ما هي العبر الكبرى التي تستخلصونها من ازمة وحرب الخليج؟
- لقد مرت بنا أخطر ازمة منذ الحرب العالمية الثانية. وكشفت هذه الأزمة ما تنطوي النزاعات غير المسوّات عليه من مخاطر على الأمن الاقليمي والأمن العالمي في إطار من التسلح المفرط، وذلك إذ ادى انتهاء المواجهة بين الشرق والغرب إلى تغيير عميق في التوازنات الدولية. فتنظيم عالم جديد مرتبط بعوامل يمكننا تقريبا السيطرة عليها اليوم: لعبة الدول الكبرى ـ وفي طليعتها الولايات المتحدة ـ ولعبة القوى الاقليمية، والعلاقات العربية ـ العربية، وتأثير الأزمات المفتوحة وعلى رأسها المشكلة الفلسطينية.
ومن العبر البديهية الأخرى للأزمة: الأهمية التي اكتسبها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. فبفضل ازمة الخليج، عملت الأمم المتحدة، كما أمل مؤسسوها سنة 1945، أداة تحكم في الأزمات، والوسيلة لتحديد القانون الدولي. كانت تلك غايتها الأولى.
[. . . . . . .]
- ألم يثر وضع مجلس الأمن بين هلالين، في أثناء الحرب، قلقكم؟
- لقد جرت الأحداث بصورة لم يكن للمجلس معها من خيار سوى الانزواء لفترة. كان ينطق بالقانون حتى 15 كانون الثاني/يناير، ثم نابت الدول المكلفة عنه. المسألة الحقيقية كانت: هل ستعود الكرة إلى معسكر مجلس الأمن مع انتهاء العمليات الحربية، ام ان الدول التي قامت بهذه العمليات ستعمد إلى بت كل شيء بنفسها.
لقد خالجنا بعض الريبة عندما طرح الأميركيون مشروع قرار لم يكن يحوي اية إشارة إلى دور للأمم المتحدة. وإنما عادت الأمم المتحدة إلى اللعبة بموجب القرار رقم 686، الصادر في 2 آذار/مارس، بناء على إلحاح الدول الأربع الدائمة العضوية في مجلس الأمن، ولاسيما فرنسا.
- هل سيكون المجلس أداة في خدمة الولايات المتحدة، ام في خدمة الجميع؟
- ربما تعرضت الولايات المتحدة لغواية الهيمنة، لكن الإدارة الأميركية تدرك ان هذا سيكون خطأ. الرئيس بوش منفتح على النقاش مع كبار شركائه. انه يقبل ان تكون الأمم المتحدة واسطة العقد في النظام.
ان فكرة رئيس الجمهورية [ميتران] لجمع مجلس الأمن على أعلى المستويات تهدف إلى إعادة الاعتبار إلى المؤسسة، وتكريس دورها، وتجديد البيعة لها بعد سنة 1945، وتدعيم اسس عملها. انها فرصة لعمادة جديدة للأمم المتحدة.
- هل هناك بداية رد على مقترحات السيد ميتران؟
- لدينا الآن ردود إيجابية. لقد أطْلَعَنا السوفيات والصينيون على موافقتهم. والولايات المتحدة ستوافق في الأيام القليلة المقبلة، وبريطانيا منفتحة على هذه الفكرة. انه، إذاً، اقتراح يشق طريقه. ان هذه القمة ستجمع الأعضاء الخمسة عشر في المجلس، الدائمين منهم وغير الدائمين. ان نقاشا بهذه السعة سيعطي منظمة الأمم المتحدة الزخم الجديد الذي تحتاج اليه. ويمكن لهذه القمة ان تعقد بسرعة، أي في هذه السنة، إذا وافق الجميع. أما بعد ذلك، فستفقد أهميتها. إنما يجب ان يُحضر لها بروية، وأن يحدد جدول الأعمال، وأن توضع النصوص. ولا بد من يستغرق هذا بعض الوقت.
[. . . . . . .]
- هل تعتبرون ذكر الرئيس بوش صراحة قرارين من قرارات الأمم المتحدة في شأن الشرق الأدنى أمرا مشجعا؟
- نعم، هذا مشجع. إذ هذه أول مرة يشير الرئيس الأميركي فيها صراحة إلى عمل الأمم المتحدة في موضوع المشكلة الفلسطينية. لقد اتخذ مجلس الأمن ما مجموعه 197 قرارا متعلقا بالمشكلة الاسرائيلية ـ العربية، و34 قرارا في شأن الفلسطينيين. وقد ظلت هذه القرارات كلها حبرا على ورق. ان من الأهمية بمكان ان تتذكر الحكومة الأميركية وجود هذه القرارات عندما ذكرت القرارين 242 و338 اللذين يشكلان أساس التسوية. أعتقد ان الرئيس بوش يعي الفرصة التاريخية المتاحة لنا. وسنفعل ما في وسعنا لمساعدته.
