حديث صحافي خاص لوزير الخارجية الجزائري، سيد أحمد غزالي، في شأن أزمة الخليج وانعكاساتها على العالم العربي، الجزائر، أواسط تشرين الثاني/نوفمبر 1990
النص الكامل: 

          ـ عندما صدر القرار من البيت الأبيض بالتدخل العسكري في الخليج، سئلت عن موقفنا فأجبت، وبالحرف، أنه قرار في غاية الخطورة، ونشكك بالنوايا المبيتة خلف هذا القرار.

          من جهتنا، فموقفنا لم يتغير، نحن، وبصراحة ووضوح، ضد الاجتياح، كما نحن ضد التدخل الأجنبي.

          ـ موقفنا ثابت وقوامه أن الوجود الأجنبي يزيد المواقف تعقيداً. ومثل هذا الموقف لا يمنعنا من القول للعراق بأن عملية الاجتياح هي التي أدت إلى التدخل الأجنبي. والعراقيون خلقوا فرصة تاريخية، للأميركيين لم يحلموا بها. فالأميركيون يرغبون بتدمير بنية الجيش العراقي. نحن لا نريد، ولا نقبل إطلاقاً أن يُدمر العراق. موقفنا ثابت ولا تراجع عنه، أو لا يقبل المساومة. مبدئياً نحن ضد الغزو. ونعتقد أننا أكثر البلدان تمسكاً بهذا المبدأ.

          نحن نميز بين الأنظمة والبلاد العربية. فالعراق بلد عربي. في حين أن بعض البلاد العربية ترى أمنها في تدمير العراق. والشعوب العربية اتخذت حتى الآن مواقف تتعارض ومواقف الأنظمة، ولديها مشاعر بغياب كامل للعدالة في المواقف الدولية. وهذه حقيقة، فهذه المرة الأولى التي يتجلى فيها تحيز الأمم المتحدة في قراراتها. ففي حين أجمع العالم على استنكار اجتياح العراق للكويت، لم يتحرك العالم إزاء اجتياح إسرائيل للبنان أو لاتخاذ أي موقف ضد إسرائيل وممارساتها في الأرض العربية المحتلة.

          والعرب أصيبوا بالإحباط إزاء هذا التحيز الواضح، فطغى هذا الشعور عندهم على أي إحساس آخر بالغزو أو سواه. فالغزو أصبح عندهم شيئاً ثانوياً.

          لكن الواقع، أن مسألة التحيز تبقى ثانوية أمام المأساة الإنسانية التي ترتبت على غزو الكويت.

          إن مأساة الكويت لم تتضح وجوهها نتيجة التعتيم الإعلامي، أو بسبب الحدث الرئيسي الذي تمثل بالحشود الأجنبية في السعودية لمواجهة العراق. فوسائل الإعلام تغطي يومياً ما يجري في لبنان أو الأرض الفلسطينية المحتلة. بينما مأساة الكويتيين لم ير فصولها سوى السعوديين الذين شاهدوا نزوح الكويتيين باتجاه السعودية.

          والمصريون شعروا بمأساة الكويت نتيجة مئات الآلاف من المصريين الذين نقلوا معاناة الكويتيين بعد عودتهم إلى مصر، لما ترتب على عودة هؤلاء العمال من مآس إنسانية.

          وكذلك بالنسبة للسوريين الذين عانوا عن قرب نتيجة ما نقله العائدون إلى بلادهم. هكذا، لا نستغرب موقف شعوب المغرب العربي التي لا تعير مسألة الكويت أهمية، باعتبار أن كل اهتمامهم ينصب على التعاطف مع العراق الذي يقف منفرداً بوجه الهجمة العالمية المعادية. هكذا غُيّب الوجه الإنساني للمسألة الخليجية أو لقضية الشعب الكويتي.

