حديث صحافي للرئيس جورج بوش عن ضمانات القروض، واشنطن، 11/9/1991
النص الكامل: 

منذ نهاية حرب الخليج عملنا عملاً شاقاً ودؤوباً من أجل الاستفادة مما نعتقد أنه فرص جديدة ومثيرة للسلام في الشرق الأوسط. وقد قام وزير الخارجية جيمس بيكر بنحو ست جولات في المنطقة، وهو على أهبة السفر إليها مجدداً في غضون أيام. وبتنا اليوم، نتيجة هذه الجهود، على شفا فتح تاريخي. لقد اجتزنا من الطريق مسافة طويلة، وصرنا أقرب إلى عقد مؤتمر للسلام من شأنه أن يطلق مفاوضات سلام بين إسرائيل والدول العربية، وهذا ما لم تزل دولة إسرائيل تسعى له منذ ولادتها.

منذ أيام قليلة، طلبت من الكونغرس أن يؤخر النظر، لمدة 120 يوماً، في طلب إسرائيل الحصول على ضمانات أميركية إضافية لقروض قيمتها 10 مليارات دولار من أجل مساعدتها في استيعاب المهاجرين الجدد إليها. وقد فعلتُ ذلك خدمة لمصلحة السلام. فعلتُ ذلك لأن علينا أن نتحاشى جدالاً شائكاً قد يثير جملة من القضايا الخلافية، قضايا حساسة إلى حد أن قيام النقاش الآن قد يؤدي بقدرتنا على دعوة فريق أو أكثر من الفرقاء إلى طاولة السلام.

ثمة قسط كبير من التشويش يحيط بطلب التأخير هذا، تشويش أودُّ تبديده. دعوني أبدأ بتوضيح ما لا علاقة له بطلبي هذا. فهو لا يتعلق بقوة دعمي، أو دعم هذا البلد، للهجرة إلى إسرائيل. فلقد جهدت وسعي، كنائب للرئيس وكرئيس للولايات المتحدة، لأعمل كل ما هو ممكن من أجل تحرير اليهود المقيمين في إثيوبيا والاتحاد السوفياتي، بحيث يتمكنون من الهجرة إلى إسرائيل.

اليوم، وبفضل الجهود الأميركية، يعيش مئات الألوف في إسرائيل، متمتعين أخيراً بالحرية من الخوف وبحرية ممارسة عقائدهم الدينية. ويجب ألاّ يُنظر إلى طلبنا التأخير باعتباره دلالة على أن في ذهني أية تساؤلات عن الحاجة إلى وجود إسرائيل قوية وآمنة. لم تزل الولايات المتحدة منذ أكثر من 40 عاماً أوثق صديق لإسرائيل في العالم. وستظل الحال على هذا، ما دمت رئيساً للولايات المتحدة؛ فهذه الصداقة تستند إلى دعم حقيقي.

منذ أشهر قليلة فحسب، خاطر رجال ونساء أميركيون يرتدون البزات العسكرية بحياتهم للدفاع عن الإسرائيليين في وجه صواريخ سكود العراقية. والحق أن عملية "عاصفة الصحراء" حققت، فضلاً عن النصر في الحرب على العدوان، الهزيمة لأخطر أعداء إسرائيل. وخلال العام المالي الحالي وحده، وعلى الرغم من مشكلاتنا الاقتصادية الخاصة، مدَّت الولايات المتحدة إسرائيل بأكثر من 4 مليارات دولار من المساعدات الاقتصادية والعسكرية، أي ما يقارب 1000 دولار لكل رجل إسرائيلي وامرأة وولد، فضلاً عن 400 مليون دولار ضمانات قروض لتسهيل استيعاب المهاجرين.

إن طلبي من الكونغرس أن يؤخر النظر في طلب إسرائيل الحصول على 10 مليارات دولار من ضمانات القروض لدعم عملية استيعاب المهاجرين، إنما هو طلب يتعلق بالسلام. فهذه أول مرة في التاريخ تصبح فيها رؤية الإسرائيليين يجلسون مع جيرانهم العرب للتفاوض في شأن السلام إمكاناً حقيقياً. يجب ألاَّ يعمل شيء من شأنه تعطيل هذا الإمكان. وسأستخدم حقي في النقض إذا اقتضت الضرورة للحؤول دون ذلك.

السلام هو ما يتوق إليه هؤلاء المهاجرون ومثلهم كل الإسرائيليين أيضاً. وإن حظهم في عمل لائق وحياة لائقة يتوقف على السلام. إن غايتنا هي ضمان رغد العيش لهؤلاء المهاجرين والتوصل إلى السلام، لا اختيار إحدى الغايتين الإنسانيتين وإهمال الأخرى.

