شالوم. "دافيد بن ـ غوريون، دولة إسرائيل، والعالم العربي، 1949ـ1956" (بالعبرية)
الكتاب المراجع
النص الكامل: 

ليس من زعيم شرق أوسطي يفوق دافيد بن - غوريون، مؤسس إسرائيل وأول رئيس حكومة لها، غزارةً بما كتب هو أو بما كُتب عنه. ويظل، مع ذلك، شخصية مثيرة جداً للجدل. فقد كتب المؤرخون الإسرائيليون التقليديون عن الرجل وإنجازاته بحماسة شديدة. وكاتبا سيرته الإسرائيليان، ميخائيل بار - زوهَر وشبتاي تيفت، وضعا كتابين لسيرته متعددي الأجزاء رفعاه فيهما إلى مصاف القداسة. لكن في الأعوام الأخيرة، أخضع المؤرخون الإسرائيليون التصحيحيون بن - غوريون، ولا سيما سياسته تجاه العالم العربي، لإعادة نظر انتقادية.

من الواضح أن زكي شالوم، وهو باحث في مركز بن - غوريون للأبحاث، ينتمي إلى الفريق الأول، إلا إن هدفه من تأليف هذا الكتاب ليس الدفاع عن بن - غوريون أو انتقاده بقدر ما هو تقديم رواية مفصلة ودقيقة لموقفه من العالم العربي في الفترة الواقعة بين سنة 1948 وحرب قناة السويس. ويميز شالوم منذ البداية بين السياسة الفعلية والتصريحات، ويصرح أن ما يعنيه هو وجهات نظر بن - غوريون ومواقفه وتصريحاته المتعلقة بالعرب.

يعتمد الكتاب على بحث أرشيفي شامل ودقيق، وكل تصريح فيه تقريباً موثق تماماً. ويستخدم شالوم جميع المصادر الأساسية المتوفرة في مركز بن - غوريون للأبحاث، بما فيها مذكرات بن - غوريون من سنة 1915 إلى سنة 1963، والخطب، والمنشورات، ومحاضر جلسات العدد الهائل من هيئات صناعة القرار السياسي التي كان بن - غوريون عضواً فيها.

ومع أن الكتاب يتناول في الأساس نظرة بن - غوريون الدولية، فإنه يوفر خلفية أساسية لفهم سياسته تجاه العرب. وفي نظرته هذه، فإن العرب، ولا سيما العرب الفلسطينيين، شكلوا تهديداً دائماً للجماعة اليهودية في فلسطين، ولتطلعها إلى إنشاء دولة خاصة بها، ولبقاء الدولة اليهودية الناشئة. وكما كتب بن - غوريون في مذكراته في 23 تشرين الأول/أكتوبر 1950: "قبل قيام الدولة، عشت أعواماً كثيرة مصحوباً بكابوس احتمال إبادتنا... وأصبح الخطر في الواقع أكثر حدة بإنشاء الدولة وبانتصارنا العسكري."

بالنسبة إلى بن - غوريون، فإن السبب الجذري للصراع العربي - الإسرائيلي يعود إلى الفجوة الحضارية التي تفصل بين الجانبين، لجهة القيم وقواعد السلوك والتطلعات. وقد قال بن - غوريون في إحدى المناسبات: "نحن نعيش في القرن العشرين، وهم في القرن الخامس عشر." وقال في مناسبة أُخرى: "إسرائيل ليست دولة من الشرق الأوسط، بل من الغرب." وكان يرى في إسرائيل نقيضاً للعالم العربي من الجوانب كافة. وكان يعتقد أن هناك قوى عميقة الجذور في العالم العربي لن ترضى حتى تستعيد الأراضي الفلسطينية كلها وتقضي على السكان اليهود فيها. وبالتالي، فإن الحملة التي كان على إسرائيل أن تشنها لا تتعلق بالأرض أو بالحدود أو بمناطق النفوذ، بل بالبقاء، بالحق في الوجود في الشرق الأوسط.

وكان من المنطقي أن ينجم عن هذا التحليل لأسباب عداء العرب لإسرائيل والصيغة المتصلبة لأهدافهم تقدير متشائم تجاه احتمال توفر فرص سلام حقيقي بين إسرائيل وجيرانها. وكان الاستخلاص الضمني هو أنه ينبغي للمجتمع العربي أن يتغير جذرياً حتى يصبح السلام مع إسرائيل احتمالاً واقعياً. ولم يكن في يد إسرائيل، بحسب بن - غوريون، أية وسيلة لتغيير الموقف العربي، لأن أية خريطة إسرائيلية كأساس للتسوية كان محكوماً عليها بالرفض من قِبل الطرف الآخر، باعتبار أنها لا تفي بالمطلوب. وكان الخيار الواقعي الوحيد الباقي في هذا المناخ القاسي هو بناء قوة عسكرية لردع الدول العربية عن مهاجمة إسرائيل مرة أُخرى، ولمواجهة التحديات المتعددة لأمنها اليومي.

