حديث صحافي خاص للرئيس ياسر عرفات بشأن الانتفاضة في المناطق المحتلة في عامها الرابع، تونس، 7/12/1990
النص الكامل: 

          ـ أنا أتذكر الكثير من المسؤولين العرب والعالميين الذين كانوا يشككون بقدرة الشعب الفلسطيني على الاستمرار في هذه الانتفاضة وبزخمها وبقوتها ومقدرتها على هذه الديمومة الطويلة بهذا التصعيد الرائع. وأنا ما زلت أذكر البدايات الأولى حين كان هناك من يشكك في من وراء الانتفاضة ومن هو العقل المدبر لهذه الثورة الشعبية وما هي مراحل عملها. ولقد قلت في البداية اننا قسمنا الانتفاضة إلى ست مراحل. نحن الآن في المرحلة الرابعة وأمامنا مرحلتان هما مرحلة الإضراب الشامل ومرحلة العصيان المدني. وهناك مرحلة سابعة أشرت إليها لكني لن أذكر تفاصيلها وهي متروكة لتطورات الأحداث. ويكفي هنا أن أذكر بما قاله يتسحاق رابين قبل  أيام بأنه أساء تقدير حجم الانتفاضة وقدرة الشعب الفلسطيني على هذا النفس الطويل في مواجهة آلة القمع الإسرائيلية.

          ولا تنس أن رابين كان وزير الدفاع آنذاك. وأنا أريد أن أذكر كذلك أن هذه الانتفاضة استمرت على رغم بخل بعض العرب. وكل ما يقال عن دعم لهذه الانتفاضة على الصعيد العربي هو دون المستوى الأقل والأدنى المطلوب لأقل حاجات هذه الانتفاضة. إن خسائر شعبنا في داخل الأرض المحتلة تعادل مائة مليون دولار شهرياً. معنى ذلك أن الخسائر هي 3,6 بلايين دولار في ثلاث سنوات، هذا إلى جانب 1200 شهيد و 86 ألف معتقل ما زال قسم كبير منهم في معسكرات الاعتقال الجماعية التي هي أسوأ من معتقلات النازيين. وهناك أيضاً أكثر من 120 ألف جريح بما في ذلك 7 آلاف معاق و 7500 حالة إجهاض بين نسائنا. أما عدد الشهداء والجرحى والأسرى من الأطفال ما دون 16 سنة فيعادل باعتراف الأوساط الإسرائيلية 40 في المائة من عدد الشهداء والجرحى والمعاقين والأسرى.

          وهنا لا بد أن أشير بشكل واضح إلى المحاولات الإسرائيلية ومن ورائها دعم أميركا اللامحدود لضرب معنويات الشعب الفلسطيني. وأذكر هنا الأموال الأميركية التي تتدفق منتهزة أزمة الخليج لتعطي الإسرائيليين هذا الدعم اللامحدود لإسكان المهاجرين اليهود السوفيات الذين وصل عددهم هذه السنة إلى أكثر من 300 ألف مهاجر معظمهم من اليهود السوفيات. ليس هذا فقط لكن يتسحاق بيرتس وزير الاستيعاب والهجرة الإسرائيلي أعلن أن 35 في المائة من هؤلاء ليسوا يهوداً. وأكد هذا الرقم رابين كما أكده غيره من المسؤولين وكل قيادة حزب "شاس" الديني.