          المهم بالنسبة للشعوب هو العراق. حيث القضية أصبحت لدى الغرب ومنذ سنوات أن العراق هو الدولة العربية الوحيدة التي يمكن أن تتصدى لإسرائيل، أو تتسبب بالأذية لها. كذلك أصبح العراق هدفاً بحد ذاته إذ يجب تدمير هذه القوة لأن فيما مكمن خطر. وهذا ما أدركته الشعوب العربية من منطلق قومي. وفي مطلق الأحوال، فإن حدثت الحرب غداً، فالخاسر الوحيد هو العرب. يمكن أن يكون الرد العربي عنيفاً، ويضرب الأميركيون بقوة، لكن الأميركيين لا يقاتلون فوق أرضهم، بينما العرب، وبالتحديد، السعودية وسوريا وغيرهما، فستكون بلادهم مسرحاً لتلك الحرب...

          وفي ظروف اليأس والإحباط، سيكون الغرب هو الرابح.... إن هذا التهديد الأجنبي خطير، وخطير إزاء قضية التضامن العربي المهددة بالتفكك إذا ما دمر العراق.

          ـ نحن نرى، أن أي طرف لن يقدم على الحرب، لأن الحرب ستكون مدمرة للجميع وخاصة للعراقيين. ومثل هذا الحدث يمكن أن يتسبب بصدمة مأساوية تجاه الوحدة العربية. ويمكن أن ينعكس ذلك على الأوضاع الاقتصادية. وإذا نظرنا إلى الأمور من الزاوية الاقتصادية، فإن تلك الحرب ستطاول آبار النفط في المنطقة وتحديداً في العراق. ومن مخاطر الحرب أن أضرارها ستطاول آبار النفط وبلغ تعدادها حوالي 300 بئر في الكويت، وربما ما يعادلها في العراق. ولنتخيل الكارثة التي يمكن أن تحصل بانفجار كل هذه الآبار، وما نتج عنها من تلوث للبيئة وتسرب للغازات، تلك الأضرار التي لن تقتصر على العراق والكويت وحسب بل ستمتد إلى سوريا والمنطقة، ويهتز العالم كله لمثل هذه الكارثة. لذلك لا أتصور أية فائدة يجنيها الأميركيون!

          ـ لا بد أن نساعد الأطراف الأساسية على أن لا تخطئ. ففي الأمم المتحدة، ركزنا على أن واقع العالم العربي لا يدرك بصفة صحيحة من الخارج وهو ان انقسام العالم العربي فيما يخص الخليج غير ما يتصوره البعض.

          عندما وقع تحشد لقوات أجنبية وعندما وجد بلد عربي أي العراق في موقع مواجهة مع باقي العالم وخاصة مع أعظم دولة اقتصادية وعسكرية في العالم، كل الباقي أصبح ثانوياً، هذه هي الصورة التي تشغل بال الشعوب العربية التي هي تحت تأثير صدمة، وشعور عميقين باشمئزاز.

          ففي حالة حدوث كارثة في أزمة الخليج، سيتغير هذا الشعور إلى شعور باليأس وبالذل العميقين، الأمر الذي سيؤدي لا محالة إلى تطورات في العالم العربي ستضر به وبمصالح البلدان الغربية.

          هذا كلام لا يمكن أن يصرح به في كل مكان، لكن من واجب الجزائر أن تقوله حتى لا يخطئ المرء في تحليله.

          وعلى العكس، إذا استطعنا غداً أن نحل هذه القضية دون أن تنتهك سلامة بلد عربي، من المتوقع، وهذا ما نأمله، أن تكون لهذه الهزة آثار إيجابية على العالم العربي وعلى ما يمس علاقاته مع الخارج.

          فالدبلوماسية الجزائرية تعمل على أساس هذا التحليل الذي فاتحت به أشقاءها، وكذلك شركاءها الغربيين. وما أحاول ان أقول هنا هو انه يصعب تسوية أزمة الخليج دون معالجة القضية الفلسطينية ودون أن نأخذ بعين الاعتبار الرأي العام العربي الذي يعبر عن موقفه والذي بإمكانه أن يغير سير الأمور في أي بلد عربي، وأن يؤثر على علاقات كل بلد عربي مع شركائه الأجانب.