- إلى أي مدى يبدو لك ان الأميركيين مستعدون لممارسة ضغوط على إسرائيل؟
- في زيارتي الأخيرة لواشنطن تكوّن لدي انطباع. ان المسؤولين الأميركيين، الرئيس ووزير خارجيته، يعون تماما الصعوبات التي تواجهنا، لكنهم مصممون على الاستفادة من هذه الفترة الفريدة لجعل مختلف الفرقاء يتقاربون.
- هل سيستأنفون حوارهم مع منظمة التحرير؟
- اعتقد ان الحوار لن يستأنف في الوقت الحاضر على الأقل، وذلك لأسباب تكتية؛ فالولايات المتحدة ترغب في ان تبادر إسرائيل إلى التحرك. وهم ينوون، للوصول إلى ذلك، وضع كل الفرص إلى جانبهم، وتفادي ما يمكن ان يشوش نظرتهم إلى المشكلة. لاحظوا الطريقة التي يبعدون بها الأوروبيين، او كيف يؤجلون المؤتمر الدولي على الرغم من انهم يقرّون بمبدئه.
لا مانع أمام إتمام هذه التجربة في أفضل الأوضاع، لأن الولايات المتحدة تملك، من دون شك، قدرة كبيرة على إقناع الاسرائيليين. وفرنسا، التي هي صديقة إسرائيل، تأمل بأن تبدأ مناقشات جدية تؤدي إلى السلام.
- ما دامت هذه التجربة مستمرة، هل ستبقى فرنسا متروية نسبيا؟
- بالنسبة إلى فرنسا، يبقى المؤتمر الدولي الصيغة الجيدة. لقد طرحناه سنة 1984 لأنه قد تبين ان ما عداه من الحلول مستحيل. وفكرة المؤتمر الدولي تكتسب أنصارا كل يوم. يمكن ان يُعقد مؤتمر واحد او أكثر. اننا نميل إلى صيغة مرنة. ماذا يمكننا ان نتوقع من اجتماع دولي؟ اني اتوقع ثلاثة أشياء: أولا، ان يسمح باطلاق مسيرة السلام. وإذا كان لهذه المسيرة ان تنطلق بطريقة اخرى، مثلا باجراء انتخابات حرة حقا في الأراضي المحتلة، فلِمَ لا؟ ثانيا: أنتظر منه إمكان جلوس جميع فرقاء الصراع حول الطاولة ذاتها بموجب المبدأ الذي يقول ان المرء لا يختار أعداءه. لكن إذا وجد طريق آخر، أي مفاوضات منفردة كما يبدو ان السيد بيكر يعتقد، فلِمَ لا؟ وأخيرا، ينبغي للمؤتمر ان يأتي بالضمانة الدولية لكل تسوية سلمية عندما يحين الوقت. على المؤتمر الدولي ان ينعقد عاجلا او آجلا. لكن يجب ألاّ تهمل اية مبادرة إذا كانت تتجه نحو السلام. باختصار، ان فرنسا لا تزال عند رأيها لكنها لا تصر عليه.
- لِمَ لا يقوم مجلس الأمن بهذا الدور؟
- من ضرورات المؤتمر الدولي ان يُحضَّر له تحضيرا جيدا. من هذا المنطلق قلنا انه يمكن ان يعقد في ظل رعاية مجلس الأمن، وأن يتولى إعدادَه الأعضاء الخمسة الدائمون. وشركاؤنا الأوروبيون يقرون بذلك من دون ان يصرحوا به دائما. فاذا ما وافقت الادارة الأميركية على رأينا، فسنبدأ حوارا خماسيا نحن مستعدون له.
- ما هو موقف فرنسا الدقيق اليوم من السيد عرفات؟ هل انتم مستعدون لاستقباله في باريس؟
- نعم، ولن يكون ذلك بدعة. حاليا ليس من منظمة تمثل الفلسطينيين غير منظمة التحرير. فاذا وجد غيرها يوما ما فأهلا وسهلا. ولا يوجد على رأس هذه المنظمة شخصية غير عرفات. اني اقر بأن الأوضاع قد أضعفت رصيده في البلاد التي لا تعترف به تحديدا، لكن يمكن ان اضيف ان رصيده في مناطق اخرى من العالم قد ازداد، ولا اعتقد ان رصيده قد انخفض في الأراضي المحتلة.
