عندما وصلت إلى جنيف الليلة الماضية قلت انني جئت بذهن مفتوح وكان هذا هدفي وجئت بحسن نية. إن أهم عنصر في هذه المحادثات أُلفتكم إليه هو أنها حدثت بعد 5 أشهر من وقوع أحداث الخليج. ولفت نظري بيكر إلى ذلك، وإلى أن الاجتماع جاء بعد قرار مجلس الأمن تحت ضغط الولايات المتحدة، وذلك يفرض موعداً محدداً على الدبلوماسية. قلت له لو أننا اجتمعنا قبل أشهر لاستطعنا إزالة كثير من سوء الفهم.
لقد تحدث طويلاً عن افتراضات بلده في شأن سوء تقدير العراق، فقلت له اننا لم نسئ التقدير. إننا نعي الموقف منذ البداية. وإننا نفهم ماذا يعني إرسال قواتكم إلى المنطقة وماذا يعني فرض إرادتكم على مجلس الأمن... لذلك لا تحدثني عن سوء تقدير. إنه غير صحيح. يجب تبادل الآراء لإزالة سوء التفاهم. سمعت الوزير بيكر يصف اجتماعنا، من ناحية عملية كان اجتماعاً جدياً. استمعنا بدقة أحدنا إلى الآخر وأعطى كل منا الآخر فرصة تبادل المعلومات. من هذه الزاوية أنا مرتاح، لكن بيننا خلافات كبيرة وخطيرة على القضايا التي بحثنا فيها.
وكرر بيكر مواقف أميركية معروفة. إنه مهتم بشيء واحد هو وضع الخليج وقرارات مجلس الأمن في شأنه. قلت له بوضوح أن المطروح في منطقتنا هو السلام والأمن والاستقرار (...) فإذا كنتم مستعدين لإحلال السلام كاملاً وعادلاً لكل المنطقة فإننا مستعدون للتعاون. وقلت له ليست لنا مشكلة مع الشرعية الدولية ومبادىء العدالة فهي لمصلحة شعب العراق والأمة العربية. إننا نطلب منذ عقود احترام هذه المبادىء وتنفيذها في منطقتنا. غير أن الإسرائيليين لم يحترموها ولم يطبقوها. فهم حصلوا على دعم أميركي قوي ومستمر. فإذا غيرت الإدارة الأميركية موقفها وعملت معنا ومع بقية أطراف المنطقة لإحلال السلام العادل والدائم والشامل، فإنه يسعدنا ذلك وسنساهم فيه بحماسة.
بالنسبة إلى النظام العالمي الجديد قلت له ليست لنا مشكلة معه، ونريد أن نكون جزءاً منه، إلا إنه يجب أن ينفذ بعدل وفي جميع القضايا لا باستخدامه انتقائياً وفرضه على قضية واحدة حسب وجهة نظر الولايات المتحدة (...) وشرحت له تاريخ اهتمام العراق بالقضية الفلسطينية وقلت له انها مسألة أمن قومي لنا، فإذا لم تحل لا نشعر بأمن في بلادنا.
مسألة أمن العراق والدول العربية، أن تحل قضية فلسطين حسب المبادئ الدولية وبعدل. وقال بيكر إنه لا يصدقنا فأجبته جرّبنا واختبر مدى صدقنا.
تحدثت طويلاً عن الربط بين قضايا المنطقة وقلت له اننا نتكلم عن الربط بإخلاص لأن ما حدث قبل 2 آب [أغسطس] مرتبط بما حدث بعده قلت له ان الولايات المتحدة نفذت حظراً على العراق قبل 2 آب (أغسطس). كان لنا تعامل مع الولايات المتحدة وكنا نشتري أغذية ببليون دولار ونفذنا تعهداتنا بدقة. وفي بداية 1990 علقت الولايات المتحدة الصفقة التي كانت مربحة للطرفين وحرمنا مواد غذائية. ثم قررت أميركا منع العراق من شراء قائمة طويلة من البضائع وشاركتها بريطانيا وغيرها. وكان ذلك قبل 2 آب [أغسطس]... التهديد للفلسطينيين كان هناك قبل ذلك التاريخ، وكذلك التهديد لأمن الأردن (...) إذا كان لنا أن نحل السلام علينا البحث في جميع القضايا. نحن لنا مجموعة قرارات عن قضية فلسطين أهملت من عقود. القراران 242 و 338 لم ينفذا بعد، الولايات المتحدة ومجموعة التحالف لم ترسل قوات لتنفيذ القرارات ولم تفرض إجراءات على إسرائيل لتنفيذ القرارات. على العكس إن الولايات المتحدة غطت على إسرائيل وحمتها ولا تزال تزودها السلاح والمال للبقاء متصلبة، إذا كانت المسألة قرارات مجلس الأمن نريدكم أن تلتزموا كل القرارات وإذا حدث هذا فخلافات كثيرة بيننا ستسوى.
لهجة الوزير بيكر دبلوماسية ومهذبة ورددت بمثلها إلا ان المحتوى كان مليئاً بالتهديد. وقلت له اننا لن نذعن للتهديد بل نريد حواراً إيجابياً لإحلال السلام في المنطقة وبين بلدينا.
