كلمة نائب الرئيس السوري عبد الحليم خدام، أمام اجتماع حزبي، حول الأحداث الجارية، دمشق، 10/2/1991
النص الكامل: 

[. . . . . . .]

          [...] ولكن اريد ان أركز على مرحلة معينة، حيث اصبح للحزب، بالاضافة إلى مفهومه العقائدي للصراع العربي الاسرائيلي الصهيوني، استراتيجية واضحة لمواجهة هذا الصراع. هذه الاستراتيجية، طرحها الأمين العام للحزب الرفيق حافظ الأسد، عندما كان وزيرا للدفاع، في المؤتمر القطري الرابع عام 1968. وكانت سببا لخلاف في قيادة الحزب آنذاك. وقد حسم هذا الخلاف في صبيحة السادس عشر من تشرين [الثاني/نوفمبر] عام 1970، وقامت استراتيجية الحزب على المبادئ والعناصر التالية.

          الهدف المرحلي الذي يجب ان يتركز الجهد كله على تحقيقه هو هدف التحرير، واستعادة الحقوق الوطنية الثابتة للشعب العربي الفلسطيني. ولتحقيق هذا الهدف، لا بد من جملة عوامل، على الحزب والدولة توفيرها وهي:

          إعادة النظر في الوضع العربي، وتصحيح علاقات سوريا مع جميع الأقطار العربية، حيث كانت هذه العلاقات مع معظم الأقطار العربية مقطوعة او مجمدة، وذلك بهدف إعطاء البعد القومي لصراعنا مع العدو الصهيوني فأعدنا العلاقات آنذاك مع الدول التي كانت مقطوعة مع الدول التي كانت مقطوعة علاقاتنا معها، ونشطنا العلاقات مع الدول التي كانت هذه العلاقات معها مجمدة.

          وركزنا بشكل أساسي في ثلاثة اتجاهات: الاتجاه الأول نحو مصر، على اعتبار ان مصر شريكة لنا في صراعنا، وفي كل قتال جرى او ممكن ان يجري مع العدو الاسرائيلي.

        [. . . . . . .]

          والاتجاه الثاني الذي ركزنا عليه، بعد عام 1970، الدول النفطية، ذلك لأننا كنا نرى وجوب زج سلاح النفط وإمكانات النفط، بصورة او بأخرى، في صراعنا ضد العدو الاسرائيلي. وبُذلت جهود كبيرة قام بها شخصياً الرفيق الأمين العام، بالاشتراك مع القيادة المصرية أنذاك، من أجل ان يكون لهذه الدول دور وموقع في هذا الصراع. وكلنا نذكر ان النفط استخدم لأول مرة ولآخر مرة، في الصراع، عندما اوقف عن الولايات المتحدة الأميركية، وعن بعض الدول الأوروبية التي كانت تساند إسرائيل.

          أما الاتجاه الثالث الذي كنا نركز عليه فهو العراق. كنا نركز على العراق لأمرين أساسيين: الأول لأن العراق قطر شقيق يجمعنا وشعبه تطلعات وآمال ومشاعر قومية واحدة، ويجمعنا تاريخ طويل وتجمعنا مصالح حيوية مشتركة بالاضافة إلى الاعتبارات القومية. ولو وضعنا جانبا الاعتبارات القومية، هناك اعتبارات إقليمية ومصالح حيوية لكل من سوريا والعراق، تفرض عليهما ان يكونا معا في موقع واحد وجبهة واحدة.

          هذا من جهة، بالاضافة إلى أننا نرى، إذا استطعنا، ان نجند العراق إلى جانبنا، وأن يكون معنا في جبهة المواجهة مع إسرائيل، نكون بذلك قد قطعنا شوطا كبيرا وبعيدا في تحقيق أهدافنا القومية المتعلقة بالصراع العربي الاسرائيلي. ولذلك بقي العراق وسيبقى أمرا وموضوعا هاما بالنسبة لرؤيتنا الاستراتيجية القومية ولرؤيتنا التكتيكية القطرية.

          [. . . . . . .]

