الدولتان العظميان والمنطقة، بعض آثار التغييرات الدولية الأخيرة
كلمات مفتاحية: 
العلاقات الدولية
العلاقات الاميركية الاسرائيلية
الولايات المتحدة الأميركية
روسيا
النزاع العربي الاسرائيلي
نبذة مختصرة: 

تعرض هذه الدراسة التحليلية تقويماً أولياً لبعض آثار التغيرات التي طالت النظام العالمي (أواخر الثمانينات-أوائل التسعينات) بعد سقوط الأنظمة في أوروبا الشرقية وانعكاس ذلك على المنطقة العربية. تتحدث الدراسة بداية عن تقديرات بعض الخبراء للآثار السلبية الناتجة عن تبدلات العلاقات بين الجبارين في العلاقات الأميركية-الإسرائيلية. لكن الدراسة رجحت احتمال تأثر إسرائيل إيجاباً بالتحولات العالمية الحاصلة لأسباب مختلفة. وتحدد الدراسة بعد ذلك أبرز التحولات التي طالت الموقف السوفياتي وتتناول تأثيرها في العلاقات العربية-السوفياتية عامة والعلاقات السوفياتية-السورية خاصة كما ترجح إمكانية تأثر العلاقات العربية-العربية بها. ختاماً تلفت الدراسة إلى الأثر المهم الناتج عن هجرة اليهود السوفيات إلى إسرائيل في السياسة الإسرائيلية الاستيطانية في الأراضي المحتلة، وفي تصلب موقف إسرائيل من التسوية السلمية، كما تتحدث عن بعض الآثار العامة الناتجة عن التغيرات العالمية.

النص الكامل: 

شهدت الفترة الأخيرة بعض أهم التغيرات في النظام العالمي القائم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. فمع سقوط الأنظمة في أوروبا الشرقية، انهارت عملياً البنية الجيو – استراتيجية التي قام عليها ميزان القوى التقليدي في ساحة الصراع المركزية بين الشرق والغرب. واستمرت في الوقت نفسه عملية تحسين وتطوير العلائق بين الدولتين العظميين إلى حد تجاوز أياً من عهود التفاهم أو الوفاق الدولي السابقة. كما استمرت عملية بلورة المفاهيم والأطر الوحدوية السياسية – الاقتصادية داخل أوروبا الغربية من جهة، وبين الكتلة الغربية والديمقراطيات الناشئة في أوروبا الشرقية من جهة أُخرى. ورافقت هذه التطورات وتفاعلت معها التحولات المهمة والبعيدة الأثر في الجسم السياسي والمجتمع السوفياتيين. وفي السياسة الخارجية السوفياتية ومواقفها حيال العديد من القضايا العالمية والإقليمية الحيوية. وإذا كان لا يزال من الصعب بمكان التكهن بمسار الأحداث في الساحة الأوروبية، ومستقبل علائق شرق – غرب بصورة عامة، فإنه يمكن القيام بتقويم أولي لبعض آثار هذه التغيرات الأخيرة وانعكاساتها المرتقبة على المنطقة العربية، على النحو التالي:

 مستقبل العلاقة الاستراتيجية الأميركية الإسرائيلية

تميزت الثمانينات بتطوير نوعي لا سابق له في مجال العلائق الأميركية – الإسرائيلية، الاستراتيجية والعسكرية، انطلاقاً من النظرة السائدة خلال عهدي الرئيس ريغان بأن إسرائيل تشكل "ذخراً استراتيجياًً" في مواجهة الاتحاد السوفياتي وإمكانات امتداد "النفوذ الشيوعي" في المنطقة. وعلى الرغم من أن أسس التعاون الاستراتيجي بين البلدين تعود إلى ما قبل العقد الماضي، فإنه يبقى أن مثل هذا الشعار قد ساهم إلى حد بعيد في تبرير الأسباب الكامنة وراء حصول إسرائيل على المعونة العسكرية والاقتصادية الضخمة، والتي بلغت نحو 25% من مجموع المعونة الأميركية الخارجية بحلول نهاية العقد. وقد حصلت الدولة العبرية فعلاً على نحو 32 مليار دولار من المعونة الأميركية الرسمية خلال فترة 1979 – 1989 وحدها، أي ما يعادل ثلثي مجموع المعونة الأميركية لإسرائيل منذ قيامها سنة 1948.

والواقع أن إسرائيل أصبحت، بحلول التسعينات، تحتل موقعاً فريداً بين حلفاء الولايات المتحدة خارج حلف "ناتو"، إنْ كان ذلك بالنسبة إلى التسهيلات المالية والاقتصادية التي تحظى بها، أو مستويات التعاون المؤسسات بين الجانبين، أو الفرص المتاحة أمام الدولة العبرية للتحرك الحر في الأسواق الأميركية الداخلية المدنية والعسكرية، أو نوعية الأسلحة التي تحصل عليها، أو نطاق مبادلاتها الاستخباراتية والعلمية والتكنولوجية مع الجانب الأميركي.. إلخ. ويمكن القول إن نسيج هذه "العلاقة الخاصة" بين البلدين بات يربطهما ارتباطاً وثيقاً يكاد يكون عضوياً، بل أن مثل هذا الارتباط العضوي هو بالذات ما ابتغاه الجانبان في السنوات الأخيرة. وقد أعرب عن ذلك صراحة وزير الخارجية الأميركية السابق جورج شولتس سنة 1988، في معرض كلامه عن ضرورة إقامة بنية من العلائق المؤسساتية "التي لا يمكن لأية إدارة مقبلة العودة عنها فيها بعد."