عندما درسنا أسلحة الدمار الشامل قلت له انه عندما أثارت الولايات المتحدة القضية أعلن رئيسي وبلّغ شيوخاً (أميركيين) بينهم بوب دول أن العراق مستعد للانضمام إلى اتفاق يزيل كل أسلحة الدمار الشامل في المنطقة، بما في ذلك النووية والبيولوجية والكيماوية. قلت لبيكر تركزون على العراق وتتجاهلون إسرائيل، إنها تملك أسلحة نووية ولا يوجد ضمان أنها لن تستخدمها. الضمان الوحيد هو اتفاقنا على إزالة كل أسلحة الدمار الجماعي وأعتقد أنك لن تستطيع الحصول على تعهد مماثل من وزير خارجية إسرائيل أو رئيس وزرائها.
لدينا حساسية قوية ضد الازدواجية في التعامل مع المنطقة. مع إسرائيل إنكم هادئون وتنتظرون أشهراً، وإذا رفضوا لا تفعلون شيئاً. أما بالنسبة إلى العرب فأنتم ترفعون العصا، ونحن فقدنا صبرنا حيال هذه السياسة. نرفض معاملتنا هكذا نريد معاملتنا بأسلوب كريم واحترام.
سمعتم أنني رفضت الرسالة من بوش إلى رئيسي، وسلّمني نسخة منها قرأت ببطء ودقة وعلمت محتواها. وقلت انني آسف لا أستطيع قبول الرسالة لأن لغتها لا تتفق مع لغة تخاطب بين رؤساء دول. ليس لي اعتراض على إبداء بوش موقفه. إن تبادلاً جدياً للرسائل يمكن، ولكن يجب أن يوضح موقف كل فريق. كان على رئيس دولة، إذا كان يريد السلام، ويخاطب رئيساً آخر، أن يختار لغة مهذبة، والتهذيب لا يناقض المحتوى. لغة الرسالة كانت تناقض أسلوب التخاطب بين رؤساء الدول، ولذلك رفضتها.
وسئل الوزير العراقي هل يعتقد أن الحرب مع الولايات المتحدة حتمية، فأجاب: "هذا أمر يعود إلى الولايات المتحدة، نحن مستعدون لكل الاحتمالات، وإذا هاجمونا لن نفاجأ. عندنا تجربتنا في الحرب، فإذا قررت الإدارة الأميركية الهجوم فالعراق سيدافع عن نفسه. نحن أمة شجاعة ونشعر بعمق أنه أُسيئت معاملتنا كأمة عربية." وعندما سئل هل تهاجمون إسرائيل إذا وقعت الحرب، أجاب: "نعم قطعاً نعم". وسئل هل هناك ظروف ينسحب العراق بموجبها من الكويت، فأجاب: "لن أرد على أسئلة افتراضية قلت إذا كانت الولايات المتحدة مستعدة للبحث في كل قضايا المنطقة على الأسس والمبادئ نفسها فنحن مستعدون." وسئل كيف تقدرون عزم الولايات المتحدة على قتالكم، فأجاب: "بحثنا في هذا الموضوع طويلاً خلال المحادثات، وقلت للوزير بيكر اننا نتابع ما يدور في الكونغرس والصحف وواجبنا أن نعرف ماذا يدور عندهم. إلا انني قلت له ان قرار الولايات المتحدة يعود إليكم. نحن أعددنا أنفسنا للأسوأ منذ البداية لذلك لا نسيء التقدير، ولكن نقول لك ان أي تأييد في الولايات المتحدة لفرض السلام سنقدره ونحن نقدر."
وسئل الوزير العراقي هل يقابل مسؤولين أوروبيين، فأجاب. "ليست عندي مواعيد. الأوروبيون دعوني ثم سحبوا الدعوة عندما اختلفنا مع الأميركيين على المواعيد. ولكن عندما أعادوا الدعوة بعد اتفاقنا مع الأميركيين رفضتها وقلت لهم إنني مستعد للاجتماع بهم في بغداد." وهل غيّر اجتماعه مع بيكر أياً من مواقف الوزير الأميركي؟ أجاب: "أسمع الراديو ومحطة (سي. إن. إن.) سمعت بيكر يتكلم عدة مرات في الأشهر الأخيرة وكذلك الرئيس بوش. ولم ألمس شيئاً جديداً في اجتماعنا مع بيكر في جنيف، لكن اللهجة كانت دبلوماسية وليست قاسية كما تعودنا." وهل يتعهد عدم ضرب إسرائيل قبل أن تضرب الولايات المتحدة العراق، ولماذا لا تحدثون إسرائيل؟ أجاب: "العراق لن يهاجم أحداً قبل أن يهاجم. عملنا سيكون رداً على الهجوم ودفاعياً. أما عن المحادثات فليس هناك خلاف ثنائي بين العراق والإسرائيليين. هناك قضية فلسطين، واحتلال أراضي فلسطين. فإذا التزموا العدل والقانون الدولي عليهم التكلم مع الفلسطينيين وسيؤيدهم العرب. والإسرائيليون كانوا يعدون لمهاجمة العراق السنة الماضية."
المصدر:
"الحياة" (لندن)، 10/1/1991.