يعتبرالكاتب أن بين إسرائيل والحركة السياسية الفلسطينية تناقض مصالح وجودياً غير قابل للتوفيق، وفي المقابل، فإن اتفاق السلام مع الأردن هو اتفاق بين حليفين طبيعيين، لهما أعداء مشتركون ومصالح مشتركة.
على الرغم من أن المملكة الأردنية خاضت الحروب ضدنا، وشعب إسرائيل قدم الضحايا الكثيرة في الحروب مع الجيش الأردني، فإن الجندي الأردني لم يرتسم [في ذهننا] في أي وقت من الأوقات حيواناً مفترساً، ولا ارتسم الملك حسين في أي وقت من الأوقات حاملاً لواء إبادة إسرائيل، على غرار جده الملك عبد الله.
في المقابل، قامت أيديولوجيا م.ت.ف. على مبدأ تدمير إسرائيل وتصفية الكيان الصهيوني، وارتسم المقاتلون الفلسطينيون حيوانات مفترسة، جرءا عمليات القتل الدموية والإرهابية التي نفذوها ضد أولاد ومواطنين أبرياء عاجزين عن الدفاع عن أنفسهم.
هذا هو الفارق الكبير والجوهري بين م.ت.ف. والمملكة الأردنية الهاشمية، وهذا هو الفارق بين عرفات والملك حسين. فالأردن شارك ضدنا في الحروب كلها، لكن جنوده حافظوا على صورة المقاتل الإنسان، بينما ارتسمت م.ت.ف. وعلى رأسها عرفات، منظمات متوحشة. ولذا، فعلى الرغم من مطرقة الإعلام الحكومي وشبكات الاتصالات عندنا، فإن الجمهور الواسع لم يغير نفوره واشمئزازه من عرفات وعصابته، وعلى قيادة الحكم الذاتي أن تشقى كي تغير الريبة والشكوك في نظرة الجمهور الإسرائيلي إليها.
لكن علاوة على الفارق الجوهري بين مقاتلي م.ت.ف. ومقاتلي الجيش الأردني، والفارق بين عرفات والملك حسين، فإن هناك اختلافاً في نظرة الجمهور الواسع في إسرائيل إلى الاتفاقين. ففي تشرين الأول/أكتوبر 1989 نشرت كتيباً بعنوان "نعم للسلام مع العرب - ولا للسلام مع م.ت.ف.". وفي ذلك الكتيب، الذي وُزع على أعضاء مركز حزب العمل، أوضحت أن الدول العربية، بما هي العدو الأشد والأكثر تهديداً للوجود الإسرائيلي، هي بالذات المرشحة لتكون حليفنا في سلام حقيقي، إذ ليس بيننا وبين هذه الدول تناقض مصالح وجودي. في المقابل، هناك طرفان في العالم العربي يوجد تناقض مصالح وجودي بيننا وبينهما: الحركة الإسلامية الأصولية والحركة السياسية الفلسطينية.
واليوم أيضاً، وبعد اتفاقات أوسلو وواشنطن والقاهرة، لا شك لدي في أنه عندما سيحين الوقت، ستبدأ الأوساط الفلسطينية المتطرفة صراعاً عنيفاً لا مثيل له في ضراوته ضد دولة إسرائيل من أجل تحقيق ثلاثة أهداف رئيسية: تسليم القدس الشرقية إلى سلطة الحكم الذاتي الفلسطيني؛ إخلاء جميع المستوطنات اليهودية في أراضي يهودا والسامرة وقطاع غزة؛ إعادة مليوني فلسطيني إلى نطاق "الخط الأخضر".
وهذا يثبت أن بين إسرائيل والحركة السياسية الفلسطينية تناقض مصالح وجودياً غير قابل للتوفيق.
في المقابل، فإن اتفاق السلام مع الملك حسين والمملكة الأردنية الهاشمية اتفاق سلام بين حليفين طبيعيين، لهما أعداء مشتركون ومصالح مشتركة في الوجود والمستقبل.
ففي منطقة الشرق الأوسط نشا خلال هذا القرن كيانان أخوان هما دولة إسرائيل والمملكة الأردنية الهاشمية. وكان لهذين الكيانين دوماً عدو واحد مشترك قام بجرّ الشرق الأوسط بأسره إلى الحروب من حين إلى آخر، وهو التيار الإسلامي الأصولي. وهذا التيار المتطرف والمتعصب، الذي قاده مفتي القدس في عهد الانتداب البريطاني، جر الجمهور الفلسطيني إلى معارضة كل اقتراح لحل وسط مع الييشوف اليهودي. وكان هذا سبب نشوب الأحداث الدموية في فترتي 1921 - 1924 و1936 - 1939. وكان هذا أيضاً سبب رفض الهيئة العربية العليا الموافقة على مشروع الحل الوسط القاضي بتقسيم فلسطين سنة 1947، وإعلان جمال الحسيني من على منصة الأمم المتحدة أن "العالم العربي سيبدأ حرباً لإبادة اليهود في أرض - إسرائيل [فلسطين] وأن نهايتهم ستكون على غرار نهاية الصليبيين."
ويتحمل التيار الإسلامي المتطرف مسؤولية قتل الملك عبد الله، جد الملك حسين، بحجة أنه وافق على إجراء محادثات سلام مع دولة إسرائيل.
وهذا التيار المتطرف، بقيادة الهيئة العربية العليا وبزعامة الحاج أمين الحسيني، مسؤول أيضاً عن نشوء القضية الفلسطينية ومشكلة اللاجئين.
وقد اضطر الملك حسين أيضاً إلى الدفاع عن نفسه بين حين وآخر في مواجهة التيار الأصولي الإسلامي، الذي شكل خطراً على حياته وعلى مملكته.
إن اتفاق السلام بين إسرائيل والمملكة الأردنية الهاشمية يفتح صفحة جديدة في تاريخ الشرق الأوسط، ويمنح الدولتين مكانة جديدة - اقتصادية وسياسية وأمنية - في أوساط أمم العالم.
فالدولتان، إسرائيل والأردن، في مواجهتهما أصدقاء وأعداء، تقفان الآن طرفين يكمل أحدهما الآخر ويشكلان سوياً عاملاً بالغ الدلالة بالنسبة إلى الأسرة الدولية، وخصوصاً الولايات المتحدة الأميركية. والأردن وإسرائيل منحا نفسيهما عمقاً استراتيجياً بالغ الأهمية بوقوفهما سوياً ضد أعدائهما.
إن اتفاق السلام بين إسرائيل والمملكة الأردنية الهاشمية يمكن الدولتين من وضع خطط ومشاريع طويلة الأمد، بالتعاون مع دول عربية أُخرى تستطيع أن تحول الدولتين إلى عامل مبادر إلى تحولات إيجابية وإلى تغيير وجه الشرق الأوسط.
ولا شك لدي في أننا سنشهد اليوم، كما شهدنا في الماضي، محاولات من جانب التيارات المتطرفة الأصولية في المجتمع الإسلامي لتقويض الاتفاق بين إسرائيل والملك حسين. لكن هذا الاتفاق بالذات يمكّن الأردن وإسرائيل أيضاً من العمل سوياً بتصميم وصلابة ضد هذه الأوساط المتطرفة.
إنني أومن بأن الجمهور الواسع في إسرائيل سيمنح حكومة إسرائيل الدعم الكبير لضمان نجاح الاتفاق بين إسرائيل والمملكة الأردنية الهاشمية، الذي يشكل خطوة ثورية بالغة الأهمية للمنطقة بأسرها.
المصدر: "دافار"، 24/10/1994.