يعتبر الكاتب أنه في يوم توقيع معاهدة السلام بين إسرائيل والأردن، تنازل الملك حسين عن الضفة الغربية، وتنازل الليكود عن الضفة الشرقية. إن اتفاق السلام مع الأردن لا يتضمن تبادل مساحات ضئيلة من الأراضي فحسب، بل أيضاً تبادل أحلام كبيرة. ليس فقط سلام في مقابل سلام، بل أيضاً حلم في مقابل آخر.
لا مفر من الاعتراف بأنه في هذا اليوم، يوم توقيع معاهدة السلام بين إسرائيل والأردن، هناك قدر معين من العدالة المثالية: الملك حسين يتنازل عن الضفة الغربية، والليكود يتنازل عن الضفة الشرقية. والقلب يتمزق حزناً لحالهما. فالحسين خسر الضفة الغربية إلى الأبد جراء الخطأ الفظيع الذي ارتكبه في حياته، عندما انضم إلى مصر وسوريا في الحرب ضد إسرائيل سنة 1967. وأحفاد [الحركة] التصحيحية الصهيونية تنازلوا عن الضفة الشرقية بألم شديد، لكن ببطولة جديرة بالذكر، عندما اتضح لهم أن حلمهم الكبير قد تقلّص وأصبح صغيراً على الواقع الذي يتشكل في المنطقة. ضفتان لنهر اليركون*، قال غاندي** في أثناء المناقشة السياسية في أمن الكنيست، مستفزاً أعضاء الليكود. استفزهم وبقي [وحيداً] مع "موليدت"***، التي حجمها كحجم بركة ماء في يوم مطر عادي.
طبعاً، لا يجب على الملك حسين أن يتسرع في الظهور بمظهر المطمئن؛ فالحلم الجابوتنسكي ربما دُفن ، لكن عدداً من حاخامي حزب المفدال [الحزب الديني القومي] يحاول مواصلة [الطريق] وقيادة فلول هذا الحلم المجنون. وقد بدا لي، في أثناء كتابة هذه السطور، أن فرض الانضباط الكتلوي الصارم على أعضاء حزب المفدال، من شأنه فقط أن يرغم بعض الحالمين المتحمسين على الانصياع [لقرارات الكتلة] والتصويت لمصلحة اتفاق السلام مع الأردن. وإذا افتقد هؤلاء الواقعية السياسية - فإلى أين سنقود خزي الحلم بإسرائيل الكبرى؟
إن اتفاق السلام مع الأردن لا يتضمن تبادل مساحات ضئيلة من الأراضي فحسب، بل أيضاً تبادل أحلام كبيرة. ليس فقط سلام في مقابل سلام، بل أيضاً حلم في مقابل آخر. وفي طبيعة الحال، سيستبدل الليكود شعاره: "ضفتان للسلام. هذه لنا وهذه - حلم". وفعلاً، تم تحييد الضفة الشرقية ليهدأ بال الحسين ويهنأ، لكن الضفة الغربية ما زالت مشرعة على أحلام ورغبات قومية ثلاثية. تماماً كما قال الحسين للصحافية سميدار بيري في المقابلة التي نُشرت أمس في صحيفة "يديعوت أحرونوت": "إن عرفات هو مشكلتنا ومشكلتكم." في هذا القول دلالة ما. ففي طبقات رغباتنا الدفينة كنا سنتنازل، وكان الأردنيون كذلك سيتنازلون بسرور عن الحاجز العرفاتي في الضفة الذي سيفصل بيننا وبينهم. فنحن والأردنيون كنا مستعدين للتوصل إلى حل وسط في المستقبل بشأن "ضفة غربية" إسرائيلية - فلسطينية - أردنية معينة، هلامية تماماً من ناحية كيانها السياسي.