ومع ذلك، فقد أثارت أحداث أوروبا الشرقية والأجواء العامة المحيطة بالعلائـق الأميركية – السوفياتية بعض التساؤلات في شأن معنى "التعاون الاستراتيجي" وآفاقه في وقت لم تعد فيه الإدارة الأميركية (ومعها أغلبية الحكومات الغربية والحليفة) مقتنعة بـ"التهديد السوفياتي" (أو "المد الشيوعي") لا في العالم الثالث فحسب بل أيضاً في الجبهة الأوروبية المركزية نفسها. وبحسب تقدير بعض الخبراء الأميركيين والإسرائيليين ستترك التبدلات في العلائق بين الجبارين "آثاراً سلبية" في العلائق الأميركية – الإسرائيلية الثنائية، حيث ستتراجع أهمية إسرائيل كحليف استراتيجي للولايات المتحدة من جهة، وستتقلص أهمية منطقة الشرق الأوسط ككل في المرحلة المقبلة من جهة أخرى. وبحسب رأي مارتن إنديك، مدير "معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى" أهم مؤسسات الأبحاث الأميركية الخاصة المقربة من إسرائيل، "تمر البيئة الاستراتيجية الدولية بمرحلة من التغير السريع لا بد من أن يؤدي إلى تقليص أهمية إسرائيل [بالنسبة إلى الولايات المتحدة] مع مرور الزمن." وقد جاء كلام إنديك في محاضرة ألقاها في جامعة تل أبيب مطلع شهر تشرين الأول/أكتوبر الماضي.(1)  وقد اعتبر في حينه "كلاماً قاسياً"، وخصوصاً كونه صادراً عن دائرة صديقة لإسرائيل من الدرجة الأولى. ونقل عن إنديك كذلك قوله إن الرؤية السائدة في واشنطن هي أن الولايات المتحدة قد كسبت الحرب الباردة، وبالتالي فقد تراجعت حاجتها إلى الحلفاء المكرسين لمواجهة انتشار النفوذ السوفياتي. وعلى الرغم من أن هذه التغيرات في العلاقة الأميركية – الإسرائيلية "لن تبرز بين ليلة وضحاها"، فقد رجح إنديك إمكان "فكفكة بعض أجزاء البنية الاستراتيجية [المعادية للسوفيات] خطوة خطوة." وعلى صعيد آخر، أشار إلى أن الولايات المتحدة لم تعد قلقة تجاه أن تؤدي حرب في الشرق الأوسط إلى مجابهة بين الجبارين، وبالتالي فإن رغبتها في الوصول إلى تسوية سلمية "لن تفوق رغبة الطرفين الإسرائيلي والعربي نفسيهما." وخلص إنديك إلى القول أن هنالك رؤية متنامية في واشنطن تذهب إلى أنه يجب عدم الإصرار على دفع الأمور نحو تسوية سياسية، بل "ترك إسرائيل تتحمل نتائج أعمالها بنفسها."

وفي معرض تعليقه على التخفيضات المقترحة في ميزانية الدفاع الأميركية، وإمكان سحب أعداد كبيرة من القوات الأميركية من أوروبا نتيجة تبدل طبيعة التهديد السوفياتي المرئي، ذهب دوري غولد خبير الشؤون الدفاعية الأميركية في معهد "جافي" للدراسات الاستراتيجية في جامعة تل أبيب، إلى انحسار التنافس الأميركي – السوفياتي في العالم سيكون من شأنه تقويض الاهتمام أو الاستعداد الأميركية للقيام بـ "المغامرات العسكرية في العالم الثالث."(2)  هكذا، وحتى في حال أدّت التخفيضات في القوات الأميركية في أوروبا إلى توفير "فائض" من التشكيلات القتالية للعمل في العالم الثالث، يرى غولد أن حرية عمل الإدارات الأميركية المقبلة ستكون محدودة لأن الرأي العام الأميركي لن يدعم مثل هذه السياسة "التدخلية" في غياب الحرب الباردة الكونية. لكن غولد يتوقع إمكان إحياء نمط ما من "عقيدة نيكسون" القائلة بدعم القوى المحلية الكبرى لتقوم بالمهمات العسكرية والأمنية نيابة عن الولايات المتحدة أو بالمشاركة معها. ويرى غولد أنه في الأمد القصير ليس من المستبعد أن تزداد وجهات التعاون الأميركية – الإسرائيلية في معالجة "التوترات في الشرق الأوسط التي لا يقوم الاتحاد السوفياتي بدور فيها"، وخصوصاً إذا ما وجد الأميركيون صعوبة في استقطاب الشركاء العرب للقيام بمثل هذه المهمات. أما في حال تطوير التعاون الاستراتيجي الأميركي – العربي كبديل من اعتماد التدخل الأميركي المباشر في الشرق الأوسط، فيتوقع غولد "طفرة" في مبيعات الأسلحة الأميركية إلى القوى العربية الصديقة "على غرار ما حدث أوائل السبعينات."

