كلمة وزير الخارجية الأميركي جيمس بيكر، مدريد، 1/11/1991
النص الكامل: 

[.......]

ويجسد هذا المؤتمر تجسيداً حياً انتهاء الحرب الباردة والشراكة الأميركية ـ السوفياتية المثمرة في حل النزاعات الإقليمية. فنحن نتعاون حيث كنا نتنافس سابقاً. وهناك تعاون حيث كان استقطاب. وما كان غير معقول في السابق ـ أن ترعى الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي عملية السلام في الشرق الأوسط ـ صار واقعاً هذا الأسبوع.

فعملنا، أي صنع السلام عبر المفاوضات، بدأ لتوه. وبينما ننظر إلى التحديات التي تنتظرنا، فإنه يجب أن نتذكر ونتعلم من إنجازاتنا حتى الآن.

            ـ لقد راوغ الأطراف مدى عقود في الاتفاق على إمكان إجراء مفاوضات. وفي نهاية الأسبوع هذا يجب أن تبدأ مفاوضات ثنائية مباشرة، تهدف إلى سلام شامل وأصيل.

            ـ لقد راوغ الأطراف مدى عقود في الاتفاق على مضمون المفاوضات. وفي نهاية الأسبوع هذا، يجب أن تبدأ مفاوضات على الأساس المقبول، أي قراري مجلس الأمن 242 و338.

            ـ لقد راوغ الأطراف مدى عقود في الاتفاق على طريقة التفاوض. وفي نهاية هذا الأسبوع ستبدأ مفاوضات في مسارين، وعلى مراحل. وفي غضون أسابيع سيجتمع الأطراف الذين يرغبون في المشاركة لتنظيم مفاوضات متعددة الجوانب بشأن موضوعات عدة تؤثر في حياة شعوب المنطقة كلها.

هذا ليس مجرد كلام فارغ. فخلال الأشهر الثمانية من الدبلوماسية وعلى الرغم من أن الأطراف عادوا أحياناً إلى ترداد الشعارات القديمة والرموز العتيقة، فإنهم خلصوا أيضاً إلى تفهم الحاجة إلى الخوض عملياً وبصورة ملموسة في حل مشكلاتهم. ولطالما قلت سابقاً إن الأطراف ربما صعّدوا مواقفهم، وخصوصاً كلما اقتربوا من المفاوضات. وهذا ليس مستغرباً، وخصوصاً في اجتماع عام. ولكن مفتاح المسألة هو تجاوز البلاغة والدخول في مفاوضات مباشرة.

إن مبدأً أساسياً في التفكير الأميركي هو أن المفاوضات هي أفضل وسيلة لحل النزاعات والتوصل إلى السلام. المفاوضات لا تضمن السلام. لكن من دون مفاوضات، ليس هناك أية وسيلة لصنع سلام أصيل، ولا أية آلية لتطوير تفاهم يمكن أن يدوم.

إن الولايات المتحدة مستعدة لأن تكون القوة المحفزة وشاحنة الطاقات والقوة المحركة في عملية التفاوض. إن دورنا في هذه العملية سيستند إلى المبادىء الأساسية التي أعلنها الرئيس بوش في آذار/ مارس الماضي، وهي ستبقى حجر الزاوية الذي يقود مشاركتنا في عملية التفاوض.

إن الولايات المتحدة هي وسيط نزيه، وستكون كذلك. لدينا مواقفنا وآراؤنا في شأن عملية السلام، ولن نتخطى حقوقنا بتعداد هذه المواقف. لكن كوسيط صادق لديه خبرة ـ خبرة ناجحة ـ بمفاوضات الشرق الأوسط، نعلم أيضاً أن مساهمتنا الحساسة ستكون، في غالب الأحيان، تأثيراً وإقناعاً هادئاً من وراء الكواليس.

ولا يخطئن أحد في تفسير دورنا كوسيط نزيه، ويظن أننا سنغير مواقف السياسة الأميركية التي اعتمدناها منذ وقت طويل. ولا يخطئن أحد في تفسير مواقفنا في السياسة بأنها تعني خفض تصميمنا على مساعدة الأطراف في التوصل إلى حلول للمشكلات عادلة ومقبولة لدى الجانبين. وكما قال الرئيس بوش وأنا هذا الأسبوع، ما يهم ليس سياساتنا، بل سياسات الأطراف، فهم الذين يجب أن يتفاوضوا بشأن السلام.

