العلاقة السوفياتية – السورية منذ سنة 1955: حلف قلق
The Soviet-Syrian Relationship Since 1955: A Troubled Alliance
By Pedro Ramet. Boulder, Colorado: Westview Press, 1990.
موضوع هذه الدراسة المفصلة بقلم بدرو رامت هو العلاقات السوفياتية – السورية على امتداد العقود الثلاثة الماضية من الزمن. والكتاب محاولة تثير الإعجاب، وتهدف إلى صوغ معلومات ترد من مصادر شتى، فيما يتعلق بدينامية العلاقات السياسية بين الاتحاد السوفياتي وسوريا خلال تلك الحقبة المهمة من الزمن.
يتضمن معظم الكتاب وصفاً للمكوّنات المختلفة للعلاقة بين السوفيات والسوريين، والتي هي تارة هادئة وطوراً متأزمة، وذلك منذ سنة 1955 حتى يومنا هذا. ويصف المؤلف لنا كيف تطورت العلاقات منذ سنة 1955 نتيجة "توافق في المصالح". ثم يمضي ليفصِّل لنا تأثير مختلف الأحداث فيها، إما لجهة تعزيزها وإما لجهة إضعافها موقتاً، لكن من دون المساس بجوهر هذا التفاعل. ويذكر المؤلف، وبحق، كيف أن الانقسامات بين سوريا ومنظمة التحرير الفلسطينية تسببت عبر الزمن بحدوث نكسات في هذا الحلف، وكيف أن انهيار العلاقات السوفياتية – المصرية من جهة أخرى، مع ما واكبه من خروج قسري للسوفيات من مصر، ضاعف من أهمية سوريا للاتحاد السوفياتي كحليف رئيسي له في المنطقة.
إن أحد افتراضات المؤلف الرئيسية، هو أن العلاقات السوفياتية – السورية مثال للتفاعل على أساس "صاحب العمل والزبون" لا على أساس "الامبراطورية وما يدور في فلكها"، كما هي الحال مع أفغانستان. فصاحب العمل، كما جاء في تعريف المؤلف، هو "أية قوة تتعهد بأن تقدم إلى قوة أقل منها دعماً طويل الأمد وموثوقاً به، على أمل الحصول على بعض الفوائد." أما الزبون فهو "عامل مستقل". ويمضي المؤلف من هذا التعريف ليصف لنا كيف استمرت هذه العلاقة الخاصة عبر الزمن. واستناداً إليه، فإن "المصالح والطموحات السوفياتية عالمية المدى، بينما مصالح سوريا وطموحاتها إقليمية... فالتوازن الكامل ليس ضرورياً لتحقيق الثبات والاستمرارية" (ص 254). ويشدد المؤلف على الطبيعة المستقلة لكل طرف من طرفي هذه العلاقة. لذا، فهو يطرح أمامنا مثالاً مقنعاً للعلاقة بين صاحب العمل والزبون. ويقول المؤلف، وبحق، إن في مثل هذه العلاقة "يتمتع الزبون بقدر أكبر من حرية التحرك في سياسته في النطاق الإقليمي. ومن هنا فهو يتمتع بموقف من التوازن الفعلي في هذه العلاقة، وذلك على الرغم من التفاوت في القوة" (ص 67)؛ وهذا أمر لا يمكن لدولة تدور في فلك دولة أخرى أن تغامر بالقيام به.
وعلى الرغم من أن المؤلف يفحص بعمق المصالح والأهداف السوفياتية والسورية المتصلة بهذا التحالف، فهو يفشل في تحليل ترتيبها استناداً إلى الأولويات. كذلك، في إمكاننا أن نضع علامة استفهام على تحاليله لبعض الأهداف. فعلى سبيلا المثال، يقول المؤلف إن الأولوية بالنسبة إلى الاتحاد السوفياتي كانت أن "يستثني" منافسيه من المنطقة، لكن الواقع هو أن موسكو كانت ترغب تاريخياً في أن يُنظر إليها فقط كشريك كامل إلى جانب باقي الدول الكبرى، وأن ترسي أقدامها في المنطقة جنباً إلى جنب مع غيرها. كذلك، فإن المؤلف يفشل في عقد مقارنة بين حوافز السياسة السوفياتية حيال سوريا في الخمسينات، وبين الحوافز القائمة في يومنا الحاضر. وعلى سبيل المثال، فلو كان الزعماء السوفيات في الخمسينات ينظرون إلى الصراع العربي – الإسرائيلي أنه يمثل فرصة للاستغلال ومنطقة صالحة للمكاسب ضد منافسيهم، فما الذي جعلهم منذ سنة 1982 يفقدون ثقتهم بمصداقية شركائهم في الشرق الأوسط؟
وفي نهاية المطاف، وعلى الرغم من أن المؤلف يشير في خلاصته إلى السبب الذي جعله يؤمن بإمكان التغيير في المستقبل، فإنه لا يؤكد بما فيه الكفاية، "التفكير الجديد" لدى غورباتشوف. كذلك، فإن المؤلف لا يبحث، بما فيه الكفاية، في التغييرات في التفكير والأولويات التي قد تشجع الزعيم السوفياتي (ومنها على الأخص اهتمامه بالعلاقات السوفياتية – الأميركية) على تغيير سياسته في الشرق الأوسط عامة، وحيال سوريا خاصة. وهذه الأمور كانت قد أصبحت واضحة تماماً حين كتب المؤلف كتابه. وكان أيضاً من المفيد لو ضمّن المؤلف كتابه المزيد من المعلومات عن تطور العقيدة السوفياتية في مجال العلاقات الخارجية وتأخيرها في الشؤون العربية – السوفياتية، وذلك كي يقدم لقارئه بعض الإشارات المقنعة التي تساعد في فهم التغيّرات التي قد تطرأ مع وجود غورباتشوف في الحكم.
وبما أن المصادر الأولية فيما يتعلق بالسياسة السوفياتية الخارجية ليست متوفرة حتى الآن، ونظراً إلى أن الدراسات الصادرة في شأن السياسة الخارجية السوفياتية هي حتى الآن وصفية في الغالب، فليس من المستغرب أن نجد أن نزعة هذا الكتاب الأساسية هو نحو السرد لا التحليل. لكن المؤلف يستعيض عن ضحالة المصادر الأولية بالمقابلات الشاملة التي أجراها. ومن هنا، فإن هذا الكتاب يملأ فراغاً مهماً في هذا الحقل، ومن شأنه أن يصبح مصدراً مفيداً كدراسة عامة وكمرجع في هذا الموضوع.
* نقلاً عن: JPS, No. 77.