مئير. "صحوة المسلمين في إسرائيل" (بالعبرية)
الكتاب المراجع
النص الكامل: 

صحوة المسلمين في إسرائيل (بالعبرية)

بقلم توماس مئير.

غفعات غيبا: معهد الدراسات العربية، 1988.

 

يتألف الكتاب من مقدمة، وستة فصول، وخلاصة، وملاحق وثائقية مترجمة إلى العبرية عن أصولها العربية.

في المقدمة، يثير المؤلف عدداً من المشكلات المنهجية "الصعبة"، التي تتعلق بدراسة ظاهرة "الصحوة الدينية في زمننا". وتنبع هذه المشكلات من صعوبة تعريف (أو تحديد) هذه الظاهرة، ومتى يتحول التعصب الديني إلى تطرف، وحقيقة الاعتبارات التي تحرك المجموعات الإسلامية عامة. وفيما يتعلق بموضوع البحث الذي بين أيدينا، يشير مئير إلى أن حركة "الشباب المسلم" مرت بأطوار مختلفة، الأمر الذي يجعل من الصعب الإجابة عن السؤال: "هل نحن إزاء حركة اجتماعية – دينية غيّرت وجهها، أم إزاء حركة تسعى لتحقيق أهداف سياسية بوسائل اجتماعية – دينية؟" كما أن مادة وثائقية ضخمة تتعلق بتطور هذه الحركة لم يتم الكشف عنها، وظلت في الملفات السرية للشرطة والمخابرات والوزارات الإسرائيلية المختلفة.

ومهما يكن الأمر، فقد اعتمد المؤلف على المواد المتوفرة، وعلى مقابلات شخصية عديدة أجراها مع قادة الحركة وأعضاء الجمعيات الخيرية، ومع طلاب وقضاة ومسؤولين في المؤسسة الدينية – الإسلامية، ومع مربّين وسجناء سابقين ورؤساء مجالس محلية عربية، ومحامين وتجار ومسؤولين في وزارتي الأديان والمعارف.

وفي تصدّي المؤلف لمشكلة "إطار الرواية" يأخذ على النظريات المختلفة، التي أدت موجة الحركات الإسلامية في العالم إلى بروزها، قصورها في تفسير ظاهرة "العودة إلى الإسلام"، ويعرض منها نظريات "الأزمة" و"النجاح" و"التطور". ويخلص مئير إلى تبني الرأي القائل أنه لا يمكن فهم الصحوة الإسلامية في مكان معين، إلا في إطار جملة واسعة من العناصر الداخلية والخارجية، ومنها الدوافع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والنفسانية والشخصية والعَرَضية. (سنرى أن الكاتب لم يوفَّق – لدى تطبيقه هذا المنهج – في إعطاء تلك العناصر الأهمية النسبية التي يستحقها كل منها، بل أنه بالغ في تقدير أهمية بعضها، وخصوصاً العناصر الشخصية.)

في الفصل الأول، "الخلفية التاريخية" (ص 26-35)، يقدم مئير عرضاً موجزاً لتطور الحركة الإسلامية في فلسطين، منذ بداية الانتداب البريطاني حتى الثمانينات. وهو يتطرق إلى "جمعية الشبان المسلمين" التي أسست فروعاً عديدة لها في العشرينات، وإلى حركة "شباب محمد"، وتجربة الشيخ عز الدين القسام الجهادية، وإلى ثورة 1936-1939 التي جرى تقديمها على أنها "جهاد" يخوضه "مجاهدون". ثم يشير إلى تطور قوة "الإخوان المسلمين" في الأربعينات (10 آلاف – 20 ألف عضو) وتركيزهم على العمل التربوي – الاجتماعي. وبعد أن يلحظ "الفراغ الكبير في المجال الديني" في أعقاب حرب 1948 ونتائجها، يشير إلى نشوء "مناخ ثقافي – أيديولوجي" في المنطق العربية في الستينات، لم يساعد في نشوء حركات دينية وسط الفلسطينيين بل حركات قومية علمانية، أبرزها حركة "الأرض".

وجاءت حرب 1967 "التي غيّرت، دفعة واحدة، الأوضاع السياسية – الاجتماعية في البلد ومحيطه"، وأسفرت عن تجدد اللقاء بين الفلسطينيين على جانبي خط الهدنة السابق. ثم تضافرت مجموعتان من العوامل في "تعزيز الهوية الفلسطينية – الإسلامية" لدى فلسطينيي 1948: الأولى خارجية وتتمثل في الثورة الإسلامية الإيرانية، وخصوصاً في بروز م. ت. ف.؛ والثانية داخلية وتتمثل في ازدياد التوجه نحو بدائيل وحلول إسلامية بتأثير النقد الذاتي الذي أعقب هزيمة 1967، وكذلك تفاعل فلسطينيي 1948 مع المناطق المحتلة منذ سنة 1967 (وصولهم إلى الأماكن المقدسة في القدس، ودراستهم في المعاهد الدينية الإسلامية في تلك المناطق... إلخ).