 

          [...] خلال الحرب العراقية الايرانية بدأت تظهر في الساحة الدولية متغيرات كثيرة، وبدأت الشقة تضيق بين الشرق والغرب، وتسارعت الأحداث وجرى ما جرى من تغيرات في أوروبا الشرقية، وسقط حلف وارسو، وبدا وكأن عالما جديدا بدأ يبرز. في ظل هذه المتغيرات وفي نفس الوقت، اخذت أوروبا تسارع خطواتها باتجاه الوحدة. وإن راجعنا هذه الأحداث وراجعنا نتائجها على الوطن العربي، مذا جرى؟ نرى ان المستفيد الوحيد في العالم من هذه التطورات هو إسرائيل. علاقاتها تعاد مع دول أوروبا الشرقية، وتفتح لها أبواب في الاتحاد السوفياتي، وتعود علاقاتها مع الدول الأفريقية. هل هذا الوضع كان يتطلب منا ومن العرب وقفة خاصة ومراجعة جديدة ورؤية جديدة، والبحث عن أساليب جديدة لمواجهة هذه التطورات، ام علينا ان نواجه هذا العالم الجديد بنفس الأساليب والنهج الذي كنا نواجه به سابقا الوضعين الاقليمي والدولي. هذا الأمر كان موضع مناقشة في قيادة الحزب. وبادر الرفيق الأمين العام لإِجراء اتصالات عديدة مع عدد من رؤساء الدول العربية، للبحث عن نهج عربي جديد يمكّن العرب من مواجهة هذه المتغيرات الدولية من جهة، ومواجهة القوة المتعاظمة لدى العدو الاسرائيلي من جهة اخرى. وفي نفس الوقت الذي كانت تفكر سوريا بشكل شمولي لمواجهة هذه الأوضاع، ماذا كان يجري في الساحة العربية؟ تحرك عراقي اردني يمني مصري لإِقامة تكتل من الدول الأربع، اعقبه تحرك في المغرب العربي لإِقامة تكتل أيضا من الدول المغربية. في الوقت الذي تتوحد فيه امم أوروبا، وفي الوقت الذي تقطف فيه إسرائيل ثمار المتغيرات الدولية، كان يجب على العرب ان يبحثوا عن نهج عربي جديد يوحد الطاقات العربية، ويعزز قدرات الأمة العربية، وأن يجروا مراجعة لمؤسسات العمل العربي المشترك، في اتجاه التوحيد، في هذا الوقت نرى ان بعض الأشقاء العرب يلجأون لتدمير مؤسسة العمل العربي المشترك، الجامعة العربية، ويقيمون مثل هذه التكتلات، في الوقت الذي كان يجب فيه البحث عن تكتل عربي واحد يواجه الأخطار الواحدة المحدقة بالجميع، غير اللجوء إلى إقامة مثل هذه التكتلات. وهي بطبيعتها كانت ذات طابع قطري، وتبحث عن المصالح القطرية. ولو عدنا إلى وثائق هذه التكتلات، لما وجدنا كلمة واحدة تتعلق بالصراع العربي الاسرائيلي. وكلها تبحث عن كيفية الحفاظ على المصالح القطرية، ومع ذلك عندما أعلن عن التكتل الرباعي، استنتجنا بصورة واضحة ان العرب مقدمون على حرب جديدة، وهذه الحرب لن تكون ضد سوريا، ولكنها ستكون في الخليج. وبطبيعة الحال عندما تكون الحرب في الخليج، في منطقة النفط، يجب ان نستنتج بشكل واضح، ان القوى الأجنبية ستكون في الخليج. وبطبيعة الحال عندما تكون الحرب في الخليج. في منطقة النفط، يجب ان تستنتج بشكل واضح، ان القوى الأجنبية ستكون طرفا أساسيا في هذه الحرب، وستأتي الى المنطقة. ولذلك أعاد الرفيق الأمين العالم اتصالاته بعدد كبير من الرؤساء العرب محذرا ومنبها لما سيقع في المنطقة.