أما في الأمد الأبعد، وفي حال تنامي وجهات "فك الارتباط" الأميركي بالعالم الثالث، فيرى غولد أن تآكل العلاقة الاستراتيجية الأميركية – الإسرائيلية سيضعف "القيمة الرادعة لهذه العلاقة"، مما سيدفع إسرائيل نحو "السعي لتعديل ميزان الردع مع سوريا بنفسها" (لا يفسر غولد معنى هذه العبارة)، إلا إذا تم "التعويض من ذلك بانحسار مماثل في العلائق الاستراتيجية السوفياتية – السورية." ومن ناحية أخرى، يرى غولد أن انحساراً رئيسياً في الوجود الأميركي العسكري في أوروبا الغربية قد يؤثر في فرص إعادة تزويد إسرائيل بالسلاح والعتاد في حال اندلاع الحرب مع العرب. ويضاف إلى ذلك، أن الافتقار إلى وجود عسكري رئيسي في أوروبا "سيزيد، بصورة رئيسية، في المدة اللازمة لإيصال أقرب قوات أميركية إلى الشرق الأوسط."

ويخلص غولد إلى أنه في ضوء الأوضاع السائدة في العالم ما بعد نهاية الحرب الباردة، سيكون على إسرائيل إلقاء "نظرة ناقدة" إلى أية مقترحات تهدف إلى توفير الضمانات الأميركية أو الوجود الأميركي العسكري المباشر في الأراضي المحتلة، من أجل زيادة الهوامش الأمنية الإسرائيلية. ومن هنا، "فمن الممكن ألاّ تقبل أية حكومة إسرائيلية باستبدال قيام الجيش الإسرائيلي بالدفاع عن جبهتها الشرقية بوجود أمني أميركي في ظل التقلصات الواسعة النطاق في المؤسسة الدفاعية الأميركية، وعدم الاكتراث المتعاظم حيال الصراعات في العالم الثالث." وعلاوة على ذلك، فستتبدل الأوضاع الأمنية الإسرائيلية أيضاً في حال الاتفاق بين الجبارين على تخفيض القوات البحرية، وتقليص قدرات أو انتشار الأسطول الأميركي السادس العامل في حوض البحر الأبيض المتوسط على وجه التحديد.

والواقع أن مثل هذه الآراء، الصادرة عن الدوائر الإسرائيلية أو الصديقة لإسرائيل، يبدو أنه ينطوي على غاية ضمنية – أي على نوع من المبالغة في الآثار السلبية للتغيرات العالمية في العلائق الأميركية – الإسرائيلية، وذلك بغية الحصول على تطمينات وتأكيدات مسبقة بأن الأمور لن تسير في هذا الاتجاه في نهاية المطاف. وبكلام آخر، يبدو أن مثل هذا الكلام يهدف إلى الضغط على الولايات المتحدة كي لا تنحاز عن التزاماتها الحالية والقائمة حيال إسرائيل. كما أنه ينطوي على تحذير مبطن بأن إسرائيل قد تلجأ إلى "وسائلها الخاصة" (تبني خياراً نووياً علنياً مثلاً) لتصحيح الخلل في الرادع الأميركي – الإسرائيلي المشترك، و/أو إلى المواقف الأكثر تشدداً حيال الشروط الأمنية لإخلاء الأراضي المحتلة منذ سنة 1967. هكذا، يبدو أن إسرائيل ستتجه في الفترة القريبة المقبلة نحو تصعيد مطاليبها بأن تتخذ الولايات المتحدة إجراءات ملموسة، من أجل التعويض من "الأضرار" التي قد تلحق بها نتيجة التحولات في البيئة الاستراتيجية العالمية. وهذا بدوره قد يعني الانتقال من مرحلة استخدام "الخطر السوفياتي" ذريعة لتطوير العلائق الأمنية والعسكرية بين البلدين، إلى مرحلة الاستشهاد بـ"غياب الوجود الأميركي على الساحة الدولية"، لتوكيد أهمية إسرائيل كحليف خارجي مركزي.

