1- ان الدور الرئيسي في تحديد أشكال نظام ما بعد الأزمة في منطقة الخليج العربي يعود ولا شك إلى الدول الواقعة في المنطقة التي عليها ان تحدد اين يكمن ميزان حقوقها ومصالحها الذي يتيح لفترة مقبلة طويلة ضمان تعاون سياسي وغير سياسي واسع في ما بينها. ولا يجوز ان يدور الحديث عن إنشاء كتل معزولة ومغلقة أمام بلدان اخرى الأمر الذي يمكن ان يعتبر عاملا لنشوء نزاعات جديدة وإذكاء القديمة منها. على العكس من ذلك، يجب المساعدة على إقامة التعاون بين كل البلدان المعنية في المنطقة، وكذلك الدول غير الواقعة في المنطقة التي تسدي قسطا مهما في حفظ السلام والاستقرار فيها.
من المهم ان ينطوي أساس الاتفاق بين الأطراف المعنيين على المبادئ الأساسية للقانون الدولي، وخصوصا مبادئ عدم التدخل في شؤون الغير الداخلية، وعدم استخدام القوة او التهديد بها، وحل الخلافات بالوسائل السلمية، والاعتراف بحق كل دول المنطقة في سيادتها ووحدة أراضيها ضمن الحدود القائمة المعترف بها دوليا.
قد يكون الشكل الأمثل اتفاقا جماعيا متعدد الطرف او ثنائيا يتطابق وأحكام المادة الثامنة من ميثاق الأمم المتحدة، وتعززه الضمانات الدولية اللازمة من أعضاء مجلس الأمن الخمسة الدائمي العضوية.
2- تستوجب دروس الأزمة الكويتية اتخاذ خطوات ثابتة في شأن الحد من سباق التسلح في المنطقة. وعلى رغم كل المصاعب التي ترافق هذه العملية، هناك اليوم ما يسوغ طرح مهمة إبقاء ميزان القوى في ادنى مستوياته إلى ان يبلغ مستوى الكفاية الدفاعية.
ان مسألة إقامة حاجز فعال أمام انتشار الأسلحة النووية والكيميائية وغيرها من أنواع أسلحة الابادة الجماعية في المنطقة تطرح بحدة كبيرة. والاقتراحات في شأن إقامة منطقة خالية من هذه الأسلحة في الشرق الأوسط، تستوجب اهتماما جديا. ومهم ان تنضم كل بلدان الشرق الأوسط إلى معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية وكذلك إلى اتفاق تحريم السلاح الكيميائي.
من الضروري النظر في مسألة التقليص المتوازن لشحنات الأسلحة إلى المنطقة والبحث فيها جديا. ولا بد هنا من موقف مسؤول سواء من مصدري الأسلحة الأساسيين او من مستورديها. ويدور الحديث في هذا الصدد في الدرجة الأولى على إبداء التحفظ في ما يتعلق بشحنات أصناف الأسلحة الهجومية وامتلاكها، وخصوصا الصواريخ والتقنية الصاروخية. ومن أجل إيجاد حلول مثلى لهذه القضية لا بد من عقد اتفاق جماعي مناسب، بما في ذلك في شأن آلية الرقابة.
يكون من المفيد استخدام تجربة المناطق الأخرى لجهة اتخاذ التدابير التي تبعث الثقة، مثل إعلان المناورات العسكرية، ودعوة المراقبين إلى حضورها، وإقامة مناطق غير عسكرية ومناطق يكون مستوى نشر الأسلحة فيها متدنيا.
3- الوجود العسكري الأجنبي ينبغي ألا تجاوز المستوى الذي كان عليه في المنطقة في الأول من آب [أغسطس] 1990. وإذا بدا الدعم العسكري من الخارج ضروريا في مرحلة ما، فيمكن عندئذ لقوات الأمم المتحدة او مراقبي الأمم المتحدة او جميعهم، القيام بهذا الدور بمشاركة وحدات مناسبة من البلدان العربية والاسلامية وغيرها.
4- تمثل مهمة إقامة تعاون اقتصادي شامل بين بلدان المنطقة من أجل إعادة بناء المنشآت الاقتصادية المهدمة في الدرجة الأولى.
من الضروري إقامة تعاون دولي في قضية إزالة الأضرار التي ألحقتها العمليات العسكرية بالبيئة.
من المهم النظر بطريقة جديدة إلى مهمة إكساب المنطقة استقرارا اجتماعيا ـ اقتصاديا أكبر على حساب تقويم التنمية الاقتصادية وتنسيقها تدريجيا في بلدان المنطقة، من دون التشكيك في ثبات مبدأ سيادة الدول على ثرواتها الطبيعية.
5- يتكون توافق واسع، بما في ذلك بين بلدان المنطقة، على ان تكون للأمم المتحدة وظائف مهمة في الدعم الخارجي لتسوية ما بعد الأزمة في منطقة الخليج العربي. وهذا أيضا ينبع منطقيا من الدور الذي قام به مجلس الأمن في قضية تنظيم المواجهة الجماعية للعدوان العراقي، وكذلك من قرار مجلس الأمن الرقم 598.
يمكن هيئة الامم المتحدة في الدرجة الاولى ان تقوم بدور الضامن الاكيد لتطبيق الاتفاقات.
يبقى حيويا اقتراحنا إنشاء قوات عسكرية بحرية تحت علم الأمم المتحدة في حال نشوء خطر، في هذا الشكل او ذاك، على الملاحة في منطقة الخليج العربي. ان المستوى الجديد للثقة لين أعضاء مجلس الأمن الدائمين، يبرر العودة إلى درس مسألة تفعيل اللجنة العسكرية التابعة للأمم المتحدة في حالات الأزمات دراسة مفصلة.
6- ان مهمة تخفيف حدة التوتر العسكري في الخليج العربي خصوصا والشرق الأوسط عموما، تتطلب جهودا هادفة إلى إزالة الأسباب السياسية لعدم الاستقرار والنزاعات هنا.
ان السعي الاجماعي لدى المجتمع الدولي لمصلحة تطبيع الوضع تطبيعا سريعا وجذريا في هذه المنطقة التي تتشابك فيها مصالح طائفة واسعة من الدول، يوفر ظروفا أكثر ملاءمة للعمل من دون إبطاء في قضية تسوية النزاع العربي ـ الاسرائيلي. ومن شأن نجاح المساعي في هذا الاتجاه السماح بتحويل نظام الأمن في الخليج إلى نظام امني إقليمي اوسع. وهذا سيفيد من دون شك امن شعوب الشرقين الأدنى والأوسط.
المصدر:
"النهار" (بيروت)، 18/3/1991