دعوني أختتم هذه الكلمة بنقطة نهائية واحدة فقط. ينوط الدستور بالرئيس مهمة قيادة سياسة البلد الخارجية. وفي أثناء عملية "درع الصحراء" ثم "عاصفة الصحراء"، مثلت أمام الشعب الأميركي، كرئيس، طالباً حرية عمل ما هو صحيح وما لا بد منه. وقد عارضني في ذلك يومها نفر غير قليل من أعضاء الكونغرس المخلصين من الحزبَيْن. والآن أيضاً ثمة محاولة يقودها بعض أعضاء الكونغرس لمنع الرئيس من الإقدام على خطوات حيوية لأمن الأمة. لكن مدار الأمر الآن أخطر شأناً من أن تولى الأولوية للسياسة المحلية على قضية السلام؛ وهذا ما أعلم أن الأميركيين، في سوادهم الأعظم، يدركونه.

وأنا إنما أطلب من الكونغرس تأجيل هذه المسألة 120 يوماً. ولا يقصد من هذا التأجيل أن يسيء، بأي شكل من الأشكال، إلى ما سنفعله عندما يحل كانون الثاني/ يناير. وأنا أطلب من الشعب الأميركي أن يؤيدني في هذا الطلب. بكل بساطة، ليست مهلة 120 يوماً أمراً يستكثر على الرئيس أن يطلبه متى كان مدار الأمر على هذا القدر من الخطورة. علينا أن نمنح السلام فرصة، علينا أن نمنح السلام كل الفرص. 

أسئلة وأجوبة 

[.......]

س ـ [...] في مسألة ضمانات القروض الإسرائيلية، ثمة نفر غير قليل  من مؤيديك الجمهوريين في الكونغرس يقول إنه كان من الواجب أن تحصل إسرائيل على هذا المال منذ فترة طويلة، وهو لا يؤيد تأجيل الـ 120 يوماً الذي تطالب به. هل ثمة من تسوية، هل ثمة من حل وسط؟ تبدو متصلباً جداً اليوم في مطالبتك بالمائة والعشرين يوماً.

ج ـ أنا إنما أبدو صاحب مبادىء. أنا مقتنع بأن هذا النقاش سيعود بالضرر على السلام، ويجب علي أن أقول ذلك لأعضاء الكونغرس بأشد ما أُوتيت من بيان. لقد أرهقت في مسعاي الهاتف وإحدى أذنيّ، وأنا عازم على الانتقال إلى الأذن الأخرى لأمضي في ما بدأت، لأن هذا هو ـ السلام حيوي هنا، وقد جهدنا إلى حد لا صبر لنا معه على رؤية طلبي هذا مردوداً. وأنا أعتقد أن الشعب الأميركي سيؤيدني. فالأميركيون يعلمون أننا ندعم إسرائيل. ولقد فصَّلت للتو بعضاً مما فعلناه [من أجلها]. لذلك، يجب ألا يكون ثمة من مجال للشك في هذا. وأنا أعطي الكونغرس ـ ولقد فعلت ذلك مع الزعماء اليوم، [وإذ] أُتيحت لي فرصة هنا، شكراً لكم، لأن أقوم بذلك هنا، وأدلي بأفضل ما عندي من رأي. وأنا أقف في وجه قوى سياسية عظيمة النفوذ، لكنْ أرى من واجبي أمام الشعب الأميركي أن أخبره إلى أي حد أنا مقتنع بضرورة التأجيل.

س ـ هل هذه القوى السياسية العظيمة النفوذ غير ممتنة لما فعلته حتى الآن في عملية السلام، ولمَ لا تُروّج في سوقها حجتك من أجل السلام؟

ج ـ أعتقد أنها ستُروَّج. ولكن الأمر يستغرق بعض الوقت. ونحن نواجه جماعات شديدة القوة والفعالية، جماعات تستطيع الوصول أحياناً إلى الكونغرس. وقد بلغني اليوم أن ما يقارب الألف شخص من اللوبي يعملون في الكونغرس على الجانب المناقض للتأجيل. أمامنا رجل وحيد صغير يحاول القيام بما يجب.

س ـ السيد الرئيس، قلتم إن من شأن نقاش شائك الآن أن يبعد بعض الفرقاء عن طاولة السلام، لكن الإسرائيليين يزعمون أن العرب الذين أبدوا استعدادهم للمشاركة في عملية السلام لم يجعلوا قضية المستوطنات شرطاً مسبقاً. لقد قالوا إنها شرطكم المسبق؛ بل إنها، على ما قال معلق صحافي هذا الأسبوع، هوسكم الخاص. هل هذا معقول؟

ج ـ حسناً، سأقول ببساطة أنني قرأت بعض التهم الآتية من مصدر في إسرائيل بأننا عقدنا صفقة مع العرب لمقاومة الضمانات. هذا ليس صحيحاً. هذا غير مطابق للوقائع. إنه ببساطة غير صحيح. كلا، ففي تقديري وتقدير جيم [جيمس بيكر] وكل من يعمل على هذه المسألة، ومنذ أشهر عدة، أن هذه هي المقاربة التي يجب أن نعتمدها، لأننا لا نريد نقاشاً شائكاً في شأن المستوطنات، أو في شأن أي أمر في هذه المرحلة الحاسمة. إننا نريد إيصال هؤلاء الفرقاء إلى الطاولة.