لا بد من التوقف هنا لإبداء بعض الملاحظات على العرض الذي قدمه المؤلف لتاريخ الحركات الإسلامية في فلسطين؛ ففيما عنى فترة الانتداب، جرى تغييب جانبين أساسيين يتعلقان بتطور هذه الحركات، هما:

1-  تجربة الجمعيات الإسلامية – المسيحية، التي شكلت الإطار الأول للحركة الوطنية الفلسطينية في مستهل الانتداب، والتي اتخذت طابعاً وطنياً أكثر منه دينياً.

2- المظهر الديني (اليهودي) الذي أسبغته الحركة الصهيونية على غزوها الاستعماري لفلسطين، والذي أثار ردات فعل دينية لدى الشعب الفلسطيني وأكثريته المسلمة.

أما فيما عنى الصحوة الإسلامية الراهنة، فإن المؤلف يخطئ إذ يحاول استقصاء دور بروز م. ت. ف. في نشوء هذه الصحوة. ومرد الخطأ هو الخلط بين فترتين مختلفتين قام فيهما هذا البروز بدورين مختلفين في تعزيز الهوية المزدوجة، الوطنية – الدينية، لفلسطينيي 1948. ففي الفترة الأولى، الممتدة حتى أواسط السبعينات، كان لصعود المقاومة الفلسطينية دور رئيسي في بلورة الجانب الوطني من هذه الشخصية، كما تجسدت بصورة خاصة في "يوم الأرض" سنة 1976. أما في الفترة الثانية، المتواصلة منذ نحو عقد من الزمن، فقد ساهمت الأزمة التي يعيشها العمل الوطني الفلسطيني (كجزء من  حركة التحرر الوطني العربية) في تقدم البديل الإسلامي ليأخذ حظه، مرة أخرى، في محاولة حل المعضلات الحقيقية المطروحة، وبالتالي في نشوء "الصحوة" الراهنة.

الفصل الثاني، بصفحاته الست (36-41)، يخصصه المؤلف للحديث عن الشيخ عبد الله نمر درويش: حياته وأفكاره. وحياة الشيخ، كما يقدمها مئير، لا تخلو من غموض وغرابة. فقد التحق الفتى الذي ولد سنة 1948 بالحزب الشيوعي الإسرائيلي. وفي سنة 1965، ترك الحزب "في أوضاع ليست واضحة تماماً". ثم تلقى العلوم الدينية في المعهد الإسلامي في نابلس، في الفترة 1969-1972. فاشتغل واعظاً في المساجد، ومدرساً إلى أن فصل من سلك التعليم سنة 1979. ومنذ تلك السنة، يعيش درويش عاطلاً عن العمل، على مخصصات الضمان الوطني، وضمنها التعويضات التي يتلقاها بسبب عاهته الناجمة عن إصابته بشلل الأطفال.

أفكار الشيخ درويش يعرضها المؤلف من خلال كتاب "إلى الإسلام" الذي صدر سنة 1975، ورسالته "أيها المسلمون" التي صدرت في السنة التالية. وتتلخص هذه الأفكار في أن المسلمين، وخصوصاً الشباب المسلم، تعرضوا لغزو فكري متواصل، من الغرب والشرق معاً. ولا تقف أهمية العودة إلى الإسلام في أنها وسيلة الرد على هذا الغزو، بل أن الإسلام هو الدعوة الإلهية للبشرية جمعاء إلى طريقة الحياة السويّة. ومثل هذه الأفكار، بحسب مئير، ليس جديداً وهو يعكس تأثير أفكار جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده، وأفكار "الإخوان المسلمين" – وهو ما ينفيه الشيخ نفسه.

إن تخصيص فصل كامل، وإنْ كان قصيراً، في كتاب قصير أصلاً، لرمز واحد من رموز الحركة الإسلامية الكثيرين، هو برهان أول على صحة ما أسلفنا من القول إن المؤلف قد بالغ في تقدير أهمية العوامل الشخصية في تطور هذه الحركة. وسنرى، فيما بعد، أن هذا ليس البرهان الوحيد.

في الفصل الثالث (ص 42 -55)، يعرض مئير تجربة "أسرة الجهاد"، وهي تجربة قصيرة غنية استمرت سنتي 1979 و 1980 فقط، وتكاد تكون غير معروفة في الوطن العربي لأسباب متعددة (طبيعة عملها السري؛ تكتم الأجهزة الأمنية في شأن نشاطها؛ الموقف المناوئ الذي اتخذته منها المؤسستان الدينية والسياسية العربيتان في فلسطين المحتلة منذ سنة 1948... إلخ).