وقدم الأطراف هذا الأسبوع إضاءات على تفكيرهم في شأن تسوية يتم التوصل إليها بالتفاوض، وحددوا ثلاثة متطلبات عامة في البحث عن السلام:

1ـ سمعنا توقاً إلى السلام ـ أمل شعوب المنطقة بالعيش في علاقة متبادلة مقبولة مع الجيران، علاقة تميزها معاهدات سلام وعلاقات اقتصادية وروابط ثقافية وحوار سياسي.

2ـ سمعنا تأكيداً فيما عنى الأرض ـ رغبة شعوب المنطقة في ممارسة سيادتها وسلطتها السياسية على أراض تعتبرها جزءاً من إرثها القومي والسياسي والتاريخي والديني.

3ـ سمعنا الحاجة إلى الأمن ـ  مطلب الشعوب للعيش حرة من الخوف، وواجب الحكومات في بذل ما تستطيع لحماية مواطنيها.

وما قاله الأطراف فعلاً هذا الأسبوع هو إن هذه المسائل الأساسية ـ الأرض والسلام والأمن ـ هي عناصر لا تقبل الفصل في البحث عن تسوية شاملة.

فقد أوضح الأطراف أنه لا يمكن التوصل إلى سلام من دون حل لمشكلتي الأرض والأمن، وأن حلاً لمشكلة الأرض وحدها لا يمكن أن يحل النزاع من دون تحقيق سلام وأمن أيضاً، وأنه يستحيل تحقيق الأمن وحده من دون حل لمشكلة الأرض ومن دون سلام. ولا يمكن لهذه العملية التي بدأناها أن تنجح إلا إذا وضعت المسائل كلها على طاولة واحدة، وحلت المسائل كافة حلاً مقبولاً.

هناك أمر أساسي، وهو أسلوب التفاوض. اليوم يقف الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة في جانب واحد من الطاولة ـ فعلياً ورمزياً ـ في سعيهما لسلام عالمي وحل النزاعات الإقليمية. اليوم وفي المستقبل، سنعمل معاً في السعي لتسوية في الشرق الأوسط.

وستبقى الولايات المتحدة معنية، وعلى أعلى المستويات، بهذه العملية. وإننا نتوقع أن نكون في تصرف الأطراف خلال العملية. إن الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي مستعدان للمشاركة مباشرة في المفاوضات نفسها، في حال موافقة جميع الأطراف.

سنؤدي دورنا. لكن لا يمكننا أن نؤدي عنكم دوركم أيضاً. ستوفر الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي التشجيع والنصيحة والتوصيات والمقترحات والآراء لمساعدة عملية السلام. سترضون أحياناً عن آرائنا، وقد تغضبون أحياناً أخرى. سندعم مواقفكم أحياناً ولن ندعمها أحياناً أخرى. سنعمل بهدوء وراء الكواليس أحياناً، لكن في أحيان أخرى سنعلن آراءنا ومواقفنا. إلا إن كل هذا لن يزيح عن كواهلكم، كأطراف، واجب صنع السلام. وإذا لم تفعلوا فنحن طبعاً لن نفعل. وكما قلت منذ بداية هذا الجهد، لا يمكن أن نريد السلام أكثر منكم، أنتم الأطراف المعنيون مباشرة بغيابه.

ولا يمكن توقع عمل الأطراف في هذه العملية خارج محيطهم السياسي، بل يجب أن يُتوقع منهم أن يثقفوا ويصنعوا ويوجهوا ويقودوا السياسة والرأي. لقد اتخذ الزعماء في المنطقة قرارات صعبة وشجاعة للمجيء إلى هذا المؤتمر والتفاوض، ومطلوب منهم قرارات أصعب وأكثر شجاعة لتسوية هذا النزاع.

دعوني أقول كلمة عن مكان إجراء المفاوضات الثنائية.

فكما تعلمون تضمنت الدعوة التي وجهت إلى الأطراف في 18 تشرين الأول/ أكتوبر شروطاً مرجعية لعملية السلام هذه، وهي شروط اتفق عليها بعد مفاوضات دقيقة. وحددت هذه الدعوة أن مفاوضات مباشرة ثنائية ستبدأ بعد أربعة أيام من افتتاح المؤتمر. لكن لم يكن هناك أي اتفاق على المكان الذي ستجرى فيه هذه المفاوضات الثنائية.