وكان التعبير الأوضح عن ذلك استبعاد م.ت.ف. من الاحتفال في وادي عربة؛ أإذ لم توجَّه إلى عرفات ورجاله دعوة لحضور هذا الاحتفال اليوم، وذلك حفاظاً على الإحساس بالجو الاحتفالي، وربما بهدف عدم إفساد الحلم الوردي لموقّعي معاهدة السلام. وفي ذلك منطق غير سليم، فمن ناحية، ما كان لهذا الاحتفال أن يقوم لو لم يسبقه اتفاقا أوسلو والقاهرة. ومن ناحية أُخرى ليس هناك أصلاً ما يضمن ألاّ يعرف عرفات كيف حقق مكاسب غير قليلة من عدم توجيه دعوة إليه. فهو سيكون حراً في الإحساس بالإهانة، لكن سيكون حراً أيضاً في إبراز تحفظه عن العناق الإسرائيلي - الأردني، ولا سيما في موضوع القدس. وهذا ليس بالأمر القليل في صراعه مع معارضيه على كسب الرأي العام في الشارع الفلسطيني. لكن تنفسنا الصعداء، وبحق، من السلام مع الأردن. يجب ألا تتضمن أسبابه الوهم الخطر بأن هذا السلام يحيّد القضية الفلسطينية. وهذا بالضبط هو السبب غير الصحيح لتأييد معاهدة السلام مع الأردن. فبالعكس، إن هذه المشكلة أصبحت أكثر غلياناً وتذبذباً، كما اعتاد السياسيون القول في هذه الأيام، جراء الحاجة إلى إيجاد حل لها بحكمة، وبتوقيت صحيح [يتلاءم] مع الخطوات المقبلة المتوقعة، استعداداً لاتفاق السلام مع سوريا.
وفي التطرق إلى الاتصالات مع سوريا، هناك أيضاً بعض زلات اللسان من جانبنا (وبالتأكيد من جانب السوريين). فمصطلح "شق الطريق"، المأخوذ من معجم مصطلحات دائرة الأشغال العامة، ليس قمة الدقة. فالشَّق الحقيقي للطريق [الانطلاقة] تم عندما اضطر [الرئيس] الأسد، بفعل الأوضاع العالمية والإقليمية المتغيرة، إلى اتخاذ قرار استراتيجي حاسم بالسير نحو اتفاق سلام. والانطلاقة المقبلة سيتكون فقط عند الانتهاء من المفاوضات، استعداداً لتوقيع معاهدة السلام. وإلى أن يحين ذلك، وبالعودة ثانية إلى معجم دائرة الأشغال العامة، ستكون هناك حاجة إلى إزالة الحجارة، ونسف عدد من الصخور، وسد حفر. وهذا ليس بالأمر القليل والسهل. لكن هذا الأسلوب غير المثير هو معطى يمليه الرئيس الأسد. وهو أحد هذه الحجارة الثقيلة التي ستزال بالضرورة، استعداداً للمراحل الحاسمة في الاتصالات من أجل اتفاق سلام مع دمشق.
علينا أن نعترف: إن اتفاق السلام مع الأردن حدث احتفالي حقيقي، لكونه (وربما بالأساس) أيضاً نموذجاً مأمولاً به [الاتفاق] يقوم على السلام في مقابل السلام، لا يعارضه سوى المصابين بالهذيان، الذين يعانون نوبات حادة من التسكع وهم نيام. وهو اتفاق يداعب الإجماع القومي ويحرره من حالة التأرجح المثيرة للأعصاب بين التوق إلى السلام والقلق من التخلي [عن الأرض]. أما الاتفاق مع سوريا فسيكون أقل احتفالية. فعلى الأقل في فترة ما بعد توقيع المعاهدة مع دمشق، لن يشفي السلام تماماً القلق والجزع الناجمين عن التخلي عن الجولان. أما التسوية النهائية مع منظمة التحرير الفلسطينية في المناطق، فقد تكون مأساوية أكثر.
لكن للاحتفال الذي سيُجرى اليوم في نقطة العبور في وادي عربه قيمة مضافة أيضاً، بعيداً عن الأهمية الخاصة والثنائية بين إسرائيل والأردن. فعندما يمكث وفد برئاسة وزير إسرائيلي في البحرين ويصبح المجال الجوي السعودي مفتوحاً أمام رحلات شركة "العال"، وعشية مؤتمر الدار البيضاء وعلى خلفية إقامة علاقات دبلوماسية تتطور مع تونس والمغرب، وتوقعات لتوثيق العلاقات بدول إسلامية معتدلة في آسيا وإفريقيا - عندها يكون السلام مع الأردن هو التجسيد الأكثر دلالة لمن لا يكتفي بالعنوان المكتوب على الحائط: نهاية عصر الحروب.
المصدر: "دافار"، 26/10/1994.
* إشارة استفزازية من الكاتب إلى نشيد شبيبة حركة حيروت (بيتار): "ضفتان لنهر الأردن ـ الأولى لنا ـ والأُخرى لنا"، الذي تحول إلى شعار لليمين الصهيوني. (المترجم)
** هو رحبعام زئيفي، زعيم حركة موليدت.
*** أي مع كتلة موليدت البرلمانية.