ومهما يكن الأمر، فليس من الواضح أبداً أن يتبع انحسار "الخطر السوفياتي" المرئي انكماش مماثل في الاهتمام أو الانتشار العسكري الأميركي في الخارج. وليس من الصعب التكهن ببروز التيارات الأميركية القائلة أن تراجع السوفيات في الشرق الأوسط، مثلاً، يتيح الفرصة أمام زيادة النفوذ الأميركي الإقليمي، وليس العكس. وذلك بغية توطيد موقع الولايات المتحدة على أنها القوة العظمى الأولى المهيمنة على المنطقة. ومن هذه الزاوية، وبدلاً من أن يتآكل الرادع الأميركي – الإسرائيلي المشترك في مواجهة بعض القوى المحلية (مثل سوريا أو ليبيا أو إيران) قد يتعزز هذا الرادع. كما قد تتعزز المشاعر الأميركية أو الإسرائيلية بإمكان معاقبة القوى المحلية "المعادية" من دون استثارة ردات الفعل القوية أو الفعّالة من الجانب السوفياتي. والحقيقة أن أحد الجوانب المهمة للنقاش الأميركي العسكري الجاري لا ينصب على إمكان تخفيض القوات الأميركية في أوروبا فحسب، أو على مجرد خلق "فائض" من هذه القوات لمواجهة الطوارىء الأخرى في العالم، بل أيضاً على إعادة بناء هذه القوات على أساس المزيد من الحركية الاستراتيجية والقدرة على مد القوة، والقدرة على التدخل السريع عبر المسافات البعيدة.(3)   وبحسب أحد السيناريوهات في قيد البحث، قد تشهد الفترة المقبلة عملية تحويل القوات الأميركية الضاربة "الثقيلة"، المنتشرة على الساحة الأوروبية والمصممة في الأساس لمواجهة القوة الضاربة والمدرعة السوفياتية، إلى قوات "خفيفة" نسبياً، يمكن نقلها براً أو بحراً إلى المناطق النائية ومن دون الاعتماد الرئيسي على القواعد الحالية المتوفرة في مسرح العمليات الأوروبي (أي نموذج متطور من "قوات التدخل السريع" الحالية).

لا يزال من السابق لأوانه التكهن بإمكان تنفيذ هذه البرامج، غير أنها تبدو متناغمة مع التحولات المرتقبة في المنظور الاستراتيجي الأميركي إذا ما استمرت وجهات الوفاق ونزع السلاح الراهنة مع الاتحاد السوفياتي. ويستتبع هذا أن القوى الحليفة خارج الساحة الأوروبية قد تزداد أهمية، إما كنقطة انطلاق للقوات الأميركية المتحركة على الصعيد العالمي، وإما كمراكز للتخزين المسبق يمكن الاعتماد عليها كبديل من القواعد الأوروبية. وفي هذا المجال، قد تبرز إسرائيل على رأس قائمة الدول المرشحة للقيام بمثل هذا الدور، استناداً إلى تجربة التعاون الاستراتيجي مع الولايات المتحدة خلال العقد المنصرم، وما أفرزه هذا التعاون من اتفاقيات بشأن المناورات المشتركة والتخزين المسبق وحقوق استخدام الولايات المتحدة للتسهيلات العسكرية والطبية الإسرائيلية... إلخ. (وبالمناسبة، سيحل التخزين المسبق للعتاد الأميركي في إسرائيل "مشكلة" إعادة تزويد إسرائيل بالسلاح في حال اندلاع الحرب التي يشير دوري غولد إليها). وليس من شأن أي من مثل هذه الخطوات أن يتناقض بالضرورة مع إمكان التقارب الأميركي – العربي أو إمكانات تطوير أسس "التعاون الاستراتيجي" بين الولايات المتحدة وبعض القوى المحلية الأخرى غير إسرائيل. وتدل تجربة السنوات الأخيرة على أن التعاون الأميركي – الإسرائيلي لم يشكل عقبة أمام التعاون الأميركي – العربي العسكري والأمني، وإنْ كان هذا الأخير لم يصل بعد إلى مستويات التعاون الأول. وقد تزداد بصورة خاصة حرية العمل الأميركية في هذا المجال، إذا ما تم التوصل إلى تسوية للصراع العربي – الإسرائيلي، وبحيث سيكون من الصعب على إسرائيل الاحتجاج على تزويدات الأسلحة الأميركية الممكنة للجانب العربي، والعكس بالعكس. كما أن إمكان التحرك الأميركي (أو الأميركي/الإسرائيلي) في المنطقة لن يصطدم بالاعتبارات النابعة من المواجهة العربية – الإسرائيلية، كما في الماضي.

