حديث صحافي لوزير الدفاع الإسرائيلي السابق، يتسحاق رابين، بشأن المسائل المتصلة بالمؤتمر الإقليمي المقترح عقده، 17/4/1991
النص الكامل: 

        انني أبارك محاولة رئيس الحكومة ووزيري الخارجية والدفاع في حكومة الليكود، تحريك المسار السياسي ولو بخطوة صغيرة. وآمل بأن يكون هذا هو توجههم فعلا، وأمنحهم ثقتي المسبقة، إذا نجحوا فعلا في تحريك مبكر لبدء الحوار ـ ولو في إطار مؤتمر إقليمي برعاية الدولتين العظميين، وهو المؤتمر الذي سيبدأ فيه الحوار الاسرائيلي ـ الفلسطيني والحوار الاسرائيلي مع كل دولة عربية على حدة.

          انني افترض، إذا ما تطورت الأمور على هذا النحو، ان يثبت الواقع انه لن يكون هناك مجال لمعالجة المسائل كلها في وقت واحد. ولذا يجب تحديد الأولويات. وأقدر انه من دون البدء بأمر مهم في الموضوع الاسرائيلي ـ الفلسطيني، فسيكون من الصعب تحقيق تقدم ـ مع الأردن بالتأكيد، وربما حتى مع سوريا، او حتى من الصعب أكثر مع سوريا. ولذلك كنت أفضل لو أننا استمرينا في مبادرة أيار/مايو 1989، عوضا من وقفها في آذار/مارس 1990.

          وفي إطار المؤتمر الاقليمي، تبقى هناك مشكلة مركزية من دون حل، لم يكن الجانب العربي مسؤولا عن إفشالها في آذار/مارس 1990، وهي: كيف نتوصل إلى تأليف وفد فلسطيني.

          انني أفضل وفدا فلسطينيا مستقلا مؤلفا من سكان المناطق، لا يعلن انه يمثل م. ت. ف. وإذا كان مريحا ضمه إلى وفد اردني او إلى وفد مصري، فانني مستعد للقبول بذلك. لكن لا أوافق على ان يُضم إلى وفد سوري. لا اريد ان أعطي سوريا قدرة على مناورة العالم العربي بحسب طريقتها، لأنني اعتبر سوريا الآن الدولة المجاورة الأكثر عداء، التي تطمح اليوم إلى مواصلة بناء التوازن الاستراتيجي إزاء إسرائيل. وانني لم اقع في وهْم ان سوريا قد غيّرت موقفها الأساسي من إسرائيل، على طريق حل النزاع الاسرائيلي ـ العربي. صحيح ان سوريا قد غيرت علاقتها بالدول المعتدلة في العالم العربي، وخصوصا مصر. وهي تحاول تغيير علاقتها بالولايات المتحدة. ولقد بدأت ذلك منذ عام ونصف عام، بعد ان اقتنعت بأن المظلة السوفياتية ـ السياسية والعسكرية ـ ترشح كثيرا، ومن المشكوك فيه ان تكون لا تزال قائمة.

          انني لا أطلب من الرئيس السوري حافظ الأسد ان يقوم بعمل درامي مثلما فعل السادات. لقد كان الإِثنان شريكين في حرب يوم الغفران... لقد عارض الليكود معادلة "ارض في مقابل السلام؟" وفي الواقع، كانت حكومة الليكود هي التي انجزت السلام الوحيد، وعندما كانت المعادلة كل الأراضي! تفكيك [المستعمرات] اليهودية في سيناء! وعلى هذا الأساس، فانني لا افهم كيف يعتقد رجالات الليكود ان في الامكان التوصل إلى سلام مع دولة عربية اخرى من دون ان تكون الأراضي هي المقابل لذلك.

          وحتى تثبت سوريا رغبتها عليها، قبل كل شيء، نظرا إلى وجود مقرات قيادة عناصر الإِرهاب الأكثر تطرفا بين الفلسطينيين في دمشق، وعلى أرضها، وفي البقاع... عليها أولا ان تقول: اننا نوقف الإِرهاب من الخارج. أما الأمر الثاني الذي ينبغي لها ان تقوله فهو: اننا مستعدون للتحدث عن السلام في مفاوضات مباشرة مع إسرائيل، برعاية الأميركيين والسوفيات، على أساس قراري 242 و338، بمعزل عن المشكلة الفلسطينية، وعلى أساس المشكلات الثنائية بين سوريا واسرائيل.