ان التنكر لكون منظمة التحرير واقعا مقاربة مغلوط فيها، انه مقاربة ذاتية. انني أفضل مقاربة موضوعية، هذه التي شرحتها لكم. لنطرح المسألة بالعكس. من يستفيد من غياب السيد عرفات؟ حتما لن يستفيد شخص أكثر اعتدالا منه. فانْ حل مكانه بعض المتطرفين، أي فئة أكثر تصلبا منه في منظمة التحرير، فلن تزداد الأمور إلا تعقيدا.
- يُحكى كثيرا عن محاولات المصريين والسعوديين لإِيجاد خليفة له يكون، في تصورهم، أكثر اعتدالا او ـ في كل الأحوال ـ أقل ضلالا؟
- انها ليست أول مرة تحاول فيها دول عربية إيجاد خليفة للسيد عرفات، ولن تكون أيضا أول مرة يخفقون فيها. ان السيد عرفات رئيس منظمة التحرير، ومنظمة التحرير تمثل الفلسطينيين ما دامت انتخابات حرة لم تجر في الأراضي المحتلة. كيف لنا ان نتصور انتخابات حرة في ظل الاحتلال الاسرائيلي؟ لقد اتيحت للاسرائيليين فرصة لتنظيم انتخابات وقبول مرشحين ينتمون إلى منظمة التحرير. لكن خطة شمير في أيار/مايو 1989 فشلت بسبب المطالب الاسرائيلية، فتلاشى هذا الأمل. وماذا بعد؟
- هل لدى فرنسا فكرة عما سيكون وضع القدس؟
- يجب البحث في وضع القدس في نهاية المفاوضات. لا بد من ان نجد صيغة: وضعا خاصا للقدس؟ للأماكن المقدسة؟
- هل لديكم إشارات بشأن ما يجول في فكر السوريين؟
- لم يتسن لي مؤخراً اتصال مباشر بالسوريين. لكن بلغني انهم ربما باتوا اكثر انفتاحاً على حوار مباشر مع اسرائيل. ان الاميركيين يعتقدون ذلك. اني اعتبر ان لسوريا مكانا في نقاش عام، وسيكون من الصعب عليها ان تفكر في لقاء ثنائي مع اسرائيل، ولا سيما إذا لم يكن ثمة من تقدم متوقع بالنسبة الى الفلسطينيين.
- والسعوديون؟
- لم يتغير السعوديون بالنسبة إلى إسرائيل. ومساهمتهم في الصراع مساهمة مالية في المقام الأول. ان موقفهم متصلب من حيث المبدأ، لكنهم لا يكافحون من أجل القضية. ويعتبرهم الاسرائيليون أقل عدوانية من دول اخرى. اعتقد انهم منفتحون هم أيضا من أجل تسوية شاملة.
- ما مصير الملك حسين في المشهد الجديد؟
- لقد "قفز" قفزة جيدة جدا في الوضع الراهن. لقد انقذ عرشه. جدد شعبيته في بلده وفي الأراضي المحتلة بتبنّيه آراء شعبه. سيجد مرة اخرى دورا على الساحة الدولية. يمكنه المساعدة في حل المشكلة الفلسطينية، في حال ادت المحدثات التي شُرع فيها إلى شيء ما. لكننا لا نزال بعيدين، للأسف! ان فرنسا تعتبر الأردن عاملا أساسيا في التسوية السلمية التي تتمناها من كل قلبها.
- هل الولايات المتحدة مستعدة للصفح عن فعاله؟
- هذا ليس واضحا اليوم، وقد يصير أسهل غدا. لقد قال بعض بطانة السيد بيكر انه لن يزور الأردن لأن الولايات المتحدة لم تغفر للملك حسين موقفه في أثناء الأزمة. لكن الرئيس ميتران اصر مؤخرا على الاتصال بالملك هاتفيا. اننا نؤمن بأهمية الأردن.
