غودمان وكاروس. "ميدان القتال المستقبلي والصراع العربي ـ الإسرائيلي" (بالإنكليزية)
الكتاب المراجع
النص الكامل: 

"إذا أردت السلام فاستعد للحرب." هذه قاعدة ذهبية من قواعد "دراسات المستقبل" العسكرية. وكم يصح الأخذ بهذه القاعدة الآن، والمنطقة العربية، بل المجتمع الدولي برمته، على عتبة إرهاصات تسوية سياسية للصراع العربي – الإسرائيلي تتفاوت طبيعتها بين تسوية شاملة (التوجه العربي) وتسوية مجزّأة (التوجه الإسرائيلي الصريح والتوجه الأميركي الاحتياطي في حال فشل إمكان التوصل إلى التسوية الشاملة)؛ إذ إن كلا التوجهين ينطوي على خيار عسكري لأنه يفضي، في أفضل الأحوال إلى "سلام" لا إلى سلام دائم.

في ضوء هذه التوطئة، يمكن اعتبار الكتاب الذي نعرضه دراسة جدية لمستقبل الصراع العربي – الإسرائيلي من زاوية الميزان العسكري، بمستواه التكنولوجي على نحو خاص. ولئن كان تاريخ إنجاز مضمون هذا الكتاب سابقاً لأحداث جسام وتطورات جذرية (أبرزها على الإطلاق اضمحلال الاتحاد السوفياتي، والحرب ضد العراق، وعقد مؤتمر مدريد)، فإن المسألة الرئيسية التي تناولها مؤلفا الكتاب*  بالتحليل – التكنولوجيا العسكرية المتقدمة – ستظل محط اهتمام أطراف الصراع العربي – الإسرائيلي وهدف سعيهم لحماية مصالحهم العليا، مهما تكن نتائج التسويات السياسية والمتغيرات الجغراسية على الصعد كافة، وأياً تكن الاستراتيجيات العسكرية التي ستُعتمد على أسس تلك النتائج والمتغيرات.

يضم الكتاب تسعة فصول تتمحور، في معظمها، حول تأثير التكنولوجيا المتقدمة في تبديل أوجه الصراع العسكري في الشرق الأوسط، تبديلاً نوعياً، ضمن أطر الحرب التقليدية فحسب! كما يضم الكتاب في ختامه ملحقاً يتضمن شرحاً لأبرز إنجازات التكنولوجيا العسكرية الجديدة.

عُرضت في الصفحات الأولى صورتان، وُصِفت إحداهما بالإطار الاستراتيجية لميدان القتال في المستقبل، ووُصِفت الثانية بالبيئة الاستراتيجية لهذا الميدان. وقد أصاب المؤلفان في الأولى؛ إذ أكدا أن ميدان القتال في التسعينات سيكون مختلفاً اختلافاً واسعاً عما سبق بفعل تطور التكنولوجية العسكرية تطوراً سريعاً، وأن النصر سيكون حليف الطرف الذي يعرف كيف يستغل قدرات المعدات العسكرية الجديدة ضمن الإطار الشامل للحرب. وأخطأ المؤلفان في الصورة الثانية حين ارتكزا، في معرض توضيح البيئة الاستراتيجية في التسعينات، على إمكان انخراط العراق في حرب ضد إسرائيل عقب انتهاء حربه ضد إيران، وإمكان قيام العربية السعودية بالاشتراك في الصراع العربي – الإسرائيلي عسكرياً (ص 8، 9).

ويقلّص الكتاب أبعاد الصراع العربي – الإسرائيلي إلى بعدين فقط؛ بُعد سوري وبُعد إسرائيلي، حتى ليصح تغيير الجزء الثاني من عنوات الكتاب من "والصراع العربي – الإسرائيلي" إلى "والصراع السوري – الإسرائيلي".