          ـ أريد أن أؤكد مرة أخرى في هذا المجال أن ما أشرت إليه بهذا الترابط بين أزمة الخليج والقضية الفلسطينية هو أنه عندما تكلمنا فيه في البداية، هناك كثيرون لم يستوعبوا مثل هذا الطرح إلى أن أصبح عليه إجماع عربي بدأ كثيرون يتكلمون عن هذا الأمر، بما في ذلك الخطاب الذي ألقاه الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة وهو لا يمثل في ذلك بلاده فحسب بل الموقف الخليجي أيضاً. ثم جاء خطاب الرئيس ميتران ومبادرته في الأمم المتحدة والبيان الصادر عن الرئيسين غورباتشوف وميتران بعد محادثاتهما في باريس والمؤتمر الصحافي الذي أعلنا فيه اتفاقهما في هذا المجال. هناك أيضاً البيان  الأوروبي ـ السوفياتي وموقف الصين وموقف المستشار الألماني كول الذي قال أخيراً ان أزمة الخليج مترابطة مع القضية الفلسطينية والمشكلة اللبنانية. هناك موقف اليابان أيضاً ومواقف الدول الإسلامية والإفريقية، بل حتى الرئيس بوش أشار في خطابه في الأمم المتحدة إلى هذا الربط لكنه اختلف معنا في التوقيت والتزامن، إذ قال انه لا بد من حل المشكلة الفلسطينية ولكن بعد حل مشكلة الخليج. غير أني أريد أن أقول انه إذا لم تكن هناك ضمانات، فإن المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين. نحن أخذنا وعوداً كثيرة جداً جداً جداً جداً... من دول كبرى ومن أميركا بالذات بما في ذلك الحوار الأميركي ـ الفلسطيني الذي قطع قبل أزمة الخليج استناداً إلى عملية عسكرية قام بها "أبو العباس" ولم تنزل فيها قطرة دم يهودي، بينما كان الموقف الأميركي أمام المذابح التي يقوم بها الإسرائيليون ضد الشعب الفلسطيني وضد المقدسات الإسلامية والمسيحية في فلسطين عدم قطع الحوار. بالعكس حصلت إسرائيل على مزيد من الدعم والتأييد والحماية بما في ذلك استخدام "الفيتو" عشر مرات في سنة واحدة سواء كان ذلك بالنسبة إلى القضية الفلسطينية أم القضية اللبنانية.

          ـ عندما اجتمعت مع الرئيسين الهراوي والحص في القاهرة، طرحا علي هذا الموضوع وقلت لهما مرحباً، أنا موجود في صيدا ولكم جيش في صيدا. هل منعت أنا امتدادكم في صيدا وسيطرتكم على صيدا وحركتكم في صيدا؟ هل تدخلت في سيطرتكم كجيش على ميناء صيدا؟ فأجابا: كلا. قلت لهما: هذا إقليم التفاح بدكم تدخلوه لست أنا الذي يمنعكم من ذلك، بل ان الآخرين هم الذين يمنعونكم ولا تنسوا أن إقليم التفاح هذا هو خط الدفاع الأول مع إسرائيل وجيش لحد (ميليشيا "جيش لبنان الجنوبي") بالنسبة إلى مخيمات الفلسطينيين. وإذا كنتم تريدون أن تأتوا فأهلاً وسهلاً بكم وسأفتح لكم صدري لنواجه معاً التهديد الإسرائيلي المستمر بارتكاب مذابح معدة مسبقاً للفلسطينيين في الجنوب اللبناني ونحن نحترم ونقدس سيادة لبنان واستقرار لبنان وأمن لبنان ووحدة الأراضي اللبنانية. ونقول لهم أهلاً وسهلاً بكم وإذا كنتم تريدون التفاهم معنا فنحن على استعداد لذلك.

          ـ الفلسطينيون موجودون هناك أليس كذلك، ألا يريد الفلسطيني أن يشتغل أم أنه ممنوع عليه أن يشتغل؟ ألا يريد أن يأكل؟ ألا يريد أن يدرس وأن يسافر وأن يتنقل؟ ألا يريد أمنه ضد إسرائيل حتى لا تحصل مجزرة صبرا وشاتيلا جديدة؟ هنا لا بد أن أشير أننا لسنا ميلشيا لبنانية. نحن جيش التحرير الوطني الفلسطيني الموجود في العراق ومصر وسوريا والأردن والجزائر وليبيا واليمن والسودان كما أنه موجود سرياً في الأراضي المحتلة وهو يقوم بالعمل العسكري ضد الاحتلال. نحن موجودون في أكثر من مكان في منطقتنا العربية ونحن على استعداد لتنظيم هذا الوجود بالتفاهم والمحبة بيننا وبين إخواننا اللبنانيين.

 

المصدر:

"الحياة" (لندن)، 8/12/1990.