لو استثنينا عدداً ضئيلاً من القادة الفلسطينيين البارزين، وفي مقدمهم الأستاذ أحمد الشقيري، أول رئيس لمنظمة التحرير الفلسطينية، فإن الإحساس بالتاريخ يبدو أنه معدوم لدى هؤلاء القادة. إن نفراً قليلاً من هؤلاء عمد إلى إذاعة وثائقه وتدوين تجاربه ونشرها على الملأ. لقد كُتب الكثير جداً عن ياسر عرفات وأبو جهاد وجورج حبش وغيرهم طبعاً، لكن واحداً من هؤلاء لم يبادر إلى كتابة سيرته بنفسه، أو إلى إملائها على من يثق به من الكتّاب أو الصحافيين المحيطين به دوماً. غير أن كتاب "نايف حواتمة يتحدث" يأتي في وقته تماماً. فهو، بلا ريب، كتاب ممتع وجميل ومفيد في الوقت نفسه. وهو يقدم نوعاً من السيرة الذاتية لصاحبه عبر سرد الأحداث التي خضّت المنطقة العربية منذ سنة 1948 فصاعداً، ويعيد تذكيرنا بالكثير من التفصيلات والحوادث والأشخاص الذين كادت السنون تواريهم النسيان. وهو يتحدث، بشغف واندفاع، عن بدايات حركة القوميين العرب ونشأتها وتطورها وانشقاقها والتحاقها بالناصرية. ويكشف، في هذا السياق، أن عدد أعضاء الحركة في الأردن وفلسطين لم يتجاوز الثلاثمئة عضو في أوائل الستينات، وأن عددهم كان بالعشرات في باقي الدول العربية، ولم يزد عدد أعضاء فرع العراق في سنة 1958 على السبعة والعشرين عضواً. ثم ينتقل إلى الحديث عن الناصرية وصعودها، وتأسيس منظمة التحرير الفلسطينية، وبزوغ نجم المقاومة الفلسطينية المسلحة. وفي إطار هذا السرد الذي يتخذ شكل المقابلة الصحافية، أي السؤال ثم الجواب، يتكلم على أمور شتى مثل الشيوعيين العرب واليسار الفلسطيني ويسار حركة القوميين العرب الذي استقل عن الحركة واتخذ لنفسه إطاراً تنظيمياً هو "الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين". ويعرج، بإسهاب، على حوادث أيلول/سبتمبر 1970 في الأردن وحرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، ثم إعلان البرنامج المرحلي لمنظمة التحرير سنة 1974 (برنامج النقاط العشر) صعوداً إلى اندلاع الحرب الأهلية في لبنان وتحولاتها حتى الاجتياح الإسرائيلي في حزيران/يونيو 1982.
يقفل نايف حواتمة حديث الذكريات الموثقة بالحقبة التي عقبت الاجتياح الإسرائيلي، أي حقبة الانتفاضة ثم مفاوضات مدريد العلنية وأوسلو السرية التي انتهت إلى توقيع اتفاق المبادئ في 13/9/1993. ويستخلص، في كل حقبة من الحقب التي عرضها، دروساً واستنتاجات تشكل في مجموعها النهج السياسي الذي ينتهجه نايف حواتمة والجبهة الديمقراطية معاً.