حديث صحافي لرئيس الحكومة الإسرائيلي يتسحاق شمير، في شأن مفهومه للتسوية السياسية، 16/4/1991
النص الكامل: 

س ـ .... لقد انتهت للتو الجولة الثانية من محادثاتك مع وزير الخارجية بيكر. هل حدث تقدم؟ وما هي الإنجازات الأساسية لهذه الجولة؟

ج ـ لا أريد الحديث عن إنجازات كبيرة. أولاً وقبل كل شيء، هناك تقدم، وليس ثمة شك في ذلك. وهذه ليست الجولة الأخيرة. سيكون هناك المزيد من الجولات [....]

س ـ أشار بيكر إلى أنه تم عرض حكم ذاتي (self-government) على الفلسطينيين: أكثر من الإدارة الذاتية (autonomy) بقليل، وأقل من السيادة بقليل.

ج ـ هكذا يقولون. ينبغي تفصيل ذلك. في اتفاق كامب ديفيد، دعونا ذلك إدارة ذاتية كاملة (full autonomy). العرب لا يحبون كلمة الأتونوميا. إنها تبدو لهم شيئاً قليلاً جداً، شيئاً غير جدي. لكن هذا غير صحيح.

س ـ هل ستقبل بحكم ذاتي؟

ج ـ نحن نتحدث عن تعريفات. وهكذا، ثمة تعريفات مختلفة، لأنهم لا يحبون كلمة أوتونوميا.

س ـ هل هي مشكلة لفظية فقط؟

ج ـ أجل، إنها تتعلق بعلم دلالات الألفاظ فقط في الحقيقة، إن مضمون الإدارة الذاتية الكاملة هو أن السكان سيديرون شؤونهم كلها بأنفسهم، فيما عدا بعض الأمور التي ستظل في يد السلطة المركزية، أي الحكومة الإسرائيلية. وتلك هي أمور الأمن وأمور السياسة الخارجية، وربما بعض الأمور التي يُتفق في شأنها.

س ـ هل سيكون في إمكانهم الحصول على حياة سياسية ديمقراطية، وأحزاب، وصحافة؟

ج ـ يبدو أنه نعم، لكن ينبغي أن نتفق على هذا كله فيما بيننا، وبيننا وبينهم. ذلك بأنه عندما تتحدث عن حياة سياسية وما إلى ذلك، فهذا كله يتصل مباشرة بشؤون الأمن. وبقدر ما لا يؤثر ذلك في الأمن، فإنه لا يعني أحداً.

س ـ وفيما عنى الأمن الداخلي: الشرطة، مثلاً، هل ستكون لهم شرطة خاصة بهم؟

ج ـ وفقاً لاتفاق كامب ديفيد، ستكون لهم شرطة خاصة بهم، وجهاز الأمن هو لنا. وهذا يعني أن المسؤولية عن الأمن هي في يد إسرائيل.

س ـ في أثناء محادثات الإدارة الذاتية، كان يُزعم أن ما نحن على استعداد لإعطائه لهم، حقيقة، هو صلاحيات في شؤون المجاري والمدارس.

ج ـ هذا ليس صحيحاً.

س ـ هل نحن اليوم مستعدون للحديث عن أكثر من ذلك؟

ج ـ لم نتكلم في حينه عن المجاري والمدارس. حتى هذا اليوم، هنالك خطة كاملة ـ ليست معي هنا الآن، للأسف ـ تتضمن وزارات. وسميناها departments، أو أقساماً. وتشتمل الخطة على الوزارات كلها تقريباً الموازية للوزارات الحكومية: ثقافة؛ تعليم؛ مال؛ تجارة؛ قضاء؛ صحة. الوظائف كافة، باستثناء الأمن والخارجية. أي أنهم سيديرون شؤونهم تماماً. نحن نصر على التمسك بأساس اتفاق كامب ديفيد، ونحن نريد تطبيقه كاملاً، بما يترتب عليه أيضاً من إجراء مفاوضات متفق عليها.

س ـ هل الحكومة مستعدة لإجراء مفاوضات مع وفد فلسطيني منفصل؟

ج ـ لم يتم الاتفاق على ذلك بعد. ما هو الوفد الفلسطيني المنفصل؟ نحن نريد أن يكون ثمة تمثيل للسكان. إن الصعوبة هي مع م.ت.ف.، ولذلك تجري مناقشات في شأن هذه الصعوبة. الأميركيون أيضاً لا يريدون م.ت.ف. على أن السؤال هو: إلى أي مدى ستتسلل م.ت.ف. إلى داخل هذه المسألة بصورة أو بأخرى. نحن نؤمن بأن تدخل م.ت.ف. في هذا الشأن سيدمر المسار، لأنها غير معنية به، غير معنية بنجاحه. لذلك نقول للأميركيين: لا تدعوا م.ت.ف. تقوم بأي دور في المسار، لأن ذلك سيكون شحنة متفجرة، وسيدمر القضية بأكملها. م.ت.ف. تريد دولة فلسطينية، فوراً. وتريد القدس الشرقية عاصمة، فوراً. لقد قالوا صراحة أنهم يعارضون مبادرة السلام [الإسرائيلية] لسنة 1989. نحن مستعدون لإجراء مفاوضات، نحن نجري مفاوضات ـ وهذا أيضاً هو موقف الأميركيين ـ لكن فقط في إطار كامب ديفيد وخطة الحكومة، مبادرة السلام العائدة إلى أيار/ مايو 1989.