ولا أظن إنني أطلب الكثير إذا طالبت بتأجيل المناقشة 120 يوماً. أعتقد أن على الكونغرس أن يصغي باهتمام إلى ما أطلبه، وآمل بأن يستجيب لذلك.

س ـ السيد الرئيس، تحدثتم عن عمل قوى سياسية عظيمة النفوذ. ويبدو أنكم تشعرون بالحرارة تأتيكم من اللوبي الإسرائيلي. هل تعتقدون أن ثمة تدخلاً خارجياً غير مقبول في الشؤون الأميركية هنا؟

ج ـ كلا، لا أعتقد ذلك ـ أعتقد أن على كل إنسان أن يناضل من أجل ما يؤمن به. وهذا بالضبط ما بدأت عمله هنا. وها نحن نعرب بكل قوة عن رأينا. لقد امتنعنا من المجاهرة قائلين دعونا لا نسمح لهذا الجدل كله ـ لموضوعات الجدل هذه بالاستمرار. أفضل شيء للسلام هو الدفع ـ دفع العملية إلى الأمام هو بالضبط الحصول على هذا التأجيل. غير أنني ماضٍ في الدفاع عما أؤمن به، وقد يكون لذلك شعبية سياسياً، ومن الجائز ألا تكون له شعبية. لكن هذا ليس المسألة هنا، ليس هذا هو المسألة، هل [موقفي] هذا صالح سياسياً لسنة 1992. المهم هنا هو أن نمنح هذه العملية فرصة. وأنا لا أبالي بأن أُنتَخَب، فأنا ماض في التمسك هنا بما أعتقده، وأنا موقن أن الشعب الأميركي سيكون معي إذا ما حملنا الأمر على مسألة المبدأ هذا. ولم يكن لأحد أفضل ـ لم يكن أحد صديقاً لإسرائيل خيراً من الولايات المتحدة، ولن يكون لإسرائيل صديق خيراً من الولايات المتحدة.

لكننا إنما نطلب هنا التأجيل 120 يوماً، وهذا ما يحركني. وليس لهذا علاقة باللوبي، ولا بالسياسة، ولا بأي شيء آخر. [...]

س ـ السيد الرئيس، ما مدى الضرر الناتج من هذه المجابهة؟

ج ـ لا أظن أن ثمة أي ضرر. لاوسي، سنناقش أمراً آخر، في الغد. لكنني أعتقد أن هذا [الموضوع] مهم جداً، ولذلك أريد التأكد من أن موقفنا قد بات واضحاً. وأنا لا أمزح أبداً في شأن ما يجري في الكونغرس. اسمعوا، هناك تبذل جهود هائلة، وقد لزمنا جانب الصمت في شأن ذلك. ثم ها أنا أستيقظ الآن وأرى أنه خير لنا أن نعلن موقفنا على الملأ، بصوت واضح عال.

س ـ لكن هل سيؤثر هذا التوتر نفسه في عملية السلام؟

ج ـ كلا، ليس لهذا أية علاقة بعملية السلام في نظري. أعني: إنْ كان ما سيحدث ـ تكون النتيجة هي ما أدى إلى توتيره، لا الـ [...]

س ـ هل ثمة فقدان للثقة هناك؟ أعني هل الإسرائيليون يثقون بك كسابق عهدهم؟

ج ـ أظن أن عليك أن تسأل الإسرائيليين عن ذلك. إن ما أفعله ليس إلا الإعراب عن السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأميركية. ونحن عازمون على قول ما نعتقد أنه الأفضل؛ فإنْ وافقوا فهذا خير. عليهم أن يهتموا بأولوياتهم. لكنني أعتقد أن كثيرين من الناس هناك يودون رؤية عملية السلام تمضي قدماً. إن استطلاعات الرأي في إسرائيل تبرز أرقاماً غالبة في تأييدها لعملية السلام. لذلك، إن ما أحاول أن أقوله هو: اسمعوا، بالدرجة التي يهمكم فيها رأي الولايات المتحدة وزعامتها، استمعوا إلى ما نقول وإلى أي مدى نحن مقتنعون به. وفي اعتقادي أن الناس هناك سيستجيبون. وأعتقد أن الشعب الأميركي سيستجيب.

