائف واضح على هذا الصعيد، والانسحاب سيتم أولاً حتى منطقة البقاع الغربي، وعندها قد يكون الانسحاب النهائي مرتبطاً بنتائج مؤتمر السلام. فإذا أخذ هذا المؤتمر مساره وأعطى النتائج المرجوة منه لا يعود أمامنا سوى الحفاظ على قواتنا الذاتية لتمكينها من بسط سيادة الدولة.
[.......]
المصدر: "الحياة" (لندن)، 19/11/1991.