ومن هذه الزاوية يبدو من الصعب مشاركة مارتن إنديك أو دوري غولد "مخاوفهما" من إمكان تأثر إسرائيل سلباً من جراء التغيرات العالمية الجارية. فموقع إسرائيل الجغرافي، وقدراتها العسكرية، واندماجها العام في المنظومة العسكرية الغربية العالمية، وتوجهاتها السياسية والأيديولوجية... إلخ، تضمن لها مكانة مرموقة على الأرجح في اية استراتيجية أميركية كونية ناشئة. وإذا كان "الخطر السوفياتي" قد تهاوى فليس من المستبعد أن تحل مكانه مخاطر جديدة مرئية للمصالح الأميركية/الغربية/الإسرائيلية في المنطقة، مثل: "الإرهاب"، أو "التيارات الإسلامية الأصولية"، أو القلاقل والتهديدات الداخلية لاستقرار الأنظمة الصديقة، أو التهديدات الخارجية المختلفة (على غرار "التهديد الإيراني"). ولا بد من الأخذ بعين الاعتبار هنا أن عامل النفط، وإمكان تعاظم الاعتماد الأميركي على النفط المستورد من المنطقة في التسعينات، من شأنهما حفظ الأهمية الاستراتيجية الاستثنائية للشرق الأوسط، حتى لو كان هنالك تراجع في النزعات "التدخلية" الأميركية في العالم الثالث عامة – وهو أمر غير مؤكد في جميع الأحوال.

أما على صعيد آخر، فإن بعض التقديرات يذهب إلى أن إسرائيل ستعاني إمكان تقلص الأسواق العسكرية الأميركية الداخلية، وأسواق التصدير الرئيسية التي باتت حيوية لضمان بقاء ونهوض الصناعات العسكرية في الدولة العبرية نتيجة إشباع الطلب الإسرائيلي المحلي. ومن الجدير بالذكر أن الشركات الإسرائيلية أعطت أولوية خاصة في السنوات الأخيرة لاختراق الأسواق الصناعية العسكرية الأميركية، بل أن هنالك ما قيمته عدة مليارات من العقود والصفقات المنتظرة التي سيكون من الصعب جداً إيجاد بديل منها في حال التخفيضات الجذرية في الإنفاق العسكري الأميركي العام. لكن الواقع أن الانفتاح الأميركي على مشتريات الأنظمة الإسرائيلية طالما شكل نوعاً من الدعم غير المباشر للدولة العبرية وصناعاتها العسكرية، وهو ما لن يتأثر في الأمد القريب على الأرجح نتيجة التأييد الواسع في الكونغرس لمثل هذا الدعم، بغض النظر عن التحولات الممكنة في البيئة الاستراتيجية العالمية. وبكلام آخر، فإن القوى المؤازرة لإسرائيل كثيراً ما تعمل بدوافع وبجدول أعمال لا يرتبطان مباشرة بالتغيرات الخارجية الطارئة على الساحة الإقليمية أو الساحة الدولية، وأساسهما المفهوم الأميركي للروابط المعنوية والسياسية بين الولايات المتحدة والدولة العبرية، وقوة نفوذ جماعات الضغط المؤيدة لإسرائيل في الجهاز التشريعي وفي البنية الانتخابية الأميركية الداخلية. لكن مع ذلك، قد تجد إسرائيل صعوبة متزايدة في الحصول على العقود العسكرية الأميركية الجديدة في مراحل لاحقة، إذا ما جاءت هذه العقود على حساب الشركات الأميركية نفسها، وفي وقت تتضاءل فيه المخصصات العسكرية الأميركية عامة. غير أنه يمكن لإسرائيل تجاوز مثل هذه العقبات، عبر التركيز والتخصص في بعض مجالات التكنولوجية الرفيعة التي قد تكون لديها أفضلية معينة (بعض التكتية والمعدات الإلكترونية الجوية والبحرية، وأنظمة الرؤية الليلية والحرارية، ووسائل القيادة والسيطرة، والطائرات من دون طيار، إلخ). أما من ناحية أخرى، فقد تعتمد حدة التنافس مع الصناعات الأميركية في المرحلة المقبلة على فرص تصدير الأنظمة الأميركية إلى الخارج، أي أن مناعة الأسواق الأميركية الداخلية ضد "الاختراقات" الإسرائيلية قد تتقلص إذا ما نجحت الصناعات الأميركية في زيادة صادراتها إلى بعض الأطراف الخارجية الرئيسية، ومنها الدول العربية على سبيل المثال. وعلاوة على ذلك، هناك بعض التقديرات بأن التخفيضات المرتقبة في النفقات العسكرية الأميركية ستؤدي إلى توفير فائض مالي يمكّن من إعادة تحويل بعضها إلى إسرائيل، إما على شكل الدعم للصناعات العسكرية الإسرائيلية وإما حتى على شكل الدعم والمعونة الإضافيين للقطاع الإسرائيلي المدني.