- هل الولايات المتحدة مستعدة للقبول بدولة فلسطينية؟
- أعيدوا قراءة خطاب الرئيس بوش أمام الكونغرس. ان القادة الأميركيين يقرون بكيان فلسطيني يؤدي إلى قيام دولة. لكنهم لن يقبلوا بدولة فلسطينية في مطلق الأحوال. ان أساس السياسة الأميركية في المنطقة يبقى التزام امن إسرائيل. وقد تبين لنا أول مرة ان سماء إسرائيل ليست بمنأى عن الانتهاك، وأن امن إسرائيل ليس مرتبطا بمشكلة الحدود، وأن التهديد لم يأت من الانتفاضة بل من مكان ابعد كثيرا من ذلك، من العراق مثلا.
لنستنتج من هذه الملاحظة ان ليس من بديل من رؤية شاملة للأمن في المنطقة، امن يستند إلى احترام الحدود، ومراقبة مستوى التسلح ومبيعات الأسلحة، ونظام ضابط لتفادي الصراعات؛ رؤية تسمح بحل دائم للمشكلة الفلسطينية.
- كيف يمكن تنظيم هذه المراقبة لمبيعات الأسلحة؟
- بالاتفاق بين الدول التي تشتري السلاح، وبين الدول التي تبيعه. لقد طلبت من الدوائر التابعة لي ان تحضّر مقترحات لعقد اتفاق عام لمراقبة مبيعات الأسلحة، وأن تعدّ مشروعا للحد من انتشار الأسلحة.
- ألا ترون ان الخطاب الفرنسي الذي يصر، في الأيام الأخيرة، على حق الفلسطينيين في دولة يتعارض بعض الشيء مع مقاربة الأميركيين؟
- كلا. ان فرنسا مهتمة أيضا بسلامة إسرائيل، لكنها لا تتجاهل لذلك مطلب الفلسطينيين الحق في ان يكون لهم دولة. فهذان أمران مترابطان: لا يمكننا ان نطلب من الاسرائيليين ان يسمحوا بقيام دولة فلسطينية جنينية تطالب بأراض اسرائيلية ولا تعترف بوجود إسرائيل. وفي المقابل، لا يمكننا ان نطلب من الفلسطينيين ان يتخلوا عن حقوقهم الشرعية الثابتة المتعلقة بوجودهم كشعب، وكأمة، وكدولة.
لقد أفهمتنا حرب الخليج انه خيرٌ للتحركين او للمسعيين ان يسيرا معا. فالجديد هو الوعي ان المشكلة الفلسطينية تحتاج هي أيضا إلى حل عادل وسريع من أجل إزالة خميرة من خمائر الصراع الدائمة المفعول.
- هل يجب ان تكون هذه الدولة الفلسطينية منزوعة السلاح؟
- إنْ كان ثمن إقامة دولة فلسطينية هو هذا، فقد يقبل الفلسطينيون بهذه الشروط. وسيخطئون إذا لم يفعلوا، لكن هذا شأنهم.
- إلى اين وصل السوفيات في عملية تقويم مواقفهم في الشرق الأدنى؟
- ان بود السيد غورباتشوف ان يعيد للاتحاد السوفياتي المكانة التي كانت له في المنطقة، والوضع ملائم؛ إذ يتمنى الأميركيون ان يساهم الاتحاد السوفياتي في التسوية السلمية. ونحن على هذا الرأي. ان السيد غورباتشوف يرغب في المساهمة في التنظيم الجديد للعالم. وعلينا ألا ننسى ان الاتحاد السوفياتي قد صوت على كل قرارات مجلس الأمن. وقد فكر في المساهمة في الأعمال العسكرية في الخليج. ان البيريسترويكا ستستمر على هذه الأسس، وهذا شيء جيد يمنع الرجوع إلى الوراء.
- لماذا حاول السيد غورباتشوف، في آخر الحرب، ان ينقذ ما يمكن إنقاذه من العراق، إذا لم نقل ان ينقذ صدام حسين؟
- لقد لعب السيد غورباتشوف على طبقات متعددة، فربح بذلك بعض المكاسب السياسية. إذ ان الوضع في الجمهوريات الاسلامية، وانتقادات معارضيه، وتحفظات جيشه إزاء سياسته في الخليج، ساهمت كثيرا في بادرة اللحظة الأخيرة. ان التحرك من أجل العراق لا من أجل صدام حسين. في زمن المحنة، هو توظيف للمستقبل: ألم يعلن الاتحاد السوفياتي انه لا يزال يحافظ على اتفاقاته مع العراق؟ وعندما قام السيد غورباتشوف بمبادرته السلمية وأثبت انه حاول المستحيل لتفادي الهجوم البري، ألم يكن يقوم بدوره كحامل جائزة نوبل للسلام؟
- يعني انه كان يقوم في أثناء الحرب بما قامت فرنسا به قبل الحرب.