ينظر بعض الباحثين إلى موشيه شاريت، الذي كان وزيراً للخارجية حتى حزيران/يونيو 1956 ورئيساً للحكومة في فترة 1954 - 1955، بوصفه يمثل النقيض لوجهة نظر بن - غوريون "القدرية" بصورة واضحة فيما يتعلق بالصراع العربي - الإسرائيلي. أمّا شالوم، فلا يوافق على هذا الرأي؛ إذ إنه لا يرى فارقاً بارزاً بين الرجلين فيما يختص بالتسوية السلمية: كلاهما كان معارضاً لأية تنازلات جغرافية ولإعادة للاجئين الفلسطينيين. وكان الفارق الحقيقي الوحيد بين بن - غوريون وشاريت، في رأي شالوم، يتعلق بسياسة العمليات العسكرية الانتقامية كوسيلة للحفاظ على أمن إسرائيل. فقد كان بن - غوريون يفضّل توجيه ضربات عسكرية شديدة، بينما كان شاريت يريد أن يحد من هذه الهجمات ومن وتيرتها وشدتها.

وفي الحقيقة، ينبغي عدم الإقلال من أهمية الجدل في شأن هذه الضربات، إذ إنها كانت جوهر استراتيجيا إسرائيل في الخمسينات. وهناك فارق آخر أغفله شالوم، وهو يتعلق بمسألة مساحة الأراضي التي قامت دولة إسرائيل عليها. فقد كان كِلا بن - غوريون وشاريت مستعداً لعقد سلام مع الدول العربية على أساس وضع الأراضي القائم وقتئذ والوارد في اتفاقات الهدنة لسنة 1949، وكان هذا فعلاً السياسة الرسمية للحكومة الإسرائيلية. لكن شاريت كان ثابتاً في التزامه اتفاقات الهدنة، بينما لم يكن بن - غوريون كذلك. لقد كان بن - غوريون يفرق بين حدود أرض إسرائيل وحدود دولة إسرائيل، وكان يطمح إلى توسيع حدود دولة إسرائيل حتى حدود أرض إسرائيل. وعلى الرغم من أن بن - غوريون لم يؤيد فكرة خوض حرب لتوسيع حدود إسرائيل، فقد كان هناك دائماً نزعة توسعية في تفكيره. وفي إشارة تكاد تكون مبطنة إلى زميله الأعلى منه مرتبة، في مقابلة جرت في 1 تشرين الأول/أكتوبر 1952، قال شاريت إن السعي وراء فرص لتوسيع حدود إسرائيل لا يدل على سياسة سلمية: "ربما تكون هذه هي السياسة الجيدة والصحيحة، لكنها ليست سياسة سلام." ولعل الفارق الحقيقي بينهما هو أن شاريت كان معارضاً لأي عمل يقلل من فرص السلام، التي كان يعلم أنها ضئيلة في أية حال، بينما شعر بن - غوريون بأن من حق إسرائيل التصرف كما تشاء في ضوء حالة اللاحرب واللاسلم، التي فرضها جيرانها العرب عليها.

إن إحدى مزايا مقاربة زكي شالوم لموضوعه هي أنه، إجمالاً، ترك الزعماء يتحدثون عن أنفسهم. وهو، باستخدامه ثروة هائلة من المعلومات، معظمها يُستخدم أول مرة، يضيء كل جانب من جوانب تفكير بن - غوريون فيما يتعلق بالعرب وعلاقات إسرائيل بهم. وعلى الرغم من تعاطفه في الأساس مع وجهة نظر بن - غوريون، فقد بذل جهداً واعياً كي يكون موضوعياً، وجاءت دراسته على مستوى عال جداً من الدقة العلمية. والناتج هو إضافة مهمة إلى ما كُتب عن واحد من الزعماء البارزين في الصراع العربي - الإسرائيلي.

 

المصدر: Journal of Palestine Studies, Vol. XXV, No. 4 (Summer 1996), pp. 100-101.

السيرة الشخصية: 

آفي شليم: أستاذ التاريخ جامعة أوكسفورد.