كلمة رئيس الوفد الأردني أمام مؤتمر المفاوضات المتعددة الأطراف، موسكو، 28/1/1992
النص الكامل: 

[.......]

كنا نود رؤية فلسطينيين من خارج الأراضي المحتلة، وكذلك من القدس الشرقية ممثلين هنا اليوم. وفي النهاية فإن هذا المؤتمر يتعلق بقضايا إقليمية ليست في متناول أولئك الذين يعيشون في الأراضي المحتلة. إن لوجودهم في المحادثات الثنائية صلة كبيرة بما أنها تتعلق بإجراءات لإقامة سلطة حكومة ذاتية مؤقتة. إلا إنه لا يمكن بأي حال، منطقياً وعملياً توقع أن يستطيع مثل هذا الترتيب معالجة قضايا مثل قضية اللاجئين الذين يعيش معظمهم خارج وطنهم، وبدون وجود فلسطينيين من الشتات فإنه لا يمكن لهذا المؤتمر أن يتوصل إلى حلول معقولة لقضايا المنطقة: المياه، ونزع السلاح، والتنمية الإقليمية والبيئة، ولا يمكن لإسرائيل أن تطالب بالاعتراف بها في الوقت الذي تعفي فيه نفسها من مسؤوليتها التاريخية تجاه الشعب الفلسطيني، ولا يمكن جعلنا نتحمل نحن في الأردن مسؤولية فلسطينيي الشتات.

وقد علمتنا التجربة أن عملية سلام معقدة تتطلب رغبة سياسية ونية حسنة من لدن كافة الأطراف المشتركة في الحوار. وبذلك لا يمكن أن يعتبر انصراف إسرائيل إلى خرق القانون الدولي من خلال بناء مستوطنات جديدة في الأراضي المحتلة، وتوسيع أخرى كائنة أمراً منطقياً، في الوقت الذي يتم فيه التفاوض على الوضع المستقبلي للأراضي المعنية.

إن وضع القدس يختلف في أذهان أناس مختلفين، فإسرائيل مثلاً تتحدث عن قدس تشمل خُمس الضفة الغربية، بينما يتصورها العالم ببساطة كمدينة مقدسة محاطة بالأسوار وملتقى للديانات التوحيدية الثلاث.

نحن في الأردن نفهم وضع المدينة المقدسة ضمن نطاق قرار مجلس الأمن الدولي رقم 242، كجزء لا يتجزأ من الأراضي المحتلة، فالمدينة المقدسة هي رمز السلام وجوهره في المنطقة. وباعتبار أنها تقع خارج أطر المقتضيات السياسية فإن بإمكانها أن تكون نموذجاً روحانياً وواقعياً لحل النزاع. بيد أن السلام لا يمكن تحقيقه أبداً إلا عندما يتم إعلاء شأن سيادة القانون الدولي. وبذلك لا بد من استرجاع السيادة العربية على القدس الشرقية ضمن سياق اتفاقية بين الأديان تضمن سبيل وصول غير مقيد إلى كافة المقامات المقدسة للمتعبدين من كافة الأديان.

في هذه الحالة فقط يمكن للقدس أن تكون مرة أخرى مثالاً حياً لبقية أبناء العالم وذلك لما يمكن تحقيقه عندما يكون السلام هو هدف الأمم.

[.......]

وإذ يسعى الأردن إلى تحقيق الحصول على بنى دولية وإقليمية للسلام والتعاون فإنه ينطلق من مصلحة خاصة: فهناك عدم توازن كبير بين الدور السياسي الذي لعبه الأردن في السابق وذلك المطلوب منه القيام به حالياً ومستقبلاً وبين إمكاناته المالية والاقتصادية. فبالإضافة إلى افتقاره إلى الموارد الطبيعية والأسواق الطبيعية والمشاركات التجارية فقد اضطر الأردن إلى الاضطلاع بمسؤولية اندماج أمواج متعاقبة من المهاجرين والعائدين وغيرهم من العناصر المهاجرة، وإننا فخورون إزاء تمكننا من مواصلة نهجنا التقليدي الإنساني على الرغم من ابتلائنا باقتصاد مرهق وسط منطقة لا تنعم بالاستقرار، بيد أن الكلفة قصيرة المدى التي ترتبت على إعادة استيعاب (300,000) شخص من العائدين ـ هذه الكلفة التي قدرت بحدود أربعة مليارات ونصف المليار من الدولارات ـ هي في الواقع باهظة بشكل يفوق طاقة الأردن على تحملها [....].

[.......]

يدرك الأردن جيداً أن عملية السلام تعتمد بالنتيجة إلى الجهد الجماعي، إن تنمية المصالح المشتركة ستكون بمثابة الأساس المتين لإطار مؤسسي تم تصوره من أجل إدارة الأمن والتعاون الإقليميين وتقدم عملية هلسنكي سابقة سليمة لهذه الغاية المطلوبة.

وعليه فإننا نجد في إطار دولي تعاوني من أجل حل مشاكلنا الإقليمية التي يرتبط بعضها بالبعض الآخر وهو الإطار المتمثل بمؤتمر حول الأمن والتعاون في الشرق الأوسط ـ الكيان الذي من شأنه الخروج بقرارات ترضي كافة الأطراف.

إننا نؤمن بأن نموذجاً كهذا بإمكانه القضاء على الاقتصاد السياسي لليأس، كما وبإمكانه أيضاً تأمين السبيل المؤدي إلى تحقيق الديمقراطية وحرية التعبير عن الرأي وحقوق الإنسان: أي الاقتصاد السياسي البديل للسلام والأمن والتقدم لقد تم تقديم مقترحات تستهدف إنشاء صندوق تنمية إقليمي، وصندوق تسديد للديون ومصرف للإنماء وإعادة الإعمار الإقليميين أن آلية إقليمية من شأنها القيام بتنظيم عملية السيطرة على التسلح والإشراف عليها إضافة إلى سيطرتها على نظام مائي والإشراف عليه ـ أي جهد جماعي يعتمد الاتصال والتعاون إزاء التحديات المشتركة ـ تمثل مفتاح النجاح في هذه المجالات.

[.......]

 

المصدر: "الرأي" (عمان)، 29/1/1992. وقد عقد المؤتمر في موسكو يومي 28 و 29/1/1992.