يتحدث المؤلف عن تأسيس هذه المنظمة، وعقيدتها، وطريقة تنظيمها، وطابعها العسكري، ونشاطها العنيف ضد الأهداف الإسرائيلية. وبحسب مئير، فإن من قام بالدور الرئيسي في تأسيس "أسرة الجهاد" هو فريد أبو مخ، "القائد العام" للمنظمة، والذي كان يقود "القطاع الأوسط"، من قريته باقة الغربية. وكان إلى جانبه: توفيق مهنا محاجنة، قائد "القطاع الشمالي"، ومركزه أم الفحم؛ وعمر صرصور، قائد "القطاع الجنوبي"، ومركزه كفر قاسم. وكان لكل من هذه القطاعات "إدارة" تضم أمين صندوق، ومدرباً عسكرياً، وموجهاً دينياً، ومسؤولاً عن تخزين السلاح والمتفجرات.

اعتبرت الأسرة نفسها استمراراً لحركة القسام الجهادية. ولخصت أفكارها في الشعار: "فلسطين للفلسطينيين وطن، وللقوميين عربية، وللإسلام عقيدة" – وهو شعار يوضح توجه المنظمة إلى حل التعارض بين الوطني والقومي والديني في القضية الفلسطينية.

وبالنسبة إلى الخلفية الاجتماعية لـ"أسرة الجهاد"، يشير مئير إلى أن أعضاءها الستين هم في معظمهم شبان تقل أعمارهم عن 25 عاماً، وينتمون إلى "الطبقة الوسطى المتدنية". وقد نفذت المنظمة عدداً من العمليات ضد الأهداف الاقتصادية الإسرائيلية، قبل أن تبرز الخلافات بين قادتها العسكريين والروحانيين. فقد عارض الشيخ درويش، الذي يعتبره المؤلف زعيماً روحانياً للأسرة، وضع نظرية سعيد حوا في اللجوء إلى العمل العسكري موضع التنفيذ في "إسرائيل". ونشب توتر وعلاقات عدم ثقة بين أبو مخ ومحاجنة، على أرضية شكوك الأول في أن الثاني يستعل أموال الزكاة في تجارة السلاح لمصلحته الشخصية. وأدت هذه الخلافات إلى الإخلال بقواعد العمل السري، مما مكّن أجهزة الأمن الإسرائيلية من كشف أعضاء الأسرة واعتقالهم جميعاً.

ومع ذلك، يقول مئير، ظل هناك مكان واحد تزدهر "الأفكار الإسلامية المتطرفة" فيه، وهو السجون. ومنها تخرّج، في إثر عملية تبادل الأسرى سنة 1985، فتحي الناصر، "الخميني" الاتجاه.

في سرد قصة "أسرة الجهاد" و"التطرف" الإسلامي عامة في فلسطين المحتلة سنة 1948، يعطي المؤلف الاعتبارات "الشخصية" أهمية مبالغاً فيها قياساً بمجموعة العوامل التي أدت إلى انطلاق "الأسرة" و"التطرف". فهو، مثلاً، يفسر موقف الناصر بـ"دوافع شخصية" تمثلت في ردة فعله تجاه قيام السلطات الإسرائيلية سنة 1966 بمصادرة 14 دونماً من الأراضي تعود لعائلته (ص 51). بل إنه يعيد تحول أبو مخ إلى الإسلام إلى "معجزة سماوية" تمثلت في أن الله رزقه المولود الذكر الأول سنة 1977، بعد 17 عاماً من الزواج أنجب خلالها أربع بنات (ص 44). وإذا كنا لا ننكر العوامل الشخصية في تكوّن الأفراد الفكري، فإننا نعتقد أن مثل هذه العوامل لا يمكن أن يقوم بدور رئيسي في نشوء الحركات السياسية والتيارات الفكرية، كالتي مثّلتها "أسرة الجهاد".

يكرس المؤلف الفصلين الرابع والخامس لتناول حركة "الشباب المسلم" (ص 56-64)، ونشاطها (ص 65-71). ففي أعقاب القضاء على "أسرة الجهاد"، وخصوصاً بعد الإفراج عن قادتها اعتباراً من سنة 1983، بدأت تنشأ حركة عُرفت باسم "الشباب المسلم"، تختلف اختلافاً بيّنا عن سابقتها. فالحركة الجديدة تعمل ضمن إطار القانون الإسرائيلي، ومن خلال عدد كبير من الروابط والجمعيات الخيرية المسجلة لدى وزارة الداخلية الإسرائيلية أو المجالس المحلية العربية. وقد قام بين هذه الروابط والجمعيات تعاون وعلاقات متبادلة تبرر، في رأي المؤلف، اعتبارها تكوّن "حركة". وفي الوقت نفسه، أشار مئير إلى وجود آراء مختلفة داخل "نسيج الحركة المهلهل"، تتراوح بين تركيز على "التربية" والوسائل السلمية كما تعبّر عنه مجلة "الصراط" الشهرية، برئاسة الشيخ درويش، وبين أفكار الثورة الإسلامية "الخمينية" كما تعبر عنها مجلة "البيان" الشهرية، برئاسة د. خالد ذياب.