          ولكن مع الأسف، هؤلاء كانت أبصارهم وبصيرتهم لا تمتد إلى أكثر من انوفهم. ومع ذلك لم نيأس، وقررنا ان ننهج النهج الذي يؤدي إلى تصحيح وتصويب العمل العربي المشترك. وتم كما نعرف، تصحيح العلاقات السورية المصرية. وبدأنا نتحدث عن إمكانية عقد قمة عربية والتحضير لها. لكن في نفس الوقت، ماذا كان يحدث؟ في الوقت الذي يجب ان يتجاوز فيه العرب كل صراعاتهم الهامشية، وأن يروا خطر إسرائيل الحقيقي وأن يروا مخاطر المتغيرات الدولية، لجأ العراق إلى إرسال كميات كبيرة من الأسلحة والعتاد إلى لبنان، إلى القوات اللبنانية والى ميشيل عون. هذا السلاح ضد من كان سيوجه؟ هل كان هذا السلاح سيوجه ضد إسرائيل؟ إطلاقا. هذا السلاح وُجه ضد الوطنيين في لبنان، واستخدمه ميشيل عون فيما أسماه معركة التحرير ضد سوريا. وأنفق النظام العراقي، بين سلاح ومال ونفط، ما يزيد عن نصف مليار دولار على القوات اللبنانية وميشيل عون. وهذا السلاح لم يوجه ضد إسرائيل، بل كان ضد الوطنيين في لبنان، وضد سوريا. ومع ذلك تحملنا الأمر. في تلك الفترة، حيث كان يسود الخوف لدى كل مواطن عربي والقلق من الغد القادم المقبل على الوطن العربي، وجّه البرلمان الأردني رسالتين، الأولى إلى الرئيس العراقي، والثانية إلى الرفيق الأمين العام، وفي الرسالتين، دعوة عاطفية لأن يتجاوز البلدان خلافاتهما، وأن يوحدا جهدهما، ولاسيما بعد ان توقفت الحرب العراقية الايرانية، وأن يوجها جهدهما لمواجهة العدو الاسرائيلي والمخاطر القادمة. ماذا كان رد الرئيس العراقي إلى المجلس النيابي الأردني؟ رسالة نشرت، وفيها حملة قاسية وظالمة ضد سوريا [...]

          [. . . . . . .]

          قد يُطرح سؤال: لماذا نحن أرسلنا قوات إلى السعودية؟ ولماذا لم نقف على الحياد في هذه الحرب. أيها الرفاق: لا نستطيع ان نقف على الحياد في هذه الحرب، لأننا معنيون بها، لسببين: الأول نحن جزء من امة مزقتها هذه الحرب التي ستبقى آثارها لأجيال عديدة. وثانيا نحن مستهدفون في هذه الحرب، لأن هذه الحرب قوّت إسرائيل ونحن نواجه إسرائيل. وثالثا: لأن هذه الحرب دمرت طاقات وإمكانات عربية كان يجب ان تكون في خط المواجهة مع إسرائيل، وليس في خط المواجهة في الخليج. لذلك نحن معنيون لا نستطيع إطلاقا ان نقف متفرجين، لأن هذا ليس لمصلحة العراق ومصلحة سوريا ومصلحة الأمة العربية كلها. لماذا أرسلنا قوات؟

          رفاق: نحن كنا أمام امرين يفرضان علينا ان نرسل قوات، وكلاهما خطير وأساسي. الأول: بلد عربي دُمّر، وبلدان عربية اخرى مهددة بالتدمير، وهي تطلب الإِغاثة، هل نقف إلى جانبها وهي ضحية العدوان ام لا؟ وهي وقفت إلى جانبنا بشكل من الأشكال في صراعنا ضد العدو الاسرائيلي، بالاضافة إلى ذلك لو لم تشارك قوات عربية في الخليج لانفرد الأجنبي بالدفاع عن هذه المنطقة وحمايتها، ولارتبط المواطن العادي هناك بمن يحميه وعندئذ يجب ان نسقط منطقة هامة من الوطن العربي من اعتبارنا أيضا إلى زمن قد يطول كثيرا.

          السبب الثاني وهو الأهم، ان مشاركتنا في الخليج قطعت الطريق أمام مشاركة إسرائيل، لو لم ترسل سوريا قوات إلى السعودية لكانت الآن إسرائيل هي الشريك مع الغرب في مواجهة العراق. وعلينا ان نستنتج ما يترتب على هذه المشاركة من مخاطر. عندئذ ستصبح إسرائيل شريكة للغرب ليس في النفط وإنما في الجغرافيا أيضا. وعندئذ لن تضطر إسرائيل لخوض أي حرب من أجل إقامة إسرائيل الكبرى، لأن المنطقة كلها ستسقط بيد الاسرائيليين. نحن أيها الرفاق قمنا بعمل كبير وبعمل تاريخي عندما حلنا دون مشاركة إسرائيل في حرب الخليج. وأنتم ترون الآن الضغوط التي تمارس على الاسرائيليين حتى لا يتورطوا. من أجل ماذا؟ لأن سوريا موجودة، ولو لم تكن سوريا موجودة لكانت الضغوط ستمارس على إسرائيل من أجل المشاركة في هذه الحرب.