 تحولات في الموقف السوفياتي

وباختصار، ليس هنالك ما يدل على تغيير جذري في العلاقة الأميركية – الإسرائيلية الاستراتيجية في المستقبل المنظور، وإنْ كان هذا لا يحول دون ضرورة قيام الطرفين ببعض التعديلات اللازمة للتكيف إزاء الأوضاع العالمية الجديدة. والواقع أن هذا الثبات النسبي في العلاقة الأميركية – الإسرائيلية قد يبدو أكثر بروزاً إذا ما قوبل بالتغيرات  المرتقبة في العلاقة العربية – السوفياتية، وبالأخص علاقة الاتحاد السوفياتي بسوريا، دولة المواجهة الأولى من وجهة نظر إسرائيل. ومن الواضح أن الموقف السوفياتي من التعاون الاستراتيجي مع سوريا قد مر بتبدلات مهمة في الفترة الأخيرة، بما في ذلك دعوة السوفيات صراحة للسوريين إلى التخلي عن نظرية "التوازن الاستراتيجي"، وإعرابهم عن "حدود قدرتهم" على مد سوريا بالأسلحة المتطورة وضرورة تسديد ثمن طلبات الأسلحة الجديدة بالعملة الصعبة نتيجة إعادة بناء الصناعات السوفياتية نفسها و"قواعد اللعبة الجديدة" المؤثرة في المديرين الصناعيين السوفيات. وقد نقل عن لسان السفير السوفياتي في دمشق، ألكسندر زوتوف، قوله مؤخراً أن بلده ينظر إلى إقناع سوريا باستبدال نظرة التوازن الاستراتيجي بـ"الكفاية الدفاعية المعقولة"، أي المبدأ المستمر للعقيدة السوفياتية العسكرية الراهنة. وتقوم "الكفاية الدفاعية المعقولة"، أساساً، على دعم القدرات الدفاعية لبلد ما بغية زيادة تكلفة أي عدوان خارجي، وإنما من دون توفير قدرة عملية على المبادرة إلى القتال أو شن الحرب الهجومية.(4)   وعلى الرغم من أن هذا الكلام (الذي اعتبر زوتوف فيما بعد أن وسائل الإعلام الغربية شوهته) لا يدل على أن الاتحاد السوفياتي سيتخلى عن سوريا أو أنه لن يستمر في دعم القدرة السورية العسكرية بالأنظمة الجديدة (وخصوصاً "الدفاعية" منها، مثل وسائل أرض – جو)، فإن الفكر السوفياتي في المجال الخارجي يبقى يثير شكوكاً حقيقية في مدى التزام الجانب السوفياتي مد حلفائه الخارجيين بمظلة أمنية ذات مصداقية ضد الأطراف الثالثة. فبعد الانسحاب من أفغانستان والمواقف المتساهلة من فكفكة التحالفات السوفياتية التقليدية في أوروبا الشرقية، بات من الصعب جداً الاعتماد على إمكانات التدخل أو الردع السوفياتي المباشر دفاعاً عن الأصدقاء الإقليميين مثل سوريا. وهذا يعني أنه سيبدو لإسرائيل أن سقف هذا الرادع قد تراجع تراجعاً رئيسياً، أو أنه ذاب كلياً تقريباً. وهذا بدوره قد يزيد في فرص أو حوافز ما نحو اتخاذ المواقف السياسية أو العسكرية المتشددة في مواجهة سوريا، وخصوصاً في ظل الادعاءات الإسرائيلية المستمرة إزاء تطوير السوريين للرؤؤس الكيماوية للعمل مع صواريخ أرض – أرض التي تهدد عمق إسرائيل والأهداف المدنية الحيوية فيها. وقد ينطبق الشيء نفسه على إمكانات التشدد الإسرائيلي حيال الأطراف الأخرى المقربة من السوفيات في المنطقة، مثل ليبيا أو العراق أو م. ت. ف. (مع الأخذ بعين الاعتبار أن "الرادع السوفياتي" لم يقم بالدور ذاته بالنسبة إلى هذه الأطراف العربية كما في حال سوريا).

أما بالنسبة إلى السوفيات، فيبدو أنهم ينظرون إلى الأمور من زاوية مختلفة اختلافاً كلياً. فمن أجل تجاوز الوضع السياسي – العسكري الخطر، الناجم عن استمرار الصراع، يرى السوفيات أن لا بديل من تحقيق تسوية سلمية خلال الفترة القريبة المقبلة تقوم على بنية من الاتفاقات والمعاهدات والضمانات التي تلغي عملياً إمكانات الحرب في المنطقة، والتي تمثل "ميزاناً من المصالح" المتبادلة (أي أنها تراعي المطاليب السياسية والأمنية والإقليمية  لأطراف النزاع كافة). ومن هنا، وفي الوقت الذي يصر السوفيات فيه على دعم القدرة السورية الدفاعية للحيلولة دون مغامرة عسكرية إسرائيلية، فإنهم يعملون من أجل تسهيل السبيل بقدر الإمكان أمام مشاركة سوريا (وم. ت. ف. طبعاً) في التسوية عبر تطوير العلائق السوفياتية – الإسرائيلية، ودعم إمكان قيامهم بدور رئيسي كقناة اتصال فعالة بين الجانبين.