س ـ هل ثمة شخصيات فلسطينية وافقت الحكومة على إمكان اشتراكها في وفد، مثل [رضوان] أبو عياش، وتم توقيفها في هذه الأثناء؟

ج ـ لا صلة بين هذه الأمور. فالاعتقالات شأن أمني. ولم يعتقل أحد في إسرائيل أو يوقف بسبب آرائه السياسية. وإذا أوقف، فذلك فقط لأنه يكون ارتكب مخالفة أمنية. نحن لا نعتقل أحداً أو نعاقبه بسبب آرائه.

[.......]

س ـ أُرفق، بالموافقة على المؤتمر، أو اللقاء الإقليمي برعاية القوتين العظميين، شرط بأن يجدد الاتحاد السوفياتي علاقاته الدبلوماسية بإسرائيل. هل يمكن إقامة العلاقات بسرعة، أم أن ذلك قد يعرقل مسار السلام؟

ج ـ لا، لا. الأميركيون أيضاً لا يرون في ذلك عقبة. وآمل أن يساعدونا في ذلك، لأن الاتحاد السوفياتي مهتم به. ونعرف أن لديهم اهتماماً خاصاً بأن يدخلوا في هذا المسار. نحن لا نرى في ذلك عقبة، هكذا نأمل.

س ـ هل العلاقات الدبلوماسية شرط مطلق؟

ج ـ إنها قطعاً ليست شرطاً مطلقاً. أي، إذا كان الأمر كله سيجري تحت رعاية القوتين العظميين، فإنها تكون شرطاً مسبقاً. والحقيقة هي أن لا أحد عارض ذلك. أي أننا لم نسمع معارضة من جانب الاتحاد السوفياتي. ولو كانت [المعارضة] موجودة، لكنا سمعناها.

س ـ لدى الأسرة الأوروبية بعض التحفظات.

ج ـ إن الأسرة الأوروبية تتذمر من أنها لا تشارك في الأمر. لكن لذلك أسباباً.

س ـ ماذا يمكنك أن تعرض على الدول العربية، كالسعودية مثلاً، من أجل زيادة اهتمامها بالمشاركة في مسار السلام؟

ج ـ إنها مهتمة بشرق أوسط مستقر وهادىء وآمن. هذا ما نعرضه عليها.

س ـ تتحدث التقارير عن أنكم توصلتم إلى تفاهم مع بيكر في شأن القرار 242، بأن يأتي كل واحد مع تفسيره الخاص به.

ج ـ يمكن أن أضع المسألة كما يلي: صحيح، هناك حقيقة تفسيرات مختلفة للقرارين 242 و338، وكل منها يستند إلى شيء ما. لنا موقف: إسرائيل تقبل القرار 242، كما اتفق عليه في اتفاق كامب ديفيد. ذلك بأنه تم توقيع اتفاق كامب ديفيد بعد أعوام عديدة من 242، وهو قائم على أساس 242. واتفاق كامب ديفيد ليس نوعاً من اختراع إسرائيلي؛ إنه وثيقة دولية وافقت عليها مصر والولايات المتحدة وإسرائيل.

س ـ ومع ذلك، يمكن الافتراض أنه في أثناء المفاوضات ـ بين سوريا وإسرائيل مثلاً ـ سيعرضون موقفهم من القرار 242، ونحن سنعرض موقفنا منه. هل ترى إمكاناً للتوصل إلى حل وسط بين موقفين متعارضين إلى هذه الدرجة؟

ج ـ نحن لا نتحدث الآن عن مضمون المفاوضات، عن مرحل الحل الدائم. لنصلْ إلى ذلك، أولاً. وإذا وصلنا، عندها نرى ما سيكون. ستبذل الأطراف جهداً من أجل التوصل إلى حل متفق عليه. وليس ثمة سبيل آخر.

س ـ قلت سابقاً، فيما عنى الوفد الفلسطيني، أنك لا تريد تدخّل م.ت.ف. فيه.

ج ـ بالتأكيد.

س ـ هل يعني ذلك أن الوفد يجب أن يكون مرتبطاً بالأردن، أو يمكن أن يكون مستقلاً؟

ج ـ نحن نفضل وفداً أردنياً ـ فلسطينياً.