          بالاضافة إلى ذلك، نحن نعلم جيدا ان كل حرب مهما كانت صغيرة، ستكون لها نتائج كبيرة. وهذه الحرب ليست صغيرة. هذه الحرب حرب كبيرة، وستكون لها نتائج كبرى. إما ان يكون لنا دور في المساهمة في دفع أكبر قدر ممكن من الأخطار عن المنطقة، وإما ان نغيب فتصبح سوريا جزءا من اللعبة. مشاركتنا ستسمح لنا بشكل من الأشكال ان نساهم في إبعاد أكبر قدر ممكن من الأضرار الناجمة عن هذه الحرب. وهذا امر لا نستطيع ان نغفله ولا ان نتجاهله، ولا نستطيع ان نتخلى عن مسؤوليتنا في إقرار وإدارة مستقبل وشؤون المنطقة كلها.

          وقد يقول البعض: كيف تتواجد القوات السورية ـ طبعا، وخاصة، أنا أطرح ما قد يكون مطروحا من تساؤلات ـ كيف تتواجد قواتنا في السعودية، وهناك قوات اجنبية، نحن نعتبرها عقائدية وسياسيا في الصف المعادي؟ نحن رفاق تواجدنا أولا: للاعتبارات التي اشرت اليها. وثانيا، السعودية ودول الخليج عندما تم غزو الكويت، طلبوا المساعدات العربية لتحرير الكويت ولحمايتهم. دعونا نناقش الأمر بشكل موضوعي، وبعيدا عما نحمله وما يجب ان نبقى نحمله تجاه الأجنبي. هل هناك قوى عربية قادرة على طرد القوات العراقية من الكويت وحماية دول الخليج؟ الدول العربية التي لها قوات عسكرية في الوطن العربي ذات قدرة قتالية مهمة هي العراق، سوريا، مصر. لنأخذ سوريا. سوريا لديها إمكانات عسكرية قادرة على لجم العراق، ولكن ماذا يعني ذلك. هل نسحب جيشنا من مواجهة العدو الاسرائيلي حتى نحارب العراق؟ ماذا يمكن ان يحدث؟ هل ندخل بمثل هذه المغامرة. هل نضع جيشنا في مواجهة العراق ثم تسقط سوريا بيد إسرائيل. هذا امر لا يمكن ان نقدم عليه، بشكل او بآخر. الأمر الثاني: نحن، بغض النظر عن كل ما ارتكبته الحكومة العراقية تجاه سوريا وما ألحقته من أضرار مادية ونفسية تجاه سوريا لم ولن يخطر ببالنا في يوم من الأيام ان يحارب الجيش السوري الجيش العراقي على الحدود السورية العراقية، او ان تقوم حرب بين البلدين، لأننا ندرك ان علينا ان نزيل كل ما من شأنه ان يكون عقبات تحول دون ان يكون العراق بشعبه وجيشه إلى جانبنا وأي حرب بين سوريا والعراق، ستكون أسوأ من الحرب الأموية العباسية، وستدمر طاقات سوريا والعراق، ولن تبقى إلا إسرائيل وحدها، وعندئذ ستكون إسرائيل سيدة الموقف. لذلك كان قرار القيادة ان ترسل قوة ذات مغزى ولكن لا تؤثر على قدراتنا في مواجهة العدو الاسرائيلي من جهة، ولا تؤدي إلى حرب سورية عراقية، قوة تدافع عن السعودية وتدافع عن الكويت، قوة تقف في وجه العدوان العراقي، وليست قوة من أجل إيجاد حرب سورية عراقية. كان الحساب دقيقا وكانت الاجراءات أيضا دقيقة. لذلك أرسلنا هذه القوات. أما مصر فليست هناك جغرافيا بينها وبين العراق ولا بينها وبين السعودية، وحتى تنقل قوات، يستطيع صدام حسين ان يصل إلى عُمان.

          إذاً الامكانات العربية غير قادرة موضوعيا للأسباب التي اشرت على ردع العمليات التي يقوم بها النظام العراقي في دول الخليج. وإذا كان لا بد من حرب لطرد العراقيين من الكويت، فلتكن بين الأجانب والعراقيين، وليست بين العرب والعرب. الأجنبي يذهب ولكن نحن كأجزاء من امة واحدة باقون في هذا الوطن. يجب ان نتجنب بقدر ما نستطيع ان نورث أبناءنا وأجيالنا أحقادا ستنعكس على الأمة العربية، وعلى مستقبلها.