وقد يتوافق هذا من حيث المبدأ مع التوجهات والاهتمامات الأميركية (وخصوصاً فيما يتعلق بضرورة إعادة العلائق الدبلوماسية بين إسرائيل والسوفيات)، وإن كان لا يزال من غير الواضح تماماً مدى الاستعداد الأميركي لمنح السوفيات دوراً مشاركاً في عملية السلام، كما أن هنالك رأياً يقول أن صورة السوفيات الجديدة في المنطقة وانفتاحهم المتزايد على الأنظمة المقربة تقليدياً من الغرب، قد يزيدان في حدة التنافس الإقليمي بين الدولتين العظميين بدلاً من العكس. لكن، حتى في حال استمرار مثل هذا التنافس على الصعيد السياسي، فمن الأرجح أن تشهد الفترة المقبلة كذلك المزيد من التعاون والتنسيق بين الجبارين على عدة صُعد عملية. وليس من المستبعد مثلاً أن يتعاون السوفيات أكثر فأكثر مع الغرب، في محاولة السيطرة على انتشار بعض أنواع التكنولوجيا العسكرية في المنطقة، وبالتحديد تكنولوجيا صواريخ أرض – أرض بعيدة المدى، وأي من التكنولوجيات المعنية بتطوير الأسلحة والرؤوس غير التقليدية، النووية أو الكيماوية أو البيولوجية. ومن اللافت أن الحملة التي قادتها الولايات المتحدة ضد انتشار مثل هذه  التكنولوجيات في الفترة الأخيرة – بالتركيز طبعاً على الجهود العربية لا الإسرائيلية في هذا المجال – قد لاقت تجاوباً واضحاً لدى الجانب السوفياتي، علماً بأن قرب الاتحاد السوفياتي الجغرافي من المنطقة يجعله قلقاً بصورة خاصة حيال سباق تسلح غير منضبط فيها، فيما يتعلق بالتكنولوجيات المقوضة للاستقرار. أما على صعيد آخر، فمن الممكن أن يتخذ السوفيات موقفاً أكثر تشدداً حيال مسألة "الإرهاب" في الشرق الأوسط، بما في ذلك التعاون الاستخباراتي والعملاني الجديد مع الغرب أو حتى مع إسرائيل.

ومن شأن مثل هذه التغيرات في السياسة والمواقف السوفياتية أن يزيد في الضغوط والقيود على الأطراف العربية المختلفة بشأن عملية السلام مع إسرائيل، وبالتحديد تلك القوى التي هي على علاقة خاصة بالسوفيات، مثل سوريا وم. ت. ف. وفي الوقت نفسه، يمكن للتغييرات في السياسة السوفياتية أن تزيد في إمكانات الوفاق العربي – العربي (كما في حال سوريا ومصر)، وذلك بغية التعويض الجزئي – على الأقل – من خسارة الرادع السوفياتي الخارجي بالتحالفات الجديدة على الساحة المحلية. غير أن مثل هذه الضغوط قد يواجه بأحد الإفرازات الأخرى المهمة للسياسات السوفياتية في المنطقة، أي الانعكاسات الممكنة لهجرة اليهود السوفيات إلى إسرائيل على المواقف الإسرائيلية من التسوية. ويذهب آخر التقديرات الإسرائيلية إلى أنه يمكن توقع هجرة ما يقارب 750 ألف يهودي سوفياتي إلى إسرائيل خلال السنوات الست المقبلة، وذلك من أصل 3 – 3,6 ملايين يهودي سوفياتي. وتضيف هذه التقديرات أن نحو 50 ألف مهاجر سوفياتي سيصلون إلى إسرائيل في السنة المقبلة وحدها.(5)  ومهما تكن هذه الأرقام "متفائلة" من وجهت النظر الإسرائيلية، يبقى أنها قد تؤثر في السياسة الإسرائيلية على مستويين مترابطين: أولاً، ستزداد دوافع وفرص توسيع الوجود الإسرائيلي الاستيطاني في الأراضي المحتلة منذ سنة 1967. وقد بدأت إسرائيل حملة من أجل الحصول على معونة أميركية إضافية لاستيعاب المهاجرين الجدد من الآن، وإنْ كان لم يتحدد مكان استيعابهم رسمياً (بل هنالك نقاش واسع في إسرائيل بشأن قدرة الدولة العبرية على استيعاب مثل هذه الأعداد الكبيرة من المهاجرين في كل حال). ثانياً، ولعله الأهم، فإن مجرد توقع مثل هذا العدد من المواطنين اليهود الإضافيين قد يصلّب المواقف الإسرائيلية من التسوية، لا من قبل القوى والأطراف اليمنية فحسب، بل أيضاً من بعض الأوسط في حزب العمل التي تدعو إلى "المساومة الإقليمية" في الأساس خوفاً من العامل الديموغرافي العربي. وبكلام آخر، فإن التطلع نحو تصحيح الخلل الديموغرافي بين العرب واليهود على أرض فلسطين (حتى لو لم يتوقف هذا التطلع كلياً) قد يقلل من الاستعداد للانسحاب من الأراضي المحتلة. كما أنه قد يغذي التيارات الإسرائيلية الداعية إلى الضم. من هذا المنظور، فإن هجرة اليهود السوفيات – أو التوقعات الإسرائيلية المتفائلة بشأنها – قد تشكل عقبة مهمة جداً أمام عملية السلام، بغض النظر عن الأهداف التي يسعى السوفيات لها عبر إطلاق حرية هذه الهجرة.