          انني، قبل كل شيء، مع دولة يهودية ديمقراطية، تلبي الهدف اليهودي العالمي الأشمل لتعيش في امن وسلام. والمقصود بذلك هو الاختلاف الجوهري بيني وبين الليكود. دولة يهودية ديمقراطية نابعة من الارادة لا من الضغوط. لا بسبب الأميركيين، ولا بسبب التهديدات او الارهاب او الانتفاضة؛ بل من إرادتنا الحرة، ذلك بأنني لا ارغب في ابتلاع 1,7 مليون فلسطيني يعيشون في المناطق ولا يريدون العيش في ظل حكم نفرضه عليهم بواسطة ضم المناطق إلى نطاق سيادة إسرائيل، اي سياسة ارض ـ إسرائيل الكاملة. ان دولة إسرائيل التي سيكون 30٪ ـ 35٪ من سكانها او مواطنيها فلسطينيين يرفضون حكمنا، ستتحول إلى دولة ثنائية القومية تعيش في ضائقة. واننا نشهد اليوم في العالم ماذا يحدث عندما تكون هناك نسبة أقلية كبيرة، إنْ كان في يوغسلافيا، او في الاتحاد السوفياتي، او في ايرلندا، او في أي مكان آخر في العالم... لكنني، ومن أجل ان نعيش في امن ونتوصل إلى السلام، غير مستعد للعودة إلى خطوط سنة 1967. انني اصر على ان تبقى القدس موحدة في ظل سيادة إسرائيل وأن تكون عاصمتها إلى الأبد، وأن تكون حدود الأمن عند [نهر] الأردن عندما يكون الحديث في هذا الشأن. انني غير مستعد للتفاوض مع م. ت. ف. تونس؛ انني مستعد للتفاوض مع أي واحد من سكان المناطق، بغض النظر عن وجهة نظره.

          انني أعارض دولة فلسطينية بيننا وبين الأردن. وهذا يميزني من موقف الليكود واليمين، لا لأرض ـ إسرائيل الكاملة، وذلك ليس لأن لا حق تاريخيا لنا في ارض ـ إسرائيل، لكن لأنني لا اريد دولة ثنائية القومية تدمر دولة إسرائيل من الداخل. وهذا الأمر يتصل بالسلام مع سوريا. يجب ألا ننزل من هضبة الجولان.

          اننا لا نضمن في السلام الدبلوماسي السلام الحقيقي؛ فالسلام الدبلوماسي هو البوابة المؤدية إلى مسار يقضي على الحافز الذي يستند إلى الشك المتبادل وتراكم العداء نتيجة تجاربنا في حروب كثيرة. وأود ان أذكّر: في سنة 1975 وقّع صدّام حسين، بصفته نائبا لرئيس العراق، اتفاقا مع شاه إيران، حُلّت بموجبه جميع المشكلات الاقليمية للبلدين المسلمين، وهما بلدان لا ينكر أحدهما حق الآخر في الوجود. لكن، بعد مرور خمسة أعوام، وكانت سلطة الشاه حينذاك تتداعى والجيش الايراني على طريق الانهيار، لم يتردد صدّام حسين لحظة واحدة، على الرغم من كونه قد وقع اتفاقا دوليا، في غزو ايران على نحو لا يختلف عن غزوة الكويت ـ وخلافا لكل قانون دولي.

          ان وجود اتفاقات، حتى بين دول عربية وإسلامية، لا يمنع الحرب حُكما. فمن أجل منع الحرب، لا بد من وجود حدود قابلة لأن يدافع عنها لا لحكم 1,7 كليون فلسطيني وابتلاعهم، ولا بد من ان نكون مستعدين للتنازل عن جزء أساسي من المناطق التي يقطنونها، وليس للعودة إلى خطوط سنة 1967، ولا النزول من هضبة الجولان. انني اريد حدودا قابلة لأن يدافع عنها، إذ ان مجرد وجودها سيمنع الانزلاق إلى حرب. وعلى دولة إسرائيل ان تدافع عند [نهر] الأردن! وليس في [مستعمرة] أريئيل او  [مستعمرة] عمانوئيل، على مسافة 50 ـ 60 كيلومترا غربي الأردن وقريبا من مراكز السكان بين تل ابيب وحيفا.

          لقد قلت انني أعارض دولة فلسطينية. انني اعتقد ان الأهمية تكمن في دفع المسار قدما لتغيير الواقع، ليوافقوا على إجراء انتخابات ـ لأن من المستحسن جدا ان يكون هناك وفد متفق عليه، والمرحلة الثانية، إدارة شؤونهم، باستثناء شؤون الأمن والعلاقات الخارجية التي هي من مسؤولية [المستعمرات] اليهودية. من اقترح عليهم هذا؟ هل اقترح الأردن ذلك على الفلسطينيين عندما كان يحكم الضفة؟ هل اقترح المصريون ذلك على الفلسطينيين عندما كانوا يحكمون غزة؟ اننا لا نقترح عليهم ذلك كتسوية دائمة. لقد كان هناك جدل مع الليكود بشأن هذا الموضوع، وذلك عندما بلورنا مبادرة السلام في أيار/مايو 1989. قلنا، منذ البداية، ان هذا هو اتفاق موقت لمرحلة عابرة محددة بجدول زمني: لا أكثر من خمسة أعوام، ولا قبل ثلاثة أعوام عقب إقامة البنية ـ إسرائيل! الوفد الفلسطيني؛ الأردن ومصر ـ برعاية المظلة الأميركية السوفياتية [...]

          قلت ان حزب العمل يحتاج إلى بطاقة هوية واضحة تجسد وتحدد التناقض بيننا وبين الليكود، وهذا يعني دولة يهودية ديمقراطية لا ارض ـ إسرائيل الكاملة.

          لا ضم، ولا تراجع إلى خطوط سنة 1967. لا موافقة على التفاوض مع م. ت. ف.، ولا موافقة على تقرير المصير الذي يعني، باللغة الدارجة الشرق الأوسطية، دولة فلسطينية خاصة ﺑ م. ت. ف. تحمل في طياتها خطرا على دولة إسرائيل.

 

المصدر:

"عال همشمار"، ملحق عيد الاستقلال، 18/4/1991، ص 8 - 9