          ولذلك نحن لم نتعرض عندما طرحت السعودية في مؤتمر القمة اقتراحا بأن تستعين بقوات صديقة لها للدفاع عنها وعن دول الخليج، بعد ان تعهدت السعودية ان هذه القوات لن تبقى ساعة واحدة بعد حل مشكلة الكويت وجلاء القوات العراقية عن الكويت. وكلكم تسمعون التصريحات التي تصدر عن هذه القوات بأنها ستنسحب فور انتهاء مشكلة الكويت.

          [. . . . . . .]   

          لو عدنا إلى ما يطرحه الآن النظام العراقي من شعارات، هل نجد هذه الشعارات جادة؟ هل صحيح ان النظام العراقي يريد ان يحارب إسرائيل؟ هل صحيح انه يريد دعم القضية الفلسطينية؟ هل صحيح انه يريد توزيع ثروات النفط وأن المشكلة هي بين الفقراء العرب وأغنيائهم؟ هل صحيح ذلك؟ لنعد إلى النتائج. من يريد ان يحارب إسرائيل أيها الرفاق، عليه أولا ان يصادق سوريا وأن يتوحد معها، لأن من يريد ان يحارب إسرائيل لا يستطيع ان يحارب إسرائيل وهو يعادي سوريا. كيف يمكن ان يكون ذلك، كيف يمكن ان نصدق ان هذا البلد الذي وظف كل طاقاته وإمكاناته البشرية والنفسية والاجتماعية والسياسية من أجل فلسطين يمكن ان يواجه إسرائيل بمعزل عنه. بل وبإرباكه وإضعافه والتآمر عليه؟ كيف يمكن ان نصدق ذلك؟ كيف يمكن ان نصدق ان النظام العراقي يريد ان يحارب إسرائيل وهو يمد عملاء إسرائيل بلبنان، بكل وسائل الاستنزاف لضرب سوريا في لبنان، ولضرب القوى الوطنية في لبنان؟ كيف نستطيع ان نصدق ذلك، ثم ماذا جرى؟ أطلق عدة صواريخ باتجاه فلسطين، ماذا جرى؟ أيها الرفاق هل حرب إسرائيل تكون بعدة صواريخ في الوقت الذي يوضع الجيش العراقي في فخ في الكويت تحت ضربات التدمير والتمزيق والتفسيخ، هل هكذا تكون مواجهة العدو الاسرائيلي، كيف نستطيع ان نصدق ذلك؟ ثم ماذا جنت إسرائيل نتيجة هذه الصواريخ ونتيجة هذا الاجتياح للكويت؟ اين الانتفاضة الآن؟ اين التعاطف العالمي مع الانتفاضة الآن؟ اين اصبحت القضية الفلسطينية الآن؟ هل نرى الانتفاضة إلآن مستمرة وقائمة؟ ألا نرى هذا التحول في الرأي العام العالمي من حصار لاسرائيل بسبب الانتفاضة إلى حصار للقضية الفلسطينية بسبب هذا الاجتياح، ثم هذا السيل الجارف من المساعدات العسكرية والاقتصادية والسياسة لاسرائيل بسبب هذه بضعة الصواريخ وجرح 100 اسرائيلي. لقد صفق بعض الاغبياء لهذه الصواريخ، ولكن ماذا اخذت إسرائيل لقاء ذلك؟ اخذت نظاما دفاعيا سيكلف العرب عشرات المليارات من الدولارات للتوازن مع هذا النظام؟ وهذا كله حدث لقاء جرح 100 اسرائيلي. كان يمكن حادث باص ان يجرح من الاسرائيليين أكثر من هذه الصواريخ. إسرائيل اخذت مليارات الدولارات لإِسكان المهاجرين اليهود، لتوطين ثلاثة ملايين يهودي في فلسطين. مذا يعني ذلك؟ ماذا يعني توطين ثلاثة ملايين يهودي؟ هل هكذا تكون مواجهة إسرائيل؟ ان الكاسب الوحيد من هذه الحرب هو إسرائيل، وان الخاسر الأكبر في هذه الحرب الأمة العربية، وبصورة خاصة الشعب الفلسطيني، والقضية الفلسطينية.

          [. . . . . . .]

 

المصدر:

"البعث" (دمشق)، 12/2/1991