- نعم، يمكن ان ننظر إلى الأمور بهذا المنظار. لكن مبادرته وصلت متأخرة جدا.
- هل يبقى شيء من الوقت لعمل ما في لبنان؟
- ان فرنسا تتمنى ذلك، وتعمل جاهدة في هذا الاتجاه. لقد تكلمت في هذا الموضوع مع السيد بوش والسيد بيكر، وآمل ان نعمل معا على هذا الملف. ولمّا كانت سوريا قد انضمت إلى "المعسكر الصحيح"، أي معسكر التحالف، فيمكننا ان نكون الآن أكثر تشددا في مطالبنا. ان مسيرة الطائف تتابع خطها، وقد أيدناها منذ البدء. لقد وافقنا على تحرير بيروت الكبرى، وعمل الحكومة اللبنانية التي تنوي ممارسة سيادتها على ابعد من العاصمة. يجب مواصلة مسيرة الطائف حتى إتمامها. وتبقى مشكلتان: إجلاء القوات الأجنبية، والعودة إلى الديمقراطية. ولا تنسى فرنسا مشكلة العماد عون الذي يجب ان نجد له حلا مشرفا. لقد تحدثت في هذا الشأن مع وزير خارجية لبنان الذي يزور باريس حاليا.
- متى ستقومون بجولة في الشرق الأدنى؟
- لن أتأخر. سأبدأ بدول المغرب. ان تعاوننا معها كثيف جدا. وأذكر ان قيمة مساعدة فرنسا لهذه الدول تفوق ستة مليارات من الفرنكات سنويا. ولا يشمل هذا الرقم الأنشطة الاجتماعية التي نمولها بحصة محترمة. وأنا مقتنع بأن غربي المتوسط يمكن ان يصبح منطقة تعاون مثالية. لدي أفكار في هذا الشأن، لكن يجب من أجل التوصل اليها التحلي بالواقعية والصراحة والطموحات المشتركة.
- أتعتقدون ان الحرب ستخلف ندوبا؟ وهل ستتأثر بها العلاقات بالدول العربية؟
- كل حرب تخلف ندوبا، ولا ننسى ان العالم العربي قد انقسم بسبب حرب الخليج. والتأكيد، كما يفعل أعضاء بارزون في نظر أنفسهم في المعارضة هنا وهناك، ان فرنسا قد افسدت علاقاتها بالدول العربية، هو طرح للمشكلة مغلوط فيه. فالاستيلاء على الكويت ومن بعده الحرب كسرا الوحدة العربية، هذا إذا كانت هذه الوحدة موجودة أصلا. هذا هو الواقع. لقد نتج منه ان انحاز بعض أصدقائنا إلى معسكر، وانحاز البعض الآخر إلى معسكر آخر. فلنتساءل عمن كان عامل التفرقة: أليس صدام حسين؟
- أليس في هذا موت الأسطورة الديغولية التي كانت ترغب في ان يكون لفرنسا سياسة عربية "واحدة"؟
- نعم. لكن من الأصح ان نتحدث عن نهاية وَهْم مزدوج. فالحديث عن "العالم العربي" وَهْم بحد ذاته. وسياسة عربية "واحدة" وَهْم آخر. لنكن واضحين، لفرنسا سياسة خارجية تستند إلى مبادئ. اننا نقيم مع الدول العربية علاقات عاطفية وتاريخية، وعلاقات مصالح. لدينا سياسات مختلفة في مسارها اليومي. سياسة الجنرال ديغول العربية ليست سوى سلسلة أوهام. والأوهام تعيش طويلا.
- قبل حرب الخليج ما كنتم لتتكلمون بهذا الوضوح؟
- لقد كان هذا رأيي دائما. ولو كنت سألتني فيما مضى هل سياسة ديغول العربية سلسلة أوهام، لما كنت عارضتك.
- هذا لا يمنع ان أكثرية الرأي العام في الدول التي لنا معها اوثق العلاقات، كانت تتعاطف مع صدام حسين...
- معك حق، لكن جزئيا. لنتسائل: لماذا تظاهر الرأي العام بهذا الشكل. لنأخذ المثال الليبي: لقد نظم الناس مسيرة وحملوا يافطات كتب عليها: "حرروا الكويت". إذاً! في البلاد التي تتكلم عنها، كانت الجماهير كثيرا ما تتظاهر لمصلحة صدام حسين بقدر ما تتظاهر ضد حكوماتها. انها امور تقع.