ويقول المؤلفان إن من سمات البعد السوري أن التفكير الاستراتيجي لدى السوريين قائم على اعتقاد أن الصراع بين العرب وإسرائيل صراع بين ثقافتين غير قابلتين للتوفيق، ولا يمكن حله بالتالي إلا بوسائل عسكرية، وأن لدى إسرائيل من نقاط الضعف – ومنها اعتمادها على المساعدات الأميركية – ما يمكِّن من مواصلة الكفاح ضدها حتى تحقيق النصر (ص 15). بيد أنه يحول دون ذلك عوائق سياسية متمثلة في اتفاقات دولية تقيّد التحركات العسكرية، وعوائق جغرافية متمثلة في طبوغرافية مرتفعات الجولان. ومع ذلك، فمن الممكن أن تنشب الحرب على الجبهة السورية بفعل امتلاك الجيش  السوري وسائط الضربة الأولى المهدِّدة لأي هدف استراتيجي في إسرائيل (ص 20، 21)، وبفعل نجاح السوريين في وضع أساس لجيش حديث وفعّال ومدمَج سيتيح لهم، في حال إتقانهم استخدامه، تغيير الوضع الراهن في الشرق الأوسط (ص 39). وبكلمة أخرى، يقصد المؤلفان أن تعاظم القوة العسكرية السورية – وإنْ يكن تعاظماً كمياً أكثر منه نوعياً – سيزيد في احتمالات قيام إسرائيل بضربة استباقية أو بضربة وقائية (ص 22، 40).

وبالانتقال إلى البعد الإسرائيلي، نجد لدى المؤلفين اقتناعاً شبه مؤكد بدوام النظام "الديمقراطي" المستقر في إسرائيل في مقابل تشكيك في مستقبل النظام في سوريا، ودوام التحالف مع الولايات المتحدة في مقابل ميوعة العلاقات السورية – السوفياتية. ويذكّر المؤلفان بأن المخططين العسكريين الإسرائيليين يبنون افتراضاتهم المتعلقة بطبيعة الصراع ضد خصمهم (السوري)، على سيناريوهات "الحالة الأسوأ" (وخصوصاً في ظل وجود صواريخ أرض – أرض بالستية)، ويجعلون الردع حجر أساس استراتيجيتهم، مع تطوير لفلسفة الردع فحواه أن أي تحرك عسكري عربي، أياً يكن نوعه وحجمه وهدفه، سيُعتبر حرباً شاملة (ص 50)؛ أي أن إسرائيل سترمي إلى تنسيق هامش المناورة العربية إلى درجة الشلل، حفاظاً على صدقية التهديد من جهة، وخوفاً من مكابدة الثمن الجسيم جراء فعالية أسلحة التدمير في أية مواجهة مقبلة، من جهة أخرى.

ويقول المؤلفان أن توجه الدول الصناعية الكبرى المطّرد نحو حماية أسرار أنظمة أسلحتها المتطورة (ص 81)، سيجعل سوريا في وضع أصعب كثيراً من وضع إسرائيل؛ إذ إن هذه الأخيرة تتمتع بصناعة عسكرية محلية متطورة من ناحية، وأنها من ناحية أخرى قادرة على الوصول إلى مستجدات التكنولوجيا الغربية بفضل اتفاقات معقودة مع حكومات ومؤسسات صناعة حربية غربية في مجالي البحث والتطوير العسكريين (ص 84)، علماً بأن المؤلفين أشارا في موضع آخر (ص 82) إلى أن الدوافع التجارية لدى الدول الأوروبية – على الأقل – ستتجاوز الاعتبارات الأمنية من أجل إبرام صفقات تسلح مع أي طرف يملك المال اللازم.

وعلى صعيد التعامل الاقتصادي (موضوع الفصل الخامس)، فإنه يُعتبر نقطة المركز في مستقبل الوضع العسكري الإسرائيلي. وسيكون لهذا العامل تأثير حرج في العلاقة بين التكنولوجيا الرفيعة والميزان العسكري العربي – الإسرائيلي (ص 102)؛ ذلك بأن النفقات الدفاعية المطلوبة للتكنولوجيا العسكرية المتقدمة ستكون مرتفعة جداً. لكنْ على الرغم من التوقعات القائلة إن إسرائيل ستواجه خيارات صعبة بشأن الحفاظ على مستوى جهوزيتها العسكرية، بسبب تفاقم أزماتها الاقتصادية وتراجع المساعدات العسكرية ( ص 102، 103)، فإن المؤلفين يعزوان إلى الطبيعة الغربية للبنية التحتية الاقتصادية في إسرائيل إمكان قدرة الدولة العبرية على مواجهة تلك الخيارات الصعبة (ص 108)، بل إن وزير المال الإسرائيلي موداعي رأى مؤخراً أن ثمة الآن "فرصة تاريخية للتخلص من الهبات الأميركية."