فالأطراف لم يستطيعوا بعدُ الاتفاق على مكان إجراء هذه المفاوضات. إن رأي الراعيين أن تبدأ المفاوضات المباشرة الثنائية في مدريد في أسرع وقت ممكن. وإن نية الراعيين أن يواصلا المشاورات مع الأطراف لتحقيق الشروط التي تضمنتها الدعوة في هذا المجال.

من وجهة نظر الراعيين، وطبعاً من وجهة نظر أغلبية العالم، سيكون من الصعب جداً فهم رفض طرف الآن حضور المفاوضات الثنائية لمجرد خلاف في شأن المكان الذي ستجرى فيه.

وأخيراً، أريد أن أشير إلى أن اجتماعاً سيعقد في غضون أسابيع بين هؤلاء الأطراف الذين يرغبون في المشاركة في المفاوضات المتعددة الجوانب، لتنظيم هذه المفاوضات. وستتركز هذه المحادثات على مسائل تعتبر مصالح حساسة لكثير من الأطراف في المنطقة، وستكون مكملة للمفاوضات الثنائية. وإنني مسرور لأن المفاوضات المتعددة الجوانب لاقت دعماً واسعاً واهتماماً في الشرق الأوسط وخارجه.

ركز الكثيرون هذا الأسبوع على الحاجة إلى خطوات تؤدي إلى بناء الثقة. ولا تزال الولايات المتحدة تعتقد أن إجراءات لبناء الثقة هي أمر مهم للعملية وللأطراف أنفسهم.

وأريد أن أكون صادقاً جداً وأنا أقف هنا أمام زملاء أمضيت معهم ساعات كثيرة جداً منذ آذار/ مارس. إن عدم استعداد الأطراف لاتخاذ خطوات لبناء الثقة كان أمراً مخيباً للآمال. لقد تعاملتم بنجاح مع الصيغ والمواقف. لقد وافقتم على شروط مرجعية ملائمة وعادلة. لقد بدأتم عملية من المفاوضات يمكنها أن تنجح. لكنكم فشلتم في التعامل مع البعد الإنساني للنزاع تعاملاً لائقاً.

ففي جولاتي في المنطقة، رأيت مشاهد مروعة من المأساة الإنسانية والمعاناة واليأس، مدنيين أبرياء تحاصرهم نيران صراع يتمنون أن ينتهي، ولاجئين ونازحين يرتحلون عبر الامتداد الواسع للزمن، وأمهات وآباء خائفين على المستقبل الذي ينتظر أولادهم، وأولاداً يتعلمون العداء والنزاع بدل الصداقة والتأقلم.

إن الصيغ والشروط المرجعية والمفاوضات لا تكفي. ودعم عملية التفاوض لن يدوم إلا إذا عالج جميع الأطراف البعد الإنساني. يجب إيجاد الطريقة لإرسال إشارات السلام والتصالح التي تؤثر في شعوب المنطقة. لا تنتظروا الطرف الآخر لتبدأوا. ينبغي لكل واحد منكم أن يتحرك فوراً. وأنتم أفضل العارفين بما تحتاجون إليه.

وعبر المفاوضات وهذه الخطوات وغيرها، يمكنكم أن تبرهنوا على احترام حقوق الآخرين. يمكنكم أن تعبروا عن التفهم لمخاوف الآخرين. يمكنكم أن تؤثروا في الناس ـ النساء والرجال والأطفال ـ ضحايا النزاع العربي ـ الإسرائيلي. لا يمكننا أن ننجح هنا خلال جلوسنا حول الطاولة، إلا إذا وجدنا وسائل الوصول بعضنا إلى بعض بعيداً عنها.

لقد كانت التحديات جسيمة والعقبات كثيرة على طريق السلام. وأوجدت قراراتكم في الأشهر الثمانية من الدبلوماسية المكثفة قاعدة جديدة من الواقعية والتزام السلام. وكان هذا المؤتمر حيوياً في تدمير حواجز الاتصال وفي الإظهار للجميع أن الزعماء العرب والإسرائيليين يمكنهم أن يلتقوا وجهاً لوجه.

[.......]

 

المصدر: من وثائق المؤتمر.