          ـ نحن اليوم أمام مفترق طرق. فالأزمة الراهنة، إما أن تخفي فوائد هامة أو تحمل إلى العرب سلبيات خطيرة.

          ـ فالأزمة يجب أن تحل وفق قواعد واضحة. وإنْ رفض العرب حلها، فتلك هي المأساة. وإنْ استطاعوا إيجاد الحل المثالي على قواعد حقيقية، وسياسية، فذلك يعني بعث العالم العربي. وعدا ذلك تكون الكارثة بانفجار العالم العربي.. والحلان ممكنان. ومصير العرب يتوقف على أسلوب العمل. ولا نتخيل أن حلاً يرتكز إلى مثل تلك القواعد الأساسية يكون العراق خارج إطاره فمثل هذا الاحتمال يساهم في تفتيت العالم العربي. فعلينا السعي إلى جو تضامني، نعي فيه مصالحنا وحقوقنا كعرب. حينئذ فقط نكون بغنى عن الأميركيين. لهذا كانت المساعي نحو الوحدة العربية ملموسة وفعلية.

          ـ في وقت غير بعيد وليس فقط في العالم العربي كان من الممكن أن تفرض الوحدة بحد السيف. أما في نهاية القرن العشرين، لا يمكن أن تتحقق الوحدة دون أن تتكفل الشعوب العربية بمصيرها. من المتوقع إذن أن يعمم المسار الديمقراطي. ولا يمكن أن نتكلم عن إمكانية الوحدة العربية إلاّ إذا حدث ذلك. لكن ينبغي إضافة التضامن الضروري لمفهوم الأمة العربية.

          وفي كل حال من الأحوال مهما كانت نتيجة الأزمة، لا يمكن الإبقاء على الوضع الذي كان عليه العالم العربي من قبل.

          ـ مهما كان رأينا في أزمة الخليج فلا يمكن أن ننظر إليها كأزمة منعزلة، إلا إذا أردنا تشويه الحقيقة، فالأزمة قامت في منطقة معينة ويستحيل فهم أسبابها، وبالتالي إيجاد حل لها إذا لم نعد إلى الوضع السائد في المنطقة وليس فقط منذ 2 آب [أغسطس].

           والحاصل أن رئيس الولايات المتحدة قد أوضح على منصة الأمم المتحدة، أنه إذا ما حلت أزمة الخليج ستكون هناك إمكانية ومجال مفتوح لتسوية القضية الفلسطينية. ألا يشكل هذا اعترافاً واقعياً بوجود علاقة بين أزمة الخليج والقضية الفلسطينية؟ هذه العلاقة تظهر بوضوح أكثر في خطاب الرئيس ميتران وعدد كبير من الأوروبيين. هناك إذن شبه إجماع يقول فيما إذا حلت أزمة الخليج فإن القضية الأولى التي ستوضع على جدول أعمال المجموعة الدولية هي القضية الفلسطينية. فهناك إذن في رأينا اعتراف مبرر. وفي مجال المجلس إذا ما اعترفنا بأن هناك علاقة بين هاتين القضيتين فلسنا نرى لماذا نرفض مثل هذه العلاقة في مجال التسوية، حتى ولو أن هذه العلاقة ليست آلية بالضرورة على الصعيد التطبيقي أو بعبارة أخرى أن ما هو وارد بالنسبة للفحص لا بد أن يكون وارداً كذلك بالنسبة للعلاج.

          ـ لكن أعتقد أن الفكرة التي تحظى حقيقة بالإجماع هي فكرة عقد مؤتمر دولي، بمشاركة كل الأطراف المعنية على قدم المساواة بما في ذلك منظمة التحرير الفلسطينية.

 

المصدر:

"الديار" (بيروت)، 22/11/1990. أجرت الحديث ثريا عاصي.