س ـ هل هذا شرط؟

ج ـ نحن نريد ذلك لسببين، لم نتحدث بعد مع الأردن في شأن ذلك، ينبغي أن نسمع رأيه: [السبب] الأول، ينبغي أن يشترك الأردن في مثل هذه المناقشات، فهو دولة لنا معها حدود مشتركة طويلة. والثاني أن جزءاً كبيراً من الفلسطينيين يعيش في الأردن.

س ـ هل أنت أيضاً تعتبر الأردن دولة فلسطينية، كما يعتبرها شارون؟

ج ـ لن أدخل في هذا الموضوع الآن، إذ إنه ليس موضع مفاوضات الآن. لكن ذلك حقيقة. في كل المحاولات التي قامت بها الحكومة الإسرائيلية في الماضي لإجراء مفاوضات في شأن تسوية الصراع، كان ثمة دائماً محاولة لإشراك الأردن، والفلسطينيين الذين يسكنونه، مع الفلسطينيين الذين يسكنون هذا الجانب من النهر. ولذلك، نفضل أن نعتبر الموضوع واحداً.

[.......]

س ـ طلب إليك الوزير بيكر إبطاء أو تجميد الاستيطان في المناطق في هذه الفترة. ونسمع الوزير شارون يعلن خططاً متنوعة لزيادة الاستيطان. هل من شأن ذلك وضع صعوبات أمام مسار السلام؟

ج ـ لا أعتقد ذلك. أولاً وقبل كل شيء، أنا أقول للأميركيين طوال الوقت، وليس الآن فقط: لا علاقة لموضوع الاستيطان بالمسار السياسي. لا علاقة بينهما أبداً. إذا استوطن يهودا والسامرة 20 ألف مستوطن جديد أو 25 ألفاً، فهذا لا يغير شيئاً فيما عنى اتفاق السلام بيننا وبين العرب. ولذلك، لا طائل في مناقشة الموضوع، لأن الموضوع بكامله مبالغ فيه. أولاً وقبل كل شيء لا يتعلق الأمر بإحضار مهاجرين إلى هناك. وفقاً لحسابنا، حتى اليوم ـ إذا استثنينا القدس ـ وصل إلى هذه المناطق أقل من واحد في المائة من المهاجرين. وهكذا ليس ثمة أبداً ما يمكن التحدث عنه، وإذا كان الأمر يتعلق بالبناء أيضاً، فإن نسبته [في المناطق] ضئيلة جداً، إذا أخذنا في الاعتبار زخم البناء في إسرائيل حالياً.

س ـ أليست التصريحات في هذا الشأن زائدة عن اللزوم؟

ج ـ أعتقد ألاّ داعي للتصريحات. وأنا لا أحبذ التصريحات. لكنني أقول إن المشكلة برمتها ليست مهمة وينبغي ألا تشكل عقبة أمام مفاوضات السلام. لا علاقة بين الأمرين. أذكر أننا تحدثنا عن ذلك في فترة اتفاق كامب ديفيد، حين حاول الرئيس كارتر الإصرار على ذلك، فقال له السيد بيغن: ليس ثمة ما نتحدث عنه. إنه حقنا، حق اليهود في السكن في أي مكان. ليس في أرض إسرائيل فقط، بل في العالم كله أيضاً. لن نقدّم أي تنازل. لن نعلن أية منطقة، وخصوصاً في أرض إسرائيل، بوصفها يودِنْرايْن [نقية من اليهود]. لا يمكن طلب ذلك منا أو اقتراحه علينا.

[.......]

س ـ ما هي إجراءات بناء الثقة التي يمكن أن تعرضها على العرب؟

ج ـ يجب أن يكون ذلك على أساس متبادل. إن ما نطمح إليه هو تطبيع العلاقات بين الدول العربية وإسرائيل. تطبيع كامل، في المجالات كافة، على غرار العلاقات التي تربطنا اليوم بدول كثيرة جداً في العالم....

س ـ فيما عنى الفلسطينيين، هل أنت على استعداد للسماح لهم بإجراء انتخابات بلدية الآن؟

ج ـ بالتأكيد، عندما نقول إنهم سيديرون شؤونهم بأنفسه، فإن ذلك يتضمن أيضاً انتخابات محلية.

س ـ هل المقصود بذلك، قبل التسوية؟

ج ـ ينبغي التفاوض في شأن ذلك معهم: كيف ومتى وماذا. لقد نص اتفاق كامب ديفيد، مثلاً، على أن الانتخابات في منطقة الإدارة الذاتية لانتخاب هيئة تديرها يجب أن تكون أول شيء ينجز بعد توقيع الاتفاق. ولا أزال أؤيد ذلك حتى اليوم.

 

المصدر: "عال همشمار"، ملحق عيد الاستقلال، 17/4/1991، ص 4 ـ 6.