وثائق عربية خطاب للرئيس حسني مبارك في شأن مؤتمر السلام، القاهرة، 3/11/1991
النص الكامل: 

[.......]   

الأخوة والأخوات

إن مصر التي اختارت السلام هدفاً استراتيجياً ثابتاً، ترى في انعقاد مؤتمر مدريد حدثاً تاريخياً بالغ الأهمية في مسار الشرق الأوسط وفرصة لا تعوض لإنجاز مصالحة تاريخية بين شعوبه تحمي سلام المنطقة واستقرارها، وتساعد على حفظ السلام والأمن الدوليين، وتسهم في بزوغ عالم جديد أكثر عدالة واستقراراً.

إننا نرحب بانعقاد المؤتمر وبالمشاركة النشطة في أعماله ونعتبره البداية الصحيحة لإنجاز سلام شامل يحفظ لكل الشعوب حقوقها العادلة، يستوى في ذلك حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وحق الشعب الإسرائيلي في وجود آمن مستقر.

إننا نتطلع إلى أن يكون المؤتمر بداية لمرحلة جديدة في تاريخ الشرق الأوسط تخلو من الشكوك والهواجس والمفاهيم البالية وتفتح الباب أمام علاقات جديدة تربط كل دول المنطقة وشعوبها على أساس من التعايش وحسن الجوار، والتعاون المشترك البناء لما فيه سلام المنطقة وازدهارها.

كذلك فإننا نثق في أن السلام العادل والشامل سوف يكون في صالح كل الأطراف.. في صالح الفلسطينيين الذين يعانون عسف الاحتلال، ويتوقون إلى حقهم في تقرير المصير.. وفي صالح الإسرائيليين، الذين يتوقون إلى سلام آمن، ويتطلعون إلى علاقات طبيعية مع جيرانهم العرب.. وفي صالح كل الشعوب العربية التي تتوق إلى تكريس جهودها لمسيرة مستقرة متواصلة على طريق التنمية والديمقراطية.

إننا على يقين من أن السلام الذي ننشده لن يكون الهدف المستحيل، إنْ تغلبت عوامل الحكمة، وخلصت النوايا، وأدركت كل الأطراف أن الحرب والكراهية والصراع لا تحقق الأمن، ولا تصون المستقبل وأن ما يصون المستقبل ويحقق الأمن هو سلام متكافئ ويحقق الأمن للجميع، ويؤهل المنطقة لمرحلة جديدة، تفتح الباب واسعاً أمام تعاون الشعوب.

إن وقف بناء المستوطنات في الضفة وغزة والجولان، سوف يكون في الاتجاه الصحيح، تدعم الثقة المتبادلة بين الأطراف المعنية، وتضاعف الأمل في إمكان الوصول إلى سلام حقيقي، وتعطي دفعة قوية للمفاوضات الثنائية التي تجري داخل اللجان.

إننا نعرف أن الطريق لن يكون سهلاً أو قصيراً، وأن التفاوض سوف يكون شاقاً ومضنياً لكننا نأمل أن تتغلب كل الأطراف على مخاوفها لأنه لا شيء يعدل السلام الذي هو أمل كل الشعوب.

إننا نعرف أيضاً أن هناك من يريدون إفشال مساعي السلام وتخريبها، لأن السلام يناقض أفكارهم القديمة، أو لأنه يقضي على مصالحهم لكننا نأمل ألا تترك الأطراف المعنية الفرصة لهؤلاء لكي يقوضوا هذا الأمل الكبير، وهذه الفرصة التاريخية الفريدة التي يصعب تكرارها.

إن مصر تعتبر انعقاد هذا المؤتمر تتويجاً لجهود شاقة، طويلة، حملت مصر الكثير من أعبائها، كي يساند المجتمع الدولي فكرة انعقاد المؤتمر ويؤازرها بالمشاركة في إقناع كل الأطراف بضرورة انعقاده.

إننا نحيي دور الرئيس الأميركي بوش وإدارته التي بذلت جهداً كبيراً من أجل إقناع كل الأطراف بضرورة المشاركة، كما نحيي اشتراك الرئيس السوفياتي غورباتشوف، ونعتبر رياستهما للمؤتمر دلالة ذات مغزى على اهتمام العالم كله بسلام الشرق الأوسط وحرصه على إنجاز هذا الهدف العظيم.

الأخوة والأخوات

إن مصر التي سعت إلى السلام الشامل وهي في أوج انتصار أكتوبر [تشرين الأول] العظيم واثقة من صحة مبادراتها على هذا الطريق لتأمل أن يوفق المؤتمر في بلوغ أهدافه لأن مصر تعرف من خلال تضحياتها الجسام معنى الحرب وتبعاتها، كما أنها تعرف من خلال تجربتها في السلام، أن السلام يعني البناء والتقدم، ويعني الاستقرار والديمقراطية وأنه لا شيء يمكن أن يعدل السلام.

السلام عليكم ورحمة الله..

 

المصدر: "الأهرام" (القاهرة)، 4/11/1991. وقد ألقى الرئيس مبارك هذا الخطاب في احتفال أُجري في كلية دار العلوم بمناسبة مرور مائة وعشرين عاماً على إنشائها.