أما بالنسبة إلى سوريا فيرى المؤلفان أنها لن تتمكن، على الأرجح، من حل مشكلاتها الاقتصادية بسهولة، أو في المدى القصير، وإنْ حظيت بمساعدات خارجية كبيرة (ص 104، 105). ومن أسباب ذلك، بحسب رأيهما، عدم كفاية الزراعة والصناعة، وسوء الإدارة، والنقص في العملة الصعبة، والديون الخارجية التي تتراوح بين 6 مليارات دولار و15 مليار دولار (ص 105، 106).

وعلى صعيد فعالية التكنولوجيات الجديدة، شُدد على ضرورة تقويم فعالية أنظمة الأسلحة المتقدمة ضمن إطار قدرات العناصر البشرية التي يوكل إليها استخدام هذه الأنظمة؛ إذ إن سوء إدارة الأسلحة الجديدة يفقدها الكثير من فعاليتها، بل يجعلها عبئاً ذا تأثير عكسي (ص 109، 112). ولئن اعترف المؤلفان بقدرة بعض الدول العربية على تعديل معداته وتحديثها، وتوقعا تعزيز هذه القدرة في المستقبل، فقد جاء اعترافهما وتوقعهما خجولين جرّاء انبهارهما بالتفوق الإسرائيلي في هذا المجال، وبفعل واقع أن العرب أكثر من الإسرائيليين اعتماداً على المصادر الخارجية (ص 129، 130)، ولا سيما في مضمار معدات الحرب الإلكترونية.

ويخلص الكتاب إلى تأثير التكنولوجيات الجديدة في الجانب العملاني من فن الحرب، فيعتبر أن من المبكر جداً معرفة هذا التأثير (ص 151)، ولا يتعدى الأمر في هذا الشأن خمس ملاحظات عامة هي:

  • بقاء التكتيكات والمناهج العملانية حاسمة في ميدان القتال؛
  • اعتماد الفعالية العسكرية على استخدام مختلف أنظمة الأسلحة، استخداماً منسقاً ومدمجاً؛
  • بقاء القتال التلاحمي عنصراً مهماً، على الرغم من تطور انظمة قصف الأهداف في عمق العدو؛
  • اعتماد الفعالية القتالية على الكفاية في إيجاد حلول سريعة للمشكلات الطارئة؛
  • ازدياد أهمية الحرب الإلكترونية.

إن معظم ما ورد في الكتاب واقع يجب أخذه في الاعتبار، من دون أن يعني ذلك قبوله كما لو أنه قضاء مرقوم. فالتناقض بين "الكيف" الإسرائيلي و"الكم" العربي، على المستوى التكنولوجي، واحدة من خصائص الصراع العربي – الإسرائيلي منذ ولادة الدولة العبرية حتى ما بعد التوصل المفترض إلى نظام إقليمي جديد، أو إلى "سلام أميركي" (Pax Americana) عتيد.

وإذا كان من مجال لاستشراف مستقبل الصراع العربي – الإسرائيلي، وبالتالي مستقبل ميدان القتال فيه، فلا بد من أن يكون أحد مفاتيح الاستشراف الرد على السؤالين اللذين طرحهما بريجنسكي، عقب تشديده على أن الحربين العالميتين الأولى والثانية لم تعززا الأمن الدولي: هل ستعزز نهاية الحرب الباردة الأمن الدولي؟ وكيف ستتم تهدئة الشرق الأوسط؟

* يشترك المؤلفان، غودمان وكاروس، في كونهما يحملان لقب "زميل" في "معهد واشنطن لسياسات الشرق الأوسط" (Washington Institute for Near East Policy).