أما نشاط حركة "الشباب المسلم" فيتركز، انسجاماً مع منطلقاتها الأيديولوجية، في الحقل الاجتماعي – الثقافي. فالحركة تقوم بمساعدة العائلات المحتاجة (مثلاً، نحو 200 عائلة في أم الفحم سنة 1984). وتنظيم معسكرات العمل الإسلامية، وشق الطرق، وبناء المساجد، وإقامة المكتبات العامة... إلخ. ويقوم "الشباب المسلم" بمواجهة المظاهر المختلفة لـ"ثقافة الروك أند رول" الغربية، من موسيقى ورقص وبرامج تلفزية وأفلام ومسابقات جَمال، وغير ذلك. بل أن الحركة دخلت مجال الرياضة، فأسست "الاتحاد الرياضي الإسلامي" الذي كان يضم – حتى سنة 1987 – ما لا يقل عن 16 فريق كرة قدم. وتموّل الحركة الإسلامية نشاطها ومشاريعها (وبينها مشروع إقامة كلية للعلوم الإسلامية في الطيبة) بواسطة تبرعات من الخارج، وأموال الزكاة التي تجبيها "لجان الزكاة" المنتشرة في مختلف المواقع السكانية العربية.

في الفصل السادس، يعرض مئير علاقة "الشباب المسلم" بخصومهم في "الوسط العربي"، وخصوصاً حزب "راكح". وهو يستكمل الحديث عن القوى المعارضة للحركة في الفصل الأخير، الذي جاء بمثابة خلاصة عن فرص الحركة المستقبلية. وتضم هذه القوى، إضافة إلى "راكح"، مجموعات علمانية راديكالية مثل "أبناء البلد" و"الأنصار" من جهة، و"المعتدلين" الذين يسعون للاندماج في المجتمع الإسرائيلي، من جهاة أخرى. ويلحظ المؤلف، في الفصل السادس، تزايد نفوذ "الشباب المسلم" في أوساط العرب الفلسطينيين، من خلال بعض  المؤشرات، مثل: قيامهم، أول مرة، بخوض معركة انتخابات المجالس المحلية سنة 1984، وتحقيقهم بعض الإنجازات فيها. ونشير هنا إلى أن الكتاب يتوقف، في عرضه تطور الحركة الإسلامية، عند شباط/فبراير 1987. ولذلك نرى غياب مؤشر نتائج الانتخابات المحلية لسنة 1989، والتي كان أبرزها صعود الحركة المذكورة، بسيطرتها على 5 مجالس، وتمثيلها في 12 مجلساً من مجموع 48 مجلساً عربياً.

في الاستنتاج الموجز الذي توصل مئير إليه في كتابه، جاء ما ترجمته (ص 90): "إن فرص حركة 'الشباب المسلم' في التحول إلى قوة اجتماعية وسياسية مهمة في المجتمع العربي – الإسرائيلي، ترتبط بعدد من المتغيرات الداخلية والخارجية، التي لا يمكن التكهن بتطورها بصورة كاملة. وتشمل هذه العناصر تأثير الدعاية الإسلامية في الخارج، وتأثير الإصلاحات الداخلية في البلد، وحجم المساعدة الحكومية للقطاع العربي. ومن المنطقي الافتراض، مع ذلك، أنه إذا [لم] ينجح 'الشباب المسلم' في إقناع عرب إسرائيل بأن حركتهم لا تشكل تهديداً للحريات الفردية أو للسلم الاجتماعي، فقد يصبح نفوذ الحركة هامشياً وعابراً."

وفي تقديرنا أن هذا الاستنتاج – الصحيح في مجمله – يشكو نقصاً أساسياً، شأنه في ذلك شأن الكتاب إجمالاً. ويتمثل هذا النقص في تغييب المؤلف، الصهيوني، خصوصية الحركة الإسلامية في فلسطين (الناجمة عن خصوصية القضية الفلسطينية نفسها) التي تجعل تطورها مرهوناً بتطورالحركة الوطنية بكاملها. وهذا ما تؤكده، مرة أخرى، التطورات الأخيرة التي تتعلق بالانتفاضة / الثورة.