س ـ هل قدمتم التزاماً إلى الإسرائيليين وإلى مؤيديهم في الكونغرس بأنعم سوف ـ بأنكم ستدعمون ضمانات القروض لاحقاً [...]

ج ـ كلا على الإطلاق. فمن شأن ذلك أن يعطل كل شيء. لقد اقترحت أن ينظر في هذه المسألة بعد 120 يوماً من دون أي اعتراض مني، وإن مبدأ المساعدات من أجل الاستيعاب، المبدأ الذي دعمناه هذه السنة بمبلغ 400 مليون دولار، سيظل مبدأ صالحاً. لكن الموافقة على التزام من هذا النوع ستؤدي إلى النتيجة نفسها؛ فإنْ كنت أشعر بأن الموافقة تسيء إلى عملية السلام كما هي مطروحة الآن فإن من شأن التزام كهذا أن يسيء إلى عملية السلام أيضاً.

س ـ إسرائيل تريد مؤتمر السلام هذا بقدر ما تريدونه أنتم، ومع ذلك فهي التي تقدمت بهذا الطلب إليكم. هل وضعوكم في وضع حرج، وهل معنى هذا أنهم أقل صدقاً منكم في اهتمامهم بالمؤتمر؟

ج ـ حسناً، لا تستطيع أن تحكم من التصريحات التي تصدر عن أعضاء الحكومة الإسرائيلية. عليك أن تنظر إلى الصورة بكاملها. وقد صدر بعض التصريحات المقلقة عن وزير ميال إلى السلوك الاستعراضي، وأنا آسف لكوني لم أُسأل عنها وذلك لأنني كنت منشغلاً على التحديد بمحاولة الإجابة عن السؤال. لكننا لن ـ أنا لن أجيب من بعد هذا ـ وأنا إنما أقول ببساطة إننا لا نحكم استناداً إلى تصريح من هنا وتصريح من هناك. وأنا آخذ رئيس الحكومة [الإسرائيلية] بكلامه عندما قال إنهم يرون من مصلحتهم أن يعقد مؤتمر السلام. ولم يكن هذا بالقرار الهين عليه، لكنه اتخذ هذا القرار. ومما يحمد عليه أنه قد أعاد تأكيد اهتمام بلده بعملية السلام منذ أقل من 48 ساعة.

هذه، إذاً، التصريحات التي يجدر بنا أن نأخذها في الاعتبار، والحق أنني قد شعرت بالارتياح إلى هذا الأخير. لكنْ لا ننسين أننا الولايات المتحدة الأميركية، ولدينا سياستنا الخاصة، وعلينا أن نقول ما هي سياستنا، وأنا أريد لعملية السلام هذه أن تحدث.

أريد من الإسرائيليين أن يفعلوا ما لم يزالوا يريدونه، وهو فرصة الجلوس وجهاً لوجه مع أعدائهم التاريخيين. وأريد من العرب أن يحصلوا على فرصة لحل هذه المسألة نهائياً. وأنا أعتقد حقاً أن العالم كله يريد ذلك، وفي تقديري أن نقاشاً مشحوناً بالأحقاد يعدُّ شيئاً ضئيلاً الآن إذا ما قيس بأهمية تحقيق هدف السلام، وأن علينا ـ ويجب أن نؤخر ذلك 120 يوماً فقط، فمن سيتضرر من ذلك؟ فأي  شيء يستطيع أن يعمل ضد ـ ضد هذا الطلب المعقول الذي تقدمت به إدارة انتقلت بهذا الشيء من خط البداية إلى ذروة لم يكن أحد يظن أننا قد نصل إليها، جمع هذه الدول كلها، وكل ما بذل من أجل ذلك من جهود.

وأنا لا أريد أن أخاطر بأن يتخذ كونغرس الولايات المتحدة موقفاً ضد طلب من الرئيس ليخدم مصالح الآخرين.

علينا أن نبقي أنظارنا مشدودة إلى الصورة العامة في الشرق الأوسط. بل إن ذلك ليشتمل، في رأيي، على السلام العالمي. فالإثنان متشابكان إلى حد أنك إذا نظرت إلى تعقيد العلاقات في الشرق الأوسط رأيت كيف تطاول أوروبا وآسيا وحتى الاتحاد السوفياتي. نحن نتكلم، إذاً، عن فرصة كبرى الآن لخطوة كبرى إضافية نحو السلام. لقد رأينا تطور الاتحاد السوفياتي، وشهدنا دحر العدوان هناك في العراق، والديمقراطية تتحرك في نصف الكرة الذي نعيش فيه. وهذا مكان أخير يحتاج إلى تقدم عملية السلام.

 

المصدر: Associated Press, September 12, 1991.