حديث تلفزيوني للرئيس فرنسوا ميتران، 21/1/1991
النص الكامل: 

          س ـ أريد العودة إلى ذاك القسم من السؤال الذي يتعلق بأهداف الحرب، مستخدماً مثالاً محدداً جداً. هل تعتقدون أنه يجب قتل الرئيس صدام حسين، خلال هذا النزاع؟ هل يجب تقديمه إلى المحاكمة في نهاية الحرب أم سيكون ممكناً التكيف واستمرار وجوده على رأس الدولة العراقية؟

          ج ـ لندع جانباً هذه الفرضيات كلها. ما أريد قوله هو ان أهداف الحرب الأميركية والفرنسية، إنما هي أولاً أهداف مجلس الأمن. نحن هناك بحكم القرارات التي اتخذها مجلس الأمن، والهدف الأساسي هو تحرير الكويت. وهذا يفترض، بطبيعة الحال، عمليات حربية في العراق أيضاً، إذ لا يمكن فصل العراق عن الكويت على صعيد القوة المسلحة العراقية.

          أما في شأن السؤال عمّا إذا كنا نستهدف شخص الرئيس صدام حسين، فجوابي هو لا. ليس هناك من سعي للقضاء على هذا أو على ذاك. هناك هدف سلام بغية تحرير الكويت وإعادة التوازن إلى تلك المنطقة بقدر المستطاع، والانتهاء من الأعمال الحربية. ليس أمامنا، إذاً، من شيء غير الوصول بالعمل الذي طلبته إلينا الأمم المتحدة حتى نهايته.

          س ـ سيّدي الرئيس، ألا تعتقدون أن الولايات المتحدة تحمل أفكاراً مضمرة، وتصوّراً قد يكون قابلاً للمطّ بعض الشيء لقرارات الأمم المتحدة، إذ هي تسعى، في الواقع، لتدمير البنية العسكرية الصناعية كلها في العراق؟

          ج ـ ولكن من الصعب حمل العراق على التراجع من دون التصدي لهذه الإمكانات العسكرية الصناعية! يجب تدميرها بطبيعة الحال أو يجب، في كل حال، تدميرها حتى اليوم الذي تطلب فيه سلطات ذلك البلد أن يتوقف التدمير لأنها باتت مستعدة للاستجابة للطلبات التي قدمتها الأمم المتحدة قبل مدة طويلة.

          س ـ ألا تخشون أن يؤدي دخول إسرائيل في اللعبة، وهو دخول لا إرادي بعض الشيء، ما دام قد سقط عليها بضعة صواريخ، إلى تشجيع هذا الضيق، لنقل عند الفرنسيين، عند مسلمي فرنسا؟

            مهلاً، سيدي الرئيس، أريد أن  أوضح أمراً، لأنني علمت في هذه اللحظة أن خمسة صواريخ سكود عراقية قد أُطلقت هذه المرة على المملكة العربية السعودية، فنريد أن نعلم، إذاً، استكمالاً للسؤال، آخذين في الاعتبار الهزّة التي أحدثتها هذه الهجمات الصاروخية في إسرائيل والرغبة الإسرائيلية في الرد، إنْ كنتم قد أجريتم اتصالاً بالقادة الإسرائيليين.

          ج ـ حين تُضرب المملكة العربية السعودية من جانب العراق بصواريخ سكود هذه، فذلك من وقائع الحرب. ولا يسعنا أن نندهش منه. أما حين تذهب هذه الصواريخ في اتجاه إسرائيل، فالأمر مفاجىء ومثير للسخط لأن إسرائيل ليست داخلة في الحرب، أي أنها بلد غير محارب. فهذا، إذاً، استفزاز غايته التظاهر وحمل الجميع على الاعتقاد أن ما يجري هو صراع بين إسرائيل والعرب، وعلى وجه التعميم، أن الغرب يواجه الإسلام. لن أعود إلى ما قلته قبل قليل، لكنني أعتقد أن المسعى العراقي في هذه العملية تجاه إسرائيل هو ذو طابع نفسي، إذ إن فعاليته محدودة على الصعيد العسكري. تعلمون أن صواريخ سكود هذه لا تستطيع قطع مسافة بهذا الطول وهي مزودة بعبوة ثقيلة. نحن، إذاً، حيال عبوات خفيفة يمكنها أن تكون مؤذية لكن ليس بالقدر الذي يجعل لها فعالية عسكرية مباشرة، وإنما هي ذات فعالية نفسية. وأريد أن أغتنم هذه الفرصة، ما دمتم تتيحونها لي، لأقول انني سمعت بكثير من  الدهشة والسخط بعض المسؤولين الإسرائيليين يؤكد أن هذه الصواريخ أو غيرها قد تَزَوّدَها العراق من فرنسا. نحن لم نبع أي صاروخ للعراق، خلال الحرب بين إيران والعراق، وهي الحرب التي ساندنا العراق فيها محاولين الحفاظ على الجبهة العربية، وذلك بطلب من الكويت ومن السعودية ومن غيرهما.

          لم نُبع أي صاروخ حربي يمكنه أن يبلغ الأراضي الإسرائيلية، فليكن هذا مفهوماً. وبعد شهر واحد على انتخابي، في ما أظن، دمّرت إسرائيل محطة تموز النووية التي كانت فرنسا ـ وهذا ما يجب التصريح به ـ مصدرها. والحال أنني، منذ تسع سنوات، رفضت دائماً أن أقدم العناصر اللازمة لإعادة بناء أي شيء من هذا القبيل في العراق. وهذا ما ساهم على الأرجح في كوني لم أُقم مع السيد صدام حسين أية علاقات، حتى تلك التي يفترض قيامها بين دولتين، فلم يحدث بيننا أي لقاء.

          س ـ هل لإسرائيل، بالمناسبة، الحق في الرد كأية دولة ذات سيادة؟

          ج ـ الحق لا جدال فيه، تهاجَم ولا تكون داخلاً في الحرب، ومع ذلك تهاجَم، فترد. لكن إسرائيل تفهم، على ما أتصور، الاهتمام البالغ الذي توليه الأطراف الداخلة بصورة عملية في هذا النزاع، كالولايات المتحدة وبريطانيا العظمى وفرنسا وغير هذه، من بعد، لعدم السقوط ـ على وجه التحديد ـ في الفخ الذي ينصبه صدام حسين، أي في إظهار الحرب أنها حرب بين إسرائيل والعرب تقف الدول الغربية فيها بجانب إسرائيل. كلاّ، ان المشكلة ليست مطروحة بهذه الصيغة.

 

المصدر:

Le Monde  (Paris), 22/1/1991.