- أتعتقدون وجود خطر موجة إسلامية، ام أننا تجاوزنا قمة هذه الموجة؟
- إذا لم يحل المجتمع الدولي المشكلة الفلسطينية، فسيتولد إحباط حقيقي يؤثر بصورة خاصة في شبيبة وفيرة العدد ومتطلبة ومتمردة. ويثبت بالبرهان ان ثمة وزنين ومكيالين. ولن تأبه الشبيبة للمناقشات الدولية العديمة الجدوى. عندها يخشى صعود موجة أصولية. فانْ اخذ هذا اليأس صورة المظاهر الدينية، فهذا اهون الشرور. لكن ما أخشاه هو الأعمال اليائسة، واستعمال العنف، وخطر الإِرهاب.
- لكن حل المشكلة الفلسطينية لن يحل مشكلات الجزائر، مثلا؟
- هذه المشكلة من مشكلات اخرى: البطالة، والتخلف، وتزايد السكان. خمسون في المائة من الجزائريين هم دون الخامسة والعشرين! والصراع الاسرائيلي ـ الفلسطيني يستقطب اليوم الأنظار ويعمل كالصاعق. لدى المجتمع الدولي فرصة ستة اشهر للشروع في حل حقيقي. إذا لم يحدث شيء ضمن هذه المهلة، فستظهر أخطار حقيقية.
- ما رأيكم في موقف إيران؟
- لقد برهنت إيران عن حس عميق بمسؤولياتها، وعن مهارة كبيرة. فهي، عندما أعلنت في الأيام الأولى حيادها، قد استرجعت رصيدها الدولي. وعندما أكدت تعلقها بمبادئ معينة، كاحترام الحدود والتوازنات، وضعت نفسها في موقع جيد للمساهمة في التسوية بين الدول المعنية. ان فرنسا قد أعادت علاقاتها الطبيعية مع إيران، وتنوي الأخذ بعين الاعتبار مكانتها المرموقة في الخليج.
- أليست لعبتها أكثر إثارة للجدل منذ بضعة أيام فيما يتعلق بالعراق؟
- ان الايرانيين قوم محترسون. ان مصير صدام حسين الذي خاض ضدهم حربا بلا هوادة يهمهم أثل كثيرا من التوازنات السياسية في المنطقة. لذا، ينتابهم القلق على مصير العراق ومستقبله. فعملهم يجري ضمن حدود معقولة، من دون تجاوز حدود التدخل. وهذا ما يهمنا.
- هل تسعى تركيا لمقايضة خدماتها بدخول السوق المشتركة، او لتصبح قوة إقليمية في منطقة تعد من مائة وأربعين إلى مائة وخمسين مليونا من المتكلمين بالتركية، او للتوفيق بين الهدفين؟
- انه ذلك كله في آن واحد. لقد تصرفت تركيا كحليف وفيّ للتحالف الذي غلب في الخليج. وهي تظهر اليوم عزوفا عن المطامح الاقليمية يبطل كل الأقاويل في شأن اقتسام العراق. وهي تأمل بأن تستفيد من تصرفها، سواء على صعيد علاقاتها بالحلفاء او على صعيد علاقاتها بالسوق المشتركة. أما دخولها السوق، فليس واردا اليوم. لكن فرنسا تميل إلى فك التجميد عن البروتوكول المالي الرابع، والى تعميق العلاقات التجارية بين تركيا وأوروبا.
- إذاً، ليس للأكراد كبير أمل في النظام الدولي الجديد؟
- ان الشعب الكردي يائس. لقد دافعت فرنسا عن الأكراد في مناسبات عديدة. انهم يكونون أقليات، وقد اتى رئيس الجمهورية خلال مداخلته في 3 آذار/مارس إلى ذكر مشكلتهم. وان الفكرة قد انطلقت الآن.
- وقبرص، هل نُسِيَ الاجتياح التركي تماما؟
- كلا. لقد تحدثت عنه مع الأتراك ومع الأمين العام للأمم المتحدة؛ وهذا من الملفات التي يجب ان يبدي فيها العالم الغربي ومنظمة الأمم المتحدة سلطتيهما، كما بالنسبة إلى الفلسطينيين. هنا أيضا لا يجوز ان يكون ثمة وزنان ومكيالان.
المصدر:
Le Monde (Paris), 12/3/1991.