بيان الرئيس حسني مبارك يناشد فيه الرئيس العراقي الانسحاب من الكويت، القاهرة، 31/12/1990
النص الكامل: 

          أخشى أننا نقترب من جحيم لا يرحم، ومن أيام رهيبة، يعلم الرئيس صدام حسين قبل أي شخص آخر، أنه لا سجال فيها ببيانات التحدي وبلاغات التصدي، فكل هذا لن يمنع مصيراً تشيب فيه الرؤوس، وتتقوض المدائن، وتتناثر أشلاء الضحايا في بحور الدماء من هول ما تفعله أسلحة الدمار الفتاكة، وتنزل أفدح الأضرار بمصالح الشعوب العربية، وأولها الشعب العراقي.

          إن الجميع ينشدون السلام، والكل بإجماع الآراء في أرضنا العربية وفي عالمنا الإسلامي وعلى المستوى الدولي يريد السلام.

          وإذا وجدت أصوات يمكن أن تتلمس منها، أيها الأخ الرئيس صدام، تأييداً لموقفك، فهي رافضة لاحتلال الكويت وضمها للعراق، وهي آملة أيضاً في السلام ساعية إلى تحقيقه.

          ودعنا ممن يحرضون على مواجهة دامية، هي غير متكافئة بكل المقاييس، فإنهم لا يدركون ـ بكل الأسف ـ حقائق الأمور، أو هم لا يزالون يمارسون الشعارات التي أضاعت منا الكثير من الحق والوقت والأرواح.

          وأكرر القول لك ان انسحاب القوات العراقية من أرض الكويت ـ بعد كل ما جرى ـ هو القرار الشجاع.

          الشجاعة هي في التجرد من الذات في قرار أن تكون الحياة الإنسانية أو لا تكون. وهذا قدر القادة الذين وضعتهم شعوبهم في موقع المسؤولية الأولى.

          أناشدك التضحية بأي اعتبار تتصوره ماساً بذاتك، فبغير هذه التضحية الصغيرة فأنت تضحي بحياة مئات الألوف من الرجال والنساء والأطفال، تضحي بأرواحهم بحاضرهم ومستقبلهم بأسرهم، ببيوتهم، ثم ناهيك عن الخراب الشامل الذي يحطم مواقع التنمية والإنتاج ولن تعوضه سنوات جهد أو خزائن المليارات.

          لسنا في آمال انتظار تفكك دولي، أو انقسام في الآراء، ومصير الحرب والسلام على أرضنا العربية محكوم الآن بقرار دولي إجماعي لا رجعة فيه، ببيانات واضحة متلاحقة من كل من شاركوا في القرار. وأسمح لنفسي أن أكرر لك وبأعلى الصوت أن الموقف أخطر مما يمكن أن تتخيله أية توقعات. والقرار، قرار السلام، بيدك أنت في المقام الأول. ولن تكون معنا بهذا القرار إلا مواطناً عربياً شجاعاً، استجاب لضمير أمته وكم عانت أمتنا من شعارات الهتافات.. وكم تعاني أمتنا من خنادق الوقت الضائع التي نقيمها بأنفسنا، لنقع فيها ونؤخر مسيرتنا بأيدينا.

 

المصدر:

"الأهرام" (القاهرة)، 1/1/1991.