والواقع أنه يمكن القول إن السوفيات نجحوا في إزالة عقبة "اليهود السوفيات" من علائقهم الثنائية بكل من الجانبين الإسرائيلي والأميركي. وقد بدأت هذه السياسة تعود على السوفيات بالفائدة. فقد أعرب رئيس مجلس الوزراء الإسرائيلي يتسحاق شمير، مؤخراً، عن أن بلده لم يعد يعارض أن تمنح الولايات المتحدة الاتحاد السوفياتي مكانة "الدولة المفضلة" في مجال التجارة الخارجية، وهو أمر أساسي بالنسبة إلى فرص نهوض الاقتصاد السوفياتي. أما من ناحية أخرى، فقد انتقل الخلاف في شأن اليهود السوفيات عملياً من دائرة العلائق السوفياتية -  الأميركية والسوفياتي – الإسرائيلية إلى خلاف بين إسرائيل من جهة، والجالية اليهودية الأميركية والحكومة الأميركية إلى حد أقل من جهة أخرى. ويرى الكثيرون من زعماء الجالية اليهودية الأميركية أنه لا يمكن حصر حرية الهجرة إلى إسرائيل من دون سواها، كما تدعو إلى ذلك إسرائيل رسمياً. وقد زاد هذا في حدة التوترات بين الحكومة الإسرائيلية وهذه الجالية البالغة الأهمية، وذلك في أعقاب الخلاف بشأن "من هو اليهودي" في السنة المنصرمة، والتحفظات المتزايدة من قبل بعض الدوائر الأميركية – اليهودية حيال سياسة إسرائيل الراهنة في الأراضي المحتلة. وإذا كان هذا لا ينذر بانشقاق بين إسرائيل ويهود "الشتات"، فمن غير المستبعد أن يتعاظم الخلاف بشأن اليهود السوفيات خلال الفترة المقبلة، وخصوصاً إذا أخذت الادارة الأميركية موقفاً حاسماً ضد توطينهم في الأراضي المحتلة.

أما على صعيد آخر، فيمكن التساؤل عن مدى استغلال إسرائيل لنغمة "المعاداة للسامية" لإعادة استثارة الرأي العام العالمي عامة، والغربي خاصة. وهنالك ما يدل على بداية حملة من هذا النوع تركز على إمكان كون اليهود "كبش الفداء" في حال فشل تجربة غورباتشيف في الاتحاد السوفياتي، وعلى صعود التيارات القومية والإسلامية في بعض الجمهوريات "المعادية لليهود". وهذا ما يربط بصورة ملائمة بين العداء للسامية و"الخطر الإسلامي الأصولي" من جهة، وبين الخطر القومي من جهة أخرى – من وجهة النظر الإسرائيلية – كما أنه يشكل وسيلة للاستمرار في الضغط على السوفياتي بغض النظر عن سياستهم الحالية المنفتحة تجاه إسرائيل.

ويمكن كذلك التساؤل عن آثار التغيرات في الأنظمة الحاكمة في أوروبا الشرقية، في كل من الجانبين الإسرائيلي والعربي. ولا بد من الأخذ بعين الاعتبار، في هذا المضمار، أن عملية التطبيع بين إسرائيل والعديد من هذه الأنظمة كانت قد قطعت أشواطاً مهمة، حتى قبل سقوط الأحزاب الشيوعية فيها. غير أنه ليس من المستبعد كلياً أن يتغير بعض جوانب التأييد المباشر الذي كانت تلقاه م. ت. ف. من أنظمة مثل ألمانيا الشرقية في عهد هونيكر، من دون أن يعني ذلك بالضرورو انقطاع العلائق التقليدية الودية بين المنظمة ودول أوروبا الشرقية عامة. وتشكل الاعتبارات الاقتصادية التجارية عاملاً مهماً في هذا المجال، إذ إن "الديموقراطيات الناشئة" في أوروبا الشرقية ستحاول، على الأرجح، الموازاة بين مصالحها التجارية في العالم العربي وبين الوقع الإيجابي المرتقب لتطوير علائقها بإسرائيل على الإدارة والرأي العام الأميركيين.

بعض الآثار العامة

يبقى أن وتيرة التغيرات الدولية الجارية ونطاقها، لا يتركان المجال أمام أكثر من تكهنات أولية حذرة حيال آثارها الممكنة في المنطقة العربية. غير أن المؤكد هو أن تواجه الأطراف المحلية كافة، في بداية التسعينات، تحديات تختلف بطبيعتها عن تلك ألفتها خلال عقود طويلة مضت.

 

المصادر:

(1) Times, November 28, 1989.

(2) Jerusalem Post, November 24, 1989.

(3) Herald Tribune, December 12, 1989.

(4) راجع زوتوف في:

Washington Post, November 20, 1989.

(5) Jerusalem Post (Weekly), December 16, 1989.